الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرِّجَالِ، وَشَهَادَتُهُنَّ مُعْتَبَرَةٌ مَعَهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ أَيْضًا حَتَّى إذَا شَهِدَ رِجَالٌ وَنِسْوَةٌ بِشَيْءٍ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْكُلِّ حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الرُّجُوعِ
قَالَ رحمه الله (وَلِلْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ امْرَأَةٌ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرُ إلَيْهِ» ، وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ وَقَالَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الشَّهَادَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ شَيْئَانِ الْعَدَدُ، وَالذُّكُورَةُ وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ الْعَدَدُ عَلَى حَالِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ اشْتِرَاطُ صِفَةِ الذُّكُورَةِ لِيَخِفَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْوَاحِدِ أَخَفُّ.
وَالْأَحْوَطُ الِاثْنَانِ أَوْ الْأَكْثَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا سَائِرُ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْعَدَالَةِ وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْعُيُوبُ قَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْبُيُوعِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَشَهَادَتِهَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَرِوَايَتِهَا الْإِخْبَارَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ عَلَامَةُ حَيَاتِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ حَضَرَهُ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَيُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ كَانَ الرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الزِّنَا قَالَ رحمه الله (وَلِغَيْرِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِغَيْرِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوِصَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا كَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ وَحْدَهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ وَلَا مَعَ الرِّجَالِ فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا لِلضَّرُورَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَقِلَّةِ خَطَرِهَا وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْمَالِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ، وَالْفُرْقَةِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ أَصْلِيَّةٌ لَا ضَرُورِيَّةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْوِلَايَةُ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِرْثِ وَلِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ، وَالْغَلَطِ فَالْكَذِبُ يَنْتَفِي بِالْعَدَالَةِ، وَالْغَلَطُ يَنْتَفِي بِإِتْقَانِ الْمُعَايَنَةِ، وَالضَّبْطِ، وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ وَبِالثَّانِي يَحْصُلُ بِهِ الْبَقَاءُ، وَالدَّوَامُ، وَبِالثَّالِثِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهَا فِي الْإِخْبَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ مُطْلَقًا كَالرِّجَالِ وَلَكِنْ جَاءَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالْمَالِ بَلْ فَوْقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ وَكَذَا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْمَالُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَقْوَى مِنْ الْهَزْلِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْكُلِّ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَالَةِ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَالَةِ لِكَيْ تُقْبَلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فِي زَمَانِهِمَا وَبَعْدَهُمَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا الِاتِّبَاعُ. اهـ. فَتْحٌ
[مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء]
(قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ فَقَالَ وَصَلْت إلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ تُرَى النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ تُخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فُرِّقَ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بِقَوْلِهِنَّ؛ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهِيَ مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ وَلَوْ لَمْ تَتَأَيَّدْ شَهَادَتُهُنَّ بِمُؤَيِّدٍ اُعْتُبِرَتْ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي إلْزَامِ الْخَصْمِ وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ ثَيِّبٌ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ لِتَأَيُّدِ شَهَادَتِهِنَّ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنْ قُلْنَ: ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَوِيٌّ وَشَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ وَلَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ وَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَقَدْ سَلَّمَتْهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتُهُ مَسْمُوعٌ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ فَكَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَهُمَا يَقُولَانِ صَوْتُهُ يَقَعُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَهَا لَا تُحْضِرُ الرِّجَالَ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا) فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلٌ بِأَنْ قَالَ: فَاجَأْتهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ لَا يُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ أَيْضًا تُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ اهـ كَيْ وَفَتْحٌ
حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِالِاسْتِشْهَادِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ تَوْكِيدٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْيَمِينِ مُلَاحَظًا فِيهَا وَامْتِنَاعُهُ عَنْ الْكَذِبِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَشَدُّ إذْ لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَوَامِرِ حَيْثُ لَا يُرَاعَى فِيهِ اللَّفْظُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ بَلْ يَتَأَتَّى بِكُلِّ لَفْظٍ يُعْطِي ذَلِكَ الْمَعْنَى كَالتَّكْبِيرِ، وَالْأَيْمَانِ حَتَّى صَحَّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ يَجُوزُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ إلْزَامَ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَالْعِرَاقِيُّونَ لَا يَشْتَرِطُونَ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَيَجْعَلُونَهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْعَدَالَةُ هِيَ الْمُعَيِّنَةُ لِلصِّدْقِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وَالْعَدْلُ هُوَ الْمَرَضِيُّ وَلِأَنَّ مَنْ يُبَاشِرُ غَيْرَ الْكَذِبِ مِنْ الْمَعَاصِي قَدْ يُبَاشِرُ الْكَذِبَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَالْكَذِبَ وَبِالْعَدَالَةِ تَتَرَجَّحُ جِهَةُ الصِّدْقِ وَهِيَ الِانْزِجَارُ عَمَّا يُعْتَقَدُ حُرْمَتُهُ، وَالْحُجَّةُ هُوَ الْخَبَرُ الصِّدْقُ وَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ دُونَهَا وَهِيَ شَرْطُ لُزُومِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ إذْ الْفَاسِقُ أَهْلٌ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، وَالسَّلْطَنَةِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّ فِسْقَهُ أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِي خَبَرِهِ لِتُهْمَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] أَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ، وَالتَّثَبُّتِ لَا بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي الشَّهَادَةِ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِئْجَارِهِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلِمُرُوءَتِهِ يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إكْرَامًا لَهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي الْحُقُوقَ بِهِمْ» وَفِي حَقِّ الْفَاسِقِ أَمَرْنَا بِخِلَافِهِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا لَقِيت الْفَاسِقَ فَالْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ» وَمَنْ يَكُونُ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ شَرْعًا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ حَتْمًا عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ مِنْهُ
قَالَ رحمه الله (وَيَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ سِرًّا) وَعَلَانِيَةً فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَصِرُ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ، فَإِنْ طَعَنَ فِيهِ سَأَلَ عَنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ الْخَصْمُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ» وَمِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] يَشْهَدُ لَهُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الِانْزِجَارُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَبِيحِ فَاكْتَفَى بِالظَّاهِرِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقٍ كَالشَّفِيعِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِظَاهِرِ يَدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنَازِعٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْقَطْعِ لِخَفَائِهَا وَلَوْ زَكَّى فَالْمُزَكِّي يُخْبِرُ عَنْ عَدَالَتِهِ مُتَمَسِّكًا بِظَاهِرِ حَالِهِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَالَتِهِ انْزِجَارُهُ عَنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ وَاجْتِهَادُهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَهِيَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِقَطْعِيَّةٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ السُّؤَالِ إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْعَنُهُ كَاذِبًا ظَاهِرًا فَتَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِالِاسْتِقْصَاءِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُمَا يُدْرَآنِ بِالشُّبْهَةِ وَيُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهِمَا فَيُسْتَقْصَى فِيهِمَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَعْنِ خَصْمٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْقُطَا
وَلَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْحُجَّةِ وَلَا تَقَعُ الْحُجَّةُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْعَدَالَةُ قَبْلَ السُّؤَالِ ثَابِتَةٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ إلَخْ) وَثَالِثٌ وَهُوَ التَّفْسِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ مِثْلَ شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا مِثْلُ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ عِنْدَ الْخَصَّافِ لِلِاحْتِمَالِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ هِيَ الْمُعِينَةُ لِلصِّدْقِ)، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى السَّوَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْمَفْهُومِ فَبِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ صِدْقًا حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذْ الْفَاسِقُ أَهْلٌ لِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالسَّلْطَنَةِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا وَيَكُونُ الْقَاضِي عَاصِيًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ إلَخْ) كَمُبَاشِرِي السُّلْطَانِ وَالْمَكَسَةِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مُكْفَهِرٌّ) أَيْ شَدِيدُ الْعُبُوسَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ) أَيْ وَيُسْتَقْصَى دَرْءُ الْحَدِّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» . اهـ. (قَوْلُهُ فَاكْتَفَى بِالظَّاهِرِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ إلَخْ) وَلِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنْ الشُّهُودِ بَلْ اكْتَفَوْا عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْهُمْ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَدَلَّ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالشَّفِيعِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ إلَخْ) أَمَّا لَوْ جَحَدَ الْمُشْتَرِي مِلْكِيَّتَهُ لِلدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا الشَّفِيعُ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْعَنُهُ كَاذِبًا ظَاهِرًا فَتَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ) أَيْ وَهُمَا كَوْنُ الشَّاهِدِ الْمُسْلِمِ لَا يَكْذِبُ ظَاهِرًا فَكَذَلِكَ الْخَصْمُ مُسْلِمٌ لَا يَكْذِبُ فِي طَعْنِهِ ظَاهِرًا فَوَجَبَ السُّؤَالُ تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا كَمُدَّعِي الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ حَيْثُ لَا يُلْزِمُهُ الْقَاضِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى مِلْكِ الدَّارِ فَإِذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُعْتَبَرُ لِلْإِلْزَامِ اهـ
بِالظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ فَوَجَبَ التَّعَرُّفُ عَنْهَا صِيَانَةً لِقَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَى الْبُرْهَانِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُمْ نَاسٌ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَيْرِ، وَالصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَيَشْهَدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» ، وَالْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا كَانَا فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ بَعْدَمَا تَغَيَّرَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَظَهَرَتْ الْخِيَانَاتُ، وَالْكَذِبُ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَكْثَرُ ثُمَّ التَّعْدِيلُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ وَهِيَ الرُّقْعَةُ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا اسْمُ الشَّاهِدِ وَنَسَبُهُ وَحِلْيَتُهُ وَمَسْجِدُهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ وَمُحَلَّتُهُ وَسُوقُهُ إنْ كَانَ سُوقِيًّا فَيَسْأَلُ عَنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، فَإِذَا عَرَفَهُمْ فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ يَسْكُتُ وَلَا يَكْتُبُ احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ.
إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ أَنَّهُ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّ الْمُعَدِّلُ الْمَسْتُورَةَ سِرًّا كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُؤْذَى وَلَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ فِي الْعَلَانِيَةِ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ، وَالشَّاهِدِ لِتَنْتَفِيَ شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ عَنْ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبِيلَتِهِ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي الِاسْمِ وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّوْكَةَ كَانَتْ لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الشَّرِّ وَيُكْتَفَى بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ، وَالْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ إذَا تَابَ يَكُونُ عَدْلًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِنَا كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الْحُرِّيَّةَ، وَالْإِسْلَامَ وَلِهَذَا لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْخَصْمُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ، وَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْعَقْلِ، فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يَسْأَلُ عَنْهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ، فَإِنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرٍ لَهُ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ الشَّهَادَةُ، وَالْحُدُودُ، وَالْقِصَاصُ، وَالْعَقْلُ.
فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: إنَّ الشَّاهِدَ عَبْدٌ أَوْ قَالَ الْقَاذِفُ: الْمَقْذُوفُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ الشَّاجُّ: الْمَشْجُوجُ عَبْدٌ أَوْ قَالَتْ الْعَاقِلَةُ: الْقَاتِلُ عَبْدٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ وَلَا الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ وَهِيَ نَظِيرُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِيهِمْ بِكَوْنِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِيهِمْ، فَإِذَا طَعَنَ الْخَصْمُ سَأَلَ عَلَى مَا بَيَّنَّا
قَالَ رحمه الله (وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّلَاحُ بِخِلَافِ زَمَانِهِمَا وَمَا قِيلَ إنَّهُ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالصَّلَاحِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَهُمَا أَفْتَيَا بِالْقَرْنِ الرَّابِعِ فَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ تُوُفِّيَ فِي عَامِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ فَكَيْفَ أَفْتَى فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ
وَقَوْلُهُ «خَيْرُ الْقُرُونِ» إلَخْ إثْبَاتُ الْخَيْرِيَّةِ بِالتَّدْرِيجِ وَالتَّفَاوُتِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ غَلَبَةُ الْفِسْقِ وَالظَّاهِرُ الَّذِي يَثْبُتُ بِالْغَالِبِ أَقْوَى مِنْ الظَّاهِرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِظَاهِرِ حَالِ الْإِسْلَامِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّا مَا قَطَعْنَا بِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَقَدْ قَطَعْنَا بِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجْتَنِبْ مَحَارِمَهُ وَلَمْ يَبْقَ مُجَرَّدُ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ مَظِنَّةً لِلْعَدَالَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الثَّابِتُ بِالْغَالِبِ إلَى مُعَارِضٍ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الرُّقْعَةُ إلَى الْمُعَدِّلِ) وَسُمِّيَتْ بِهَا لِسَتْرِهَا عَنْ نَظَرِ الْعَوَامّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ فِي التَّعْدِيلِ فِي الْعَلَانِيَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولَ الْمُعَدِّلُ لِلشَّاهِدِ الَّذِي عَدَّلَهُ هَذَا الَّذِي عَدَّلْته اهـ.
