الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ، أَوْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ، أَوْ بَايَعَك، أَوْ قَتَلَك فَأَنَا كَفِيلٌ لَك عَنْهُ، أَوْ قَالَ مَنْ غَصَبْته أَنْتَ أَوْ قَتَلْته فَأَنَا كَفِيلٌ لَهُ عَنْك لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ عَنْهُ يَسِيرَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، فَالتَّعْيِينُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا) يَعْنِي لَا يَصِحُّ
تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ
وَنَحْوِهِ كَنُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنْ عُلِّقَ بِهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُلَائِمٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُلَائِمٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُهَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فِيهَا مُتَحَمَّلَةٌ كَالتَّأْجِيلِ إلَى الْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَلَا يَجُوزُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ، أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنْ أَجَّلَهُ إلَيْهِ بَطَلَ الْأَجَلُ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ حَالًّا.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ لَزِمَهُ) يَعْنِي إذَا تَكَفَّلَ رَجُلٌ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ فَأَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الطَّالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا صُدِّقَ الْكَفِيلُ فِيمَا أَقَرَّ بِحَلِفِهِ وَلَا يَنْفُذُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْكَفِيلِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَادَّعَى الطَّالِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ قَوْلُهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَوْ لَا أُعْطِيك فَالْمَالُ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ إنْ تَقَاضَيْت فَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَمَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ التَّقَاضِي بَطَلَ عَنْ الضَّمَانِ وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ فَبَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا بَايَعَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا بَايَعَهُ بَعْدَهُ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْأَجْنَاسِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَصْلِ رَجُلٌ قَالَ لِلْمُودِعِ إنْ أَتْلَفَ الْمُودَعُ وَدِيعَتَك أَوْ جَحَدَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك صَحَّ وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلَك أَوْ ابْنَك فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ صَحَّ بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ مُلَائِمًا كَأَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفُولٍ عَنْهُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ، وَكَذَا إذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجَلًا يَعْنِي مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ كَأَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ أَوْ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهُمَا بِهِمَا نَحْوُ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَقَدْ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ أَصْلًا وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ الْحَصَادَ وَالدِّيَاسَ أَوْ الْمِهْرَجَانَ أَوْ الْعَطَاءَ أَوْ صَوْمَ النَّصَارَى جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَالتَّأْجِيلُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمِ لَا يَصِحُّ مَعَ الْكَفَالَةِ أَصْلًا وَمَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ الْقَوْمُ مَا بَايَعْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ فَهُوَ عَلَيَّ لَزِمَهُ دَيْنُ مَنْ خَاطَبَهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَيْنُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مَعْلُومُونَ وَغَيْرَهُمْ مَجْهُولُونَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قُبَيْلَ فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ مَنْ بَايَعَك بِشَيْءٍ فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ مَنْ بَايَعَك مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ إلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مَعْدُودِينَ فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ جَازَ اهـ. .
[تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ]
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ) اعْلَمْ أَنَّ نُسَخَ الْمَتْنِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَفِي نُسْخَةٍ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الزَّيْلَعِيِّ رحمه الله كَمَا شَاهَدْته فِي خَطِّهِ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَكُونُ مَا نَسَبَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ السَّهْوِ لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي مَنْسُوبًا لِعِبَارَةِ الْكَنْزِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَإِنْ جُعِلَ أَجَلًا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا وَلَا سَهْوَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلَّقَ بِهِ تَصِحُّ) كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ إنْ نَزَلَ الْمَطَرُ فَأَنَا كَفِيلٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي) صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَلَّدَ صَاحِبَ الْمَبْسُوطِ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ التَّعْلِيقَ وَأَرَادَ بِهِ التَّأْجِيلَ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِّ اهـ.
دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ) كَمَا إذَا قَالَ كَفَلْت بِكَذَا إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ أَوْ تَهُبَّ الرِّيحُ اهـ.
