الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخِدْمَةِ عَبْدٍ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا وَلَا بِالْخِدْمَةِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُنَا لَا يَقْدِرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَمْلَ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَالْكَفِيلُ لَوْ أَعْطَى دَابَّةً مِنْ عِنْدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فَصَارَ عَاجِزًا ضَرُورَةً، وَكَذَا الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْحَمْلُ، وَالْكَفِيلُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبِيعِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِلَا قَبُولُ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله تَصِحُّ، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ سَوَاءٌ وَقِيلَ: عِنْدَهُ يَشْتَرِطُ الْقَبُولَ لَكِنَّهُ لَا يَشْتَرِطَ فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ إذَا بَلَغَهُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَأَجَازَ جَازَ ذَكَرَ قَوْلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَشَرَطَ الْإِجَازَةَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ مُطَالَبَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ شَيْءٌ فَيَصِحُّ كَالْإِقْرَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الطَّالِبِ فِيهِ فَيَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ كَالنَّذْرِ وَجْهُ قَوْلِهِ الثَّانِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِلْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ تَقُومُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا كَمَا فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ الْإِذْنِ عِنْدَهُ فِي اللُّزُومِ دُونَ الِانْعِقَادِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِعِبَارَتَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْفُضُولِيِّ وَلَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَشَرْطُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَى الطَّالِبِ بِالِالْتِزَامِ، وَإِنْشَاءُ سَبَبِ التَّبَرُّعِ لَا يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ الْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ عِبَارَتِهِ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ حَتَّى يَكُونَ كَقَبُولِ الْآخَرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَافِعَهُ الْأَصِيلُ إلَى مَنْ يَرَى بَرَاءَتَهُ مِنْ الْقُضَاةِ بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا فَيَعُودُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ وَاقِعٍ فَيُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ إضْرَارًا بِأَحَدٍ.
قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ تَكَفَّلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ عَنْهُ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَرَثَتِهِ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ تَكَفَّلُوا عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ لِغُرَمَائِي فَتَكَفَّلُوا عَنْهُ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبُولِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ وَلِهَذَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَرِيضُ الدَّيْنَ وَغُرَمَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُخْلِفْ مَالًا وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ فِي هَذَا الْخِطَابِ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ فِيهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِمَالِهِ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ مَالِهِ حَتَّى لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَامَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْخِطَابِ مَقَامَ الطَّالِبِ أَوْ نَائِبِهِ كَأَنَّ الطَّالِبَ قَالَ اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ، أَوْ كَأَنَّهُ حَضَرَ وَقَبِلَ.
وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَكَفَّلُوا عَنَى لَا يُرَادُ بِهِ الْمُسَاوَمَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ وَفِيمَا إذَا قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ فَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ بِالْتِمَاسِهِ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِدَيْنِهِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ فَكَانَ الْمَرِيضُ فِي حَقِّهِ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً وَقِيلَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَصَدَ بِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ فَيَصِحُّ هَذَا مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ قَائِمًا مَقَامَ الطَّالِبِ لِتَضَيُّقِ الْحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ.
[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]
قَالَ رحمه الله (وَعَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِرْهَمَانِ، أَوْ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْأَصِيلِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ انْفَسَخَتْ وَخَرَجَ الْأَصِيلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ الْأَجْرِ وَالْكَفِيلُ مَا كَفَلَ بِالْأَجْرِ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ مَا نَصُّهُ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِحَدٍّ وَقِصَاصٍ أَيْ بَطَلَ الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ اهـ.
عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ) بِالْجَرِّ أَيْضًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ أَيْ وَبَطَلَ الْكَفَالَةُ أَيْضًا بِخِدْمَةِ عَبْدٍ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ ضَمِنْت لِهَذَا الرَّجُلِ بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ الْمَدْيُونَ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَهُ الْكَفِيلُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ الْمَطْلُوبُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ وَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَفِيلِ ذَلِكَ كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ، فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَلَوْ أَقَامَ الْمَدْيُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْمَدْيُونُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله رَجُلٌ كَفَلَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبًا وَالطَّالِبُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ الطَّالِبُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. .
صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه فَقَالَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ رضي الله عنه فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَلِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ انْفِسَاخِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْقُطْ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ حُكْمِ الْآخِرَةِ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمَا جَازَ لِلطَّالِبِ أَخْذُهُ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ، وَكَذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ، أَوْ تَرَكَ مَالًا وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً يُقَالُ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَيْ أَدَاؤُهُ كَمَا يُقَالُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَدَاءُ، وَالْأَدَاءُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَيِّتِ فَسَقَطَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَصِحَّةُ الْكَفَالَةِ تَقْتَضِي قِيَامَ الدَّيْنِ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِيَصِحَّ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ، وَهُوَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْمُطَالَبَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ الْأَصِيلِ، فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا عَلَى الْكَفِيلِ تَبَعًا؛ إذْ لَا يُضَمُّ الْمَوْجُودُ إلَى الْمَعْدُومِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ؛ إذْ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ مِنْ الْمَالِ وَالْكَفِيلِ؛ فَفَاتَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ، فَلَا يَبْقَى، وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبْرِئَةٌ فِي حَقِّ الْآخِرَةِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي حَقِّ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَأَمْرٌ بَيْنَ الْكَفِيلِ، وَالْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا عَلَى الْأَصِيلِ وَمَا رَوَيَاهُ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا مِنْهُ لَا كَفَالَةً فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ، فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَلَا يُقَالُ لَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ لَبَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ فَلَمَّا لَمْ يَبْرَأْ عُلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَيَجُوزُ ابْتِدَاءً الْكَفَالَةُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَفِيلُ خَلَفَ عَنْهُ فَلَا يَبْرَأُ، أَوْ نَقُولُ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الطَّالِبِ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَطْلُوبَ.
قَالَ رحمه الله (وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ مَعْنَاهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ، ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ عَنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ ضَمِنَ مُضَارِبٌ لِرَبِّ الْمَالِ ثَمَنَ مَتَاعٍ بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ إلَى الْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، أَوْ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ وَبِعَزْلِهِ. وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ عَزَلَهُ صَحَّ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَجَبَ لِلْوَكِيلِ، أَوْ لِلْمُضَارِبِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ إذْ حُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ، وَكَذَا الْمُضَارِبُ لَوْ وَكَّلَ رَبَّ الْمَالِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَالْعَاقِدُ لِغَيْرِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَوْ حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَنِثَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْقَبْضِ.
فَإِذَا ضَمِنَ صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ، وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، وَالْوَكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ حَتَّى لَوْ نَهَاهُمْ الْآمِرُ عَنْ قَبْضِ الْبَدَلِ صَحَّ نَهْيُهُ وَلِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ فِي الثَّمَنِ شَرْعًا وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ سَلَّمَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ قَصْدُهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ قَالَ رحمه الله (وَلِلشَّرِيكِ إذَا بِيعَ عَبْدٌ صَفْقَةً) أَيْ إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ رَجُلٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يُؤَدِّيهِ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْكَفِيلُ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَلِشَرِيكِهِ فِيهِ نَصِيبٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ إذْ الْقِسْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِفْرَازِ وَالْحِيَازَةِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَزًا فِي حَيِّزٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحِسِّيَّ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا حِسِّيًّا، وَالدَّيْنُ حُكْمِيٌّ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ.
فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ قِسْمَتُهُ يَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ يُؤَدِّيهِ إلَى شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي بِنِصْفِ مَا أَدَّى لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعُ أَيْضًا بِنِصْفِ الْبَاقِي إلَى أَنْ لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَيُؤَدِّيَ تَجْوِيزُهُ ابْتِدَاءً إلَى إبْطَالِهِ انْتِهَاءً. بِخِلَافِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ إلَى آخِرِهِ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ بِعَشَرَةٍ فَفَعَلَ ثُمَّ ضَمِنَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْآمِرِ قَالَ الضَّمَانُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ إذَا بَاعَهَا الرَّجُلُ وَضَمِنَهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَ الْمُوَكِّلَ أَوْ رَبَّ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ صَحِيحٌ يَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَكَذَا الْمُضَارِبُ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمَا) أَيْ الْوَكِيلَ وَالْمُضَارِبَ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُمَا مَا نَصُّهُ تَعْلِيلٌ ثَانٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ) أَيْ كَالْمُودَعِ إذَا ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ وَكَالْمُسْتَعِيرِ إذَا ضَمِنَ الْعَارِيَّةَ لِلْمُعِيرِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ رَجُلٍ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلَيْنِ بَاعَا مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الضَّمَانُ بَاطِلٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ صَحَّ فِي نِصْفِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا أَوْ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، فَلَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ كَانَ صَاحِبُهُ شَرِيكًا وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، فَلَا يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ الْأَنْصِبَاءِ وَالْإِفْرَازُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ نَصِيبُ صَاحِبِهِ يَقَعُ الضَّمَانُ عَنْ نَفْسِ الضَّامِنِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.