الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع عشر: في حكم اصطياد المحرم و
جزاء الصيد
[تحريم الصيد على المحرم]
قال الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (1). الآية، وقال تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (2).
فقتل الصيد واصطياده وذبحه في الحل والحرم حرام على المحرم، من أول إِحرامه إِلى انقضاء طِوافِه، للإِفاضةِ فلا يَقتل المحرم في حال إِحرامه بالحج أو العمرة شيئًا من صيد البر كله مأكولًا أو غيرَ مأكول متأنسًا أو متوحشًا، مملوكًا أو مباحًا، ولا يأخذُ فرخًا، ولا بيضًا ولا يكسره، ولا يأكلُ صيدًا صِيدَ له أو من إِجلهِ (3) فإِن ذبح فلا يأكله محرمٌ ولا غيرُه.
[جزاء الصيد]
فإِن أكل المحرم عالمًا، فقال ابن القاسم: عليه الجزاء.
(1) المائدة: 95.
(2)
المائدة: 96.
(3)
أسهل المدارك: 1/ 486 - 488. وقال ابن عطية: "مالك رحمه الله يجيز للمحرم أن يأكل ما صاده الحلال وذبحه، إِذا كان لم يصده من أجل المحرم، فإِن صيد من أجله فلا يأكله". (المحرر الوجيز: 5/ 201).
وقال أصبغ: لا جزاء عليه.
وقال محمَّد: إِن كان الذي أكله هو الذي صيد له فعليه الجزاء، وإِن كان محرمًا آخر فلا جزاءَ عليه.
وما قتله المحرمُ من الصيد أو ذبحَه فهو ميتة لا يحل أكلُه لحلالٍ ولا لمحرم (1).
ومن قتل صيدًا ثم أكل منه فليس عليه إِلا جزاء واحد.
وإِذا قتل جماعةٌ صيدًا (2) فعلى كل واحد منهم جزاءٌ كاملُ (3).
(1) هذا ما درج عليه خليل فقال: "وما صاده محرم أو صيد له ميتة"(الدردير على مختصر خليل: 1/ 313) وهو ما قاله ابن عرفة في (المختصر: 1/ 151 ب).
وقال الونشريسي في فروقه: "إِنما كان ما صاده المحرم أو ذبحه كالميتة للحلال والحرام، والشاة المغصوبة إِذا ذبحها الغاصب؛ لا تكون كالميتة؛ لأن النهي في الصيد عن القتل والذبح يستلزمه بخلاف الغاصب لأنه لما قصد الشارع الزجر عن قتله كان جعله ميتة على من صاده موافقًا لذلك، إِذ لو لم يجعل ميتة لتذرع الناس إِلى إِمساك الصيد وقتله، ويعطون جزاءه لخفة أمره؛ لأن طالبه غير معين، ولا كذلك المغصوبة، فإِنها صورة نادرة وطالبها معين". (عدة البروق: 131 - 205).
(2)
ثم أكل
…
صيدًا: وارد في (ص) بالهامش.
(3)
المجموع الفقهي وحاشية حجازي عليه: 1/ 343 - الإِشراف على مسائل الخلاف: 242.
وهذا الحكم مبني على أن الجزاء كفارة، وقد صاغ المقري في ذلك قاعدة فقهية =
وإِذا قتل حلالٌ وحرامٌ صيدًا فعلى المحرم جزاءٌ كاملُ، ولا شيء على الحلال، إلَّا أن يكونَ في الحرم، فيكون على كل واحدٍ منهما جزاءٌ كاملُ.
وكل ما جاز للمحرم قتله من الصيد فجائز للحلال قتله في الحرم.
ولو قتله عبده ظانًّا أنه أمره بقتله فالجزاء على السيد، على المشهور (1).
وقال بعض الأشياخ: لا شيء على السيد.
فإِن كان العبد محرمًا فعليه أيضًا الجزاء.
ولو دلَّ المحرمُ على صيد عصى.
فإِن فعلَ وقتلَه المدلولُ، ففي تعلق الجزاء في حق الدال ثلاثة أقوال: الوجوب، والسقوط، والتفصيل بين أن يكون القاتل حلالًا فالجزاء على المحرم الدال، وبين أن يكون حرامًا، فلا جزاء على الدال ويكون على المدلول (2).
= فقال: "الجزاء عند مالك كفارة، فإِذا قتل المحرمون صيدًا في الحل أو الحرم أو المحلون في الحرم فعلى كل واحد منهم جزاء كامل". (القواعد: 2/ 608 رقم 397).
