الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (1). فإِن خشي المعتمر أنه إِن تشاغل بعمل العمرة ونحر الهدي فاته الحج لأنه مراهق، وكذلك المعتمرة تحيض قبل أن تطوف، وتخشى فوات الحج إِن انتظرت الطهر، فإِنها تُردفُ الحجَّ وتسوقُ الهدْيَ، وقد تقدم ذلك في باب صفة العمرة (2).
فصل
ويؤكل من الهدي كله واجبه وتطوعه، إِلا أربعة أشياء: جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين وهدي التطوع إِذا عطب قبل محله (3)، وما سوى ذلك من هدي التمتع والقران ومجاوزة الميقات والفوات والفساد وغير ذلك سوى ما ذكرناه فإِنه يؤكل منه (4)، وقيل: إِنه لا يؤكل من هدي الفساد (5).
قال ابن عبد السلام: وروي عن مالك - رحمه الله تعالى - أن من أكل من
(1) البقرة: 196.
(2)
انظر ص 499.
(3)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ذئيب أبا قبيصه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبُدن ثم يقول: "إِن عطب منها شيء فخشيت عليه موتًا، فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك".
أخرجه مسلم في (الصحيح: 1/ 963 رقم 1326 كتاب الحج باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق).
(4)
مختصر ابن عرفة: 1/ 156 ب - مناسك خليل: 44 ب.
(5)
الجواهر: 1/ 452 - 453.
جزاء الصيد أو فدية الأذى يستغفر الله تعالى، ولا شيء عليه.
وإِنما لم يجز له أن يأكل من هدي جزاء الصيد؛ لأن الله جعله للمساكين (1) لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ * أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} (2) فهو عدل الصدقة إِن اختارها، وكذلك نسك الأذى، وإِن كانت ليست من الهدي - لكن صاحبها لا يأكل منها لقوله صلى الله عليه وسلم "أو أطْعِمْ ستَّةَ مَسَاكِينَ"(3).
والنُسُكُ عدل الصدقة (4) ألا ترى أن من ذبح شاة فقد افتدى، ومن تصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين فقد افتدى.
ونذر المساكين هو صدقة منه عليهم، وما سماه للمساكين فقد نذره لهم، فلا يجوز له الرجوع فيه، ولا يأكل من صدقته في الهدي (5)، هذا إِذا نواه
(1) هناك تعليل آخر وهو أن الفدية عوض عن الترفه فالجمع بين الأكل منها والترفه جمع بين العوض والمعوض. (الصاوي على الشرح الصغير: 2/ 126).
(2)
المائدة: 95 ونصها: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ
…
}.
(3)
من حديث كعب بن عجرة، ونصه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة، وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر، والقمل يتهافت على وجهه، فقال: أيؤذيك هوامك هذه؟ قال: نعم. قال: فاحلق رأسك، وأطعم فرقًا بين ستة مساكين أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة"(عوالي الإِمام مسلم: 135).
وأخرجه البخاري، كتاب الحج باب النسك شاة (الصحيح: 3/ 13).
(4)
أصول الفتيا: 94.
(5)
في الهدي: سقطت من (ر)، ص.
صدقة للمساكين بقلبه أو سماه بلسانه، وإن كان نذره هديًا طلبًا للأجر فإِنه يأكل منه؛ لأنَّ جنس الهدي ليس مقصورًا على الفقراء، وكذلك يجوز إِطعام الغني منه (1).
وأما ما عطب من نذر المساكين قبل محلّه فإِنه يأكل منه ويطعم، هذا إِذا كان مضمونًا، وما ما نذره من الهدي المعين فلا يأكل منه سواء بلغ محله أو لم يبلغ.
وإِنما لم يجز له أن يأكل من هدي التطوع إِذا عطب قبل محله؛ لأن يتهم أنه أعطيه ليأكل منه، فإِن أكل منه أبدله لقوة التهمة فيما ذكرناه (2).
قال ابن الحاج: وما عطب من الهدي الواجب جاز له أن يأكل منه وأن يطعم (3) ويبيع إِن شاء لأنه حينئذ ليس بهدي، والهدي عليه بحاله ولا بد أن يبدله.
(1) جاء في فروق الونشريسي قوله: "إِنما يأكل المهدي من سائر الهدايا ويطعم منها الغني، إِلا جزاء الصيد ونسك الأذى ونذر المساكين بعد محله؛ لأن جزاء الصيد قيمة متلف، وفدية الأذى بدل عن الترفه، وأيضًا لما كان في فديه الأذى وجزاء الصيد مخيرًا بين الدم والطعام ابتداء ثم أهدى صار كأنه بدل الطعام، فكما لا يأكل من الطعام لا يأكل من بدله"(عدة البروق: 187 - الفرق: 206).
(2)
قوانين الأحكام الشرعية: 159.
(3)
ب: ويطعم.
فرع:
ومن أطعم غنيًّا أو ذميًّا من الجزاء والفدية فعليه البدل - ولو جهلهم - كالزكاة، ولا يطعم منها أبويه ونحوهما كزوجته وولده ومُدَبَّره (1) ومكاتَبَه (2) وأمَّ ولَدِه، والذمّيُّ في غير هذين الدّمين أمره خفيف بالنسبة إِلى البدل، وقد أساء إِن فعل ذلك.
فرع:
وأما هدي المتطوع فيؤكلُ منه بعد بلوغِهِ محله، لقوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (3).
وكذلك يُؤكل من هدْي الواجب إِذا بلغ محلَّه، وليس لما يؤكل منه أو يتصدق به شيء معلوم، وما فعلت من ذلك أجزأ، ولا بأس أن تُطعمَ منها جارك الغني أو تهدي لصديقك، ولا بأس أن تدَّخر وتتزود (4).
وفي البخاري عن جابر رضي الله عنه: "كُنَّا نَتَزَوَّدُ لحُومَ الهدْي (5)
(1) المدبَّر: هو المملوك الذي يعتقه سيده عن دبر، فيكون حرًا بعد موته في ثلث التركة.
انظر (الرصاع على حدود ابن عرفة: 2/ 673 - وما بعدها).
(2)
المكاتب: هو المملوك الذي أعتقه سيده على مال مؤجل، يدفع نجومًا ويكون العتق موقوفًا على أدائه. (ن. م: 524).
(3)
الحج: 36.
(4)
أسهل المدارك: 1/ 504 - 505.
(5)
ر: الهدايا.
على عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَة" (1).
فرع:
وللرجل أن يبعث الهدي الواجب عليه في حج أو عمرة، وكذلك في التطوع.
فرع:
ومن بعث هدي تطوع فلا يأمر رسوله أن يأكل منه إِن عطب قبل محله، فإِن أمره فهو ضامن، وليس للرسول أن يأكل منه، فإِن أكل بغير أمره فلا ضمان عليه ولا على مُرسله.
ويُنحر هدي التطوع إِذا عطب قبل محله، ويرمي قلائده في دمه، ويرمي جلالها وخطامها، ويخلي بين الناس وبينها؛ فإِن أمر أحدًا بأخذ شيء منها فعليه * البدل.
فرع:
إِذا ساق الهدي في العمرة تطوعًا ثم أردف الحج وأراد أن يجعله هديًا عن قرانِه، فقد اختلف قوله فيه.
(1) عن جابر قال: كنا نتزود لحوم الهدي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة - تابعة محمَّد عن ابن عيينة، وقال ابن جريج قلت لعطاء: أقال: حتى جئنا المدينة؟ قال: لا
البخاري في (الصحيح: 7/ 99، كتاب الأطعمة، باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره، وقالت عائشة وأسماء: صنعنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سُفْرَةً)