الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ صَحَّ السَّلَمُ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالضَّبْطُ يَكُونُ بِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَقَدْ شَرَطَهُ عليه السلام قَالَ رحمه الله (وَمَا لَا فَلَا) أَيْ مَا لَا يُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَبْطُهُ بِهِ يَكُونُ مَجْهُولًا جَهَالَةً تَقْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَجُوزُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ رحمه الله: (فَيَصِحُّ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمُثَمَّنِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُثَمَّنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ وَلَيْسَا بِمُثَمَّنٍ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلُ الْمَبِيعِ وَلَوْ جَازَ فِيهِ لَانْعَكَسَ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ سَلَمًا يَكُونُ بَاطِلًا عِنْدَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَقَالَ الْأَعْمَشُ: يَكُونُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي وَقَوْلُ عِيسَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَصْحِيحِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ؛ لِأَنَّهُمَا يُوجِبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا غَيْرَ الْأَثْمَانِ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ الْأَثْمَانَ فِيهِمَا كَالدَّرَاهِمِ فِي الدَّنَانِيرِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْقَدْرَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالْمِيزَانِ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِيَصِيرَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لَا لِنَفْيِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَيْنُ الْوَاجِبِ حُكْمًا فِي بَابِ السَّلَمِ فَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا رِبَا بَيْنَهُمَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُؤَدَّى عَيْنٌ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ حُكْمًا فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا كَيْلًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَ فِي الْمَوْزُونِ كَيْلًا.
قَالَ رحمه الله (: وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ)؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَأَشْبَهَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ وَلِهَذَا تَسْتَوِي قِيمَتُهُمَا فَصَارَا بِذَلِكَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ؛ لِأَنَّ آحَادَهُمَا مُتَفَاوِتَةٌ وَلِهَذَا تَخْتَلِفُ فِي الْقِيمَةِ وَبِهَا يُعْرَفُ التَّفَاوُتُ وَالتَّسَاوِي وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فِي الْمَالِيَّةِ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَيْلًا أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يَصِحُّ كَيْلًا؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ لَيْسَ بِمَكِيلٍ فَلَا يَصِحُّ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَدَدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فِي التَّسْلِيمِ وَالتَّسْلِيمُ بِسَبَبِ التَّفَاوُتِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَصَارَ كَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ يُعْرَفُ بِالْكَيْلِ تَارَةً وَبِالْعَدِّ أُخْرَى فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ بِهِمَا قَالَ رحمه الله (وَالْفَلْسُ)؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَقِيلَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ مَا دَامَ يَرُوجُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَبِيعٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَإِذَا كَسَدَ صَارَ قِطْعَةَ نُحَاسٍ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِهِ فَيَصِحُّ كَسَائِرِ الْمَعْدُودَاتِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ اصْطِلَاحَ النَّاسِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ هُنَّاك بَيْنَ الْفُلُوسِ وَالنَّقْدَيْنِ قَالَ رحمه الله (: وَاللَّبِنُ وَالْآجُرُّ إنْ سُمِّيَ مُلَبَّنٌ مَعْلُومٌ)؛ لِأَنَّ آحَادَهُمَا لَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْآلَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِيُعْلَمَ أَنَّ مِنْ حَقِّ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا اهـ أَتْقَانِيٌّ.
[مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز]
(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمُثَمَّنِ) الْمُثَمَّنُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ وَالْمَوْزُونُ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِيهِمَا لَا يَصِحُّ سَلَمًا) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا وَالنُّقُودُ أَثْمَانٌ فَلَا تَكُونُ مُسْلَمًا فِيهَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ إلَخْ) وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ اخْتَارَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي أَدَخَلُ فِي الْفِقْهِ وَعِلَلِهِ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مَحَلٍّ أَوْجَبَا) أَيْ أَوْجَبَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْعَقْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجُوزُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَعَامُلِ النَّاسِ. اهـ. قَاضِي خَانْ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَمَّا السَّلَمُ فِي الْبَاذِنْجَانِ عَدَدًا لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ وَذَكَرَ الشَّمْسُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَأَلْحَقَهُ بِالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ هَذَا لَفْظُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ) أَيْ فَلَا تَرَى جَوْزَةً بِفَلْسٍ وَجَوْزَةً بِفَلْسَيْنِ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ فَإِنَّك تَرَى بِطِّيخَةً بِدِرْهَمٍ وَأُخْرَى بِفَلْسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ وَتَفْسِيرُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْن يُوسُفَ مَا اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ فِي الْقِيمَةِ وَاتَّفَقَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَذَلِكَ كَالدُّرِّ وَالْجَوَاهِرِ وَاللَّآلِئِ وَالْأُدُمِ وَالْجُلُودِ وَالْخَشَبِ وَالرُّءُوس وَالْأَكَارِعِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَنَحْوِهَا إلَّا إذَا بَيَّنَ مِنْ جِنْسِ الْجُلُودِ وَالْأُدُمِ وَالْخَشَبِ وَالْجُذُوعِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَطُولًا مَعْلُومًا وَغِلَظًا مَعْلُومًا وَأَتَى بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ وَالْتَحَقَ بِالْمُتَقَارِبِ يَجُوزُ اهـ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ إلَّا فِي الثِّيَابِ خَاصَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي بَيْضِ النَّعَامِ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَمَّا الذَّرِعِي فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْبُسُطِ وَالْبَوَارِي وَنَحْوِهَا إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالصِّفَةَ وَالنَّوْعَ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ
إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعَ وَالصِّفَةَ وَالصَّنْعَةَ)
؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِهِ.
قَالَ رحمه الله (لَا فِي الْحَيَوَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ وَالسِّنَّ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا» وَلِأَنَّ بَعْدَ بَيَانِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْجَهَالَةُ تَقِلُّ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» وَلِأَنَّهُ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَتَتَفَاوَتُ قِيمَتُهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالْكِيَاسَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْخَلْقِ وَالسِّيرَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالشِّدَّةِ قَالَ قَائِلُهُمْ
أَلَا رُبَّ فَرْدٍ يَعْدِلُ الْأَلْفَ زَائِدًا
…
وَأَلْفٍ تَرَاهُمْ لَا يُسَاوَوْنَ وَاحِدًا
وَكَذَا سَائِرُ الْحَيَوَانِ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْخَلِفَاتِ وَالْجَوَاهِرِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ وَالتَّفَاوُتُ الْيَسِيرُ بَعْدَهُ لَا يَضُرُّ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ عليه السلام اسْتَعْجَلَ فِي الصَّدَقَةِ، ثُمَّ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِهَا فَرَدَّهَا رُبَاعِيًّا أَوْ اسْتَقْرَضَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حَقٌّ مَجْهُولٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَجِبُ لَهُ حَقٌّ مَجْهُولٌ.
وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذْ لَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ حَتَّى الْعَصَافِيرِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ قَالَ رحمه الله (وَأَطْرَافُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ كَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ وَعَدَمِ الضَّابِطِ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَمَا فِي اللَّحْمِ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ هُوَ اللَّحْمُ دُونَ الْعَظْمِ وَالْعَظْمُ فِي الرُّءُوسِ وَفِي الْأَكَارِعِ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْمِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لِلَّحْمِ فَبَقِيَ مُعْتَبَرًا وَلَا يُدْرَى قَدْرُهُ فَيَصِيرُ قَدْرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ اللَّحْمُ مَجْهُولًا وَأَمَّا الْعَظْمُ الَّذِي فِي اللَّحْمِ فَقَلِيلٌ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلَّحْمِ لِقِلَّتِهِ كَمَا فِي عَظْمِ الْأَلْيَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ رحمه الله (وَالْجُلُودُ عَدَدًا) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَكَذَا فِي الْوَرَقِ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فِيهِمَا ضَرْبًا مَعْلُومًا وَطُولًا وَعَرْضًا وَصِفَةً مَعْلُومَةً مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِإِمْكَانِ ضَبْطِهِمَا وَكَذَا إذَا كَانَا يُبَاعَانِ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْوَزْنِ.
قَالَ رحمه الله (: وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا)؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ طُولُهُ وَغِلَظُهُ حَتَّى لَوْ عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَضُبِطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ.
