الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيِسُوا مِنْ نُبُوَّتِهِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَسْقَطَةٌ، وَإِنْ تَعَيَّنَ هُوَ لِلْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعًا لِظُلْمِ الظَّالِمِينَ.
قَالَ رحمه الله (وَيَجُوزُ
تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ
الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ وَمِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فِي نَوْبَةِ عَلِيٍّ وَكَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ يَوْمئِذٍ وَقَدْ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ تَقَلَّدَ يَسْأَلُ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالْمَحَاضِرُ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ الصُّكُوكِ وَنَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْقُيَمَاءِ فِي الْأَوْقَافِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ لِأَنَّ الدِّيوَانَ وُضِعَ لِيَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي يَدِهِ لِاحْتِمَالِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَالْأُخْرَى فِي يَدِ الْخَصْمِ وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَوْرَاقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا إلَى الْجَدِيدِ لِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ الْعَمَلُ إلَى غَيْرِهِ، فَلَا مَعْنَى لِتَرْكِهَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ.
وَكَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ أَوْ مِنْ مَالِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ وَضَعُوهَا فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ، وَكَذَا الْقَاضِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ تَدَيُّنًا لَا تَمَوُّلًا فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَيَبْعَثُ عَدْلَيْنِ مِنْ أُمَنَائِهِ أَوْ عَدْلًا وَاحِدًا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ لِيَقْبِضَا دِيوَانَ الْمَعْزُولِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُسَخِ السِّجِلَّاتِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ نَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ تَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ مِنْ نُسَخِ قُيَمَاءِ الْأَوْقَافِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ الصُّكُوكِ يَجْمَعَانِهِ فِي خَرِيطَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النُّسَخَ كَانَتْ تَحْتَ تَصَرُّفِ الْمَعْزُولِ، فَلَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى نُسْخَةٍ مِنْهَا فَأَمَّا الْجَدِيدُ فَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يُجْمَعْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا فِي خَرِيطَةٍ وَبِالْجَمْعِ يَسْهُلُ وَإِنَّمَا يَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ حُجَّةً لِيَنْكَشِفَ عَنْهُمَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمَا فَإِذَا قَبَضَا ذَلِكَ خَتَمَا عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّغْيِيرِ قَالَ رحمه الله (وَنَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ) أَيْ الْقَاضِي الْجَدِيدُ يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ (فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَلْزَمَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَشَهَادَةُ الْفَرْضِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى أَنَّهُ حُبِسَ ظُلْمًا لَا يُعَجَّلُ بِتَخْلِيَتِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا نَادَى عَلَيْهِ) أَيْ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يُقِرَّ هُوَ نَادَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ حَبَسَهُ بِحَقٍّ ظَاهِرٍ، فَلَا يُعَجَّلُ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ حَالُهُ وَيُنَادَى عَلَيْهِ إذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ أَيَّامًا وَيَقُولُ الْمُنَادِي مَنْ كَانَ يُطَالِبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَإِنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي رَأْيِ الْقَاضِي أَنْ يُطْلِقَهُ، فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ فِيهَا وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا وَأَطْلَقَهُ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَبَيْنَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلٌ إذَا أَرَادُوا الْقِسْمَةَ عِنْدَهُ أَنَّ الْوَرَثَةَ ظَهَرَ حَقُّهُمْ فِي الْمَالِ، فَلَا يُؤَخَّرُ إلَى التَّكْفِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْهُومٌ، فَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُهُ إلَّا بِحَقٍّ ظَاهِرٍ وَاحْتِمَالُ حَبْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَوْهُومٌ، فَلَا يُعَارِضُ الظَّاهِرَ وَهَذَا لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ قَالَ رحمه الله (وَعَمِلَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ إقْرَارُ مَنْ فِي يَدِهِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيُقْبَلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ تقلد الْقَضَاء مِنْ السُّلْطَان]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ وَالْجَائِرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَ قَاضِي الْخَوَارِجِ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدْلِ فَقَضَى، ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضِي الْعَدْلِ أَمْضَاهُ وَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَكَانُوا خَارِجِينَ عَلَى إمَامِ الْحَقِّ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ فَسَخَ قَضَاءَهُ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ شُرَيْحٍ تَوَلَّوْا لَهُمْ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُ قَضَائِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ عَادِلًا فِي نَفْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ فِسْقُ مَنْ وَلَّاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ بِيَدِ عَلِيٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ فِي نَوْبَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِنَوْبَتِهِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الرَّوَافِضِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي نَوْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115] وَهَذَا لِأَنَّ خِلَافَتَهُمْ انْعَقَدَ عَلَيْهَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ يَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي رَأْيِ الْقَاضِي أَنْ يُطْلِقَهُ) مِنْ كَلَامِ الْمُنَادِي. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يُطْلِقَهُ) أَيْ يُنَادِي كَذَلِكَ أَيَّامًا. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا) أَيْ بِنَفْسِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ غَائِبٌ يَحْضُرُ وَيَدَّعِي عَلَيْهِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ قَالَ لَا كَفِيلَ لِي أَوَّلًا أُعْطِيَ كَفِيلًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى شَيْءٍ نَادَى عَلَيْهِ شَهْرًا، ثُمَّ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا طَلَبَهُ الْقَاضِي بِهِ احْتِيَاطًا فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ بِنَوْعٍ آخَرَ فَيُنَادِي عَلَيْهِ شَهْرًا، فَإِذَا مَضَى الْمُدَّةُ أَطْلَقَهُ اهـ.
قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْمَعْزُولَ الْتَحَقَ بِالرَّعَايَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الَّذِي فِي يَدِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ مُودِعُ الْقَاضِي وَيَدُ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلِّمُ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ يُنْكِرَ التَّسْلِيمَ فَحُكْمُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْقَاضِي، وَالرَّابِعُ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولَ لَا أَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ قَالَ رحمه الله (وَيَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ) وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]، وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ دُخُولِهِ وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ لَا لِلْخُصُومَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمِ» «وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ فِي مُعْتَكَفِهِ» وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسَاجِدِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالصَّلَوَاتِ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِاشْتِبَاهِ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ فِي حَقِّ الْقَاضِي فَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ فِي بَدَنِ الْمُشْرِكِ نَجَاسَةٌ تُلَوِّثُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِهِ وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ فَيَخْرُجُ لَهَا الْقَاضِي كَمَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ عَلَى الدَّابَّةِ فَالْجَامِعُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ وَأَسْهَلُ عَلَى النَّاسِ إذَا كَانَ وَسَطَ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرَفِ يَخْتَارُ مَسْجِدًا آخَرَ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ قَالَ رحمه الله (أَوْ فِي دَارِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عِبَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ فَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَنْزِلِهِ أَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ وَإِلَّا فَلْيَقْعُدْ فِي وَسَطِ الْبَلْدَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَلَيْسَ فِيهِ حَاجِبٌ وَلَا بَوَّابٌ أَفْضَلَ، وَلَوْ حَكَمَ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ جَازَ، وَلَا يَحْكُمُ وَهُوَ مَاشٍ لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا يَجْتَمِعُ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْمَشْيِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْعُدَ فِي الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الرَّأْيِ لِزِيَادَةِ رَاحَةٍ فِيهِ، وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ مُسْتَوِي الْجُلُوسِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ فَاسْتَوَى وَارْتَدَى وَتَعَمَّمَ، ثُمَّ أَفْتَى تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْفُتْيَا، وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ التُّهْمَةَ، وَإِنْ جَلَسَ وَحْدَهُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُقْعِدَ مَعَهُ أَهْلَ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَزِلَّ عَنْ الْحَقِّ فَيُنَبِّهُونَهُ عَلَيْهِ وَيُجْلِسَهُمْ قَرِيبًا مِنْهُ لِلْمَشُورَةِ، وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَانِ حَيْثُ يَكُونُونَ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لِأَجْلِ الْهَيْبَةِ وَهُوَ أَهْيَبُ قَالَ رحمه الله (وَيَرُدُّ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ قَرِيبِهِ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ) لِأَنَّ الْأُولَى صِلَةُ الرَّحِمِ وَرَدُّهَا قَطِيعَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبِ هُوَ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَالثَّانِيَةُ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ جَرْيٌ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِمَا الرِّشْوَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا خُصُومَةٌ أَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ مِنْ الْغُلُولِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الرِّشْوَةَ فَيَتَجَنَّبُ عَنْهَا وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ قَالَ رحمه الله (وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ) أَيْ لَا يَحْضُرُ دَعْوَةً خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِأَجْلِهِ وَالْخَاصَّةُ هِيَ الَّتِي لَا يَتَّخِذُهَا صَاحِبُهَا لَوْلَا حُضُورُ الْقَاضِي وَقِيلَ كُلُّ دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ فَهِيَ خَاصَّةٌ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْخَاصَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْقَرِيبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا جَرَتْ لَهُ عَادَةٌ بِهَا أَوْ لَمْ تَجْرِ وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْمُضِيفِ قَرَابَةٌ يُجِيبُهُ فِي الدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ؛ لِأَنَّ إجَابَةَ دَعَوْتِهِ صِلَةُ الرَّحِمِ.
قَالَ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله يُجِيبُ وَإِنَّمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَتَّخِذْ الدَّعْوَةَ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَ رحمه الله (وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْأَمِينُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي) أَيْ وَيُسَلِّمُ لِلْمُقِرِّ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ) أَيْ وَهُوَ كَوْنُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمَعْزُولُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجُلُوسَ لِلْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ أَفْضَلُ أَيْ كَوْنُهُ فِي أَشْهَرِ الْأَمَاكِنِ أَفْضَلَ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ أَنَّ وَأَنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ قَوْلِهِ فَحَاصِلُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدَعْوَةٌ خَاصَّةٌ) الدَّعْوَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ الضِّيَافَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَتَيْمُ الرَّبَابِ تَكْسِرُ دَالَهَا وَذَكَرَهَا قُطْرُبٌ بِالضَّمِّ وَغَلَّطُوهُ اهـ تَحْرِيرٌ.