المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[آداب الزيارة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم - إرشاد السالك إلى أفعال المناسك - جـ ٢

[ابن فرحون، برهان الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامس: في صفة القرآن

- ‌[معنى القِران]

- ‌الباب السادس: في صفة العُمْرة المفردة

- ‌[حكم العمرة]

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌‌‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌فرع: [متى تكره العمرة]

- ‌‌‌‌‌فرع:

- ‌‌‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌فرع: [أفضل شهور السنة للعمرة]

- ‌فرع: [حيض المعتمرة]:

- ‌الباب السابع: في حج الصبي والمرأة والعبد والكافر يسلم

- ‌[حج الولي بالصبي]

- ‌فرع: [نفقة المحرمة بالحج]:

- ‌الباب الثامن: فيما شُرع للحاج فعله، فإذا تركه تمَّ حجه ووجب عليه الدم

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌الباب التاسع: في محظورات الحج

- ‌القسم الثاني: التطيب

- ‌الباب الحادي عشر: في بيان الفدية وأنواعها

- ‌الباب الثاني عشر: فيما يُكره للمحرم فعله فإن فعله أطعم شيئًا من طعام

- ‌الباب الثالث عشر: فيما يكره للمحرم فعله، فإن فعله فلا شيء عليه

- ‌[الأمور التي يكره للمحرم فعلها]

- ‌فصل: فيما يجوز للمحرم أن يفعله

- ‌الباب الرابع عشر: في حكم اصطياد المحرم و‌‌جزاء الصيد

- ‌جزاء الصيد

- ‌[تحريم الصيد على المحرم]

- ‌الباب الخامس عشر: في أحكام الهدي و‌‌دماء الحج(*) وذكر أيام الحج، والشعائر في الحج

- ‌دماء الحج

- ‌[الهدي الواجب وأحكامه]:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌[النُّسك وأحكامه]

- ‌فصل

- ‌فصل: في أسنان الهدي

- ‌فصل: في عيوب الهدايا

- ‌فصل

- ‌فصل: في نحر الهدي

- ‌فصل

- ‌فصل: أيام الحج سبعة

- ‌فصل: شعائر الحج

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌فرع: [الاشتراك في الهدي]

- ‌فرع: [متى يجب بدل الهدي]

- ‌الباب السادس عشر: في نكاح المحرم وحكم الوطء ومقدماته

- ‌[منع المحرم من النكاح والإنكاح]

- ‌فصل

- ‌الباب السابع عشر: في موانع الحج وفوات الوقوف بالإحصار أو بالمرض أو بخطإ الطريق

- ‌الأول: الأبوَّةُ

- ‌الثاني: الرق

- ‌الثالث: الزوجية

- ‌الرابع: استحقاق الدين

- ‌الخامس: الإِحصار بالعدو

- ‌السادس: الحصر بالمرض

- ‌السابع: حبس السلطان

- ‌الثامن: السفه

- ‌الباب الثامن عشر: في النيابة في الحج والإجارة عليه

- ‌الباب التاسع عشر: في ذكر حرم مكة شرفها الله تعالى وذكر حرم المدينة النبوية شرفها الله تعالى وحكم الاصطياد في حرميهما وقطع الشجر منهما

- ‌[تحريم الاصطياد وقطع النبات في الحرم]

- ‌‌‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌‌‌فرع:

- ‌فرع:

- ‌تنبيه

- ‌[إخراج التراب والأحْجَار من الحرم]

- ‌تنبيه:

- ‌[حكم قطع شجر المدينة]

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الباب العشرون: في ذكر آثار شريفة بمكة ينبغي أن تقصد للتبرك (*) بها

- ‌الموضع الأول: البيت الذي وُلد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الموضع الثاني: منزل خديجة عليها السلام

- ‌الموضع الثالث: مسجد في دار الأرقم التي على الصفا

- ‌الموضع الرابع: مسجد بأعلى مكة يقال له: مسجد الجن

- ‌الموضع الخامس: مسجد في عرفة عن يمين الموقف، يقال له: مسجد إِبراهيم

- ‌الموضوع السادس: مسجد بمنى، يقال له: مسجد الكبش

- ‌الموضع السابع: موضع بأجياد، وهو مسجد فيه موضع يقال له المتكى *

- ‌الموضع الثامن: مسجد العقبة

- ‌الموضع التاسع: مسجد الجعرانة

- ‌الموضع العاشر: مسجد التنعيم

- ‌الموضع الحادي عشر: جبل حراء

- ‌الموضع الثاني عشر: موضع بجبل ثور

- ‌الباب الحادي والعشرون: في القدوم على ضريح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآداب السلام عليه، وما يتصل بذلك من ذكر المشاهد الشريفة التي بالبقيع، وذكر فضل المدينة وفضل أهلها، وذكر المزارات الكائنة بها