قَالَ رحمه الله (وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ)؛ لِأَنَّ آحَادَهَا مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّتِي تُبَاعُ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُسْتَهْلِكُهَا الْمِثْلَ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ مَصْنُوعُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ يَصْنَعُ بِآلَةٍ فَإِذَا اتَّحَدَ الصَّانِعُ وَالْآلَةُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ تَفَاوُتٍ وَقَدْ يُتَحَمَّلُ قَلِيلُ التَّفَاوُتِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَلَا يُحْتَمَلُ فِي الِاسْتِهْلَاكَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ كَانَ مُتَحَمَّلًا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا يَسِيرًا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إنْ بَيَّنَ الذِّرَاعِ) أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ اهـ (قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ) أَيْ بِأَنَّهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى مُلْحَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّنْعَةُ) أَيْ بِأَنَّهُ عَمَلُ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ أَوْ نَحْوِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ثَوْبَ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْوَزْنِ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ إذَا كَانَ يَبْقَى التَّفَاوُتُ بَعْدَ ذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَالْحَرِيرُ كُلَّمَا خَفَّ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ عَيَّنَ الذُّرْعَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَزْنَ هَلْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَرِيرِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سَائِرِ الثِّيَابِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوَزْنُ مَعَ الذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَلَا كَذَلِكَ الْكِرْبَاسُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا فِي الْحَيَوَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ السَّلَمَ بَاطِلٌ فِي الْحَيَوَانِ عِنْدَنَا اهـ وَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ: يَجُوزُ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ) أَيْ وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِيهِ يَحْدُثُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ بِلَا آلَةٍ وَلَا مِثَالَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اشْتَرَى بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قُلْت: قَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ نَسِيئَةً فَعُلِمَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمَّا وَرَدَ أَصْلَانِ مُتَعَارِضَانِ وَفَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا: إنَّ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَمَا لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَالتَّزْوِيجِ أَوْ الْخُلْعِ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ أَمَةٍ وَسَطٍ قِيَاسًا عَلَى إبِلِ الدِّيَةِ وَغُرَّةِ الْجَنِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَطَبُ حُزَمًا وَالرُّطْبَةُ جُرَزًا إلَخْ) وَنُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ شَرْحِ الشَّافِي فَقَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْقَتِّ وَزْنًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ إلَخْ) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ
مِمَّا يُبَاعُ بِالْوَزْنِ فَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَالْمُنْقَطِعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالُوا: وَمَا تَزْهُو؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَقَالَ: إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَفِي لَفْظٍ «حَتَّى تَبْيَضَّ وَتَأْمَنَ مِنْ الْعَاهَةِ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ فِي الْحَالِ إذْ الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الثِّمَارِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَائِزٌ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ بَيْعَ مَالٍ مُعَيَّنٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَالِ وَقَوْلُهُ عليه السلام «فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَهُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ.
وَفِي كُلِّ وَقْتٍ بَعْدَ الْعَقْدِ يُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ بِمَوْتِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ وُجُودِهِ لِتَدُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ عَنْ كُلِّ خَطَرٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ فِي بَابِ السَّلَمِ كَالْوَاقِعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِيهَا لِيَتَمَكَّن مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَعْدَ الْمَحِلِّ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّي الْمُسْلَمَ فِيهِ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَسْتَرِدُّ رَأْسَ مَالِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا: إنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ لَا إلَى خُلْفٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ شَيْئًا وَكَسَدَتْ حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ أَصْلًا وَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَلَوْ رَجَا لَا يُعْلَمُ مَتَى تَرُوجُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَانًا مَعْلُومًا فَيَتَخَيَّرُ.
قَالَ رحمه الله (وَالسَّمَكُ الطَّرِيُّ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي الشِّتَاءِ لِانْجِمَادِ الْمِيَاهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ السَّمَكُ أَوْ أَسْلَمَ فِيهِ فِي حِينِهِ جَازَ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تَنْقَطِعُ كَالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَزْعِ عَظْمِهَا وَاخْتِلَافِ رَغَبَاتِهِمْ فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ وَزْنًا لَوْ مَالِحًا) أَيْ إنْ كَانَ السَّمَكُ مَالِحًا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْمَالِحَ مِنْهُ وَهُوَ الْقَدِيدُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ بِالْوَزْنِ وَبَيَانِ نَوْعِهِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الصِّغَارِ مِنْهُ يَجُوزُ وَزْنًا وَكَيْلًا وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ.
