الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع: في محظورات الحج
والمحظور: هو ما يمنع المحرم من تعاطيه، فإِن فعله لم يفسد حجه وينجبر بالفدية، وهي أربعة أقسام:
القسم الأول: لبس المخيط (1) وما يلحق به مما في معناه، ويحرم على الرجل لبس المخيط إِذا لبسه على الوجه الذي خيط له، فمن لبس قميصًا فهو لابس له على الوجه الذي خيط له، ومن جعله على ظهره فليس لابسًا له على الوجهِ الذي خِيطَ له.
فرع:
وفي معنى المخيط (بالخاء المعجمة) المحيط (بالحاء المهمة) كجلد حيوان سُلخ ولُبس أو لبد (2) جُعل كالقميص، أو درع (3) حديد أو ثوب منسوج،
(1) أوضح القرافي الحكمة في منع المخيط بقوله: "إِنما يمنع الناس من المخيط وغيره في الإِحرام ليخرجوا عن عاداتهم وإِلفهم، فيكون ذلك مذكرًا لهم بما هم فيه من طاعة ربهم فيقبلون عليها، وبالآخرة بمفارقة العوائد في لبس المخيط، والاندراج في الأكفان، وانقطاع المألوف من الأوطان واللذات". (الذخيرة: 3/ 229).
(2)
اللّبد: نوع من البسط. والجمع لبود، واللبادة: قباء من لبود (اللسان: لبد).
(3)
الدرع: لبوس الحديد، تذكر وتؤنث والجمع في القليل أدرع وأدراع وفي الكثير دروع. (اللسان: درع).
كما يوجد في بعض البرانس (1) يُنسج (2) نسجًا لا يحتاج معه إِلى خِياطة.
تنبيه:
وهذا حكم برانس المغاربِة وما ينسجه العجم من زيّ المسلمين، وأما برانسُ العجمِ والروم وما ينسج (3) من الجوخ من زي لباس النصارى فلبسه حرام، فإِن لبسه أثم وافتدى، ويؤدَّب للتشبه بالكفار، ويُلحق بالمخيط ما لو جعل للرداء أو للإِزار أزرارًا أو خلله أو عقده.
فرع:
وإِذا أدخل منكبيه في القباء (4) لزمته الفدية، وإِن لم يدخل يديه في كميه ولا زرره عليه؛ لأن ذلك دخولٌ فيه، لكونه يثبت وبعضهم يلبسه كذلك، بخلاف ما لو قَلَبَهُ وجعل أسفله على منكبيه فلا فدية؛ لأنه لا يثبت ولا يُلبس كذلك.
(1) البرنس: كل ثوب رأسه منه ملتزق به. وقال الجوهري: البرنس قلنسوة طويلة وكان النساك يلبسونها في صدر الإِسلام. (اللسان: برن).
(2)
ينسج: سقطت من (ر)،
(3)
ر، ص: يصنع.
(4)
القَبَاء: بفتح القاف والمد: ثوب يكون مفرجًا. (مواهب الجليل: 3/ 142).
وهو مشتق من القبو، وهو الضم والجمع، سمي به لانضمام أطرافه. (جواهر الإِكليل: 1/ 186).
تنبيه:
فإِن قلت: جعل مالك الطرح على الظهر لبسًا في باب الأيمان ولم يجعله هنا لبسًا؟
قلت: الفرق بينهما ضيق الأيْمان، بدليل تفرقته في باب الإِحرام بين الطول والقصر في لبس الثوب (1) وشبهه، فلو حلف لا يلبس ثوبًا معينًا، فلبسه ثم نزعه من فوره حنث.
والمحرم ممنوع من لبس الثوب، فلو لبسه ثم نزعه من فوره لم تجب عليه فدية، ذكره في الطرر أبو إِبراهيم الأعرج.