(فَرْعٌ) إذَا شَهِدَ فَعُدِّلَ ثُمَّ شَهِدَ لَا يُسْتَعْدَلُ إلَّا إذَا طَالَتْ فَوَقَّتَ مُحَمَّدٌ شَهْرًا وَأَبُو يُوسُفَ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَذَا قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ اهـ (فَرْعٌ) لَوْ تَابَ الْفَاسِقُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ تَمْضِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَنَةٌ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِالزُّورِ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الشَّهَادَةِ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ تَظْهَرُ فِيهِ التَّوْبَةُ ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَالْمُعَدِّلُ وَمَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَالْمُعَدِّلُ إذَا قَالَ لِشَاهِدٍ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي قَبِيلَتِهِ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي الِاسْمِ) أَيْ وَالنِّسْبَةِ وَالصِّفَةِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته قَطْعًا لِلشَّرِكَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُكْتَفَى بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِمَا ذَكَرْنَا) أَوَّلُ مَنْ سُئِلَ فِي السِّرِّ الْقَاضِي شُرَيْحٌ فَقِيلَ لَهُ أَحْدَثْت يَا أَبَا أُمَيَّةَ فَقَالَ أَحْدَثْتُمْ فَأَحْدَثْنَا. اهـ. كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّهُودَ يُقَابِلُونَ الْمُزَكِّيَ إذَا جَرَّحَهُمْ بِالْأَذَى وَتَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ الْعَدَاوَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ) وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَلَا يَكُونُ حُرًّا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِلَا طَعْنٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْخَصْمِ يَعْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا قَالَ فِي شُهُودِ الْمُدَّعِي هُمْ عُدُولٌ فَلَا تَقَعُ بِهِ التَّزْكِيَةُ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْخَصْمَ كَاذِبٌ فِي إنْكَارِهِ مُبْطِلٌ فِي إصْرَارِهِ فَلَا يَصْلُحُ
هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَعْنِي تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ وَمُرَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَرَاهَا وَمَعَ هَذَا فَرَّعَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْجُحُودِ فَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَزْكِيَتَهُ تَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا إذَا قَالَ: هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ: صَدَقُوا أَوْ هُمْ عُدُولٌ صَدَّقَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَقُّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ وَلَوْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يُتَوَهَّمُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ، وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا
قَالَ رحمه الله (وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ، وَالرِّسَالَةِ، وَالتَّرْجَمَةِ)؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ؛ لِأَنَّ خَبَرَ هَؤُلَاءِ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ فِي الْإِخْبَارِ مَقْبُولَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ ذُكُورٌ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُقُوقِ يَجُوزُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ رَتَّبَهَا عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَبْتَنِي عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَهُوَ بِالتَّزْكِيَةِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْإِخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا مَجْلِسُ الْحُكْمِ وَجَازَ تَزْكِيَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَتَزْكِيَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَتَزْكِيَةِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَبِالْعَكْسِ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ الصِّدْقِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ بِالْعَدَالَةِ لَا بِالْعَدَدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ حَتَّى قَالُوا فِيهَا لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ التَّوَاتُرِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ لِلنَّصِّ فَبَقِيَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مُعَدِّلًا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ فِي الْمُزَكِّي شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) أَيْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ عَنْ الشُّهُودِ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ثَمَّةَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَّا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ وَمَعَ هَذَا إذَا سَأَلَ عَنْهُمْ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ عَلَى الْكَمَالِ بَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ مِنْ وَجْهٍ وَجَرْحٍ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسُوا أَمَّا إذَا قَالَ هُمْ عُدُولٌ صُدِّقُوا فِي شَهَادَتِهِمْ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ فَيُقْضَى عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ شَهِدُوا عَلَيْك بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ قَالَ بِحَقٍّ فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (فَرْعٌ) وَلَوْ جَرَّحَ الشُّهُودَ وَاحِدٌ وَعَدَّلَهُمْ اثْنَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ ثَبَتَتْ بِحُجَّةٍ رَاجِحَةٍ وَلَوْ جَرَّحَهُمْ اثْنَانِ وَعَدَّلَهُمْ ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ وَالْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ فَاسْتَوَى الْمُعَدِّلُ وَالْجَارِحُ فَرُجِّحَ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ وَقَفَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْجَارِحَ وَقَفَ عَلَى الْبَاطِنِ وَهُوَ شَيْءٌ لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُ فَالْجَارِحَانِ يُثْبِتَانِ شَيْئًا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُونَ وَالشَّهَادَةُ لِلْإِثْبَاتِ اهـ مِنْ الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ الْبُخَارِيِّ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَالتُّرْجُمَانُ إذَا كَانَ أَعْمَى فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى وَيُقْبَلُ أَيْ الْأَعْمَى فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِالسَّمَاعِ وَقَدْ كَتَبْت عِبَارَتَهُ بِكَمَالِهَا هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْمَحْدُودُ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا يَجُوزُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ التَّزْكِيَةِ بِالشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْعَدَدِ قَالَ الْمَشَايِخُ فَيَجِبُ عِنْدَهُ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ فِي شُهُودِ الزِّنَا اهـ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ لِحُسَامِ الدِّينِ رَجُلٌ صَحِبَ رَجُلًا فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ وَالْخَيْرَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَا لَمْ يَصْحَبْهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ سَنَةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهُ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ عَدَّلَهُ، وَإِنْ عَرَفَهُ ثُمَّ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِتِلْكَ الْمَعْرِفَةِ وَحَدُّ التَّطَاوُلِ سَنَةٌ أَوْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ) أَيْ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَجَازَ تَزْكِيَةُ إلَخْ) أَيْ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتَعْدِيلُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَالِابْنِ لِلْأَبِ فِي السِّرِّ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِتَعْدِيلِ السِّرِّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ
وَقَالَ الشَّارِحُ رحمه الله وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ اهـ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ شَرَطَ الْخَصَّافُ أَنْ
مَا وَرَاءَهَا عَلَى الْأَصْلِ وَفِي الْمُحِيطِ أَجَازَ تَزْكِيَةَ الصَّبِيِّ وَقَالُوا: تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالرِّسَالَةِ، وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي، وَالْمُتَرْجِمِ عَنْ الشُّهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ.
وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمُسَاءَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْإِخْبَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ، فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ
قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ أَوْ رَأَى فِي مِثْلِ الْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَالْغَصْبِ، وَالْقَتْلِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي كُلِّ مَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ إذَا عَايَنَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذْ ادَّعَى إلَيْهِ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَهَذَا لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَيَقُولُ أَشْهَدُ بِأَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ فَظَاهِرٌ، وَإِذَا كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ، وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقِيٍّ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا لِفُلَانٍ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
يَكُونَ الْمُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ غَيْرَ الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ أَمَّا عِنْدَنَا فَاَلَّذِي يُزَكِّيهِمْ فِي السِّرِّ يُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالُوا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ وَقَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ الْمَحْكِيِّ فِيهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمُخْتَلِفِ إنَّمَا هُوَ الذُّكُورَةُ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَلِفُ الرِّوَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَفْسُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي) الظَّاهِرُ أَيْ الْمُزَكِّي يَنْظُرُ فِي الْأَكْمَلِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ وَاحِدًا جَازَ وَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا اثْنَانِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَرَادُوا بِالرَّسُولِ الْمُزَكِّيَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي يُخْبِرُهُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ مِنْ رَسُولِ الْقَاضِي الْمُزَكِّي وَهُوَ الْمَسْئُولُ مِنْهُ عَنْ الشُّهُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ فِي التَّزْكِيَةِ وَكَذَا فِي الرِّسَالَةِ إلَيْهِ وَالرِّسَالَةِ مِنْهُ إلَى الْقَاضِي وَكَذَا فِي التَّرْجَمَةِ عَنْ الشَّاهِدِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَهَذَا الْخِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْخِلَافُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّي فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَشُرِطَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي التَّرْجَمَةِ شَرْطٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ أَيْ يَكُونُ هُوَ تَمَامَ السَّبَبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَوْلًا كَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالطَّلَاقِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ فِعْلًا كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا سَمِعَ الشَّاهِدُ الْقَوْلَ كَأَنْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ جَمَاعَةً عَلَى حُكْمِهِ أَوْ رَأَى الْفِعْلَ كَالْقَتْلِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ فَيَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَى فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُعَاطَاةً فَفِي الذَّخِيرَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَقِيلَ يَشْهَدُونَ بِالْبَيْعِ كَالْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الشَّرْطُ) أَيْ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ هُوَ رُكْنُ الْمُسَوِّغِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِمُسَوِّغِ الْأَدَاءِ سِوَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَّزَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِالرُّؤْيَةِ وَالسَّمَاعِ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ) فَأَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ يَقِينًا فَعَنْ هَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا تَسْمَعُهُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ بِحَضْرَتِهِ لِرَجُلٍ بَقِيَ لَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ اشْتَرَى عَبْدًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ عَيْبًا بِهِ فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي إلَّا إذَا أَشْهَدَهُ كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا)
لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمِلْكِ وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ الْقَبُولُ عِنْدَ التَّفْسِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ تَجُوزُ فِي أَشْيَاءَ ثُمَّ عِنْدَ التَّفْسِيرِ لَا تُقْبَلُ وَقَالُوا: إذَا سَمِعَ صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِنَفْسِهِ وَلَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ حُجَّةً إلَّا بِأَمْرِهِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا بِالتَّحْمِيلِ، وَكَذَا إذَا سَمِعَهُ يُشْهِدُ غَيْرَهُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ، وَإِنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ سَمِعَ شَخْصًا يُوَكِّلُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يُوَكِّلْهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ وَلَا لِلْقَاضِي إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ مَكْتُوبًا شَهَادَةُ شُهُودٍ وَلَا يَحْفَظُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ أَوْ قَضِيَّةٍ قَضَاهَا أَنْ يَحْكُمَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَنْ يُمْضِيَ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ وَلَا لِلرَّاوِي إذَا وَجَدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ أَوْ بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى فُلَانٍ وَنَحْوِهِ أَنْ يَرْوِيَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ أَوْ الْقَضِيَّةَ أَوْ الرِّوَايَةَ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَوَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» شُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعِلْمُ بِدُونِ تَذَكُّرِ الْوَاقِعَةِ وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مُزَوَّرٌ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْكِتَابِ أَنْ يَتَذَكَّرَ إذَا نَظَرَ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْدِ لِلْقَلْبِ التَّذَكُّرُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ إنْ تَيَقَّنَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْوَاقِعَةَ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ وَكَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّهَادَةِ وَأَنْ يُمْضِيَ الْقَضَاءَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِرُؤْيَةِ خَطِّهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ كُلِّ حَادِثَةٍ وَلِهَذَا يَكْتُبُ كُلَّ حَادِثَةٍ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِمَا يَجِدُهُ فِي قِمْطَرِهِ لَتَعَطَّلَ أَحْوَالُ النَّاسِ وَلِأَنَّ سِجِلَّهُ فِي قِمْطَرِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ، وَالتَّزْوِيرِ وَكِتَابَةُ الرُّوَاةِ تَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيُؤْمَنُ التَّزْوِيرُ أَيْضًا بِخِلَافِ كِتَابَةِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَاذِبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فُسِّرَ لَهُ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: إنِّي أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالُوا إذَا سَمِعَ إلَخْ) رَجُلَانِ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَشَهِدَا أَنَّ رَجُلَيْنِ سِوَاهُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَشْهَدَاهُمَا أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لَا أُجِيزُ ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا سَمِعُوا صَوْتَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ أَوْ رَأَوْا شَخْصَهَا وَشَهِدَ عِنْدَهُمْ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا، وَإِنْ لَمْ يَرَوْا وَجْهَهَا.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرَوْا شَخْصَهَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَذَكَرَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ ابْنًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ دَخَلَ عَلَى أَبِي سُلَيْمِ بْنِ الْجُوزَجَانِيِّ فَسَأَلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَقُولَانِ يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قَاضِي خَانْ رحمه الله (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ يَرَى شَخْصَهَا وَقْتَ الْإِقْرَارِ) شُرِطَ فِي شَهَادَةِ النَّوَازِلِ رُؤْيَةُ شَخْصِهَا دُونَ وَجْهِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَالَ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا وَكَذَا قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ تَحْمِيلٌ وَتَوْكِيلٌ فَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَحْمِيلٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يَسَعُ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ) وَهُوَ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ عَلَى قَضِيَّةٍ وَسَمِعَ بِذَلِكَ آخَرُونَ وَسِعَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله بِخِلَافِ مَا لَوْ سَمِعَ قَاضِيًا يُشْهِدُ قَوْمًا عَلَى قَضَائِهِ كَانَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَضَائِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَمَنْ عَايَنَ حُجَّةً حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهَا كَمَا لَوْ عَايَنَ الْإِقْرَارَ وَالْبَيْعَ أَمَّا الشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي غَيْرُ مُلْزِمَةٍ كَذَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا سَمِعَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ) أَيْ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَجَزَمَ أَنَّهُ خَطُّهُ لَا يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَيْسَ بِجَزْمٍ بَلْ تَخَيُّلُ الْجَزْمِ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا هُوَ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِلْأَقْطَعِ وَكَذَا الْخَصَّافُ ذَكَرَهَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّكُّ مُسْتَوْدَعًا لَمْ تَتَدَاوَلُهُ الْأَيْدِي وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِ صَاحِبِهِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي كَتَبَ اسْمَهُ وَوَضَعَ خَاتَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ اهـ
الصَّكَّ يَكُونُ فِي يَدِ الْخُصُومِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِجِلٌّ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَضَى بِكَذَا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْتَمَدُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّهُ كَانَ شَاهِدًا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ حَدِيثًا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ نَسِيَ رَاوِي الْأَصْلِ فَسَمِعَهُ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعْتَمِدُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا فِي النَّسَبِ، وَالْمَوْتِ، وَالنِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ)، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِعِلْمٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعِلْمُ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالْعِيَانِ أَوْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَالِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّسَامُعِ، وَالْحُكْمُ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصٌّ مِنْ النَّاسِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ وَانْقِرَاضِ الْأَعْصَارِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ وَلِأَنَّ الْأَسْبَابَ يَقْتَرِنُ بِهَا مَا تَشْتَهِرُ بِهِ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَشْتَهِرُ بِالتَّهْنِئَةِ وَنِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبَاتِ، وَالْمُنَادَاةِ، وَالْمَوْتِ بِالتَّعْزِيَةِ وَقِسْمَةِ التَّرِكَاتِ وَانْدِرَاسِ الْآثَارِ، وَالنِّكَاحِ بِالشُّهُودِ، وَالْوَلَائِمِ، وَالدُّخُولِ بِتَعَلُّقِ أَحْكَامٍ مَشْهُورَةٍ مِنْ الْمَهْرِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ، وَالْقَضَاءِ بِقِرَاءَةِ الْمَنْشُورِ وَاخْتِلَافِ الْخُصُومِ إلَيْهِ وَازْدِحَامِهِمْ عَلَيْهِ فَنُزِّلَتْ الشُّهْرَةُ فِيهَا مَنْزِلَةَ الْعِيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ، وَالْإِجَارَةِ وَأَمْثَالِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُشَاهَدَةِ أَسْبَابِهَا الْخَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ بَلْ يَحْضُرُهُ الْخَاصُّ، وَالْعَامُّ.
وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَاطِبَةً مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالشُّهْرَةِ أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَدَخَلَ بِهَا وَشُرَيْحًا كَانَ قَاضِيًا وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِحَقِيقَةِ عِلْمِ النَّسَبِ أَدَّى إلَى عَدَمِ الشَّهَادَةِ بِهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ الْعُلُوقُ وَلَا عِلْمَ لِلْبَشَرِ فِيهِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ التَّوْلِيَةُ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا الْوَزِيرُ وَأَمْثَالُهُ وَكَذَا الدُّخُولُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الزَّوْجَانِ فَاكْتَفَى فِي الْكُلِّ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَإِذَا رَأَى امْرَأَةً يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَيَنْبَسِطَانِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ عَقْدَ النِّكَاحِ وَكَذَا إذَا رَأَى شَخْصًا جَالِسًا مَجْلِسَ الْحُكْمِ يَفْصِلُ الْخُصُومَاتِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَاضٍ قَالُوا وَفِي الْإِخْبَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَهُوَ عُدُولٌ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَجُلًا عَدْلًا ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ نَسِيَ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَلَا سِجِلَّ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا لِهَذَا عَلَى فُلَانٍ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَقِيلَ وَأَبُو يُوسُفَ كَذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَمَدُ وَيَقْضِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَ مَجْلِسَ الشَّهَادَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ) بِالِاتِّفَاقِ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ) أَيْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُعَايَنَةِ بِالْعَيْنِ أَوْ السَّمَاعِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) مِنْ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اهـ وَقَوْلُهُ بِنْتُ عَلِيٍّ أَيْ مِنْ فَاطِمَةَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي نِكَاحِ فَتَاوَاهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَوْتَ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ فَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ مِنْ التَّصْحِيحِ اهـ وَقَوْلُهُ: يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ فَيَكُونُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ وَالنِّكَاحُ. اهـ. هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِخْبَارِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَفِي الْمَوْتِ إذَا قُلْنَا يَكْفِي الْوَاحِدُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْتَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا رَآهُ وَاحِدٌ عَدْلٌ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَهُوَ عَدْلٌ أَخْبَرَ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْهَدَانِ بِمَوْتِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْمُخْبِرُ أَنَّهُ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ جِنَازَتَهُ وَدَفْنَهُ حَتَّى يَشْهَدَ الْآخَرُ مَعَهُ وَكَذَا لَوْ جَاءَ خَبَرُ مَوْتِ رَجُلٍ وَصَنَعَ أَهْلُهُ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى لَمْ يَسَعْ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ سَمِعَ مِمَّنْ شَهِدَ بِذَلِكَ اهـ
فَهُوَ مُعَايَنَةٌ وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يُشْتَهَرُ دُونَ شَرَائِطِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا بِالتَّسَامُعِ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ رحمه الله أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي شَهَادَتِهِمْ الْجِهَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ قَصْرُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْوَلَاءِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّسَبِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بِالتَّسَامُعِ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَنْبَنِي عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْعِتْقِ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ رحمه الله أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِ أَيْضًا ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَسِّرَ أَنَّهُ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ فَلَوْ فَسَّرَ لَا يَقْبَلُهُ كَمُعَايَنَةِ شَيْءٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ يُطْلَقُ لَهُ الشَّهَادَةُ، وَإِذَا فُسِّرَ لَا تُقْبَلُ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ بِلَا مُنَازِعٍ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ إذْ لَا دَلِيلَ بِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُعَايِنَ أَسْبَابَ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمُمَلَّكَ ثَبَتَ مِلْكُهُ بِالْيَدِ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ التَّمْلِيكُ مِنْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ بِهَذَا أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمِلْكِ سِوَى الْيَدِ فَكَانَ مُعْتَمَدُ الشَّاهِدِ الْيَدَ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَمَنْعُهُ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهَا إذْ لَا دَلِيلَ لِلشَّاهِدِ سِوَى الْيَدِ، وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهَا فَهُوَ الْمُنْتَفِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ لَا تَجُوزُ لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا وَلِهَذَا قِيلَ لَوْ رَأَى دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ قَالُوا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ رحمه الله بِقَوْلِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله دَلِيلُ الْمِلْكِ الْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ وَبِهِ قَالَ الْخَصَّافُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ الْوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَإِجَارَةٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَمْتَازُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ قُلْنَا التَّصَرُّفُ أَيْضًا مُتَنَوِّعٌ إلَى وَكَالَةٍ وَأَصَالَةٍ.
وَشَرَطَ النَّسَفِيُّ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَأَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ الْإِحَاطَةُ، وَالتَّيَقُّنُ لِمَا بَيَّنَّا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ غَايَةُ مَا يُمْكِنُ وَهُوَ الْيَدُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ حَقِيقَةً، وَإِنْ رَآهُ يَشْتَرِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُهُ فَيَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْيَدِ تَيْسِيرًا إذْ الْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمْلَاكُ فِي يَدِ مُلَّاكِهَا، وَكَيْنُونَتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ عَارِضٌ فَرَجَّحْنَا بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ، وَالْمِلْكَ بِأَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ) قَبُولُ شَهَادَةِ التَّسَامُعِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ شَرَائِطِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَيْسَ مَعْنَى الشُّرُوطِ أَنْ يُبَيِّنُوا الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بَلْ أَنْ يَقُولَ يُبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهَا بِكَذَا لِكَذَا وَالْبَاقِي كَذَا وَكَذَا وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْوَاقِفَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ وَنُصَّ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ قَدِيمًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَاقِفِ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ سِوَى الرَّقِيقِ لَك أَنْ تَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي فَصْلٍ فِي الشَّاهِدِ يَشْهَدُ بَعْدَمَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الْحَقِّ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا رَأَيْت فِي يَدِ رَجُلٍ مَتَاعًا أَوْ دَارًا وَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِك حِينَ رَأَيْته أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ لَمْ يَسَعْ أَنْ تَشْهَدَ لَهُ بِرُؤْيَتِك إيَّاهُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ رَأَيْته فِي يَدِهِ فَوَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي يَدِ غَيْرِهِ فَأَرَدْت أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ فَشَهِدَ عِنْدَك شَاهِدَا عَدْلٍ أَنَّهُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيَوْمَ كَانَ هُوَ أَوْدَعَهُ لِلْأَوَّلِ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَسَعْك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَسِعَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ قَالَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَزُولُ مَا كَانَ فِي قَلْبِك أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِك أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِك ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا رَأَى مَتَاعًا أَوْ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا التَّصَرُّفُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مَا لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى: وَإِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي دَارًا وَشَهِدَ شُهُودُهُ أَنَّ فُلَانًا وَهَبَهَا لَهُ وَقَبَضَهَا أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى أَنْ يَقُولَا بَاعَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي الدَّارَ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ شَهَادَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدِ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ فِيمَا مَضَى وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا وَهَبَ الدَّارَ مِنْ الْمُدَّعِي وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْهِبَةِ أَوْ بَاعَ وَالدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَيُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ نَصًّا فَقَدْ شَهِدُوا لَهُ بِالْمِلْكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْيَدِ عِنْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْمِلْكِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ وَلَوْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِهَذَا اهـ