(1)
هذا ما درج عليه الأمير في (شرح المجموع الفقهي: 1/ 342).
(2)
صاغ الإِمام المقري قاعدة في مسألة دلالة المحرم على الصيد، وهي:"الدلالة لا تنعقد سببًا للضمان في حق الآدمي لبعدها من الفعل بخلاف تقديم الطعام المسموم ونحوه، فقاس مالك ومحمد حق الله عز وجل على ذلك فنفيا الجزاء وأثبته النعمان، وفرق بعض المالكية بين أن يدل حلال فيضمن أو حرامًا فلا يضمن". (القواعد: 2/ 611 رقم 402).
وهذا الثالث هو المشهور.
ولو كان بيده فأحرم زال ملكه ووجب إِرساله وإِلا ضمن إِن أصابه شيء، وكذلك لو كان معه في الرفقة، أما لو كان معه في بيته فأحرم فملكه باق *.
وقتل المحرم الصيدَ عمدًا أو خطأ أو نسيانا سواء في وجوب الجزاء عليه (1).
وقال ابن عبد الحكم: إِنما الجزاء في قتل العمد خاصة ولا شيء عليه في غير العمد.
ولو اضطر إِلى أكل الصيد فإِنه يأكله ويلزمه الجزاء.
ومن لم يجد إِلا صيدًا وميتة وهو محرم أكل الميتة ولم يذبح الصيدَ.
وقال محمَّد بن عبد الحكم: لو نابني لأكلتُ الصيدَ (2).
فرع:
ويأكل المحرم ما صاد حلالٌ لنفسه (3) أو صِيدَ لأجل حلال. ومن قتل
(1) عقد المقري قاعدة في ذلك وهي: "العمد والخطأ في ضمان المتلفات سواء، إِذا كان المتلف مميزًا بالفعل"(القواعد: 2/ 603 رقم 392).
(2)
حكم أكل الميتة دون الصيد للمحرم، وقول ابن عبد الحكم
…
موضوع فرع عقده ابن شاس في كتاب الأطعمة. (الجواهر: 1/ 605).
(3)
الأصل في ذلك حديث أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنهما قال: "كنت جالسًا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا =
صيدًا بعد صيدٍ فعليه في كل مرة جزاء كاملٌ (1). وقال محمَّد بن عبد الحكم: إِنما يجب عليه جزاء واحد في أول مرة. وإِن ضرب محرم فسطاطه فتعلق بأطنابه (2) صيد فمات أو حفر بئرًا للماء فمات فيها صيد فلا جزاء عليه، وذلك فعل الصيد بنفسه.
وقال ابن القاسم: إِذا تعلق بأطناب الخيمة فعطب فعليه الجزاء، ولو رآه الصيد ففزع فمات أو فر فعطب ففي الجزاء قولان (3).
= - والقوم محرمون وأنا غير محرم، فأبصروا حمارًا وحشيًّا وأنا مشغول أخصف نعلي - فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، فالتفت فأبصرته، فقمت إِلى الفرس فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلون فيه، ثم إِنهم شكوا في أكلهم إِياه وهم حرم، فرحنا - وخبأت العضد معي - فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك، فقال: معكم منه شيء؟ فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكلها حتى نفدها، وهو محرم". أخرجه البخاري (الصحيح: 3/ 201 كتاب الهبة، باب من استوهب من أصحابه شيئًا).
قال ابن حجر: إِنما طلب النبي صلى الله عليه وسلم ليؤنسهم به، ويرفع عنهم اللبس في توقفهم في جواز ذلك. (فتح الباري: 5/ 200 - 201).
(1)
انظر شرح العمدة، لابن تيمية: 3/ 280 وما بعدها.
(2)
ص: بأطنابها.
والأطناب جمع: طُنْب: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. (اللسان: طنب).
(3)
الجواهر: 1/ 433.
ولو قتل المحرم أو الحل الذي الحرم صيدًا مملوكًا فعليه الجزاء والقيمة لصاحبه.
ولا يجوز للمحرم ذبح الحمار الوحشي، وإِن دجن وصار يعمل عليه كالأهلي، ولا الظبي الداجن ولا البازي الضاري، فإِن فعل فعليه الجزاء؛ لأن أصلها التوحش، كما لو توحش البقر أو الحمار الأهلي، لم يكن على المحرم في صيدهما وذبحهما جزاء.
فصل:
وجزاء الصيد على التخيير: مثله أو طعام أو صيام (1).
فالمثل: ما قاربه من النَّعَم في القدر والصورة، وإِلَّا فالقدر ففي النعامة بدنه وفي الحمار الوحشي والإِبل وبقر الوحش بقرة.