قَالَ رحمه الله: (وَاللَّحْمُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ إنْ بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَسِنَّهُ وَمَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَهُ كَشَاةٍ خَصِيٍّ ثَنِيٍّ سَمِينٍ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْفَخِذِ مِائَةِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَيَصِحُّ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَعْدُودٍ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوَاهِرُ وَاللَّآلِئُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّك تَرَى بَيْنَ لُؤْلُؤَتَيْنِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الْمَالِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ فِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) وَالْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرُ قَوْلِك حَلَّ الدَّيْنُ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسَّمَكُ إلَخْ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ عَدَدًا طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَالِحًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ وَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَمْلُوحًا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ طَرِيًّا إنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي حِينِهِ وَالْأَجَلُ فِي حِينِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَقَالَا: يَجُوزُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ: لَحْمُ شَاةٍ وَالسِّنَّ بِأَنْ قَالَ: ثَنِيٌّ وَالنَّوْعَ بِأَنْ قَالَ: ذَكَرٌ وَالصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: سَمِينٌ وَالْمَوْضِعَ بِأَنْ قَالَ: مِنْ الْجَنْبِ وَالْقَدْرَ بِأَنْ قَالَ: عَشْرَةُ أَمْنَاءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ) يَعْنِي أَنَّ غَاصِبَ اللَّحْمِ إذَا أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ وَزْنًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ) أَيْ لِقِلَّةِ لَحْمِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ) أَيْ تَضَمُّنِ اللَّحْمِ شَيْئًا غَيْرُ مَقْصُودٍ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ شَيْءٍ يَرِدُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتِهِ فَتَثْبُتُ الْجَهَالَةُ وَهِيَ تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ: وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ لِقِلَّةِ الْكَلَإِ وَكَثْرَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَيُفْضِي إلَى الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ: وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْهُ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَهُوَ الْعَظْمُ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَتَضَمُّنِ التَّمْرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْخَوْخِ النَّوَى وَكَتَضَمُّنِ الْأَلْيَةِ الْعَظْمَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَتِهِ مِنْ سِمَنٍ وَهُزَالٍ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ فَمَا يُعَدُّ سَمِينًا فِي الشِّتَاءِ يُعَدُّ مَهْزُولًا فِي الصَّيْفِ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَتَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ فَالْمُشْتَرِي يَأْمُرُهُ بِالنَّزْعِ وَالْبَائِعُ يَدُسُّهُ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْمُنَازَعَةِ لَا تَرْتَفِعُ بِبَيَانِ الْمَوْضِعِ وَذِكْرِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالسَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ النَّوَى فِي الثِّمَارِ أَوْ الْعَظْمِ فِي الْأَلْيَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ وَلِهَذَا لَا تَجْرِي فِيهِ الْمُمَاكَسَةُ وَفِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ إحْدَاهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي رِوَايَةِ بُيُوعِ الْجَامِعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَلَئِنْ سُلِّمَ فِيهِمَا فَهُوَ مُعَايَنٌ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَالِاسْتِقْرَاضِ فَيُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ وَهُمَا لَا يُجَوِّزَانِهِ فِيهِ وَجَوَابُهُمَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْهُ مَعْلُومًا وَهُوَ يُجَوِّزُهُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ.
قَالَ رحمه الله (وَمِكْيَالٌ أَوْ ذِرَاعٌ لَمْ يَدْرِ قَدْرَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَضِيعَ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًّا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ يَجِبُ فِي الْحَالِ فَلَا يُتَوَهَّمُ فَوْتُهُ وَفِي السَّلَمِ يَتَأَخَّرُ التَّسْلِيمُ فَيُخَافُ فَوْتُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ لِلتَّعَامُلِ فِيهِ كَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ فَالتَّقْدِيرُ بِهِ لِبَيَانِ الْقَدْرِ لَا لِتَعَيُّنِهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُنْكَبِسِ وَغَيْرِ الْمُنْكَبِسِ أَوْ التَّجْوِيزُ فِي قِرَبِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ حَيْثُ يَجُوزُ بِإِنَاءٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ أَنْ لَا يَنْكَبِسَ وَلَا يَنْبَسِطَ وَيُقَيَّدُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ قِرَبِ الْمَاءِ أَيْضًا.