- ‌الفصل الثاني: فيما ينبغي للقادم على المدينة من طريق مكة

- ‌[آداب الزيارة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات: [تتعلق ببعض البدع]

- ‌الفصل الثالثوينبغي أن يقصد المزارات التي بالمدينة النبوية والآثار المباركة والمشاهد الفاضلة

- ‌فائدة:

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الذال

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف العين

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الياء

- ‌الكُنى:

- ‌باب: في فضل المدينة وفضل أهلها وذكر شيء من المواضع المقصودة للزيارة والتبرك بها

- ‌[فضائل المدينة وأهلها]:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌[الخاتمة]

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمرا‌‌جع

- ‌ ا

- ‌ج

- ‌المخطوطا‌‌ت

- ‌ت

- ‌ ح

- ‌ر

- ‌ د

- ‌ ش

- ‌ط

- ‌ غ

- ‌ك

- ‌م

- ‌ن

- ‌‌‌المطبوعات

- ‌ا

- ‌ ب

- ‌ ت

- ‌ث

- ‌ ج

- ‌ح

- ‌خ

- ‌د

- ‌ر

- ‌ ذ

- ‌ ز

- ‌س

- ‌ش

- ‌ص

- ‌ط

- ‌ ع

- ‌ غ

- ‌ ف

- ‌ق

- ‌ك

- ‌ل

- ‌ م

- ‌ن

- ‌ ه

- ‌و

الفصل: ‌[آداب الزيارة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

فيا عجبًا (1) ممن يقيم بزعمه

يقيم مع الدعوى ويستعمل الكتبا

وزلات مثلي لا تعد كثيرةً

وبُعدي عن المختار أعظمها ذنبا

‌[آداب الزيارة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

-]

ثم تدخل المدينة الشريفة بسكينة ووقار، فإِذا وَصَلْتَ المسجد فقل: اللهم هذا حَرَمُ رسولك، فاجعله لي وقاية من النار، وأمانًا من العذاب وسوء الحساب، وارزُقْنِي من زيارته ما رزقتَه أولياءَك وأهل طاعتك.

وقدِّم رجلك اليمنَى في الدخول (2) وقل:

بسم الله، والحمد لله، والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله صلى الله وملائكته عليك يا رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، واحفظني من الشيطان الرجيم (3).

ثم اقصد الروضة الشريفة، وهي ما بين القبر والمنبر، تصلي بها ركعتين، قبل وقوفك بالقبر الشريف (4) لأنها تحية المسجد.

(1) ص: فيا عجبي.

(2)

توضيح المناسك للأزهري: 60 (ب).

(3)

نقل ابن الحاج عن ابن حبيب دعاء يقرب لفظه من هذا. انظر (المدخل: 1/ 255) وانظر (شرح الشفا للقاري: 3/ 755).

(4)

المدخل 1/ 256، نقلا عن العتبية.

ص: 745

فإِن قلت: المسجد إِنما تشرف بإِضافته إِليه صلى الله عليه وسلم، فينبغي البداءة بالوقوف عنده صلى الله عليه وسلم.

قلت: ذكر ابن حبيب في أول كتاب الصلاة:

قال ابن حبيب: حدثني مطرف عن مالك عن يحيى بن سعيد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قدمت من سفر فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بفناء المسجد، فقال:"أدخلت المسجد فصليت فيه؟ قلت: لا، قال: فاذهب (1) فادخل المسجد وصل فيه، ثم ائت إِليَّ فسَلِّمْ عليَّ"(2).

ورخص بعضهم في تقديم الزيارة على الصلاة (3).

وقال ابن الحاج: وكل ذلك واسع، ولعل هذا الحديث لم يبلغهم، والله أعلم.

(1) ب: اذهب.