فرع:
لو لبس قميصًا ليقيسه عليه أو عقد أزراره أو خلل رداءه أو زرره ولم يطل ذلك كمثل شيل (2) الرجل أو طلوع الدابة أو النزول عنها وما أشبه ذلك لم تلزمه فدية، وإن طال ذلك حتى انتفع به افتدى، فلو صلى به، وهو كذلك، فقال الشيخ أبو إِسحاق: قيل: عليه الفدية، لانتفاعه بذلك في سترة الصلاة، لا لأجل الطول، وقيل: لا فدية عليه، إِذا كان قريبًا كغير المصلي.
(1) ر: الثياب.
(2)
كذا في جميع النسخ، ولعلها عبارة دارجة غير عربية.
تنبيه:
قال القرافي: والمعتبر في الطول دفع مضرة حرِّ أو برد، طال أو قصر (1).
ومثال حصول النفع مع قصر الزمان كتغطية رأسه وقت نزول مطر شديد، وإِن لم يقصد دفع ضرر فالطول كاليوم لحصول الترفه.
فرع:
قال ابن راشد: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يجوز * له أن يغطيَ رأسَه (2) في الإِحرام (3).
فرع:
ولا يجوز له أن يغطي وجهه أيضًا، ففي المدونة: وإِحرام الرجل في وجهه ورأسه (4).
(1) الذخيرة: 3/ 349 - 350.
(2)
عبارة ابن راشد: "يحرم على الرجل أن يغطي رأسه، وإِن غطى وجهه افتدى".
وقال الأبي: "لم يختلف في حرمة تغطية الرأس، وإِنما اختلف في الوجه"(إِكمال الإِكمال: 3/ 319).
وحكى ابن المنذر الإِجماع على منع المحرم من تخمير رأسه. (الإِجماع: 18).
(3)
ر: إِحرامه.
(4)
المدونة: 2/ 222.
وأخذ مالك بقول ابن عمر رضي الله عنهما: إِنَّ ما فوق الذقن من الرأس لا يخمره المحرم (1).
وقال مالك: من غطى وجهه افتدى (2).
تنبيه:
ويفهم من قول ابن الحاجب: ويحرم على الرجل أن يغطي رأسه لا وجهه على المشهور (3)، أن المشهور جواز تغطية الوجه (4)، وهو مما تعقب عليه.
قال الباجي: وإِلى المنع ذهب مالك. وإِنما ذكر قضية عثمان رضي الله عنه ليكون للمجتهد طريق إِلى الاجتهاد. وحكى القاضي عبد الوهاب فيه قولين: بالكراهة والتحريم للمتأخرين (5).
(1) الذخيرة: 3/ 307 - 308.
(2)
ولكن مالكًا يجوز استظلال المحرم بيديه بوضعهما فوق حاجبين. قال ابن رشد: إِنما استخف ذلك ليسارته. (البيان والتحصيل: 3/ 30 - 31).
(3)
كذا في (جامع الأمهات: 4). وتمام كلامه (
…
بما يعد ساترًا).
(4)
الوجه: سقطت من (ب).
(5)
قول الباجي في (المنتقى: 2/ 199). وهو يعني بقضية عثمان ما أخرجه مالك عن ابن عمير الحنفي "أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم"(الموطأ: كتاب الحج، تخمير المحرم وجهه).
قال الباجي: "يحتمل أن يكون فعل ذلك لحاجته إِليه، ويحتمل أن يكون فعله لأنه رآه مباحًا، وقد خالفه ابن عمر وغيره فقالوا: لا يجوز للمحرم تغطيته".
وقال ابن بشير: يمنع المحرم من تغطية الوجه والرأس.
وقال ابن شاس: إِحرامُ الرجل في وجهه ورأسِه (1).
فالحاصل: أن تغطية ما فوق الذقن لا يجوز على المشهور.
والقول الثاني: الكراهة.
ومرادهم: إِذا غطى رأسه أو وجهه بما يعدّ ساترًا كالثوب، وأما لو غطاه بيده فلا شيء عليه (2).
فرع:
قال في العتبية: ويُكره أن يكب وجهه على الوسادة من شدة (3) الحرِّ (4).
(1) الجواهر ك 1/ 419 - الرسالة الفقهية: 180.