قَالَ رحمه الله (وَبُرُّ قَرْيَةٍ وَتَمْرُ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَرِيهِمَا آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ عليه السلام بِقَوْلِهِ «إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ نَظِيرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا إذَا نَسَبَهُ إلَى إقْلِيمٍ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ كَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ.
قَالَ رحمه الله (وَشَرْطُهُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْأَجَلِ) كَقَوْلِهِ حِنْطَةٌ سَقِيَّةٌ جَيِّدَةٌ عَشْرَةُ أَكْرَارٍ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْأَجَلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا إنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنَ الْمِثْلَ قُلْنَا: ذَاكَ مَمْنُوعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بَلْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ أَلَا تَرَى مَا قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبَيْعِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ لَحْمًا فَشَوَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَكَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ وَلَا تُوجَدُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَعْنِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: تَضْمِينُ اللَّحْمِ بِالْمِثْلِ قَوْلُهُمَا، ثُمَّ قَالَ وَرَأَيْت وَسَطَ غَصْبِ الْمُنْتَقَى رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اسْتَهْلَكَ لَحْمًا قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَنَمْنَعُ الِاسْتِقْرَاضَ وَزْنًا فَنَقُولُ ذَلِكَ مَذْهَبُهُمَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ اخْتِيَارِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ اللَّحْمَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إذَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَنَقُولُ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ الْمِثْلُ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي مِثْلِ الشَّيْءِ صُورَةٌ وَمَعْنًى فَيَكُونُ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً وَلَيْسَ اسْتِقْرَاضُ اللَّحْمِ كَالسَّلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَا يُعْلَمُ اللَّحْمُ عَلَى أَيِّ حَالٍ يَكُونُ مِنْ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ حَالٌّ مُعَايَنٌ فَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ حَالًا حَيْثُ يَجُوزُ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْت مِنْك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِمِلْءِ هَذَا الْإِنَاءِ بِدِرْهَمٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ يَسَعُ الْإِنَاءَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لَيْسَ بِمُجَازَفَةٍ وَلَا مُكَايَلَةٍ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى إحْدَاهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِعَيْنِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي نُسَخِ الْمَتْنِ مُعَيَّنَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ لِبَيَانِ النَّوْعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا كالخشرماني بِبُخَارَى والبساخي بِفَرْغَانَةَ اهـ قَوْلُهُ لِبَيَانِ الصِّفَةِ يَعْنِي لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا أَيْ عَلَى مَا قَالَ الْمَشَايِخُ. كالخشرماني بِبُخَارَى وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ مُسَمًّى بِذَلِكَ ثَمَّةَ والبساخي بِفَرْغَانَةَ وَهُوَ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ النِّسْبَةَ فِي الثَّوْبِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ كَمَا إذَا قَالَ زَنْدَنِيجِيٌّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الزَّنْدَنِيجِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ سَوَاءٌ نُسِجَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى لَوْ كَانَ ذَكَرَ النِّسْبَةَ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكَانِ كالخشرماني بِبُخَارَى فَإِنَّهُ يُذْكَرُ لِبَيَانِ الْجَوْدَةِ فَلَا يَفْسُدُ السَّلَمُ وَإِنْ تَوَهَّمَ انْقِطَاعَ حِنْطَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.
الْأَجَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ حَالًّا كَالْمُعَيَّنِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَجَلُ جَائِزًا تَرْفِيهًا لَا شَرْطًا كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَانَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ ظَاهِرًا وَذَلِكَ يَكْفِي لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ كَانَ قَادِرًا بِمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ بِهِ وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَوَّلًا قَبْلَ قَبْضِهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ غَيْرَ مَالِكٍ لِشَيْءٍ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْجِيلُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَشَرَطَ فِيهِ إعْلَامَ الْأَجَلِ كَمَا شَرَطَ إعْلَامَ الْقَدْرِ فَكَانَ لَازِمًا كَالْقَدْرِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ كَالصَّلَاةِ شُرِعَتْ بِوُضُوءٍ فَلَا تُوجَدُ بِدُونِهِ وَالرَّهْنُ شُرِعَ مَقْبُوضًا فَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلْيَدْخُلْ غَاضَّ الْبَصَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَمَنْ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَمَا رَوَاهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَخَّصُ هُوَ الْمُؤَجَّلُ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَمَا بِهِ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ وَهُوَ الْأَجَلُ الَّذِي فِيهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ يَكُونُ شَرْطًا ضَرُورَةً وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ هُوَ تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعَ تَعْيِينِهِ كَالْآبِقِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَرَامٌ وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ رُخْصَةً لِأَجْلِ الْمَفَالِيسِ لِمَا رَوَيْنَا وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةُ لِعُذْرٍ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ.