(2)

أخرجه ابن خزيمة عن جابر بلفظ: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: أدخلت المسجد؟ فقلت: نعم، فقال: أصليت فيه؟ قلت: لا، قال: فاذهب فاركع ركعتين". (صحيح ابن خزيمة 3/ 163 رقم 1828، باب الأمر بالرجوع إِلى المسجد ليصلي الركعتين إِذا دخله، فخرج منه قبل أن يصليهما".

وقد نقل السمهودي كلام ابن حبيب هذا عن ابن فرحون مستدلًا به على استحباب تقديم التحية على السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم. (وفاء الوفاء: 4/ 1394 - 1395).

(3)

ر: السلام، وانظر (وفاء الوفاء: 4/ 1394).

ص: 746

وقال ابن حبيب: وإِن صلَّيْتَ الركعتين في غير الروضة أجزأك، وفي الروضة أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمنْبَرِي رَوضَةٌ مِنْ رِيِاض الجَنَّةِ، ومِنبَرِي عَلَى حَوْضِي"(1).

وفي رواية: (ما بين منبري وبيتي)(2).

وروي: (ما بين حجرتي ومنبري)(3).

(1) أخرجه مالك في الموطإِ عن أبي سعيد الخدري بلفظ: (ما بين بيتي ومنبري

) (المسوى: 1/ 124 - كتاب الصلاة، باب: فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، رقم 165، التمهيد: 2/ 285). وانظر (جامع الأصول: 9/ 329).

وقال ابن عبد البر: وروي: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة.

وقال: في تأويل ذلك قال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة، وقال آخرون: هذا على المجاز - كأنهم يعنون أنه لما كان الجلوس هناك لتعيم الدين شبه الموضع بالروضة لكرم ما يُجتنى فيها وأضيف إِلى الجنة لأنها تقود إِليها. (التمهيد: 2/ 257).

(2)

رواية البخاري عن أبي هريرة: "ما بين بيتي ومنبري

" (الصحيح: 2/ 57 كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب: فضل ما بين القبر والمنبر).

وقال الهيثمي: حديث أبي هريرة في الصحيح رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد: 4/ 8).

(3)

روى أحمد وأبو يعلى والبزار عن جابر بن عبد الله مرفوعًا: "ما بين بيتي إِلى =

ص: 747

وليس بين هذه الروايات اختلاف؛ لأن قبره صلى الله عليه وسلم في بيته، والبيت هو الحجرة، قاله الطبري (1).

فإِذا اختار الصلاة في الروضة فقال مالك: أفضل مواضع صلاة النافلة محرابه صلى الله عليه وسلم، وأفضل مواضع الفرض الصف الأول (2).

وقال في تحفة الزائر (3) لابن عساكر (4): يصلي إِلى جنب الروضة، انتهى.

= حجرتي روضة من رياض الجنة". قال الهيثمي: وفيه علي بن زيد وفيه كلام، وقد وثق. (مجمع الزوائد: 4/ 8 - 9) قال القرطبي: الرواية الصحيحة (بيتي) ويُروى (قبري) وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه. (فتح الباري: 3/ 70).

(1)

القرى: 731.

(2)

وفاء الوفاء: 1/ 368.

(3)

ر: وقال في التحفة.

(4)

عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي بن عساكر أبو اليمن، نزيل مكة، جاور بها أربعين سنة، وكان شيخ الحجاز في وقته، سمع من جده ومن الموفق ابن قدامة وجماعة بدمشق والقاهرة والإِسكندرية وبغداد. له شعر حسن، وله تآليف منها كتابه المذكور أعلاه. ولد سنة 614. (ت) 686. ودفن بالبقيع. (الأعلام: 4/ 133 شذرات الذهب 5/ 395. العقد الثمين: 5/ 432 رقم 1813، فوات الوفيات 2/ 328 رقم 282، كحالة 5/ 236).

ص: 748

ووجه ذلك الجمع بين فضيلتي الروضة عند المنبر؛ لأنهم قالوا: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "رَوْضَةٌ مِن رَيَاضِ الجَنَّةِ" أي العمل فيها يُوصل إِلى روضة من رياض الجنة، كقولهم: الجنة تحت ظلال السيوف، والجنة تحت أقدام الأمهات (1).