والمعنى: أن أثر إِحرام الرجال إِنما يظهر في وجهه ورأسه فيحرم عليه سترهما. (الفواكه الدواني: 1/ 381).
(2)
الذخيرة: 3/ 307.
(3)
ر: لشدة.
(4)
هذا مذهب مالك في العتبية، ووجه ابن رشد الكراهية في ذلك "بأن المحرم لا يجوز له تغطية وجهه، ولا أن يستظل بشيء إِلا إِذا نزل بالأرض بالفسطاط والقبة وشبه ذلك لأنه كالبيت". (البيان والتحصيل: 3/ 455).
فرع:
وليس من تغطية الرأس أن يحمل عليه ما لا بد له منه من خرجه وجرابه وغيره من حوائجه؛ لأن ذلك مما تدعو إِليه الضرورةُ، فإِن حمل على رأسه ما لا تدعو إِليه الضرورة افتدى، كحمله تجارة ونحوها؛ وكذلك لو حمل ما لا بد له منه على رأسه بخلًا منه بالكراء وهو غني فإِنه يفتدي، وكذلك لو حمل على رأسه لغيره فإِنه يفتدي.
قال أشهب: إِلا أن يكون ما يحمله على رأسه مما يتعيش به كالعطار مثلًا فيجوز ولو كان تجارة.
يريد: إِذا لم يكن بخلًا ولم يكن ذا غنى.
فصل
ويجوز استظلاله بالبناء والأخبية وما في معنى ذلك مما يثبت (1).
وفي مختصر الواضحة، قال ابن حبيب: واجتنب في إِحرامك الاستظلال من المشي راكبًا كنت أو ماشيًا ما لم تكن نازلًا بالأرض. وقال لي ابن الماجشون لو خيرت بين أن أحج مستظلًا أو أقعد في بيتي لاخترت القعود.
واستظلال الراكب والماشي من المتاع الذي لا يجوز له.
قال: وللنازل أن يلقي ثوبًا (2) على شجرة فيقيل تحته، وإِن أراد أن يحمل ذلك على محمله لم يجز له ذلك.
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَا مِنْ مُحْرمٍ يَضْحَى للشَّمْسِ حَتَّى تغربَ إِلَّا غربتْ بذنُوِبِه حَتَّى يَعْودَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"(3).
فرع:
قال ابن يونس: وفي كتاب محمد: لا بأس أن يستظلَّ المحرمُ تحتَ المحمل، وهو سائر.
ومنع سحنون أن يستظل بظل المحمل وهو سائر (4).
(1) لباب اللباب: 58.
(2)
ر: ثوبه.
(3)
سبق تخريج هذا الحديث ضمن باب ما جاء في فضل العمرة، فصل في تجرد الإِحرام.
(4)
الجواهر: 1/ 419.
ونقل ابن بشير في الاستظلال بالبعير قولين أصحهما الجواز.
وأما الاستظلال بالمحمل وهو في الأرض فجائز.
فرع:
وفي الاستظلال بشيء يضعه على المحمل وهو راكب فيه أو نازل في الأرض، وهو فيه قولان في الفدية، بخلاف الاستظلال * بجانبه وهو في الأرض، كما تقدم ذكره في التوضيح (1).
قال اللخمي: إِن لم يكشف ما على المحارة (2) افتدى (3) وكذا لو استظل بثوب يضعه على عود كالراية، وهو على البعير أو في الأرض، ففي الفدية قولان.
والقول بالفدية (4) في هذه الصورة لمالك.
تنبيه:
قال ابن الحاج: الفدية عند مالك في ذلك مستحبة غير واجبة.
وفي منسك التادلي عن ابن رشد: أنه رُوي عن مالك أن استحسن الفدية
(1) التوضيح: 1/ 235 ب.
(2)
المحارة: شبه الهودج، والهودج: مركب للنساء. (جواهر الإِكليل: 1/ 187).
(3)
الجواهر: 1/ 420.
(4)
ر: في الفدية.