وفي الضبع والثعلب شاة، وفي الضب (2) والأرنب واليَربوع (3) القيمة طعامًا (4).
(1) انظر (الكافي: ظ/ 394).
(2)
الضب: دويبة من الحشرات يشبه الورل. والجمع أضب، مثل كف وأكف. (اللسان. ضبب).
(3)
اليَربُوع: دويبة فوق الجُرَذ، الذكر والأنثى فيه سواء، كما قال الأزهري وغيره، الأنثى بالهاء. (اللسان: ربع). وانظر (التبيان لما يحل ويحرم من الحيوان: 183).
(4)
أسهل المدارك: 1/ 491 - الكافي: 1/ 393.
وروى ابن وهب: أن في الضب شاةً.
وروى ابنُ حبيب: في كل واحد من الأرنب واليربوع عنزٌ، وفي الظبي (1) شاة، وفي الخنزير البري - إِنسيًّا كان أو وحشيًّا - بقرة، وفي المعزى من الوعول (2) معزاة أو ضائنة من الغنم، وفي القرد شاة، وليس فيما دون الظبي من جميع الأشياء إِلا الطعام أو الصيام، إِلا في حمام مكة أو الحرم، ففي حمام مكة شاة بغير حكَمين، فإِن لم يجد شاةً صام عشرة أيام، ولا إِطعام فيه ولا تخيير؛ لأن الشاة فيها تغليظ، والشاة هدي وليست نسكًا ولا تذبح إِلا بمكة ولا يأكل منها، وكذلك حمام الحرم على المشهور.
وفي حمام الحل القيمة كسائر الطير، وفي إِلحاق قُمْري (3) مكة ويمامها وفواختها (4) وشبهها بالحمام قولان.
وفي المدونة: ولا بأس بصيد حمام مكة للحلال في الحل ولم يكره ذلك
(1) الظبي: الغزال، والجمع أضب وضباء وظبي والأنثى ظبية، والجمع ظبيات، وظباء، والظبي أنواع، كلها حلال (التبيان لما يحل ويحرم من الحيوان: 134، اللسان: ظبا).
(2)
الوعل: جمع وعل: وهو تيس الجبل - ويجمع أيضًا على أوعال ووُعِل. (اللسان: وعل). والوعل بفتح الواو وكسر العين المهملة. (التبيان: 182)
(3)
القمري: طائر يشبه الحمام الأبيض - قال ابن سيدة: القُمْرِية: ضرب من الحمام. (اللسان: قمر).
(4)
الفواخت: جمع فاختة: وهي ضرب من الحمام المطوق. (اللسان: فخت).
مالك رحمه الله لأن حرمتها لأجل (1) الحرم (2).
ونقل عن ابن القاسم: إِن أخذ حمامة من حمام مكة في بعض المناهل فعليه فيها شاة، حكاه عنه ابن المواز.
ولا يفدى عند مالك رحمه الله شيء من الأشياء بعناق ولا جفرة.
والعناق: الأنثى من ولد المعز والذكر جدي.
والجفر: الذكر منها أيضًا والأنثى جفرة وهو ما بلغ أربعة أشهر * وفصل عن أمه.
ولا يحكم بدون المُسِن، ومعناه أنه لا يحكم إِلا بالجذع فما فوقه، لأن أول منازل الأسنان عنده الجذع، وشبَّهَ ذلك بالأضاحي.
وأما الفيل فلا نص فيه لمالك وأصحابه المتقدمين، واختلف من بعدهم في ذلك.
(1) ر: لأهل.
(2)
عبارة المدونة: "قلت لمالك: فما أدخل مكة من الحمام الإِنسي والوحشي أترى للحلال أن يذبحه فيها؟ قال: نعم، لا بأس بذلك، وقد يذبح الحلال في الحرم الصيد إِذا دخل به من الحل، فكذلك الحمام في ذلك، وذلك شأن أهل مكة يطول وهم محلون في دارهم فلا بأس أن يذبحوا الصيد، وأما المحرم فإِنما شأنه الأيام القلائل، وليس شأنهما واحدًا". (المدونة: 2/ 204).
فقال ابن مُيَسَّر (1): بَدنة خراسانية ذات سنامين، فإِن لم توجد فقيمتها طعامًا.
وقال القرويُّون (2): القيمة (3).
وقيل: قدر وزنه طعامًا لغلاء عظامه.
وقيل: يلزم فيه من الطعام بمقدار ما يشبع وزن لحمه، أي يشبع من الطعام فقراء يكون عددهم على عدد أن لو أكل لحمه فقراء أشبعهم، وهو قريب من القول باعتبار زنته.
والأولى أن يوزن أجزاء ثم يجمع وزن تلك الأجزاء.
وقيل: يوضع الفيل في مركب، وينظر مقدار ما نزل المركب في الماء، ثم
(1) أحمد بن محمَّد بن خالد بن مُيَسر (بياء وفتح السين المهملة وتثقيلها) أبو بكر الإِسكندري، يروي عن محمَّد بن المواز، وقد صار يوازيه في الفقه، ويروي كتبه وإِليه انتهت الرئاسة بمصر بعده، وكلامه في مسائل كتب شيخه المذكور يدل على جودة فهمه. ألف كتاب الإِقرار والإِنكار
…
ت حوالي سنة 339.
(حسن المحاضرة: 1/ 449، الديباج: 1/ 169 رقم 37 - الشجرة: 80، رقم 142 - طبقات الشيرازي: 154، المدارك: 5/ 52).
(2)
القرويون: هم فقهاء القيروان مثل القابسي وابن أبي زيد.
(3)
الصّاوي على الشرح الصغير: 2/ 115.
يوضع من الطعام حتى يصل إِلى ذلك الحد الأول (1).
وهذا فيه تكلف، فقد لا يوجد مركب، وقد لا يكون ذلك قرب البحر.
أما الطير كله فحكمه عند مالك أن يضمن بقيمته من الطعام إِذا قتله المحرم، فيطعم منه المساكين مُدًّا لكل مسكين، أو يصوم عن كل مُدٍّ يومًا يخير في ذلك، مثل: اليعاقيب والعصافير وغير ذلك من أصناف الطير الوحشي (2) وكذلك سباع الطير، إِذا لم يخفها على نفسه وقتلها.
مسألة:
وحكم الحكمين بإِخراج الجزاء شرط في صحته وإجزائه، ولا خلاف في ذلك، فإِن أخرجه قبل الحكم فعليه إِعادته ثانية بحكم الحكمين سوى حمام مكة وقد تقدم ذلك (3).
ولو أفتاه مفتٍ بما جاء في ذلك، فقال مالك: لا يُجزئه ذلك إِلا بحَكَمين (4) ولو كان في جرادة.
ويُستحبُّ أن يكون الحَكَمان في مجلس واحد، وهو أحسن من أن يكون واحدًا بعد واحد.
(1) الجواهر: 1/ 436.
(2)
جواهر الإِكليل: 1/ 199.
(3)
تقدم ص 605.
(4)
الجواهر: 1/ 437.
والعدد (1) والعدالة والفقه شرط في صحة حكم الحكمين في جزاء الصيد (2).
ولا بأس أن يحكما بذلك دون الإِمام إِذا كانا عدلين فقيهين بذلك، ولو لم يكونا فقيهين في غيره فإِن اختلفا ابتدأ غيرهما، فإِن أخطأ خطأ بيّنًا نقض.
وليس له أن يأخذ بقول أحدهما حتى يجتمعا على شيء واحد وحينئذ يخيرانه فيما شاء من ذلك (3) فيحكمان عليه باجتهادهما لا بما روي في ذلك.
ولا يكفي أن يكون القاتل أحدَ الحكمين.
وإِذا خيّر الحكمان القاتل فاختار أحد الأنواع وحكما عليه به فاختلف هل له أن ينتقل عن ذلك إِلى غيره بحكمهما أو بحكم غيرهما؟ فأجاز ذلك ابن القاسم.
وقيل: إِن حكمهما حتم عليه كحكم القاضي في غير ذلك من الحقوق، رواه ابن شعبان عن مالك رحمه الله ورجحه ابن عبد السلام.
فرع:
ويلزم في المَعيب ما في السليم، وفي الصغير ما في الكبير؛ والذكر والأنثى سواء.
(1) والعدد: سقطت من (ر).
(2)
انظر شروط الحكمين في (الشرح الصغير وحاشية الصاوي: 2/ 112 وما بعدها).
(3)
أصول الفتيا: 81 - 82.
فرع:
وفي بيض النعام عُشر ثمن البدنة، وفي بيض حمام الحل عشر الحكومة * وفي بيض حمام الحرم عشر ثمن الشاة، وفي الجنين عشر دية أمه، فإِن استهل فكالكبير.
وفي المتحرك قولان.
