الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي والعشرون: في القدوم على ضريح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآداب السلام عليه، وما يتصل بذلك من ذكر المشاهد الشريفة التي بالبقيع، وذكر فضل المدينة وفضل أهلها، وذكر المزارات الكائنة بها
(*).
وفيه فصول:
الأول في الترغيب في ذلك:
واعلم أن زيارة قبر (1) سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات وأرجى الطاعات، وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَنْ زَارَنِي بعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي"(2)، و"مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي"(3).
(*) عبارة (وذكر المزارات الكائنة بها) مطموسة في (ر).
(1)
سيأتي التعليق على زيارة القبر في ص 738 - تعليق رقم (1).
(2)
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج فزار قبري في مماتي كان كمن زارني في حياتي" قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه حفص بن أبي داود القارى وثقه أحمد وضعفه جماعة من الأيمة. (مجمع الزوائد: 4/ 2، كتاب الحج، باب زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعنه بلفظ قريب من هذا في (المطالب العالية: 1/ 272، وقال الأعظمي في تعليقه عليه:"فيه حفص القاري أورد له البخاري في الضعفاء حديثه هذا".
(3)
رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الدارقطني بإِسناد فيه موسى بن هلال =
ومن تمكن من زيارته ولم يزره فقد جفاه، وليس من حقه علينا ذلك.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "من وجد سعةً ولم يفد إِلى فقد جفاني"(1).
قال القاضي عياض: وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها (2).
= العبدي، قال أبو حاتم: مجهول العدالة، وقال العقيلي: لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه، ولا يصح في هذا الباب شيء، وقال أحمد: لا بأس به، وصحح الحديث ابن السكن والتقي السبكي. (شفاء السقام: 2 وما بعدها، فتح الغفار: 1/ 439).
وأورده ابن جماعة، وقال: رواه الدارقطني والبزار وصححه عبد الحق يعني ابن الخراط الإِشبيلي. (هداية السالك 1/ 113).
(1)
رواه ابن عدي والدارقطني في غرائب مالك وابن حبان في الضعفاء وابن الجوزي في الموضوعات كما قال الشوكاني في (الفوائد المجموعة: 117 رقم 33) وانظر (شفاء السقام: 27 - 29). وقال نور الدين القاري: روى علي مرفوعًا: "من زار قبري فكأنما زارني في حياتي ومن لم يزر قبري فقد جفاني
…
" وعن ابن عدي بسند يحتج به: من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني (شرح الشفا: 3/ 843).
والحديث الأخير في (كنز العمال: 5/ 135 رقم 12369، وقال: أورده ابن الجوزي في الموضوعات فلم يصب) وعند ابن تيمية أن عامة هذه الأحاديث مما يعلم أنها كذب موضوعة (مجموع الفتاوى 27/ 29) وكذلك حكم الصغاني والزركشي (الفوائد المجموعة: 118).
(2)
شرح الشفا للقاري: 3/ 841، توضيح المناسك للأزهري: 60 أ.
وأطلق بعض أصحابنا أن زيارته صلى الله عليه وسلم واجبة، ولعله أراد وجوب السنن المؤكدة (1).
ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ زَارَ قَبْرِي في المَدِينَةِ مُحْتَسِبًا كانَ في جوارِي، وكنتُ لَهُ شَفِيعًا يومَ القِيَامَةِ"(2).
وفي حديث آخر: "مَنْ زَارَنِي بعْدَ مَوْتِي فكَأنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي"(3).
(1) نقل عبد الحق عن أبي عمران الفاسي أن الزيارة واجبة، وقال: يريد وجوب السنن المؤكدة. ونقل ابن هبيرة عن الأيمة الأربعة مستحبة. (المدخل لابن الحاج: 1/ 250).
وانظر (وفاء الوفاء: 4/ 1364).
(2)
أورده القاضي عياض عن أنس بن مالك بهذا اللفظ في الشفا وذكر نور الدين القاري قول الدلجي: لا أعرف من رواه، وقال: رواه العقيلي بلفظ: من زارني متعمدًا كان في جواري يوم القيامة، رواه البيهقي، ولفظه: من زارني محتسبًا إِلى المدينة كان في جواري يوم القيامة. (شرح الشفا: 3/ 842).
(سنن البيهقي 5/ 245، كتاب الحج باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم) وقال: هذا إِسناد مجهول. وانظر (القرى: 627، كنز العمال: 5/ 136 رقم 12373).
(3)
أورده القاضي عياض بهذا اللفظ في الشفا.
وذكر شارحه نور الدين القاري أنه مما رواه البيهقي وسعيد بن منصور في سننهما، والدارقطني والطبراني وأبو يعلي وابن عساكر عن ابن عمر. (شرح الشفا: 3/ 843).