لمن استظلَّ في محمله من غير ضرورة، ونصوصهم مصرحة بوجوب الفدية وسقوطها.
وعلى القول بالسقوط فهي مستحبَّةٌ.
وعن ابن المواز: لا يستظل إِذا نزل بأعواد ويجعل عليها كساء أو غيره.
وقال يحيى بن عمر (1): لا بأس بذلك كله إِذا نزل بالأرض وهو كالبناء المضروب وكالشجرَة يُلقَى عليها ثوبٌ، على قول ابن الماجشون.
وقول مالك: وجوب الفدية إِذا استظل بثوب ألقاه على شجرة.
فرع:
قال مالك: ولا يعجبني أن يستظل في يوم عرفة بشيء.
(1) يحيى بن عمر بن يوسف بن عامر الكناني مولى بني أمية، زكرياء الأندلسي، نزيل إِفريقية، استفاد من علمائها، ورحل إِلى المشرق فسمع من أعلامه، وبعد أن سكن القيروان ودرس بها استوطن سوسة ونشر بها فقه الإِمام مالك. ت بها 289. وهو ابن 76 سنة.
(بغية الملتمس 490 رقم 1484. تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي: 2/ 49 رقم 1566، تراجم المؤلفين التونسيين: 3/ 424 رقم 380، جذوة المقتبس: 354، الديباج: 2/ 354، رياض النفوس: 1/ 396، طبقات الخشني: 134، طبقات المالكية لمجهول: 122 رقم 127، كحالة: 13/ 217، المدارك: 4/ 356، ورقات حسن عبد الوهاب 2/ 127).
فرع:
قال مالك: إِذا كان الرجلُ عديلَ المرأة (1) فلا يستظل هو وتستظل هي وقاله ابن القاسم.
وروي عن مالك: لا يعجبني أن يجعلا عليهما ظلًّا (2) وعسى أن يكون في ذلك بعض السعة إِن اضطر إِلى ذلك (3).
قال ابن الحاج في منسكه: وله أن يرفع فوق رأسه شيئًا يقيه من المطر.
يريد: أنه يرفعه على يديه ولا يضعه على رأسه.
واختلف هل له أن يرفع شيئًا يقيه من البرد؟ فوسع في ذلك مالك، ولم ير ذلك ابن القاسم.
تنبيه:
والمنع من الاستظلال في المحمل أو على الدابة إِنما هو لمن فعله لغير ضرورة، وأما المريض فيجوز أن يجعل على محمله ما يقيه الشمس.
ولو كان للمريض عديل في المحمل جاز جعل الظل لهما إِذا كان أرفق للمريض (4). ويفعل ذلك ابتداء ولا فدية على المريض ولا على الصحيح. روي هذا عن مالك.
(1) ر: عديلا للمرأة.
(2)
ر: الظل.
(3)
الجواهر: 1/ 420.
(4)
ر: أرفق بالمريض.
ونقل ابن الحاج: أن المريض يفتدي وعديله الصحيح من باب أولى.
فرع:
لا يجوز للمحرم أن يشد منطقة على مئزره، ولا يشد عليه خيطًا ولا ما أشبهه (1) فإِن فعله (2) افتدى (3).
فإِن احتاج إِلى حمل نفقته في منطقة أو هميان (4) شده على جلده من تحت المئزر.
ولا يشد على وسطه نفقة غيره فإِن فعل افتدى.
تنبيه:
فلو شد الهميان على وسطه وليس هو لنفقة الطريق بل (5) للتجارة فعليه الفدية (6)، قاله ابن حبيب وابن يونس.
وله أن يضيف نفقة غيره إِلى نفقته إِذا كان أصل مقصوده لنفقة نفسه (7)
(1) ر: ولا ما أشبه ذلك.
(2)
ر: فإِن فعل.
(3)
أما شد المنطقة تحت المئزر فلا فدية فيه. (الذخيرة: 3/ 306).
(4)
الهميان: منطقة مثل الكيس يجعل فيه الدراهم، وهذا التفسير لابن فرحون في شرحه مختصر ابن الحاجب (مواهب الجليل: 2/ 146).
