المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٤

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْبُيُوعِ)

- ‌[فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ]

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ)

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌(فَصْلٌ) (قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[بَابُ التَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ

- ‌[وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الرِّبَا]

- ‌ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌[بَيْع الْخَبَز بالبر أَوْ الدَّقِيق متفاضلا]

- ‌لَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ)

- ‌بَابُ الْحُقُوقِ

- ‌[لَا ربا بَيْن الْحَرْبِيّ والمسلم فِي دَار الْحَرْب]

- ‌[الظُّلَّةُ هَلْ تدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ]

- ‌بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌(مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ

- ‌[قَالَ عَبْد لمشتر اشتريني فَأَنَا حُرّ فاشتراه فَإِذَا هُوَ عَبْد]

- ‌ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ

- ‌[ادَّعَى حقا مَجْهُولًا فِي دَار فصولح عَلَى مَاله]

- ‌ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ

- ‌[أرش الْعَبْد إذَا قَطَعَتْ يَده عِنْد الْمُشْتَرِي]

- ‌ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌[مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز]

- ‌[ بَيَان شَرْط السَّلَم]

- ‌[السَّلَم والاستصناع فِي الْخَفّ والطست والقمقم]

- ‌(بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ)

- ‌[حُكْم بَيْع الْكَلْب]

- ‌ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ

- ‌[أفرخ طير أَوْ باض فِي أَرْض رَجُل]

- ‌(مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ

- ‌مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[ الْكِفَالَة بِالنَّفْسِ وَإِنَّ تَعَدَّدَتْ]

- ‌[ تَبْطُلُ الْكِفَالَة بموت الْمَطْلُوب والكفيل]

- ‌ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، أَوْ الْقِصَاصِ

- ‌[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌{بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ}

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ)

- ‌[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ

- ‌[الْقَضَاء عَلَى غَائِب]

- ‌[بَابُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ إقراض الْقَاضِي مَال الْيَتِيم]

- ‌(بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى)

- ‌ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ

- ‌يَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ)

- ‌ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ

- ‌[قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[شُرُوط الشُّهُود فِي الزِّنَا]

- ‌[مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء]

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ)

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌(بَابُ التَّحَالُفِ)

- ‌[فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ]

- ‌(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ)

- ‌(بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ)

الفصل: ‌(باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل)

عَرَفَ الْمَالِكَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ بِلَا مُنَازَعَةِ أَحَدٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ بَعْدُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يُعَايِنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ بِأَنْ عَايَنَ مِلْكًا بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ ثُمَّ جَاءَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَادَّعَى أَنَّ الْمَحْدُودَ مِلْكُهُ عَلَى شَخْصٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَصَارَ الْمَالِكُ مَعْلُومًا بِالتَّسَامُعِ، وَالْمِلْكُ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِثْلَ هَذَا لَضَاعَ حُقُوقُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ الْمَحْجُوبَ وَمَنْ لَا يُبْرِزْ أَصْلًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرَاهُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالتَّسَامُعِ وَفِي ضِمْنِهِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِهِ وَهُوَ لَا يَمْتَنِعُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا.

وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يُعَايِنَ الْمِلْكَ وَلَا الْمَالِكَ وَلَكِنْ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ضَيْعَةٌ فِي قَرْيَةِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ وَلَمْ يُعَايِنْ يَدَهُ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكِ بِأَنْ عَرَفَ الرَّجُلَ مَعْرِفَةً تَامَّةً وَسَمِعَ أَنَّ لَهُ فِي قَرْيَةِ كَذَا ضَيْعَةً وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ بِعَيْنِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَحْدُودِ وَهُوَ شَرْطٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ سِوَى الرَّقِيقِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ لِلرَّقِيقِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى إذَا ادَّعَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ يَدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يُعْتَبَرَ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ التَّصَرُّفُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَيْضًا يُسْتَخْدَمُ طَائِعًا كَالْعَبْدِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ وَفِي الْكَافِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا وَفِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَوَجْهُهُ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى رَقِيقًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَذُو الْيَدِ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ قِيَامُ يَدِهِ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ مُمَيِّزًا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ بِالرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالرِّقِّ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ أَوْ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ إذْ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ) أَيْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ التَّسَامُعَ أَوْ الرُّؤْيَةَ فِي الْيَدِ مُجَوِّزٌ لِلشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ، وَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِالشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ عَنْ عِيَانٍ وَمُشَاهَدَةٍ أَوْ إطْلَاقٍ لِاحْتِمَالِ الْمُشَاهَدَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ تَسَامُعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُهُ عِلْمًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ بِسَمَاعِ غَيْرِهِ أَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَفِيمَا لَا تَجِبُ لَا يَجِبُ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الشَّهَادَةُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَبَقِيَ الْقَضَاءُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قُبِلَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا عَلِمَ فَوَجَبَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

قَالَ رحمه الله (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله قُبِلَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ) وَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْمَمْلُوكُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي الْمَشْهُودِ لَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ وَقَالُوا شَهِدْنَا؛ لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. اهـ.

[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) لَمَّا ذَكَرَ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَأَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ وَالشَّرْطُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ التُّهْمَةَ تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ» وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ مَرَّةً بِعَدَمِ الْعَدَالَةِ وَمَرَّةً بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ مَعَ قِيَامِ الْعَدَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَعْمَى عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ أَعْمَى فِي الْحَالَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَعْمَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى كَذَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْحَصْرِ وَكَذَا ذُكِرَ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الْأَسْرَارِ وَلَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَرَى وَلَكِنْ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ إلَى هُنَا

ص: 217

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْبَصِيرَ فِي السَّمَاعِ إذْ لَا خَلَلَ فِي سَمْعِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمُعَايَنَةِ وَهُوَ الْعِلْمُ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ صَحِيحٌ فَصِيحٌ، وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا خَلَلَ فِي حِفْظِهِ وَلَمْ يَفُتْ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشَارَةُ وَذِكْرُ الِاسْمِ يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَ تَعَذُّرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا كَالْبَصِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالنَّغْمَةِ فَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلْقِينُ مِنْ الْخَصْمِ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَرُبَّمَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ، وَالنَّسَبِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ، وَالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ فَصَارَ كَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ مَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَفِيهِ ضَرُورَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَبَقَاءِ النَّسْلِ وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَيُعْتَمَدُ عَلَى خَبَرِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِتَصِيرَ حُجَّةً فَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَبِالْغَيْبَةِ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا

قَالَ رحمه الله (، وَالْمَمْلُوكِ، وَالصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْوِلَايَةِ سِوَى هَذَا، وَالْأَصْلُ وِلَايَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ، وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْبُلُوغِ)؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ هُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ قَالَ رحمه الله (، وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160]، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ جُمْلَةً بَعْضُهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى بَعْضٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ فَهُوَ مُنْصَرِفٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ هَذَا افْتِرَاءٌ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ لَا يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ إذَا أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى. وَلِأَنَّهُ

لَوْ تَابَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ هِيَ الْمُوجِبَةَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ أَيْضًا فَلَا يَصْلُحُ مَنَاطًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَتَعَيَّنَ الرَّدُّ لِفِسْقِهِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لَفْظُ التَّقْرِيبِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ جَوَازَ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِي النَّسَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَظَرٍ وَمُعَايَنَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ اهـ.