(قَوْلُهُ لَزِمَ الْكَفِيلَ) لِأَنَّهُ أَيْ الْكَفِيلَ ضَمِنَ بِمَا عَلَيْهِ وَقَدْ ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفٌ وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا فَصَارَ كَأَنَّهُ ضَمِنَ بِالْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ مَجْهُولٌ لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِيمَا كَانَ هُوَ خَصْمًا فِيهِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ الْكَفِيلُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَكْثَرَ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَلَى الْكَفِيلِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْكَفِيلِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قَسِيمِ
فَأَقَرَّ فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْكَفِيلُ مَا أَقَرَّ بِهِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ تَكَفَّلَ بِمَا تَقَرَّرَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِمَا سَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ تَكَفَّلَ بِمَا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَخْبَرَ الطَّالِبُ، أَوْ الْمَطْلُوبُ بِمَا عَلَيْهِ كَانَ مُتَّهَمًا، فَلَا يُصَدَّقُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَيُصَدَّقُ الْمَطْلُوبُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ يُرَدُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا أَدَّى عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ مَعْنَاهُ إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَ وَكَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ غَيْرَ صَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَغَيْرَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ جَيِّدًا فَأَدَّى رَدِيئًا، أَوْ بِالْعَكْسِ وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الطَّالِبِ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ بِأَنْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ حَالِ حَيَاتِهِ وَهِيَ جَائِزَةٌ لِلْكَفِيلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَجُوزُ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَيْهِ بِمُقْتَضَى الْهِبَةِ ضَرُورَةً وَلَهُ نَقْلُهُ بِالْحَوَالَةِ أَوْ يُجْعَلُ كَدَيْنَيْنِ لِلضَّرُورَةِ، أَوْ نَقُولُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ.
، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَامِحَ الْأَصِيلَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إنْ أَدَّى أَرْدَأَ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَدَّى أَجْوَدَ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْأَدَاءِ بِأَمْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ لَا يَمْلِكُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى مَا لَمْ يُخَالِفْ أَمْرَهُ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِأَدَاءِ جِنْسٍ آخَرَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِقَدْرِ مَا أَدَّى؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْأَقَلِّ إبْرَاءٌ فَيَكُونُ إبْرَاءً عَنْهُ لَا تَمْلِيكًا إلَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ كُلَّهُ بَعْضَهُ بِالْأَدَاءِ وَبَعْضَهُ بِالْهِبَةِ وَأَمَّا إذَا تَكَفَّلَ بِأَمْرِ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكَفَالَةِ اسْتِقْرَاضٌ مِنْهُ مِنْ الْمَأْمُورِ وَاسْتِقْرَاضُهُمَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْكَفِيلَ الْمَالُ بِالْتِزَامِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ تَعْتَمِدُ الْتِزَامَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَا أَمْرَ الْآمِرِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَالنَّفْسِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا أَنْ يَتَكَفَّلَا عَنْ أَحَدٍ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِمَا الْكَفِيلُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ)؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ عَنْهُ وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ رحمه الله قَالَ رحمه الله (وَلَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْمَطْلُوبِ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ مَا ثَبَتَ أَوْ مَا قُضِيَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَا لَزِمَ الْكَفِيلَ إلَّا قَوْلَهُ مَا قُضِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا ذَابَ أَيْ حَصَلَ وَقَدْ حَصَلَ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ قَالَ مَالَك أَوْ مَا أَقَرَّ لَك بِهِ أَمْسِ فَقَالَ الْمَطْلُوبُ أَقْرَرْت لَهُ بِأَلْفٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ لِأَنَّهُ قَبِلَ مَالًا وَاجِبًا عَلَيْهِ لَا مَالًا وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِّ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ وَاجِبٌ، فَإِنْ قَالَ مَا أَقَرَّ فَأَقَرَّ فِي الْحَالِّ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مَا كَانَ أَقَرَّ لَك وَلَوْ أَبَى الْمَطْلُوبُ الْيَمِينَ فَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ بَذْلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا)، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا بَايَعْته فَعَلَيَّ فَقَالَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بَايَعَنِي وَجَحَدَ الْكَفِيلُ يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِذَلِكَ اسْتِحْسَانًا بِدُونِ بَيِّنَةٍ اهـ.
خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ إلَخْ) رَجُلٌ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفَالَةَ فَأَدَّى الْكَفِيلُ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ اهـ.
قَاضِي خَانْ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَوَالَةِ مُعَلَّلُهُ اهـ.