(5)
ر: بل هو.
(6)
الزرقاني على مختصر خليل: 2/ 294 - 295، التاج والإِكليل: 3/ 146 - 147.
(7)
ر: نفقة نفسه.
لا أن يشدها للنفقتين معًا، فإِن نفدت نفقته لم يسعه بقاء غيره ويردها إِليه إِن وجده، فإِن لم يجده حملها ولا شيء عليه؛ لأنه ابتدأ حملها بوجه جائز.
فرع:
فإِن شد نفقته على عضده أو فخذه فمكروه، ولا فدية عليه على المشهور *.
ووجه القول بالفدية: أنه شدَّها في موضع غير معهود لذلك، فكان كمن شدها لغير ضرورة، وساوى في المشهور بين العضد والفخذ والوسط؛ لأن العضد أحفظ من الوسط، والفخذ أخفى للنفقة من الوسط.
فرع:
تقدم أن الاحتزام للعمل وللركوب والنزول جائز، وكذا لو استثفر بمئزره (1).
وفي ابن الجلاب قول بالكراهة (2).
وأما لغير العمل فإِن طال لزمتْه الفديةُ.
(1) الاستثفار بالمئزر: أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه (النهاية: ثفر: 1/ 214).
(2)
التفريع: 1/ 323.
فرع:
وفي تقلد السيف لغير ضرورة، قيل: تجب الفدية، وقيل: لا.
وكذا لو تقلده لضرورة جرى فيه القولان، والقول بالفدية في الجلاب (1).
فرع:
لا يشد المحرم مئزرًا على مئزره؛ لأن الأسفل يشتد ويستمسك بالأعلى، فهو كربط الهميان فوقه، فإِن فعل فعليه الفدية، وله أن يبسط أحدهما على الآخر، ويشد وسطه بهما جميعًا، فيكونان بمنزلة مئزر واحد، وله أن يرتدي برداء فوق رداء لانتفاء العقد والربط فيهما.
فرع:
وفي لبس السراويل الفدية، وإِن لم يجد إِزارًا.
فرع:
قال ابن حبيب في المريض يضطر لأجل مرضه إِلى لبس القميص والسراويل والخف والقلنسوة (2) والعمامة وتغطية المحمل ومن الشمس
(1) التاج والإِكليل: 3/ 142. وانظر (المغني: 3/ 306).
(2)
القلنسوة: تسمى أيضا القلسوة والقلنسية والقلنساة من ملابس الرؤوس، والواو في القلنسوة للزيادة غير الإلحاق وغير المعنى. (اللسان: قلس).
والتداوي بدواء فيه طيب، فتداوى بدواء بعد دواء، ولبس لبسًا فوق لبس (1)، وتعمم عمامة بعد عمامة ولبس خفًا مرة بعد مرة وستر (1) المحمل يومًا بعد يوْمٍ: أنه إِذا فعل ما فعل من ذلك أو لا مُجْمعًا على ما فعل منه آخرًا لأجل علته ومرضه، فليس عليه فيه أجمع، وإِن اختلفت أصنافه وأوقاته، إِلا فدية واحدة؛ وإِن انفردت النية في شيء منه دون شيء، ثم حدثت النية في فعله فعليه لكل واحد من ذلك فدية، وإِن كانت العلة واحدة إِلا ما كان من ذلك بعضه من بعض مثل: القميص يلبسه ثم يلبس الفروة والجبة والسراويل من بعد ذلك فليس عليه في هذا أجمع، وإِن لبسه (2) شيئًا بعد شيء، إِلا فدية واحدة إِذا كانت العلة واحدة؛ لأن القميص يأتي على الفروة والجبة والسراويل ويستر الجميع، ولو اضطر أولًا إِلى لبس السراويل فلبسه وحده ثم احتاج بعد ذلك في تلك العلة إِلى لبس القميص فلبسه كانت عليه فديتان؛ لأن القميص يستر ما لا يستره السراويل وكذلك إِذا اضطر ولبس القلنسوة ثم احتاج في علته تلك إِلى العمة ثم احتاج إِلى تغطية المحمل، فليس عليه في هذا كله، وإِن لم تجمعه نية واحدة، إِلا فدية واحدة؛ لأن بعضه من بعض، قال: ومن اضطر لعلة فلبس قميصًا، ثم صحَّ من علته تلك، ثم اعتل علة أخرى، فلبس قميصًا آخر، فإِنَّ عليه في كل لبسة فدية، وإنما الذي وصفنا
(1) ر: ويلبس
…
ويستر.