(فَرْعٌ لَطِيفٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مَا نَصُّهُ وَلَوْ شَهِدَ ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُنَفِّذْ الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ حَتَّى أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَالشَّهَادَةُ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَعِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا الشَّاهِدُ كَافِرٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَا تَصِيرُ حُجَّةً، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ بِالْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَّا الْحُدُودَ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكَذَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُنَفِّذُ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ بَعْدَ هَذَا فَوَائِدَ جَمَّةً فَلْتُنْظَرْ ثَمَّةَ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: نَصْرَانِيَّانِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَاصٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَمِيَ أَوْ خَرِسَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ الْخِلَافَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَسْرَارِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْحُكْمُ بِهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ غَابَا أَوْ جُنَّا أَوْ عَمِيَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله فِي الْمَبْسُوطِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنَا أُخْبِرُ أَوْ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا يُقْبَلُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ حِينَئِذٍ كَتَرْجَمَةِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِلِسَانٍ آخَرَ وَقُلْنَا فِي إشَارَتِهِ تُهْمَةٌ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْأَعْمَى. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ شَهِدَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى مُسْلِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَالْفَاسِقُ لَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ شَهَادَةٌ فَيَكُونُ فِيهِ نَقْضُ قَضَاءٍ قَدْ أُمْضِيَ بِالِاجْتِهَادِ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَدْ تَحَمَّلَهَا حَالَ الرِّقِّ جَازَ لِمَا عُرِفَ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ الذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَشَهِدَ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فَيُرَاعَى وَقْتَ الْأَدَاءِ إذَا وُجِدَ اهـ

ص: 218

وَوَجْهُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ شَهَادَتَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ فَمَنْ قَالَ هُوَ مُؤَقَّتٌ إلَى وُجُودِ التَّوْبَةِ يَكُونُ رَدًّا لِمَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَرَائِمِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ لَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ حَدٌّ فَكَذَا هَذَا فَصَارَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ إذْ الْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ وَتَغَايُرُهُمَا بِالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: اجْلِسْ وَلَا تَتَكَلَّمْ فَكَانَ الْكُلُّ جَزَاءَ جَرِيمَتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا حُدُودٌ وَلِهَذَا أَمَرَ الْأَئِمَّةُ بِهِ وَقَوْلُهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ وَصْفٍ قَامَ بِالذَّاتِ فَلَا يَصْلُحُ حَدًّا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَقَعُ بِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ لَا بِوَصْفٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ فَلَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ، وَلَوْ انْصَرَفَ لَبَطَلَ الْحَدُّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَاوُ نَظْمٍ لَا وَاوُ عَطْفٍ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَيَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7].

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَزَاءً لِجَرِيمَتِهِ، وَالْجَلْدُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ يَصْلُحَانِ جَزَاءً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْلِمٌ زَاجِرٌ عَنْ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ فَصَارَ رَدُّ الشَّهَادَةِ قَطْعًا لِلْآلَةِ الْجَانِيَةِ مَعْنًى وَهِيَ اللِّسَانُ كَقَطْعِ الْيَدِ حَقِيقَةً فِي السَّرِقَةِ فَصَارَ الرَّدُّ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَالْحَدُّ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ لَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِثَالِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْعَطْفِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّهَا جُمَلٌ إنْشَائِيَّةٌ فَيَتَوَقَّفُ كُلُّهَا عَلَى آخِرِهَا حَتَّى إذَا وُجِدَ الْمُغَيِّرُ فِي الْأَخِيرِ تَغَيَّرَ الْكُلُّ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ مُمْتَنِعٌ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْفَرْعِ نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ وَهُنَا نَصٌّ عَلَى التَّأْبِيدِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ رَدُّ شَهَادَتِهِ لِفِسْقِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ هُوَ التَّوَقُّفُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] لَا الرَّدُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّدُّ لِأَجْلِ فِسْقِهِ لَلَزِمَ عَطْفُ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ حَدٌّ لَا لِلْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يُحَدُّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.

قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ)، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بَعْدَ الْحَدِّ بِالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ؛ لِأَنَّ الَّتِي رُدَّتْ غَيْرُ هَذِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْدُودَةَ لَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهَذِهِ تُقْبَلُ فَبِرَدِّ الْأُولَى لَا تَرْتَدُّ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ عَلَى أَحَدٍ وَقْتَ الْجَلْدِ فَلَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ إلَّا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ فِي حَقِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ قَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ أَنَّهُ زَنَى عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ فَفِي الْكَافِرِ تَمَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَفِي الْعَبْدِ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ ضُرِبَ الذِّمِّيُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ سَوْطًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِحَدٍّ بَلْ هُوَ بَعْضُهُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّهَادَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ السَّوْطَ الْأَخِيرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ أَجْزَاءٍ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْجُزْءِ الْأَخِيرِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ الْأَكْثَرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يُضْرَبَ تَمَامَ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ مُسْقِطَةٌ لِلشَّهَادَةِ، وَالْحَدُّ لَا يَتَجَزَّأُ فَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ حَدًّا بَلْ يَكُونُ تَعْزِيرًا وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَهِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ فِي حَالَةِ الْحَدِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ رحمه الله (وَالْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ وَعَكْسِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَالسَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ بَعْضِهِمْ الزَّكَاةَ إلَى بَعْضٍ فَتَكُونُ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ وَلَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَجْلِ أَنَّهُ حُدَّ إلَخْ) شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِنَايَاتِ سِوَى الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ إذَا تَابَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِهَؤُلَاءِ كَانَ لِأَجْلِ الْفِسْقِ وَبِالتَّوْبَةِ يَرْتَفِعُ الْفِسْقُ أَمَّا شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَأَصْلُ الْحَدِّ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْبَةِ فَكَذَا مَا هُوَ مِنْ تَمَامِهِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّوْبَةِ) زَائِدٌ مُفْسِدٌ كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رحمه الله وَقَدْ شَطَبَ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَدْ شَاهَدْته ثَانِيًا فِي خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله قَالَ فِي الدِّرَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى صِدْقِهِ بَعْدَ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ) اعْلَمْ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ إذَا أَسْلَمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ) قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ إذَا شَهِدَ الْأَجِيرُ لِأُسْتَاذِهِ بِشَيْءٍ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ فِي الدِّيَاتِ: أَجِيرُ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ عَلَى وَلِيِّ الْقَتِيلِ بِالْعَفْوِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ مَرْدُودَةٌ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَالُوا: إنْ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرِكًا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الدِّيَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ أَجِيرٌ وَاحِدٌ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً أَوْ مُيَاوَمَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأُسْتَاذِهِ لَا فِي تِجَارَتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكَفَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا كَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ وَالْإِمَامُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ

ص: 219

فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَالِهِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ فِي الْحَدِيثِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَأَصْلُ الْقُنُوعِ السُّؤَالُ، وَالْمُرَادُ مَنْ يَكُونُ تَبَعًا لِلْقَوْمِ كَالْخَادِمِ، وَالْأَجِيرِ، وَالتَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّائِلِ يَطْلُبُ مَعَاشَهُ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ الْقُنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ فَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى مَنَافِعِهِ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يَكُونُ كَأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ بِأَجْرٍ وَمَالِكٌ رحمه الله يُخَالِفُنَا فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ هُوَ يَعْتَبِرُهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُخَالِفُنَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَيَقُولُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا، وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّنَافُرِ، وَالْعَدَاوَةِ وَقَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَيْلِ، وَالْإِيثَارِ فَصَارَتْ نَظِيرَ الْأُخُوَّةِ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا، وَالْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّابِتَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا يُعَدُّ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا بِغِنَى صَاحِبِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الزَّوْجَيْنِ فَفِي الْوِلَادِ أَوْلَى وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَهِدَ لِعَلِيٍّ مَعَ قَنْبَرٍ عِنْدَ شُرَيْحٍ بِدِرْعٍ لَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعَلِيٍّ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ فَقَالَ مَكَانَ الْحَسَنِ أَوْ مَكَانَ قَنْبَرٍ فَقَالَ لَا بَلْ مَكَانَ الْحَسَنِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَقُولُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ سَمِعْت لَكِنْ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ الْقِصَّةَ إلَى آخِرِهَا وَفِيهَا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ وَزَادَهُ فِي الرَّزْقَةِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ

قَالَ رحمه الله (وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَعْضِ وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ بَطَلَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا فِي حَقِّ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ عِنَانٍ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا وَهَذَا سَهْوٌ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ قَالَ رحمه الله (وَالْمُخَنَّثِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَفِي عُرْفِ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الرَّدِيءَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَيُلَيِّنُ كَلَامَهُ عَمْدًا كُلُّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ الْمُؤَنِّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُذَكِّرَاتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِذَا كَانَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ لِزَمَانِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ مُتَّهَمًا فِيمَا شَهِدَ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِشَهَادَةٍ أَجْرًا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْ شَهَادَتِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُشَاهَرَةً؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ أَرَادَ بِهِ التِّلْمِيذَ الْخَاصَّ وَالتِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إذَا شَهِدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ تُقْبَلُ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُيَاوَمَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تُقْبَلُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَجِيرِ الْوَاحِدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَانَتْ شَهَادَةً بِالْأَجْرِ فَلَا تَجُوزُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنَافِعِهِ وَهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْأَجْرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ: فَيَصِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ الْعُيُونِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ يَوْمًا وَاحِدًا لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي.

(قَوْلُهُ وَمَالِكٌ رحمه الله يُخَالِفُنَا) قَالَ الْكَاكِيُّ مَا وَجَدْته فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي مَالِهِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا فِيهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لَهَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ اهـ قَالَهُ الْكَاكِيُّ اهـ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ

(قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَنْفَعَةِ الثَّانِيَةِ ضِمْنًا كَمَا فِي الْغَرِيمِ إذَا شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ الْمُفْلِسِ) قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَالْجَامِعِ وَلَوْ شَهِدَ لِمَدْيُونِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَالٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَدْيُونِ فِي حَيَاتِهِ وَيَتَعَلَّقُ بَعْدَ وَفَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَنْبَرٌ) قَنْبَرٌ عَتِيقٌ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَأَمَّا جَدُّ سِيبَوَيْهِ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَسِيبَوَيْهِ هُوَ عَمُّ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ قَنْبَرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ أَمَا سَمِعْت) أَيْ قَالَ عَلِيٌّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَكَانَ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَبُولُ شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الرَّزْقَةِ) قَالَ الصَّاغَانِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرَّزْقَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَالْجَمْعُ الرَّزَقَاتُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ وَارْتَزَقَ الْجُنْدُ أَيْ أَخَذُوا أَرْزَاقَهُمْ اهـ قَوْلُهُ وَهِيَ أَطْمَاعُ الْجُنْدِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي بَابِ الْعَيْنِ وَالطَّمَعُ رِزْقُ الْجُنْدِ وَيُقَالُ أَمَرَ لَهُمْ الْأَمِيرُ بِأَطْمَاعِهِمْ أَيْ بِأَرْزَاقِهِمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِيمَا خَلَا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، وَغَيْرُ الْمُفَاوِضِ أَيْضًا فِي تِجَارَتِهِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ النِّهَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض) قُلْت: قَدْ قَالَ فِيهَا هُوَ مُشْتَرَكٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُرُوضٌ وَعَقَارٌ اُشْتُرِيَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ اهـ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ اهـ

ص: 220

مِنْ النِّسَاءِ»، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ خِلْقَةً وَلَمْ يُشْتَهَرْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الرَّدِيَّةِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ قَالَ رحمه الله (وَالنَّائِحَةِ، وَالْمُغَنِّيَةِ)؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالنَّائِحَةِ» أَطْلَقَهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا تُغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ رَفْعِ الصَّوْتِ حَرَامٌ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ هِيَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تَرْتَكِبُ الْمَحْظُورَاتِ لِأَجْلِ الطَّمَعِ فِي الْمَالِ وَتَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا

قَالَ رحمه الله (، وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً)؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَدَاوَةُ دِينِيَّةً فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ التَّدَيُّنِ فَتَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِأَنْ رَأَى فِيهِ مُنْكَرًا شَرْعًا وَلَمْ يَنْتَهِ بِنَهْيِهِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ لَك هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ مَانِعَةً لَمَا قُبِلَتْ قَالَ رحمه الله (وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) أَيْ مُدَاوِمٌ شُرْبَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَفِي الْكَافِي قَالَ إنَّمَا شُرِطَ الْإِدْمَانُ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سِرًّا وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَإِنْ شَرِبَهَا كَثِيرًا، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ إذَا كَانَ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ فَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ، فَإِنَّهُ لَا مُرُوءَةَ لِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ فِي حَقِّ الْمَشْرُوبِ لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ الْإِدْمَانَ شُرِطَ فِي الْخَمْرِ أَيْضًا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْعَدَالَةِ.

وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَلَا مُدْمِنِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ شُرِطَ الْإِدْمَانُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ السُّكْرَ بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ السُّكْرُ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى السُّكْرِ، وَالْمُحَرَّمُ فِي الْخَمْرِ نَفْسُ الشُّرْبِ فَشُرِطَ الْإِدْمَانُ عَلَى الشُّرْبِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ، وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ رحمه الله (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ وَيُقَالُ بِالطُّيُورِ وَهُوَ أَيْضًا مِثْلُهُ وَيُورِثُ الْغَفْلَةَ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي» وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنْ يَصْعَدَ إلَى السُّطُوحِ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ فَيَنْظُرَ إلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالنَّائِحَةِ) لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةِ») وَصَفَ الصَّوْتَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ.

اعْلَمْ أَنَّ التَّغَنِّيَ لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَالنَّوْحُ كَذَلِكَ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ مِنْهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا اتَّخَذَتْ ذَلِكَ مَكْسَبَةً. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَتُهُ دُنْيَوِيَّةً) قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا وَتُقْبَلُ إنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الدِّينِ (إلَخْ) وَالْعَدُوُّ مَنْ يَفْرَحُ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُ بِفَرَحِهِ وَقِيلَ: يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَشْهَدُ لِعَدُوِّهِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَيَحْكُمُ لِعَدُوِّهِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ اهـ.