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ رُجُوعَ الْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا وُجِدَ الْأَمْرُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ وَيَمْلِكُ التَّبَرُّعَ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَكِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى إنَّ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ فَكَفَلَ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الْأَصِيلَ مُسْتَقْرِضٌ عَنْ الْكَفِيلِ مَعْنًى وَاسْتِقْرَاضُ الصَّبِيِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ بِخِلَافِ اسْتِقْرَاضِ الْبَالِغِ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ أَمْرَهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ مَوْلَاهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِأَمْرٍ كَانَتْ بِمَعْنَى الْقَرْضِ كَأَنَّهُ قَالَ أَقْرِضْنِي كَذَا وَادْفَعْهُ إلَى فُلَانٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ هَذَا اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِالْعَكْسِ يَرْجِعُ بِالْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ ثُمَّ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ صِحَاحٌ جِيَادٌ فَأَدَّى زُيُوفًا وَتَجَوَّزَ بِهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْجِيَادِ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى عَنْهَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ الْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى لَا بِمَا عَلَى الْغَرِيمِ وَبِخِلَافِ الصُّلْحِ إذَا صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْبَعْضِ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ وَهَبَهُ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ لِلْكَفِيلِ الْمَالَ الْمَكْفُولَ بِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِالْمَكْفُولِ بِهِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى اهـ أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَلَوْ وَهَبَ أَيْ الطَّالِبُ اهـ قَوْله لَهُ أَيْ الْكَفِيلِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَفَعَلَ) كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَرْجِعُ حِينَئِذٍ بِأَلْفٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ) أَيْ لِأَنَّ الْكَفِيلَ كَالْمُقْرِضِ مَعْنًى وَالْمُقْرِضُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مَا لَمْ يُقْرِضْ فَكَذَا الْكَفِيلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.
وَإِنَّمَا يَتَمَلَّكُ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ حَيْثُ يَرْجِعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مِنْ الْمُوَكِّلِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحُقُوقِ لِمَا أَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَكَانَ لِلْوَكِيلِ وِلَايَةُ حَبْسِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ كَمَا كَانَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ؛ إذْ هُوَ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ كَمَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ) أَيْ إنْ لُوزِمَ الْكَفِيلُ مِنْ جِهَةِ الطَّالِبِ لَازَمَ هُوَ الْأَصِيلَ حَتَّى يُخَلِّصَهُ، وَكَذَا إذَا حُبِسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ وَلَحِقَهُ مَا لَحِقَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُعَامِلُهُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ تَخْلِيصُهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
قَالَ رحمه الله (وَبَرِئَ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) أَيْ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَبْقَى الْمُطَالَبَةُ بِدُونِ الدَّيْنِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ أَوْ أَخَّرَ عَنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ، أَوْ أَجَّلَ دَيْنَهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَتَأَجَّلَ الدَّيْنُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْمُطَالَبَةُ، وَهِيَ تَبَعٌ لِلدَّيْنِ فَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ وَتَتَأَخَّرُ بِتَأَخُّرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ ابْتِدَاءً حَيْثُ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَحْدَهُ دُونَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِيهِ صَارَتْ عِبَارَةً عَنْ الْحَوَالَةِ مَجَازًا، وَاللَّفْظُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ سَقَطَتْ الْحَقِيقَةُ فَصَارَ الْكَفِيلُ مُحَالًا عَلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الْمُحِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَتَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْمُحِيلُ عَنْ الدَّيْنِ فِيهَا فِي رِوَايَةٍ، وَالْأَحْكَامُ تَشْهَدُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَوَى يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَ الْمُحِيلُ كَانَ الْمُحْتَالُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِ الْمُحْتَالِ بِهِ كَأَنَّهُ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الدَّيْنَ فِيهَا لَمْ يَسْقُطْ بِالِاتِّفَاقِ.
وَإِنَّمَا تَحَوَّلَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ إمَّا الدَّيْنُ أَوْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَلَا سُقُوطَ تَبَعِهِ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا أَصْلًا قَالَ رحمه الله (وَلَا يَنْعَكِسُ) أَيْ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ، أَوْ تَأْخِيرُهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ وَلَا تَأَخُّرَهُ أَلَا تَرَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَفِيلَ بِالْأَمْرِ إذَا طُولِبَ طَالَبَ الْأَصِيلَ وَإِذَا حُبِسَ حَبَسَهُ وَإِذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ دَيْنٌ مِثْلُهُ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ مُلَازَمَةُ الْأَصِيلِ وَلَا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ إذَا حُبِسَ وَلَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى، وَلَكِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ دَيْنُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ مَنْ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرٍ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ الرُّجُوعُ وَالْمُطَالَبَةُ وَالْحَبْسُ لِلْأَصِيلِ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُتَبَرِّعٌ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَرِئَ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ هُنَا مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِذَا أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْمَطْلُوبَ عَنْ الدَّيْنِ وَقَبِلَ ذَلِكَ بَرِئَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ جَمِيعًا لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَبَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ قَبُولُهُ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ وَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَدَيْنُ الطَّالِبِ عَلَى حَالِهِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَعُودُ إلَى الْكَفِيلِ أَمْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَعُودُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى وَفِي الْكَفِيلِ حُكْمُ إبْرَائِهِ وَالْهِبَةِ يَخْتَلِفُ فِي الْإِبْرَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْأَصِيلِ يَتَّفِقُ حُكْمُ إبْرَائِهِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَبِلَ وَرَثَتُهُ صَحَّ وَلَوْ رَدَّ وَرَثَتُهُ ارْتَدَّ وَبَطَلَ الْإِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ إبْرَاءٌ لِلْوَرَثَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ وَقَدْ سَقَطَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَصِيلِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْكَفِيلِ أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ فَرْعُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ، فَلَا يَبْقَى هَذَا اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَنْعَكِسُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ الدَّيْنَ عَنْ الْكَفِيلِ إلَى مُدَّةٍ فَقَبِلَ الْكَفِيلُ هَذَا التَّأْخِيرَ مَعَهُ صَحَّ التَّأْخِيرُ عَنْ الْكَفِيلِ خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ رَدَّ الْكَفِيلُ التَّأْخِيرَ ارْتَدَّ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِلْكَفِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ وَلَوْ أَخَّرَ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ تَأَخَّرَ عَنْهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ ضَمَانَ الْكَفِيلِ تَبَعٌ لِضَمَانِ الْأَصِيلِ وَضَمَانُ الْأَصِيلِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِضَمَانِ الْكَفِيلِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثَبَتَ عَلَى الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ حَالًّا وَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ مُؤَجَّلًا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَتَأَخَّرَ الدَّيْنُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْأَجَلَ أُلْحِقَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الطَّالِبُ وَقْتَ الْكَفَالَةِ الْأَجَلَ لِأَجْلِ الْكَفِيلِ خَاصَّةً، فَلَا يَتَأَخَّرُ الدَّيْنُ حِينَئِذٍ عَنْ الْأَصِيلِ وَلَوْ أَنَّ الْكَفِيلَ أَحَالَ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْمَكْفُولُ لَهُ وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ فَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ حَصَلَتْ بِأَصْلِ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الدَّيْنِ كَانَ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَلِذَلِكَ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْحَوَالَةُ بَرَاءَتَهُمَا جَمِيعًا وَلَوْ اشْتَرَطَ الطَّالِبُ وَقْتَ الْحَوَالَةِ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ خَاصَّةً بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِمَالٍ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ اهـ.
أَنَّ لِلدَّيْنِ وُجُودًا بِدُونِهِ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا حَيْثُ يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْكَفِيلِ حَالَ وُجُودِ الْكَفَالَةِ فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا رَبَّ الْمَالِ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ بَرِئَا) أَيْ صَالَحَ الْأَصِيلُ، أَوْ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ، وَالْأَصِيلُ أَمَّا إذَا صَالَحَ الْأَصِيلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّلْحِ بَرِئَ هُوَ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ فَلِأَنَّ إضَافَةَ الصُّلْحِ إلَى الْأَلْفِ إضَافَةً إلَى مَا عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَبْرَأُ الْأَصِيلُ عَنْ الدَّيْنِ ضَرُورَةَ إضَافَةِ الصُّلْحِ إلَى الْأَلْفِ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا بَرِئَا عَنْ خَمْسِمِائَةٍ بِصُلْحِ أَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ، فَإِنْ أَدَّى الْكَفِيلُ الْخَمْسَمِائَةِ الْبَاقِيَةَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِهَا إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ لِمَا عُرِفَ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ فِي الصُّلْحِ بَرَاءَتَهُمَا فَيَبْرَآنِ جَمِيعًا، أَوْ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَكَذَا الْحُكْمُ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، أَوْ شُرِطَ، أَوْ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ لَا غَيْرُ فَيَبْرَأُ هُوَ وَحْدَهُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَالْأَلْفُ عَلَى حَالِهِ عَلَى الْأَصِيلِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الَّتِي يَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْتَ إلَيَّ، أَوْ نَقَدْتنِي، أَوْ قَبَضْته مِنْك فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ الطَّالِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَفِيلِ قَالَ رحمه الله (وَفِي بَرِئْت، أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت، أَوْ أَبْرَأْتُك لَا يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَرِئْت مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إلَيَّ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ بِإِبْرَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَرِئَ بِالْأَدَاءِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا الْبَرَاءَةَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ الْبَرَاءَةَ إلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَبْرَأَ إلَّا بِالْأَدَاءِ بِأَنْ يَضَعَ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ فَيَبْرَأُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الطَّالِبِ صُنْعٌ.