(2)
ص: لبس.
قبل هذا في علة واحدة إِذا افترقت فيه النية أو اجتمعت (1).
قال: هكذا سمعت ابن الماجشون يقول في هذا كله.
فرع:
قال ابن الماجشون: وإِذا لبس المحرم ما لا يلبسه * المحرم من غير علة ثم اعتل فمضى على لبسه ذلك لعلته ثم صحَّ ومضى عليه لم يكن عليه إِلا فدية واحدة؛ لأنه فعلٌ واحدٌ متصلٌ.
قال: ولو لبسه أولًا وهو مريض فدام عليه صح فلم ينزعه، كان عليه فديتان: فدية للبسه حين اضطر إِليه أولًا وفدية في دوامه عليه بعد صحته، وليس عليه في دوامه في مرضه الثاني فدية، وكأنه مرضٌ متصلٌ بالمرض الأول.
فرع:
قال ابن رشد: سئل مالك عن المحرم يتخذ الخِرقة لفرجهِ فيجعلها فيه عند منامه؟ قال: لا بأس بذلك، وليس هذا يشبه الذي يلف خرقة على فرجه للبول والمذي، ذلك يفتدي (2).
وقيل: لا فدية عليه، وإِنما أوجب الفدية في ذلك لأنه يزيل الشعث عن الجسد بثبوته عليه قياسًا على المخيط؛ والقول بنفيها لأن تلك الخرقة لا تدخل في معنى النهي عن لباس المخيط.
(1) انظر (أسهل المدارك: 486 - 487).
(2)
البيان والتحصيل: 3/ 466.
قال ابن رشد: ولو اتخذ خرقة لفرجه فجعلها على فرجه (1) ولم يلفها عليه لم يكن عليه فدية.
فرع:
قال ابن الحاج: ومن عصب على بطنه أو رأسه من وجع يجده، فعليه فديةٌ، وإِذا عصب على الجراح (2) افتدى.
ولم يفرق في المدونة في التعصيب أو الربط بين خرق صغار أو كبار (3) وجعل في المدونة قدر الدرهم كثيرًا.
فرع:
ومن جعل قطنة في أذنيه لوجع يجده فيهما فعليه فدية، كان في القطنة طيبٌ أوْ لا، لأنَّ ذلك موضعُ الإِحرام الذي لا يجوز للمحرم ستره.
فرع:
وفي العتبية: إِذا كان في أصبعه قطع سكين فإِن كان يسيرًا، وجعل عليه
(1) ر: يجعلها على ذكره.
(2)
ر: على الجرح.
(3)
يفرق مالك في المدونة بين تعصيب الجرح بالحناء وتعصيبه بالدواء، ففي الأول يحكم بالفدية إِذا كانت الرقعة كبيرة دون الصغيرة جاعلًا الحناء طيبًا. وفي الثاني يحكم بالفدية ولو كانت الرقعة صغيرة. انظر (المدونة: 2/ 219).
حناء، وربطه بخرقة، فلا شيء عليه؛ وإن كان كثيرًا افتدى (1).
فرع:
ولو جعل قرطاسًا على صُدغيه لعلَّةٍ افتدى؛ لأنه يستر (2) ما أُمِر بكشفه (3).
فرع:
وفي الخاتم قولان: بلزوم الفدية، وهو المشهور (4)؛ لأنه محيط، وبعدمها لأنه يسير.
فرع:
قال ابن الحاج: وإِذا وضع على الدمل رقعة قدر الدرهم فهو كثير ويفتدي.
(1) نص العتبية: "وسئل مالك عن محرم قطع إِصبعه بسكين، وكان قطعه يسيرًا، أيجعل عليه الحناء ويلفها بخرقة؟ .
قال إِنما نقول: إِذا كان الشيء اليسير فلا بأس به، ولا أرى عليه فدية في ذلك، وإِن كان كثيرًا رأيت عليه الفدية".
وقال ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة سواء. (البيان والتحصيل: 3/ 455).
(2)
ر: لأنه ستر.
(3)
إِذا كان جعل القرطاس على الصدغين فإِنه لا إِثم عليه. (الخرشي على مختصر خليل: 2/ 405).
(4)
وهو المشهور: سقط من (ر).
فصل
ولا يجوز للمحرم لبس الخفين والقفازين والشمشكين (1) فإِن عدم النعلين أو وجدهما غاليين قطع الخفين من أسفل الكعبين.
وإِذا لم يجد المحرم النعلين ووجد الخفين فقطعهما أسفل من الكعبين (2)، فروى ابن القاسم: أنهُ لا شْيء عليه.
وذكر ابن حبيب أنه سمع ابنَ الماجشون يقول: إِن عليه الفدية؛ لأن النعال قد كثرت اليوم، وإِنما كانت الرخصة فيما مضى لقلتها.
وفي كلام سند، من كتاب الحج من الطراز، ما يقتضي أنَّ على المحرم أن يعد النعلين إِذا علم أنهما لا يوجدان في الميقات، وكان واجدًا لثمنهما (3).
فرع:
فإِن وجد نعلين واحتاج إِلى لبس الخفين لضرورة بقدميه، وقطعهما من أسفل الكعبين *، لزمته الفدية؛ رواه ابن القاسم عن مالك.
(1) ب: والشمسكين.
(2)
وإِذا لم
…
الكعبين: ساقط من (ب).
(3)
ر: لقيمتهما.
فرع:
روي عن مالك أنه كره لبس الجرموقين.
تنبيه:
انظر قوله: كره لبس الجرموقين، وقد قالوا (1) في باب المسح على الخفين: الجرموقان: هما الخفان الغليظان اللذان ليس لهما ساقان.
وفسره ابن الحاجب بتفسير آخر، فقال: وهما جروب مجلد (2).
وكلامه يدل على أنه يستر الكعبين وعلى هذا فالكراهة ليست على ظاهرها.
والشمسك: هو المسمى بالقرق من لباس أهل البادية في بلاد المغرب، وهو يُعملُ من الجلود ويشدونها بالسيور.
والقفازان: شيء يعمل من جلد أو غيره، تستر به اليد.
فصل
ولا يلبس المحرم ثوبًا مزعفرًا ولا مورسًا (3) كان فيه رائحة منهما أو لم
(1) ر: وقد ذكروا.
(2)
عبارة ابن الحاجب في تفسير الجرموقين "وهو جورب مجلد، وقيل: خف غليظ ذو ساقين". جامع الأمهات: 71 مخط. ولم ترد العبارة في المطبوع.
(3)
المورس: الثوب الذي صبغ بالورس، والوَرْس (بفتح الواو وسكون الراء مهملة) نبت =
تكن، فإِن فعل افتدى، وإِن لم يجد غيره فيغسله فإِن خرج صبغُه أحرم فيه، وإِلا صبغه بمشق أو مدر حتى يتغير لونه.
والمشق: المغرة، وهو طين أحمر يصبغ به.
فرع:
فإِن لبس المحرم ثوبًا مصبوغًا بزعفران أو ورس فنزعه مكانه فلا فدية عليه (1)، وإِلا فعليه الفدية عامدًا أو جاهلًا أو ناسيًا.
وسئل مالك عن الرجل يحرم في الثوب فيه اللمعة من الزعفران؟ فقال: أرجو أن يكون خفيفًا.