(فَرْعٌ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَحُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ رَبِيعٍ وَزِيرَ الْخَلِيفَةِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ قَالَ؛ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَالِ فِي مَجْلِسِك بِالْكَذِبِ فَلَا يُبَالِي فِي مَجْلِسِي أَيْضًا فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ اهـ كَاكِيٌّ سَتَأْتِي هَذِهِ الْحِكَايَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْعُمَّالِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَنَقَلَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي عَنْ الْخَصَّافِ فَقَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاللُّصُوصِ وَأَصْحَابِ الْفُجُورِ بِالنِّسَاءِ وَمَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمَنْ يَسْكَرُ مِنْ النَّبِيذِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فُسَّاقٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ كَمَا تَرَى وَوَجْهُهُ أَنَّ نَفْسَ شُرْبِ الْخَمْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَشَرَطَ شَهَادَاتِ الْإِدْمَانِ فَقَالَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ وَمُدْمِنِ السُّكْرِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ فِي السِّرِّ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ قَالَ صَاحِبُ الْأَجْنَاسِ وَهَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ تَائِبٌ نَادِمٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ رحمه الله فَأَمَّا مَنْ أَدْمَنَ الشُّرْبَ عَلَى غَيْرِ لَهْوٍ وَلَمْ يَسْكَرْ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْفِسْقَ وَلَا بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ اهـ.

وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْخَبَّازِيُّ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْطَالِ شَهَادَتِهِ إلَى شُرْبِهَا عَلَى اللَّهْوِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَتَنَاوَلَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِسِيَاقِ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ إلَخْ) وَقَالَ النَّاصِحِيُّ أَيْضًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ عَلَى الشُّرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ بِهِمْ وَتَرْكَهُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ يُوجِبُ سُقُوطَ عَدَالَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسُ الْجُلُوسِ فِسْقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي») الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ

ص: 221

عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَهُوَ فِسْقٌ، وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ لَا لِيُطَيِّرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْحَمَامِ فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ بُرُوجًا لِلْحَمَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إلَّا إذَا كَانَتْ تَجُرُّ حَمَامَاتٍ أُخَرَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَتُفْرِخُ فِي وَكْرِهَا فَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِذَلِكَ

قَالَ رحمه الله (أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ)؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَلَا يَخْلُو عَادَةً مَنْ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ بِالْمُجَازَفَةِ، وَالْكَذِبِ وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ يُغَنِّي لِلنَّاسِ أَيْ يُسْمِعُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَإِنْ أَنْشَدَ شِعْرًا فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً أَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَهِيَ حَيَّةٌ يُكْرَهُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجَازَ الْغِنَاءَ فِي الْعُرْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ فِيهِ إعْلَانًا لِلنِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ» وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إذَا كَانَ يَتَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ بِهِ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَبَاحَهُ مُطْلَقًا وَنَحْنُ بَيَّنَّا الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقَاوِيلِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ قَالَ رحمه الله (أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمَنْ يَرْتَكِبُهَا لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ وَكُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ فَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ هِيَ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ، وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا أَكْلَ الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ قَتْلٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ كُلُّ مَا أَصَرَّ عَلَيْهِ الْمَرْءُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَمَا اسْتَغْفَرَ عَنْهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مَا كَانَ عَمْدًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ، وَالصَّغِيرَةَ اسْمَانِ إضَافِيَّانِ لَا يُعَرَّفَانِ بِذَاتِهِمَا، وَإِنَّمَا يُعَرَّفَانِ بِالْإِضَافَةِ فَكُلُّ ذَنْبٍ إذَا نَسَبْته إلَى مَا دُونَهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِذَا نَسَبْته إلَى مَا فَوْقَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَعْصِيَةٍ أَوْعَدَ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ مَوْعُودٌ عَلَيْهِ فَمَنْ يَرْتَكِبُ مِثْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ يَرْتَكِبُهُ فَصَلُحَ دَلِيلًا عَلَى ارْتِكَابِهِ الْكَذِبَ؛ لِأَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ارْتَكَبَ نَظِيرَهُ عَادَةً وَقِيلَ: إذَا ارْتَكَبَ مَا يَكُونُ شَنِيعًا عَادَةً فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَقِيلَ مَا كَانَ حَرَامً الِعَيْنِهِ فَكَبِيرَةٌ وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ وَقِيلَ مَا سُمِّيَ فِي الشَّرْعِ فَاحِشَةً فَكَبِيرَةٌ

قَالَ رحمه الله (أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ)؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ، وَالْمَنْظُورَ» وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله رَجُلًا فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إزَارٍ فَقَالَ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ خَافُوا إلَهَكُمْ وَلَا تَدْخُلُوا الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِالسَّرَاوِيلِ وَحْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ قَالَ رحمه الله (أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَشُرِطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ وَذَلِكَ بِالْإِدْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ رِبًا بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ مُمْكِنٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ وَفِي الرِّبَا يَدْخُلُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ قَالَ رحمه الله (أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ، وَالشِّطْرَنْجِ أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِمَا)؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِسْقٌ وَكَذَا إذَا كَانَ يُكْثِرُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ كَاذِبًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَهِيَ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ مُتَمَّمَةً دَدَى كَنَدَى، وَدَدَنُ كَبَدَنِ وَلَا يَخْلُو الْمَحْذُوفُ أَنْ يَكُونَ يَاءً كَقَوْلِهِمْ يَدٌ فِي يَدِي أَوْ نُونًا كَقَوْلِهِمْ لَدٌ فِي لَدُنْ وَمَعْنَى تَنْكِيرِ الدَّدِ الشِّيَاعُ وَالِاسْتِغْرَاقُ وَأَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ أَيْ مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَتَعْرِيفُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْهُودًا بِالذِّكْرِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنِّي، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا هُوَ مِنِّي؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ آكَدُ وَأَبْلَغُ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ رحمه الله.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ يَقْتَنِي الْحَمَامَ فِي بَيْتِهِ إلَخْ) أَوْ لِحَمْلِ الْكُتُبِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ يُغَنِّي) وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ حَسَنَ الصَّوْتِ. اهـ. الْإِصَابَةُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ أَصَحُّ مَا فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ وَالدِّينِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَكَذَا الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ كَذَا الذَّخِيرَةُ وَالْمُحِيطُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ إذَا لَمْ يُعْرَفْ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ) أَيْ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ فَاسِقٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الشَّرْحِ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرٍ) الَّذِي سَمِعْته مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ الْغَزِّيِّ رحمه الله إلَّا بِمِئْزَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِهِ فَطَرِيقُهُ التُّهْمَةُ وَعَدَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِتُهْمَةِ مَعْصِيَةٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ. اهـ. غَايَةٌ

(فَرْعٌ) قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ شَيْخًا لَوْ صَارَعَ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا سُخْفٌ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِفِسْقِهِ لِذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (فَرْعٌ) وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالْمُشَعْوِذِ وَالرَّقَّاصِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ

ص: 222

؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَقَالُوا فِي النَّرْدِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ اللَّعِبِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْقِمَارِ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ اللَّعِبِ فِيهِ فِسْقٌ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ» وَمَنْ يَكُونُ مَلْعُونًا كَيْفَ يَكُونُ عَدْلًا بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا قَالَ رحمه الله (أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلْ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ، وَالْعُلَمَاءُ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مِثْلِهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُخْفِي السَّبَّ، وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ فِي السُّوقِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْحِرَفِ لِكَثْرَةِ الْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ يُكْثِرُ شَتْمَ أَهْلِهِ وَلَا مِمَّنْ يَشْتُمُ النَّاسَ

قَالَ رحمه الله (وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأَبَوَيْهِ رَضَاعًا وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمْ مُتَمَيِّزَةٌ، وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلَا سَطْوَةَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله (وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ إذْ الْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَاسِقِ وَلَنَا أَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ، وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ مَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَكْفُرُ بِالذَّنْبِ وَفِيهِمْ مَنْ يَجْعَلُ مَنْزِلَتَهُ بَيْنَ الْإِيمَانِ، وَالْكُفْرِ فَيَكُونُ هُوَ أَقْوَى اجْتِنَابًا عَنْ الْكَذِبِ حَذَرًا عَنْ الْخُرُوجِ مِنْ الدِّينِ وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ لَا يَتَعَاطَى الْكَذِبَ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْهَوَى وَهَوَاهُ عَنْ تَأْوِيلٍ وَتَدَيُّنٍ فَلَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ بِهِ كَمَنْ يَسْتَبِيحُ الْمُثَلَّثَ أَوْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ رحمه الله عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ فَقَالَ أَرَأَيْت أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاعَدُوا مُعَاوِيَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَلَوْ شَهِدُوا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ أَكَانَ يَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ، وَمُخَالَفَةُ عَلِيٍّ بَعْدَ عُثْمَانَ بِدْعَةٌ وَهَوَاءٌ فَكَيْفَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ تَأْوِيلٌ وَتَدَيُّنٌ لَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ شَهَادَتِهِ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ هَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ أُصُولَ أَهْلِ الْهَوَى سِتَّةٌ الْجَبْرُ، وَالْقَدَرُ، وَالرَّفْضُ، وَالْخُرُوجُ، وَالتَّشْبِيهُ، وَالتَّعْطِيلُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً، وَالْخَطَّابِيَّةُ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الْأَجْدَعِ يَسْتَجِيزُونَ أَنْ يَشْهَدُوا لِلْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَبِاعْتِقَادِهِمْ هَذَا تَمَكَّنَتْ شُبْهَةٌ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَعَلَّهُ أَقْدَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقِيلَ: إنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمْ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَقِيَّةُ شِيعَتِهِ وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكَنَائِسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرًا الصَّادِقَ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ

قَالَ رحمه الله (وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَمَالِكٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى ذِمِّيٍّ مِثْلِهِ وَلَا عَلَى الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْ الْفِسْقِ تَعَاطِيًا فَكَانَ أَوْلَى بِرَدِّ شَهَادَتِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «وَمَلْعُونٌ مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ» ) وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ أَحَدُ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ وَلَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَحَافَظَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُقَامِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِفْ بِالْكَذِبِ، فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِبَاحَتِهِ عِنْدَ انْعِدَامِ هَذِهِ الْمَعَانِي فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَحِلُّ كَذَا نَقَلَ مَذْهَبَهُمَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ وَلِأَنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَسْتَخِفُّونَ صَاحِبَهُ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) أَيْ بِمَرْأَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَأْكُلُ إلَخْ) وَاَلَّذِي وَجَدْته بِخَطِّ شَيْخِنَا مَكْتُوبًا بَعْدَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَكُلُّ فِعْلٍ فِيهِ تَرْكُ الْمُرُوءَةِ يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى لَوْ مَشَى فِي السُّوقِ أَوْ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ بِسَرَاوِيلَ وَاحِدٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَذَا مَنْ يَمُدُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ يَكْشِفُ رَأْسَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا عَادَةَ فِيهِ مِمَّا يَجْتَنِبُهُ أَهْلُ الْمُرُوآتِ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إلَخْ) وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهِ إلَّا مَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ بِالدَّلِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَرَادَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصْحَابَ الْبِدَعِ كَالْخَارِجِيِّ وَالرَّافِضِيِّ الْجَبْرِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهِ وَالْمُعَطِّلِ وَيُسَمَّى أَهْلُ الْبِدَعِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لِمَيْلِهِمْ إلَى مَحْبُوبِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَالْهَوَى مَحْبُوبُ النَّفْسِ مِنْ هَوَى الشَّيْءَ إذَا أَحَبَّهُ وَقَدْ مَرَّ فِي التَّبْيِينِ فِي بَابِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: بِالْكَنَائِسِ) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْأَتْقَانِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَصَلْبِهِ بِالْكُنَاسَةِ اهـ.

قَالَ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ لِيَاقُوتِ الْكُنَاسَةُ بِالضَّمِّ مَحَلَّةٌ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَاقُوتُ الْكَنَائِسَ وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ مُعْتَمَدَةً بِخَطِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْغَزِّيِّ رحمه الله وَنَصُّهَا فَهُمْ يَعْنِي الْخَطَّابِيَّةِ قَوْمٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ رَجُلٌ كَانَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ بِالْكُنَاسَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِسْقَهُمْ فِي آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ)

ص: 223

قَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وَالْكَافِرُ غَيْرُ مَرَضِيٌّ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّقِيقِ تُرَدُّ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ بِهِ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ وَلِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَتِهِ يُؤَدِّي إلَى إلْزَامِ الْحَاكِمِ الْقَضَاءَ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْلِمَ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ يَتَضَرَّرُ بِهِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَجْتَنِبُونَ الْكَذِبَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الْآيَاتِ عِنَادًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ حَقٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] فَكَانَ ذَلِكَ كَذِبًا مِنْهُمْ، وَالْكَذَّابُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا كَالْمُرْتَدِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَا عَلَى الْكَافِرِ كَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إنْ اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.

وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَا تُقْبَلُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا شَهَادَةَ لِأَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى إلَّا الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهِمْ» وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ بِشَهَادَةِ يَهُودَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا» وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ السَّلَفِ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ وَفِي وَصِيَّةِ الْكَافِرِ أَوْلَى ثُمَّ انْتِسَاخُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لِأَجْلِ أَنَّ وِلَايَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ انْتَسَخَتْ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِسَاخِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوِلَايَةُ دُونَ الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72]، فَإِذَا بَقِيَتْ وِلَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ وِلَايَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ فِي حَقِّهِمْ وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَقَدْ عَمِلَ بِهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمْضَى شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ: فَإِنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَيْضًا، وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ لَا يَمْنَعُ الْقَبُولَ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ مَحْظُورِ دِينِهِ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَالْكَذِبُ مَحْظُورٌ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا، وَالرِّضَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فِي حَقِّ الْمُعَامَلَاتِ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] فَخَرَجَتْ الْآيَةُ مَخْرَجَ الْوَصْفِ لَهُمْ بِالْأَمَانَةِ، وَالْأَمَانَةُ مَرْضِيَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ مَرَضِيًّا لِكُفْرِهِ وَلَمَّا كَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الْمُعَامَلَاتِ كَانَ مُؤْتَمَنًا فِي الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَحَدٍ كَالصَّبِيِّ، وَالشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَالْكَافِرُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى جِنْسِهِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ أَيْضًا عَلَى جِنْسِهِ، وَالْقَاضِي لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ الْكَافِرِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالتَّقْلِيدِ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ، وَالْقَضَاءُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ النَّظَرُ لِلْغُيَّبِ، وَالصِّغَارِ مِنْهُمْ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ لَهُمْ الْحَقُّ وَامْتِنَاعُهُمْ عَنْ الْكَذِبِ مُشَاهَدٌ، وَالْعِنَادُ.