فرع:
والطعام عدل الصيد لا عدل مثله من عيش ذلك المكان من طعام كفارة اليمين، لكل مسكين مُدٌّ بمده صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أن الصيد هو الذي يُقَوَّم بطعام، فيقال: كم يساوي هذا الظبي مثلًا من طعام كذا؟ ، وقيل: ينظر كم يشبع الصيد من نفس، ثم يخرج قدر شبعهم طعامًا فيعطي منه مدًّا لكل مسكين، ويعتبر - على هذا مقدار لحمه بعد ذبحه، ولو قوم الصيد بدراهم ثم قومت (1) بطعام أجزأه، وإِذا قوم بالطعام قُوم على حاله، وهو كونه صيدًا من غير نظر إِلى فراهة وجمال وتعليم (2)، ولا ينظر إِلى صغر ولا كبر ولا عيب، ولا تعتبر الحالة التي هو عليها.
فرع:
والمعتبر في تقويم الصيد قيمتُه في المكان الذي أتلف فيه، فإِن لم تكن
(1) ر: ثم قومه.
(2)
ب: فراهته وجماله وتعليمه.
له قيمة في المكان الذي أتلف فيه اعتبر أقرب الأمكنة إِليه، أما لو كانت له قيمة يسيرة في ذلك المكان فإِنه لا ينتقل عنها طلبًا (1) للزيادة في غيره.
فرع:
واختلف المذهب في مكان إِخراج الطعام على ثلاثة أقوال:
أحدها لابن القاسم: أنه حيث يقوم الصيد، يعني حيث حكم عليه الحكمان أو قريبًا منه إِن لم يكن له مستحق هناك.
وظاهر كلام ابن حبيب: أنه مخير في إِخراجه في مكان الحكمين أو قريبًا منه.
وظاهر كلام ابن القاسم: أنه لا يعدل إِلى المكان القريب، إِلا عند تعذر الإِخراج في مكان الحكمين.
والقول الثاني، لأصبغ: أنه يجزئ أن يخرج حيث أحب من البلاد، لكن بشرط أن لا يخرج على سعر بلد الحكمين.
قال ابن عبد السلام: يريد أو أرخص.
القول الثالث لمحمد: أنه يجزئ حيث شاء، لكن بشرط أن يكون سعر محل الإِخراج مساويًا لمحل الحكمين، يريد أو أرخص.
قال ابن عبد السلام: فإِن قلت: ما الفرق بين كلام محمَّد وكلام أصبغ؟
(1) ص: طالبا.
قلت: الذي شرطه محمَّد هو تساوي السعر في المكانين (1)، ويلزم منه اتفاق الطعامين، والذي شرطه أصبغ اعتبار سعر بلد الإِخراج سواء اتفق سعراهما أو اختلف.
والحاصل: أن محمدًا اشترط مساواة السعرين في المكانين، وأصبغ لم ينظر إِلا إِلى قيمة الطير، فإِذا اشترى طعامًا على سعر بلد الإِخراج أجزأه، فأصبغ يعتبر قيمة الصيد (2) ثم يشتري بتلك القيمة طعامًا في بلد الإِخراج من غير نظر إِلى مساواة الطعامين أو عدم مساواتهما.
فرع:
وإِن كان في الطعام كسر مُدّ فإِنه يعطي مسكينًا ولا يلزمه جبره.
فرع:
والصيام عدل الطعام، فإِن اختار التكفير بالصيام حكما عليه بأن يصوم مكان كل مد * أو كسرة يومًا بالغًا ما بلغ (3)، وإن زاد على ثلاثة أشهر، ويصوم حيث أحب من البلاد اتفاقًا.
مسألة:
لا بد في هدي الجزاء من الجمع بين الحل والحرم، وليس على صاحبه أن
(1) ص، ب: تساوي السعرين.
(2)
ب: القيمة في الصيد.
(3)
الكافي: 1/ 394 - 395.
يقف به بعرفة ولكنه يقلده ويشهره ويسوقه من الحل، ويستحب له أن يوقفه بعرفة، فإِن وقف به بعرفة نحوه بمنى، فإِن لم ينحره أيام النحر بمنى نحوه بمكة ولا يخرجه إِلى الحل ثانية، وإِن لم يقف به بعرفة ساقه من الحل ونحره بمكة (1) لقوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (2).
وإِن ضل هديه في الطريق وجب عليه بدله، فإِن وجده بعد نحو البدل وجب عليه نحوه إِن كان مقلدًا؛ لأنه قد كان أوجبه لله تعالى (3) والله أعلم.
(1) الشرح الصغير: 2/ 120 - 121 - الفواكه الدواني: 1/ 383.
(2)
المائدة: 95.
(3)
انظر الجواهر: 1/ 454 - 455.