الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ النَّقْدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَصْحِبُ دَرَاهِمَ الْآمِرِ فِي كُلِّ مَكَان وَيُنْفِقُ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَشْتَرِيهِ لَهُ وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ مُتَبَرِّعًا تَحْقِيقًا لِغَرَضِ الْآمِرِ وَنَفْيًا لِلْحَرَجِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَقِيلَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ فَفِي الْقِيَاسِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَفِي دَفْعِ مَالٍ آخَرَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ تَحْصِيلُ الْبَرَاءَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَالَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُفِيدًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِوُجُودِ الطَّالِبِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَعَهُ مَالُ الْمُوَكِّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ بَدَلَهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَكَانَ هَذَا تَوْكِيلًا بِالْمُبَادَلَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُبَادَلَةِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ)
اعْلَمْ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَزْلَ الْوَكِيلِ عَنْ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهَا إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسٍ مِنْ الطَّالِبِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَلَّى سَبِيلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ حَقِّهِ مَتَى شَاءَ فَلَوْ جَازَ عَزْلُهُ لَتَضَرَّرَ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ اخْتِفَاءِ الْمَطْلُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ فَصَارَ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ حَاضِرًا أَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مِنْ غَيْرِ الْتِمَاسِ الطَّالِبِ أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إذْ هُوَ لَمْ يَطْلُبْ وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ الْعَزْلُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَيُبَاشِرَ الْخُصُومَةَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْخُصُومَةَ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِالْتِمَاسِهَا ثُمَّ غَابَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ عَزْلُهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ)، وَإِذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ اهـ غَايَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً عَنِّي فَدَفَعَ الْوَكِيلُ غَيْرَهَا وَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَلْفَ الَّتِي احْتَبَسَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيَكُونَ مُتَطَوِّعًا فِيمَا دَفَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّفْعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَقَدْ بَطَلَتْ جِهَةُ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَأْمُورٌ بِشِرَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ بِالدَّرَاهِمِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ سُلِّمَ الْمَقْبُوضُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَحْتَاجُ إلَى النَّقْدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ) فَكَانَ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا فِيمَا فَعَلَ كَالْوَصِيِّ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ إمَّا لِنَفْسِهِ أَوْ الْوَارِثِ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ مَعْنَى الشِّرَاءِ فَوَرَدَ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ) أَمَّا الْإِنْفَاقُ شِرَاءٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ وَجْهَا الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بَلْ صَحَّ ذَلِكَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا حَتَّى رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا أَنْفَقَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. غَايَةٌ
[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]
(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) أَخَّرَ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ لِمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي سَبْقَ ثُبُوتِهَا فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ) أَيْ بِلَا رِضَا الْخَصْمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الْغَيْرِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ مَتَى شَاءَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ اسْتِنَابَةٌ، فَإِذَا عَزَلَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَيَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ قَدْ أَخَذَهُ حَتَّى جَعَلَ لَهُ وَكِيلًا فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ تَغِيبَ فَوَكِّلْ وَكِيلًا إنْ غِبْت أُخَاصِمُهُ فَيُقْضَى لِي عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الطَّالِبِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا إلَّا بِعِلْمِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ رحمه الله وَقَالَ الْإِمَام مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ مَتَى شَاءَ وَيَكُونَ بِعَزْلِهِ إيَّاهُ خَارِجًا عَنْ وَكَالَتِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ.
فَأَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِوَكَالَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ عَدْلٍ وَجَعَلَ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ ثُمَّ عَزَلَ الرَّاهِنُ الْمُسَلَّطَ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُ الْمُدَّعِي وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ مَعَ الْمُدَّعِي بِالْتِمَاسِ الْمُدَّعَى ثُمَّ عَزَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُدَّعِي فَلَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ حَقُّ الْغَيْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ بِأَنْ وَكَّلَ الطَّالِبُ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ عَزْلُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَطْلُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي فَصْلِ الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَاتِ مَا نَصُّهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى
لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ الْوَكَالَةُ لَهُ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَكَّلْتُك فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِأَنْ يَقُولَ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنْفَذِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ ذَلِكَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ بِجَعْلِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ عَزْلَهُ وَتَوْكِيلَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا دَائِمًا لَا إلَى نِهَايَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ وَكَالَةٌ تَنْفَعُ وَلَا عَزْلٌ يَمْنَعُ وَلَيْسَ فِي الثَّانِي مَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ الْمُعَلَّقَةَ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَةَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْوَكَالَةِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ عَزْلُ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ إذَا أَرَادَ عَزْلَهُ وَأَرَادَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْمُنَجَّزَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ
قَالَ رحمه الله (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ يُسْقِطُ حَقَّ نَفْسِهِ وَجَوَازَ الْوَكَالَةِ لِحَقِّهِ، وَالْمَرْءُ يَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّ نَفْسِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَكَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ مِثْلُ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَلَنَا أَنَّ الْعَزْلَ خِطَابٌ مُلْزِمٌ مَقْصُودٌ وَحُكْمُ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ كَخِطَابِ الشَّرْعِ حَتَّى إذَا بُدِّلَ بِالنَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّسْخِ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ وَلِأَنَّ فِي انْعِزَالِهِ إضْرَارًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ بِذَلِكَ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ فِيهِ حُكْمِيٌّ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْمَحِلِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ وَالرَّسُولُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى إذَا أَرْسَلَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَزَلَهُ قَبْلَ التَّبْلِيغِ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ وَنَاقِلٌ لَهَا فَيَكُونُ عَزْلُهُ رُجُوعًا عَنْ الْإِيجَابِ وَلَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَوْجَبَهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ يَعْقِدُ بِعِبَارَةٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحُقُوقُ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا كَمَا فِي النِّكَاحِ وَأَمْثَالِهِ وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ عِبَارَةَ الْمُرْسِلِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّوْكِيلُ فِيهِ إيجَابًا، وَإِنَّمَا الْإِيجَابُ مِنْ الْوَكِيلِ فَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْعِبَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصِيلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ وَالرَّسُولُ لَيْسَ بِأَصِيلٍ فِي شَيْءٍ مَا فَافْتَرَقَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُبَلِّغِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا نُعِيدُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ فَقَالَ لَمْ أُوَكِّلْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَزْلًا
قَالَ رحمه الله (وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا وَلُحُوقُهُ مُرْتَدًّا) يَعْنِي تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ لِقِيَامِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مَا يُشْتَرَطُ لِلِابْتِدَاءِ وَشُرِطَ فِي الْجُنُونِ أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا أَيْ مُسْتَوْعِبًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ السَّمَاءَ أَيْ اسْتَوْعَبَهَا؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ كَالْمَوْتِ وَقَلِيلَهُ كَالْإِغْمَاءِ وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فِي الرَّجُلِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ قَالَ نُصَيْرٌ تَجُوزُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا لِاخْتِلَافِ تَفْسِيرِ هَذَا الشَّرْطِ فَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا تَكُونَ لَازِمَةً وَيَرِدُ عَلَيْهَا الْعَزْلُ وَنُصَيْرٌ فَهِمَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ مَتَى أَخْرَجَهُ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ وَكِيلُهُ وَكَالَةً مُسْتَقْبَلَةً وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ كَانَ جَائِزًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ إنَّمَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ أَمَّا فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَإِنَّا نُبْطِلُهُ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الْبُطْلَانِ ثُمَّ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ إذَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ قَوْلِي مَتَى أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ ثُمَّ يَقُولُ أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْعَزْلِ إذَا عَلِمَ بِهِ الْوَكِيلُ) قَالَ فِي الْمَتْنِ فِي آخِرِ مَسَائِلَ شَتَّى قُبَيْلَ كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ) أَيْ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً فَتَنْصَرِفُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِ مِنْ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَمِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا عَقَدَ أَوْ سَلَّمَ يَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ، فَإِنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ) يَعْنِي الْعَزْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَالْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي الْوَكَالَةِ فِي الْجِنْسِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْعَزْلِ وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ فَقَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ الْمُوَكِّلُ رُدَّ عَلَيَّ الْوَكَالَةَ وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ قَالَ رَدَدْت الْوَكَالَةَ وَعَلِمَ الْمُوَكِّلُ يَنْعَزِلُ. اهـ. قُلْت وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُوَكِّلُ، فَإِذَا عَلِمَ انْعَزَلَ وَهُوَ حِينَئِذٍ نَظِيرُ مَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْوَكَالَةِ حَتَّى يَبْلُغَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ اهـ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي رَدِّ الْوَكَالَةِ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا وَجُنُونُهُ مُطْبِقًا) بِسُكُونِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ دَائِمٌ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْأَطِبَّاءِ الْحُمَّى الدَّمَوِيَّةَ اللَّازِمَةَ بِالْمُطْبِقَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ قَالَ النَّوَوِيِّ رحمه الله فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الَّذِي أَطْبَقَ جُنُونُهُ وَدَامَ مُتَّصِلًا وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ الْحُمَّى الْمُطْبَقَةُ بِفَتْحِ الْبَاء وَهِيَ الدَّائِمَةُ اهـ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله حَوْلٌ كَامِلٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ حَتَّى الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ حَوْلًا مَعَ اخْتِلَافِ فُصُولِهِ آيَةُ اسْتِحْكَامِهِ أَمَّا مَا دُونَ الْحَوْلِ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْتِ، وَالْمُرَادُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِلِحَاقِهِ؛ لِأَنَّ لِحَاقَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَتْ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا ثُمَّ جُنَّ الزَّوْجُ لَا يَبْطُلُ أَمْرُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهَا التَّصَرُّفَ فَصَارَ كَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالنِّكَاحِ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّكَاحِ بِنَفْسِهِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِهِ أَيْضًا ثُمَّ لَا تَعُودُ بِالْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَلَا تَبْطُلُ وَكَالَةُ الْمَرْأَةِ بِارْتِدَادِهَا مَا لَمْ تَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهَا وَكَذَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا بَعْدَ ارْتِدَادِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ مَالِكَةً لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهَا، وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا إلَّا إذَا وَكَّلَتْهُ بِالتَّزْوِيجِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا فَكَذَا لَا يُزَوِّجُهَا وَكِيلُهَا، وَلَوْ وَكَّلَتْ وَكِيلًا فِي حَالِ رِدَّتِهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ صَحَّ كَالْمُعْتَدَّةِ إذَا وَكَّلَتْ وَكِيلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَتْهُ قَبْلَ ارْتِدَادِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَأَسْلَمَتْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّ ارْتِدَادَهَا إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَصَارَ مَعْزُولًا مِنْ جِهَتِهَا وَلَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَإِنْ عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا بَعْدَ اللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ.
وَلِهَذَا لَا يَعُودُ مِلْكُهُ فِي مُدَبَّرِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَيُعْتَقْنَ بِهِ كَمَا يُعْتَقْنَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّصَرُّفِ يَمْلِكُهُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ بِالْمِلْكِ وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ فَلَا مِلْكَ وَلَا أَهْلِيَّةَ لَهُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِهِ وَالْعَجْزُ بِعَارِضِ اللِّحَاقِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالتَّوْكِيلُ إطْلَاقٌ، فَإِذَا زَالَ الْعَجْزُ وَالْإِطْلَاقُ بَاقٍ عَادَ وَكِيلًا لِبَقَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْقَصْدُ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ الصَّالِحَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ لَحِقَ الْمُوَكِّلَ وَحَقُّهُ بَاقٍ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ زَمَانًا ثُمَّ أَفَاقَ، وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَادَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا كَانَ، وَقَدْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً لَا تَبْطُلُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ) أَيْ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا اهـ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ أَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ كَالْعَدْلِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَالْأَمْرِ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِالْتِمَاسِ الْخَصْمِ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ، وَالْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ يَنْعَزِلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَنْعَزِلُ قِيَاسًا وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ وَكِيلًا فِي خُصُومَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ صَحَّ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ لَهُ إبْطَالُهُ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُ الْمُوَكِّلِ زَمَانًا دَائِمًا فَقَدْ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ النِّيَابَةِ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ أَهْلِيَّةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَقَدْ بَطَلَتْ وَهَذَا فِي شَيْءٍ يَقْبَلُ الْعَزْلَ فَأَمَّا فِي شَيْءٍ لَا يُمْكِنُهُ عَزْلُهُ فَلَا يَبْطُلُ مِثْلُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّجْدِيدِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْجَائِزِ لِأَنَّهُ يَتَلَاشَى فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَاعْتُبِرَ بَقَاؤُهُ أَهْلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَطَلَبَ خَصْمَهُ ثُمَّ جُنَّ الْمُوَكِّلُ أَوْ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَالرَّاهِنُ إذَا سَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ جُنَّ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرِدَّتُهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا لِأَنَّ عِلَّةَ الْقَتْلِ الْحِرَابُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا بِنْيَةٌ صَالِحَةٌ لِلْحِرَابِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَعُودُ وَكِيلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ثُمَّ قَدَّرَ مُدَّةَ اللِّحَاقِ بِأَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ قَالَ إنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّا بَقَّيْنَاهَا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَوْدِ قَدْ بَطَلَ بِالْحَوْلِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا فَصَارَ كَالْجُنُونِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ لَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا اسْتَوْعَبَ السَّنَةَ تَبْطُلُ إلَى هُنَا لَفْظُهُ رحمه الله فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِاللِّحَاقِ لَحِقَ بِالْأَمْوَاتِ إلَخْ) وَالْوَكَالَةُ لَا تَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَبَطَلَ وَالْبَاطِلُ لَا يَعُودُ بِخِلَافِ أَمْلَاكِهِ، فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ أَنْ تَعُودَ وَلِأَنَّ اللِّحَاقَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْوَكَالَةَ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا أَبْطَلَهَا كَالْجُنُونِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَدَمَ نَفَاذِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ انْعَزَلَ بَلْ لِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَتَنَاوَلْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ ثَوْبِي بِبَغْدَادَ فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِذَا عَادَ جَازَ بَيْعُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْعَائِدُ مُسْلِمًا هُوَ الْمُوَكِّلُ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ) بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. اهـ. غَايَةٌ
تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَعَلَّقَتْ بِمِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ وَلِحَاقِهِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى الْبَتَاتِ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْوَكِيلِ، فَإِنَّ مِلْكَ الْمُوَكِّلِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ، وَإِنَّمَا انْقَطَعَ تَصَرُّفُهُ لِعَجْزِهِ، وَقَدْ زَالَ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ كَمَا كَانَتْ
قَالَ رحمه الله (وَافْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ ثُمَّ هَذَا الْكَلَامُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْعَزِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَنْعَزِلُ بِالِافْتِرَاقِ عَنْ هَذِهِ الْوَكَالَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ فَتَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَرَّحًا بِهَا وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ بِدُونِ عِلْمِ صَاحِبِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ فَكَيْفُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَزِلَ بِدُونِ عِلْمِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا هَلَكَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَبْطُلُ بِهِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا عَلِمَا بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ مُصَرَّحًا بِهَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَالثَّانِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ جَازَ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ هَذَا الْوَكِيلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ
قَالَ رحمه الله (وَعَجَزَ مُوَكِّلُهُ لَوْ مُكَاتَبًا وَحَجَرَهُ لَوْ مَأْذُونًا) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَحَجْرِ الْعَبْدِ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَائِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي لَا تَلْزَمُ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ قِيَامُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَيَسْتَوِي فِيهِ عِلْمُ الْوَكِيلِ وَجَهْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ حُكْمِيٌّ كَمَا إذَا تَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي وَكَّلَ فِيهِ هَذَا إذَا كَانَ وَكِيلًا فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَاتِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِحَجْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ أَوْ الْحَجْرَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ إنْشَاءِ التَّصَرُّفِ فَيَخْرُجُ وَكِيلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَلَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَاقْتِضَائِهِ فَكَذَا لَا يُوجِبُ عَزْلَ وَكِيلِهِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كُوتِبَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَذِنَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَمْ تُعَدَّ الْوَكَالَةُ الَّتِي بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ التَّصَرُّفَ عِنْدَ التَّوْكِيلِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يُعَدَّ بِالْكِتَابَةِ الثَّانِيَةِ وَالْإِذْنِ الثَّانِي، وَلَوْ عَزَلَ الْمَوْلَى وَكِيلَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَجْرٌ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَامًّا فَكَانَ بَاطِلًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْإِذْنِ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ فِعْلُهُ الْحُكْمِيُّ فِيهِ
قَالَ رحمه الله (وَتَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ وَالْمُرَادُ بِتَصَرُّفِهِ مَا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ الِامْتِثَالِ بِهِ مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْجِزْهُ عَنْ الِامْتِثَالِ فَالْوَكَالَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَهَذَا أَصْلُهُ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا هُوَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِطَلَبِ الْوَكَالَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ الِامْتِثَالِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتَحَقُّقِ عَجْزِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْإِيقَاعِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَذَا الْوَكِيلُ، وَإِنَّمَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِيقَاعِ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِلْوَكِيلِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ الزَّوْجُ فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الْإِيقَاعِ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُلَعِ ثُمَّ خَلَعَهَا الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَا يَصِحُّ فَتَعَذَّرَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ خَالَعَهَا الزَّوْجُ حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُ الْوَكِيلِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ الزَّوْجِ يَقَعُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الْإِيقَاعِ كَانَ وَكِيلُهُ أَيْضًا قَادِرًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ إلَخْ) كَمَا قَالُوا فِيمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ، فَإِذَا رُدَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ عَادَتْ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ عَادَ فَعَادَ حُقُوقُهُ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ) يَعْنِي أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُفَاوَضَةِ (قَوْلُهُ: فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِبَقَاءِ الْمَحِلِّ) بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ) وَلَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ الْوَكِيلُ جَازَ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لَيْسَ بِمَعْهُودٍ وَغَيْرُ الْمَعْهُودِ خَارِجٌ عَنْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