وهو الحديث الثامن من الأحاديث الواردة في الزيارة نصًّا وساقها التقي السبكي =
وينبغي لِمَن نوى الزيارة أن ينوي مع ذلك زيارة مسجده الشريف والصلاة فيه (1)؛ لأنه أحد المساجد الثلاثة التي لا تُشَدُّ الرحال إِلا إِليها (2)، وهو أفضلها عند مالك رحمه الله (3).
= ضمن الباب الأول من كتابه: (شفاء السقام: 32) مع ذكر طرق أسانيده.
وهو طرف من حديث في (كنز العمال 5/ 135 رقم 16372) وقال: أخرجه البيهقي في شعب الإِيمان عن حاطب بن الحارث.
وقد ضعف ابن تيمية أحاديث زيارة القبر النبوي في كتابه (قاعدة جليلة: 74).
(1)
أوضح ابن تيمية أن المشروع هو زيارة المسجد، ومما استدل به قول مالك فيمن نذر أن يأتي القبر النبوي: إِن كان أراد القبر فلا يأته، وإن كان أراد المسجد فليأته. انظر (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 75، 128 - 129).
ونص السمهودي على استحباب نية التقرب بالسفر إِلى المسجد النبوي مستدلًا بما قاله ابن الصلاح والنووي، ورد على الكمال بن الهمام الحنفي الذي يقول: إِن الأولى تجريد النية لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم. انظر (وفاء الوفاء: 4/ 1388 - 1389).
(2)
حديث شد الرحال إِلى المساجد الثلاثة متفق عليه، أخرجه الشيخان عن أبي هريرة ولفظه عند البخاري:"لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى".
(الصحيح 2/ 56، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة). انظر (إِرشاد الساري 2/ 343 - 344، فتح الباري: 3/ 63).
وعند مسلم بلفظ قريب (الصحيح: 1/ 1014 رقم 511 كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إِلا إِلى ثلاثة مساجد).
(3)
اتفق العلماء على أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلفوا في الأفضل منها، =
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه"(1).
= وذهب الجمهور إِلى تفضيل مكة. انظر (إِكمال الإكمال 3/ 478، التمهيد: 6/ 18، حاشية ابن عابدين: 2/ 626، القرى: 627، مكمل إِكمال الإِكمال: 3/ 478، مناسك العدوي: 45).
ومما استدل به مالك على تفضيل المدينة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة: "اللهم إِنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إِليَّ، فأسكني أحب البلاد إِليك". سيأتي تخريجه. وابن حزم يذهب إِلى تفضيل مكة على المدينة، ويرد ما احتج به المالكية على تفضيل المدينة.
انظر: (المحلى: 7/ 441 - 455).
ومثله العز بن عبد السلام في (قواعد الأحكام 1/ 39 وما بعدها).
(1)
أخرجه البخاري عن أبي هريرة بزيادة: إِلا المسجد الحرام. (الصحيح: 2/ 57 كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة)
وأخرجه مسلم عن أبي هريرة، وفيه: "
…
خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إِلا المسجد الحرام". (الصحيح 1/ 1012 رقم: 506 كتاب الحج، باب: فضل الصلاة بمسجد مكة والمدينة).
وأخرجه الإِمام أحمد في (المسند: 4/ 5) وابن حبان، كما في (موارد الظمآن: 254)
وقال ابن عبد البر: لم يُرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه قوي ولا ضعيف ما يعارض هذا الحديث، وهو ثابت لا مطعن لأحد فيه. (التمهيد: 6/ 26) وانظر (المحرر في الحديث 1/ 412 - 413، رقم: 721).
وذكر ابن حبيب في الواضحة: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاة في مسجدي كألفِ صلاة فيما سواه، وجمعة في مسجدي كألف جمعة فيما سواه، ورمضان في مسجدي كألف رمضان فيما سواه"(1).
قال مطرف: ذلك في الفرض والنفل.
قال ابن حبيب: ولا تدع زيارة قبره عليه السلام في مسجده، فإِن فيه من الرغبة ما لا غناء لك ولا لأحد عنه (2).
(1) أخرجه ابن الجوزي عن عبد الله بن عمر في (مثير الغرام: 223 - 224) وله شاهد من حديث جابر، أخرجه البيهقي، كما قال المرتضى الزبيدي في (إِتحاف السادة المتقين: 4/ 284).
(2)
ر، ص: ما لا غناء بك ولا بأحد عنه.
وقد رأينا في الهامش رقم (1) من ص 738 أن المشروع هو زيارة المسجد - كما قال شيخ الإِسلام ابن تيمية وأن الإِمام مالكًا منع نذر زيارة القبر.