وَلِهَذَا لَوْ كَتَبَ وَقَالَ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ إجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ رحمه الله بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّكَّ لَا يُكْتَبُ عَادَةً إلَّا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْإِبْرَاءِ لَا يُكْتَبُ وَقَوْلُهُ أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَيْفَ نَسَبَ الْفِعْلَ إلَى نَفْسِهِ، وَالْكَفِيلُ لَا يَمْلِكُ الدَّيْنَ بِالْإِبْرَاءِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى، أَوْ، وَهَبَهُ الطَّالِبُ عَلَى مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَفَّلَ إلَخْ) نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي اهـ (قَوْلُهُ: مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ مُؤَجَّلًا بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَطَلَبَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَأْجِيلًا فِي حَقِّهِمَا اسْتِحْسَانًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلٌ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ وُجِدَ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ خَاصَّةً فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ كَمَا لَوْ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَجَلَ إلَى نَفْسِ الدَّيْنِ فَتَكُونُ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مُؤَجَّلَةً وَلَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلَةً ابْتِدَاءً إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ التَّأْجِيلِ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ فَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ حَالًّا ثُمَّ أَجَّلَهُ بَعْدَ الْكَفَالَةِ لَا يَتَأَجَّلُ عَنْ الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّأْجِيلَ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ لَا إلَى الدَّيْنِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَانْصَرَفَ الْأَجَلُ إلَى الدَّيْنِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ قَرْضًا وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ اهـ.
تِبْيَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ الْكَفَالَةُ بِالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ جَائِزَةٌ وَهُوَ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ وَمِثْلُهُ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَشَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ تَأْجِيلِهِ عَلَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ فِرِشْتَا ذَكَرَهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الرِّبَا اهـ. .
(قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ إلَخْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ مَثَلًا لِلطَّالِبِ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيَّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنِّي وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ بَرِيئَانِ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ بَرِئَا جَمِيعًا وَالطَّالِبُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَالْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْ الْأَصِيلِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ رَجَعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ) أَيْ وَالطَّالِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ الْأَصِيلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِأَمْرِهِ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) أَيْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَفْظَ إلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَالْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ هُوَ الْمُنْتَهَى فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مُبْتَدَأٌ وَلَيْسَ إلَّا الْكَفِيلُ الْمُخَاطَبُ فَأَفَادَ التَّرْكِيبُ بَرَاءَةً مِنْ الْمَالِ مُبْتَدَؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَمُنْتَهَاهَا صَاحِبُ الدَّيْنِ وَهَذَا مَعْنَى الْإِقْرَارِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ كَأَنَّهُ قَالَ دَفَعْت إلَيَّ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَالْحَوَالَةُ كَالْكَفَالَةِ فِي هَذَا اهـ.
كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَفِي بَرِئْت أَوْ أَبْرَأْتُك لَا) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله ثَلَاثَ مَسَائِلَ اثْنَتَانِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا وَهُمَا قَوْلُهُ بَرِئْت إلَيَّ أَوْ أَبْرَأْتُك اهـ.
(قَوْلُهُ: أَبْرَأْتُك ابْتِدَاءً إسْقَاطٌ لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ) حَتَّى كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَصِيلَ بِهِ اهـ.
كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ اهـ.
غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ وَالْبَرَاءَةُ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِسْقَاطِ اهـ. .