فرع:
وليس على المحرم شُعوثةُ اللباس، بل له تجديدُ الملبوسِ فيغيرهما، أعني: المئزر والرداء، بغيرهما ويبالغ في تنظيفهما إِذا أمن قتل الدواب (2).
= أصفر طيب الريح يصبغ به (الزرقاني على الموطأ: 2/ 229) وقال الجبي: صبغ إِلى الصفرة فيه رائحة طيبة. (شرح غريب ألفاظ المدونة: 44).
الأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: لما سئل عما يلبس المحرم: "لا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه الزعفران أو الورس" مالك عن ابن عمر في الموطأ: كتاب الحج، ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإِحرام. (تنوير الحوالك: 1/ 239).
(1)
عليه سقط من (ب)، ص.
(2)
انظر (مواهب الجليل، والتاج والإِكليل: 3/ 145).
فرع:
ولا يجوز للمحرم لبس الثوب المعصفر المفدم (1) المشبع (2) الصبغ (3).
وكره مالك للرجال أن يحرموا فيما انتفض صبغُه أو لم ينتفض، وهذا هو المشهور (4).
وروى أشهب عن مالك سقوط الفدية عن الرجل إِذا لبس المصبوغ المفدم.
قال اللخمي: ولم يره من الطيب المؤنث، قاله غير واحد، وهو على هذه الرواية مكروه، وأجازه للنساء ما لم ينتفض صبغه. حكاه عنه ابن حبيب.
وروى عنه ابن القاسم في المدونة كراهية المفدم المعصفر للرجال والنساء أن يحرموا فيه؛ لأنه ينتفض (5). وكره أيضًا للرجال في غير الإِحرام.
ولا بأس بلبس الثياب السود والكحليات والدكن والخضر ولم يكن يرى بالمورّد من المعصفر ولا بالمشق (6) بأسًا أن يحرم فيه الرجال.
(1) المُفَدم (بضم الميم وفتح الفاء والدال) وهو الثوب الذي أشبع في العصفر أو شبهه من الأصبغة حتى صار ثخينًا ثقيلًا. (شرح غريب ألفاظ المدونة: 40).
(2)
الثوب المعصفر المشبع: هو الذي لا ينفض صبغه. (الزرقاني على المبسوط: 2/ 231).
(3)
ر: بالصبغ.
(4)
المدونة: 2/ 220 - الزرقاني على الموطأ: 2/ 231.
(5)
المدونة: 2/ 220.
(6)
الثوب المشق: هو المصبوغ بالمشق أو المغرة وهي طين أحمر يثبت بالثوب إِذا خلط =
ويكره للإِمام ومن يقتدي به أن يلبس ممشقًا.
وأما المرأة فتلبس القميص والدرع والخمار والسراويلات والعمامة والخفين، وهي في ذلك بخلاف الرجل (1) ولا بأس لها أن تلبس الحرير والخز والحلي.
وإِذا غطتْ وجهها فعليها الفديةُ إِلا أن تسدل رداءها من فوق رأسها، تريد بذلك ستره، وإِلا فلا ترفعه تحت ذقنها وتضعه على رأسها ولا تشده على رأسها، ولا تغرزه بإِبرة وما أشبهها.
ويكره للنساء الحرائر والجواري لبس القَبَاءِ (2) في الإِحرام وغيره *؛ لأنه يصفهن، وكراهية لبسه للحرائر أشد (3).
ويكره للمحرمة لبس القفازين (4) فإِن فعلت فعليها الفدية على
= بزيت، ولون المغيرة شقرة بكدرة. (شرح غريب ألفاظ المدونة: 40 - مواهب الجليل: 3/ 148).
(1)
هبة المالك: 143.
(2)
القباء (بفتح القاف والمد): ما كان مفرجًا من الثياب. (مواهب الجليل: 3/ 142).
(3)
كذا في (المدونة: 2/ 222).
(4)
القفاز: ما يفعل على صفة الكفين من قطن ونحوه ليقي الكف من الشعث. (مواهب الجليل: 3/ 140).