وَالْعُذْرُ هُنَا هُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ لِعُسْرَتِهِ وَالْعَجْزُ بِسَبَبِ الْعَدَمِ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالتَّمْلِيكِ وَالْإِمْهَالِ إلَى زَمَانِ التَّحْصِيلِ أَوْ الْحَصَادِ فَأَسْقَطَ التَّعْيِينَ لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ وَعَوَّضَ الْأَجَلَ لِتَقُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ مَقَامَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهَا مَعْقُودٌ بِهِ لَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالثَّمَنِ حَتَّى جَازَ اسْتِبْدَالُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّعْيِينِ فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ حَتَّى يُقَامَ الْأَجَلُ مَقَامَ التَّعْيِينِ وَلَا يَدْخُلُهُ رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِعَارِضٍ لِلْعُذْرِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهِ الْمَوْلَى ظَاهِرًا وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ إذْ لَوْ أَرَادَ التَّضْيِيقَ عَلَيْهِ لَمَا كَاتَبَهُ أَصْلًا إذْ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ لَهُ وَأَمَّا السَّلَمُ فَعَقْدُ تِجَارَةٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ عَقِبَ الْعَقْدِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَيُؤَخَّرُ بِالتَّأْجِيلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضَانِ فِيهِ يَجِبُ تَسْلِيمُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ التَّحْصِيلِ بِالْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ وَهَذَا يُنَافِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ لِأَجْلِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَمَا كَانَ شَرْعِيَّتُهُ إلَّا نَفْعًا لَهُمْ فَانْقَلَبَ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمَفَالِيسِ لَمَا جَازَ لِغَيْرِ الْمُفْلِسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الشَّيْءُ فِي السَّلَمِ لَا يُبَاعُ عَادَةً إلَّا بِأَقَلَّ وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا الْمُحْتَاجُ.
فَدَلَّنَا إقْدَامُهُ عَلَى هَذَا الْبَيْعِ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ فَأُقِيمَ ذَلِكَ مَقَامَ الْحَاجَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا مَقَامَ الْخُرُوجِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِمَا وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَالَ رحمه الله (وَأَقَلُّهُ شَهْرٌ) أَيْ أَقَلُّ الْأَجَلِ شَهْرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدِينَ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ فَإِذَا كَانَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ كَانَ الشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ فِي حُكْمِ الْآجِلِ وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمُؤَجَّلُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ بَيْنَهُمَا عَادَةً أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي التَّأْجِيلِ فِي مِثْلِهِ فَإِنْ أَحَلَّ فِيهِ قَدْرَ مَا يُؤَجِّلُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَبِهِ يُفْتَى.
قَالَ رحمه الله (وَقَدْرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ الْأَجَلُ جَائِزًا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا: أَسْلَمْتُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَدِلُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ حَدِيثٍ وَهَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا الْوَجْهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ حِكَايَةُ حَالٍ) وَالْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَخَّصَ فِي السَّلَمِ فَنَقُولُ ذَاكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ وَالضَّرُورَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَلَكِنْ لَا ضَرُورَةَ فِي سَلَمِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَادِرًا انْتَفَتْ الضَّرُورَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا انْتَفَى الْغَرَضُ وَالْمَقْصُودُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ ثَمَّةَ بِالثَّلَاثِ بَيَانُ أَقْصَى الْمُدَّةِ فَأَمَّا أَدْنَاهُ فَغَيْرُ مُقَدَّرٍ. اهـ. فَتْحٌ وَغَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسَلَّمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: الصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ مُحَقَّقٌ فِيهِ وَكَذَا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ كُلُّ هَذَا تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيْ تَقْدِيرُ الْأَجَلِ بِشَهْرٍ اهـ.