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم. "ومنبري على حوضي" أن الحضور عنده * وملازمة الأعمال الصالحة عنده تورد الحوض وتوجب الشرب منه، قاله الباجي (2) وذكره القاضي عياض.

ولما كانت اليمين الفاجرة عنده توجب النار (3) كان فعل الطاعة عنده يوجب الجنة، بفضل الله تعالى.

(1) التمهيد: 2/ 287.

(2)

المنتقى: 1/ 432.

(3)

إِشارة إِلى ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على منبري كاذبًا فليتبوأ مقعده من النار".

ذكره القاضي عياض في الشفا، وقال نور الدين القاري: رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (شرح الشفا: 3/ 711).

وعن جابر مرفوعًا: "لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إِلا تبوأ مقعده من النار، أو وجبت له النار".

قال السمهودي: رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه. (وفاء الوفاء: 2/ 427) وأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريح قال: سمعت عمر بن عطاء بن أبي الخوار يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "منبري على روضة من رياض الجنة، فمن حلف عنده على سواك أخضر كاذبًا فليتبوأ مقعده من النار، ليبلغ شاهدكم غائبكم". قال حبيب الرحمن الأعظمي: مرسل (المصنف: 3/ 182 رقم 5241).

ص: 749

واختار بعضهم أن يصلي عند الإِسطوانة المخلقة، وتعرف باسطوانة المهاجرين (1)؛ لأن أكابر الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون إِليها، ويجلسون حولها، وتسمى أسطوانة عائشة رضي الله عنها للحديث الذي روت فيها "أنها لو عرفها الناس لاضطربوا على الصلاة عندها بالسُّهمان" وهي التي أسرَّتْ بها إِلى ابن أختها عبد الله بن الزبير رضي عنه فكان أكثر نوافله إِليها (2).

ويقال: إِن الدعاء عندها مستجاب، وهي التي صلى إِليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المكتوبة بعد تحويل القبلة (3) بضعة عشر يومًا ثم تقدم إِلى مصلاه المعروف اليوم.

(1) يذكر ابن حجر أن هذه الإِسطوانة هي المتوسطة في الروضة النبوية وهي المقصودة في حديث يزيد بن أبي عبيد: "كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الإِسطوانة التي عند المصحف، قلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند الإِسطوانة؟ قال: فإِني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها". البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة إِلى الإسطوانة. (فتح الباري: 1/ 57) وانظر (مناسك ابن هلال: 4 أ).

(2)

كذا في (فتح الباري: 1/ 57) وقال: وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن النجار، وزاد: إِن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها وذكره قبله محمد بن الحسن في تاريخ المدينة. وانظر. (الدرة الثمينة 53 أ، مناسك الحربي: 404 - 405).

(3)

انظر عن تحويل القبلة (وفاء الوفاء: 1/ 362 وما بعدها).

ص: 750

وهذه الأسطوانة هي الثالثة من المنبر والثالثة من القبلة، والثالثة من الأسطوانة التي في شباك الحجرة، وهي الرابعة من الأسطوانة التي في الصندوق عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" حمله مالك رحمه الله على ظاهره، فنقل عنه ابن الجوزي وغيره أنها روضة من رياض الجنة تنقل إِلى الجنة وأنها ليست كسائر الأرض تذهب وتفنى (1) ووافقه على ذلك جماعة من العلماء.

ثم تقدم إِلى القبر الشريف من ناحية القبلة، وإِن جعلت طريقك إِلى ذلك من جهة رجلي الصحابة رضي الله عنهم فهو أبلغ في الأدب من الإِتيان من جهة رأسه المكرم (2)، وتقف قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن تقف مقابل المسمار الفضة (3) الذي في الحائط، وذلك على نحو ثلاثة أذرع من السارية التي عند رأس القبر، وفي أصلها الصندوق، وإِن شئت وقفت داخل الشباك، وهو أولى من الوقوف خارجه، بدليل عمل السلف الصالح (4).

(1) نقل ابن الجوزي عن أبي عبد الله الخطابي: المعنى: من لزم طاعة الله في هذه البقعة آلت به الطاعة إِلى روضة من رياض الجنة - ولم يورد ابن الجوزي غير ذلك. (مثير الغرام: 222).

(2)

نقل الأزهري هذا المعنى عن ابن فرحون في (توضيح المناسك: 61 أ).