وَالْجُحُودُ الَّذِي حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مَعَ عِلْمِهِمْ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فِي عَصْرِنَا مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَقِّ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ الْكُفْرَ حَقًّا لِجَهْلِهِ بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ لَأَسْلَمَ وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَيْضًا مَنْ لَا يَعْلَمُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] وَقَوْلُهُمْ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ قُلْنَا: إنَّمَا اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِثْلُ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى غَيْرِهِ تُقْبَلُ وَكَذَا شَهَادَتُهُ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا لَا تُقْبَلُ وَلِغَيْرِهِمْ تُقْبَلُ فَلَا يَبْعُدُ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ لِلتُّهْمَةِ فَكَذَا هَذَا، وَالْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى أَحَدٍ كَالْعَبْدِ، وَالصَّبِيِّ وَمِلَلُ الْكُفْرِ كُلِّهِ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مِنْهَا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ لَا تُقْبَلُ) كَشَهَادَةِ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ» إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ائْتُونِي بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ يَشْهَدُونَ» فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَوَّزَ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدُّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 224

؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِي قَهْرِ بَعْضٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ

قَالَ رحمه الله (وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ)؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ فَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْإِفْرِنْجِ، وَالْحَبَشِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثَانِ، وَالدَّارُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ، وَالْمِلْكِ لِانْقِطَاعِ النُّصْرَةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِبَاحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ وَمَالَهُ قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عَصَى مَعْصِيَةً صَغِيرَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْتَنِبَ الْكَبَائِرَ، وَاللَّمَمُ الصَّغِيرَةُ وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ مَا دُونَ الْفَوَاحِشِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْكَبَائِرِ، وَالصَّغَائِرِ فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْعَدَالَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ يُقَالُ طَرِيقٌ عَدْلٌ لِلْجَادَّةِ، وَالِاسْتِقَامَةِ بِالْإِسْلَامِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَيُعَارِضُ الْعَقْلَ هَوًى يُضِلُّهُ وَيَصُدُّهُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ وَلَيْسَ لِكَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ حَدٌّ يُدْرَكُ مَدَاهُ وَيُكْتَفَى لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْكَمَالُ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا) وَقَدْ قَبِلَ خُلْفَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ حَتَّى كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا بِالْمُسْتَأْمِنِ اهـ كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الدَّارِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَلَا لِارْتِفَاعِ الْوِلَايَةِ وَالْعِصْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.

وَإِنْ كَانَ هَذَا رُومِيًّا وَذَاكَ تُرْكِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ صَارُوا مِنْ أَهْلِ دِيَارِنَا وَكَانَتْ دَارُهُمْ مُتَّحِدَةً حُكْمًا قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لَقَضَيْنَا الْآنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَإِذَا عَرَضَ مَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَقْضِ بِهِ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي كَذَا هَذَا، وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْقَضَاءُ مَاضٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِالْقَضَاءِ فَطَرَيَانُ مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْقَضَاءِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَإِنِّي أَدْرَأُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا عَرَضَ مَانِعٌ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَلَمَّ أَيْ أَتَى اللَّمَمَ وَهُوَ دُونَ الْكَبِيرَةِ مِنْ الذُّنُوبِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الدِّيوَانِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ قَالَ الْكَمَالُ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ وَفِيهِ قُصُورٌ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَمْرِ الْمُرُوءَةِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاصِي وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَبِيرَةٍ وَلَا يُصِرُّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَيَكُونُ سَتْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَتْكِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً وَيَسْتَعْمِلُ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبُ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ حِينَ سَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَزِيرُ الْمُعْتَضِدِ عَنْ الْعَدَالَةِ فَقَالَ لَهُ أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَأَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعَدَالَةُ يُرِيدُ الصَّغِيرَةَ، وَلَفْظُ الْإِلْمَامِ وَأَلَمَّ اُشْتُهِرَ فِي الصَّغِيرَةِ.

وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا

وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا

هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقُتَبِيُّ عَنْهُ بِسَنَدِهِ وَنَسَبَهُ الْخَطَّابِيُّ إلَى أُمَيَّةَ وَنِسْبَةُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ إيَّاهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَلَطٌ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَفْرَادٍ نُصَّ عَلَيْهَا، مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَرْكِهَا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الضَّيْفِ وَكَذَا مَنْ خَرَجَ لِرُؤْيَةِ السُّلْطَانِ أَوْ الْأَمِيرِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَرَدَّ شَهَادَةَ شَيْخٍ صَالِحٍ لِمُحَاسَبَتِهِ ابْنَهُ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ تَضْيِيقًا وَمُشَاحَّةً يَشْهَدُ بِالْبُخْلِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ التَّفَرُّجِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ وَقُرَى فَارِسَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ لِنَيْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ.

وَكَذَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ بَاطِلٍ وَكَذَا عَلَى فِعْلِ بَاطِلٍ مِثْلُ مَنْ يَأْخُذُ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً وَأَشْهَدَ عَلَى وَثِيقَتِهَا شُهُودًا قَالَ الْمَشَايِخُ إنْ شَهِدُوا حَلَّ بِهِمْ الطَّعْنُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِلٍ فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عِنْدَ مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ عَلَى ضَمَانِ الْجِهَاتِ وَالْإِجَارَاتِ الْمُضَارَّةِ عَلَى الْمَحْبُوسِينَ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ فِي تَرْسِيمِهِمْ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ

ص: 225

بِأَدْنَاهُ

كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ

وَأَدْنَاهُ رُجْحَانُ جِهَةِ الدِّينِ، وَالْعَقْلِ عَلَى الْهَوَى، وَالشَّهْوَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَصَارَ مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ لِظُهُورِ رُجْحَانِ جِهَةِ الْهَوَى عَلَى الْعَقْلِ.

وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونُ مُجْتَنَبًا عَنْ الْكَبَائِرِ وَلَا يَكُونُ مُصِرًّا عَلَى الصَّغَائِرِ وَيَكُونُ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَكُونُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَلَا يُوثَقُ بِكَلَامِ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْخَطَأُ، وَالْفَسَادُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ الْكَذِبِ، وَالْإِلْمَامُ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إذْ لَا يُوجَدْ مِنْ الْبَشَرِ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ، - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيُؤَدِّي اشْتِرَاطُ الْعِصْمَةِ إلَى سَدِّ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] أَيْ عُدُولًا وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» قَالَ رحمه الله (، وَالْأَقْلَفُ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْخِتَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ هَذَا إذَا تَرَكَهُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ خَوْفِ هَلَاكٍ، وَإِنْ تَرَكَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَدْلًا مَعَ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْخِتَانِ وَقْتًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْمَقَادِيرِ السَّمَاعُ وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ.

وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَقْتُهُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مُحْتَمِلًا وَلَا يَهْلَكُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ رضي الله عنهما خُتِنَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ عِنْدَنَا دُونَ النِّسَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ فَرْضٌ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ سُنَّةٌ وَلِلنِّسَاءِ مَكْرُمَةٌ» قَالَ الْحَلْوَانِيُّ رحمه الله كَانَ النِّسَاءُ يَخْتَتِنَّ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَكْرُمَةً؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ الذِّلَّةُ عِنْدَ الْمُوَاقَعَةِ

قَالَ رحمه الله (وَالْخَصِيُّ وَوَلَدُ الزِّنَا، وَالْخُنْثَى) لِتَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ جِنَايَةُ أَبَوَيْهِ لَا يُوجِبُ قَدَحًا فِي الْعَدَالَةِ وَقَبِلَ عُمَرَ رضي الله عنه شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ، وَالْخُنْثَى إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ ثُمَّ هُوَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ احْتِيَاطًا حَتَّى لَا يَجُوزَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ رَجُلٍ مَا لَمْ يُضَمَّ إلَيْهِ امْرَأَةٌ وَلَا مَعَ النِّسَاءِ بِلَا رَجُلٍ مَعَهُنَّ قَالَ رحمه الله (وَالْعُمَّالُ) الْمُرَادُ بِهِ عُمَّالُ السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ، وَالصَّدَقَاتِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ هُمْ الْأُمَرَاءُ وَقِيلَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِأَيْدِيهِمْ وَيُؤْجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَيَّامًا كَانُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ كُبَرَاؤُهُمْ كَانُوا عُمَّالًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عِبَادَةٌ وَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فِي الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لِمَهَابَتِهِ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِئْجَارِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ وَلِوَجَاهَتِهِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ.

وَرُوِيَ أَنَّ فُضَيْلٍ بْنَ رَبِيعٍ وَزِير الْخَلِيفَةِ شَهِدَ عِنْد أَبِي يُوسُف رحمه الله فِي حَادِثَةٍ فَرَدَّ شَهَادَته فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَة فَقَالَ الْخَلِيفَة أَيُّهَا الْقَاضِي: إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ فَقَالَ؛ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ: أَنَا عَبْدُك، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ فِي مَجْلِسِك فَلَا يُبَالِي بِالْكَذِبِ فِي مَجْلِسِي أَيْضًا فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ فِيهِ وَفِي الْكَافِي هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَفِي زَمَانِنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعُمَّالِ لِغَلَبَةِ ظُلْمِهِمْ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْبَزْدَوِيِّ أَنَّ مِنْ قَامَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْقِسْطِ، وَالْعَدَالَةِ كَانَ مَأْجُورًا، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ جِهَةٍ بَاطِلَةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْأَقْلَفِ إلَخْ) وَمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَجُوسَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: الذِّلَّةُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ الذَّالَّةَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَأَيْت فِي كِتَابِ التَّفْرِيعِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِشَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَا إلَّا فِي الزِّنَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْحُدُودِ، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ فِيهِ هَذَا لَفْظُ كِتَابِ التَّفْرِيعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ مِثْلَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ وَلَدُ الزِّنَا عَدْلًا وَالْعَدْلُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا مَعَ النِّسَاءِ بِلَا رَجُلٍ مَعَهُنَّ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَفِي شَهَادَتِهِنَّ شُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْعُمَّالِ) ذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ أَرَادَ بِهِ عَامِلَ السُّلْطَانِ الَّذِي يُعَيِّنُهُ عَلَى أَخْذِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ شَرْعًا أَمَّا الَّذِي يُعَيِّنُهُ عَلَى أَخْذِ الْحَرَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ انْتَهَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بِعَلَامَةِ السِّينِ: الْعُمَّالُ لِلسُّلْطَانِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَاتِ وَغَيْرَهَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَانُوا أُمَنَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حُمِلُوا عَلَى ذَلِكَ لِأَمَانَتِهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ مِنْ الْكَذِبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِوَجَاهَتِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ) فَأَمَّا إذَا كَانَ سَاقِطَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مُجَازِفًا فِي كَلَامِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. كَافِي

ص: 226

ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ، وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعُمَّالِ أَهْلَ الْحَرْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ وَبَائِعُ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى كَثْرَةَ الْمَوْتِ بِالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ وَفِي النِّهَايَةِ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ لَا تُقْبَلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَنْ يَبْخَلُ بِالْوَاجِبَاتِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ، وَالْأَقَارِبِ قَالَ رحمه الله (وَالْمُعْتَقُ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْتَقِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَكَذَا بِالْعَكْسِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَنْبَرًا، وَالْحَسَنَ شَهِدَا لِعَلِيٍّ عِنْدَ شُرَيْحٍ فَقَبِلَ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ وَهُوَ كَانَ عَتِيقَ عَلِيٍّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ، وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي جَازَ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَا كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَادَّعَيَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَالرَّجُلُ يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ الْوَصِيَّةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ قَدْ وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَنْكَرَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا، وَإِنْ ادَّعَى وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصِي إلَيْهِمَا أَوْ لَهُمَا أَوْ الْغَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِمَا لَهُ دَيْنٌ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا تَجُرُّ مَنْفَعَةً إلَى الشَّاهِدِ بِإِقَامَةِ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ مَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوْ مَنْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ بِالْقِيَامِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالشَّهَادَةُ الَّتِي تَجُرُّ مَنْفَعَةً لَا تُقْبَلُ فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ طَالِبًا وَكَانَ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا فَيَكْفِي الْقَاضِيَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَزَكَّيَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا إذْ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ يُتَأَمَّلُ فِيمَنْ يُعَيِّنُ وَفِيمَنْ يَصْلُحُ فَيُعَيِّنُ مَنْ تَثْبُتُ صَلَاحِيَّتُهُ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ وَنَظِيرُهَا الْقُرْعَةُ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَوْلَا الْقُرْعَةُ وَمَعَ هَذَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا تَطْيِيبًا لِلْقُلُوبِ وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ الْقَاضِي وَلَا يُقَالُ: إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيَّانِ لَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى وَصِيٍّ ثَالِثٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا أَقَرَّ الْوَصِيَّانِ أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا كَانَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ بِإِقْرَارِهِمَا أَنَّ مَعَهُمَا ثَالِثًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَصِيُّ جَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ أَحَدٍ عَلَى قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي نَصْبَ الْوَصِيِّ إلَّا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَتَصِيرُ الشَّهَادَةُ مُوجَبَةً عَلَى الْقَاضِي فَتَبْطُلُ لِمَعْنَى التُّهْمَةِ وَهُوَ جَرُّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الشَّاهِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَقَامَ شَخْصَانِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَ فُلَانًا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ.

وَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ فَلَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا وَهِيَ غَيْرُ مُوجَبَةٍ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ فَبَطَلَتْ وَفِي الْكَافِي فِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الْقَبُولِ أَنْ يَأْمُرَهُمَا الْقَاضِي بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لَا أَنْ يَبْرَآ عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ فِي حَقِّهِ، وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا تُقْبَلُ فِي حَقِّهِمَا قَالَ رحمه الله:(وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جَرْحٍ) أَيْ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَضَمَّنَ إيجَابَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ الْمُجَرَّدَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يُرْفَعُ فِسْقُهُ بِالتَّوْبَةِ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَابَ فِي مَجْلِسِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِلْزَامُ وَلِأَنَّ فِيهِ هَتْكَ السَّتْرِ وَإِشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِلضَّرُورَةِ جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ مَنْ قَامَ بِالتَّوْزِيعِ وَلَوْ كَانَ مُجَازِفًا) إلَى هُنَا كَلَامُ الشَّارِحِ وَبَعْدَ هَذَا كَتَبْت مُلْحَقًا وَهُوَ فِي كَلَامِهِ مِنْ الْعُمَّالِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ هَذَا الْمُلْحَقُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَلَا يَصِحُّ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ.

(قَوْلُهُ وَبَائِعِ الْكَفَنِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي قَالُوا شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ لَا تَجُوزُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا لَا تَجُوزُ إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ أَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ هَكَذَا وَيُشْتَرَى مِنْهُ الْكَفَنُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ الْمَيِّتِ فَشَهِدَ بِذَلِكَ اثْنَانِ مُوصًى لَهُمَا بِمَالٍ أَوْ وَارِثَانِ كَذَلِكَ أَوْ غَرِيمَانِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّانِ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ تَتَضَمَّنُ جَلْبَ نَفْعٍ لِلشَّاهِدِ أَمَّا الْوَارِثَانِ لِقَصْدِهِمَا نَصْبَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُمَا وَيُرِيحُهُمَا وَيَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا وَالْغَرِيمَانِ الدَّائِنَانِ وَالْمُوصَى لَهُمَا لِوُجُودِ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ مِنْهُ وَالْمَدْيُونَانِ لِوُجُودِ مَنْ يَبْرَآنِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّانِ مَنْ يُعَيِّنُهُمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالْمُطَالَبَةِ وَكُلُّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ نَفْعًا لَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُوصَى إلَيْهِمَا) يُقَالُ أَوْصَى إلَيْهِ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَأَوْصَى لَهُ بِكَذَا أَيْ جَعَلَهُ مُوصَى لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: تَجُوزُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ اسْتِحْسَانًا) وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْتُ ظَاهِرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ إلَّا الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا قُلْتُمْ) قُلْت: إنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى هَذَا الرَّجُلِ الثَّالِثِ فَقَدْ أَقَرَّا أَنْ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا ثَالِثٌ فَلَوْ رَدَّ شَهَادَتَهُمَا لَاحْتَاجَ إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ حَتَّى يَتَصَرَّفَ مَعَهُمَا فَلَا يَكُونُ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَائِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَائِزٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ) قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ فِسْقَهُ بِالْبَيِّنَةِ لِيَدْفَعَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ

ص: 227

وَلَا يُقَالُ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَهُوَ مَنْعُ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اُنْصُرْ أَخَاك الظَّالِمَ أَوْ الْمَظْلُومَ» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا ضَرُورَةَ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ لِلْقَاضِي سِرًّا حَتَّى يَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا فَأَمْكَنَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الظُّلْمِ بِذَلِكَ.

أَمَّا إذَا كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ بِأَنْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِمَا زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا أَوْ كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِمَا أَخَذُوا الْمَالَ أَوْ قَتَلُوا النَّفْسَ عَمْدًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ضَرُورَةَ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَتْكٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا إيجَابُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ أَوْ إيجَابُ حَقِّ الْعَبْدِ وَهُوَ ضَمَانٌ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي ضِمْنِهِ يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَكَذَا إذَا قَالَ صَالَحْت الشُّهُودَ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا الْبَاطِلِ وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيَّ بِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَ الْمَالِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ أَعْطَاهُمْ الْمُدَّعِي مِنْ مَالِي الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا لَهُ بِالزُّورِ وَطَلَبَ اسْتِرْدَادَهُ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ رَدِّ الْمَالِ عَلَى الشُّهُودِ وَهُوَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ قَالَ صَالَحْتهمْ بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ وَلَمْ أَدْفَعْ إلَيْهِمْ الْمَالَ أَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرَهُمْ الْمُدَّعِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَشْهَدُوا لَهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ الْمُدَّعِي مُجَرَّدُ جَرْحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ قَبْلَهُ حَقًّا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ وَدَعْوَى الِاسْتِئْجَارِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكِنَّهُ يَدَّعِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ جَرْحًا مُجَرَّدًا، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَعْنَى وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الشُّهُودَ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْضُرُوا الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْحَقُّ.

وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ فِي الْعَبِيدِ إثْبَاتَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الرِّقُّ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَإِنَّمَا حُكُوا بِإِظْهَارِ فَاحِشَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ.

وَفِيهِ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَا تُقْبَلُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ وَصَفُوا الزِّنَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَادِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولَةٌ تَأْوِيلُهُ إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا تُقْبَلُ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَادِمًا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ زُنَاةٌ أَوْ زَنَوْا إلَخْ

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ شَهِدَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي تُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا) قَوْلُهُ أَوْهَمْتُ أَيْ أَخْطَأْت بِذِكْرِ زِيَادَةٍ كَانَتْ بَاطِلَةً أَوْ بِنِسْيَانِ بَعْضِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيَّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُبْتَلَى بِالْغَلَطِ لِمَهَابَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَوَضَحَ الْعُذْرُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَدَارَكَهُ فِي أَوَانِهِ وَهُوَ عَدْلٌ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَرَّهُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ بِالرِّشْوَةِ ثُمَّ قِيلَ يَقْضِي بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ غَلِطْت فِي خَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ أَوَّلًا صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ، وَقِيلَ يُقْضَى بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَحُدُوثِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ كَمَا بَيَّنَّا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَتْرُكَ الْإِشَارَةَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَأْمُونًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْكُلِّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أَوْهَمْت فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَقَعَ الْغَلَطُ فِي ذِكْرِ بَعْضِ حُدُودِ الْعَقَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّسَبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَذِكْرُهُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الْجَرْحِ وَالْفِسْقِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ يَا زَانِي ثُمَّ أَثْبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَدِّ. اهـ. قُنْيَةٌ فِي الْحُدُودِ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ حَتَّى قَالَ أَوْهَمْت) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَوَهِمَ فِي الْحِسَابِ غَلِطَ مِنْ بَابِ لَبِسَ وَأَوْهَمَ فِيهِ مِثْلُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ، فَإِنْ قَالَ: أَوْهَمْت أَوْ أَخْطَأَتْ أَوْ نَسِيت وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ الشَّاهِدَانِ أَوْهَمْنَا إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا وَيُرْوَى وَهِمْنَا وَأَوْهَمَ فِي الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسْقَطَ وَأَوْهَمَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةً وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى وَأَوْهَمَ فِي صَلَاتِهِ فَقِيلَ لَهُ كَأَنَّك أَوْهَمْت فِي صَلَاتِك» اهـ

ص: 228