(3)

انظر عنه (تاج المفرق: 1/ 285، وفاء الوفاء 2/ 576).

(4)

نقل ابن هلال هذا المعنى عن ابن فرحون في (مناسكه: 4 أ).

ص: 751

وقد قال ابن حبيب في الواضحة: واقصد القبر الشريف من تجاه القبلة، وادن منه.

فهذا نص في الأمر بالدنو منه، وإِذا وقف الزائر تحت القنديل المقابل للمسمار كان بينه وبين القبر الشريف الحائط الرخام الذي بناه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما خافوا على حائط بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرقي، فحفروا الأساس فظهرت قدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبنى على الحجرة حاجزًا ومن خلفه جدار، ومن خلفه بيته صلى الله عليه وسلم، فليس في الوقوف هناك سوء أدب، بل هو موقف الزائرين المشار إِليه في كتب الزيارة.

ففي تحفة الزائر لابن عساكر أنَّ الزائرَ يقف تحت القنديل الكبير الذي من ناحية القبلة، وكذا في تاريخ * جمال الدين المطري (1) وكذا قاله بدر الدين ابن جماعة.

تنبيه:

وإِنما أشاروا إِلى القنديل الذي تجاه القبر الشريف مما يلي القبلة، لأنه لم يكن هناك قبل احتراق المسجد (2) إِلا قنديل واحد يقابل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1) ر الطبري، وكذا كلما وردت - وهو تصحيف.

وهو محمد بن أحمد الأنصاري السعدي المدني جمال الدين أبو عبد الله (ت) 741، تقدم ذكره ضمن شيوخ المؤلف في مقدمة التحقيق.

(2)

احترق المسجد النبوي سنة 654 أول رمضان، وسبب احتراقه أن أحد خدمة المسجد الشريف ترك قنديلًا على قفص في مخزن بالجانب الغربي فاشتعل القفص، =

ص: 752

ولما جدد المسجد جُعِل هناك عدة قناديل، قاله جمال الدين المطري، ثم قال: إِن علامة الوقوف مقابل الوجه الكريم اليوم مسمار فضة مضروب في رخامة حمراء، إِذا قابلها الإِنسان ونظر إِلى أساس ما قابلته من الأساس كان مواجهًا للوجه الكريم، وموقف الزائرين اليوم هو عرصة بيت حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان موقف الزائرين قبل أن تدخل حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند السارية التي أسفلها الصندوق، ويستدبرون الروضة ويجعلون إِسطوانة التوبة (1) وراء ظهورهم، وهي التي فيها الشباك في هذا الوقت، وهناك، كان موقف الصحابة والتابعين للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وإِذا استدبر الواقف أسطوانة التوبة المذكورة كان موقفه داخل

= وتسرَّبتِ النيران إِلى أمتعة بالمخزن وتعذر التغلب عليها، وقد استولى الحريق على سقف المسجد وتلف ما احتوى عليه. (نزهة الناظرين: 16 نقلًا عن القطب القسطلاني). وانظر (طبقات الشافعية، للسبكي: 5/ 113).

(1)

أسطوانة التوبة: هي التي ارتبط أبو لبابة الأنصاري إِليها حين أصابه الذنب، ومنها حل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة لما نزلت توبته في قوله تعالى:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102]. (أحكام القرآن، لابن العربي: 2/ 998).

وجاء ذكرها في حديث ابن عُمر رضي الله عنهما: "إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا اعتكف يطرح له فراشه - أو سريره - إِلى أسطوانة التوبة، مما يلي القبلة يستند إِليها". أخرجه البيهقي (السنن: 5/ 247، كتاب الحج، باب في أسطوانة التوبة). وانظر (وفاء الوفاء 2/ 442).

ص: 753

الشباك قطعًا؛ لأن مالكًا - رحمه الله تعالى - نقل في العتبية أنها الثانية من القبر.

قال جمال الدين المطري: وروي عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (1) رضي الله عنه أنه كان إِذا جاء يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عند الإِسطوانة التي تلي الروضة ويستقبل السارية التي فيها الصندوق اليوم.

والشباك الذي حول الحجرة اليوم أحدثه الملك الظاهر (2) في سنة تسع (3) وستين وستمائة.

وقد أنكر ذلك العلماء، لأنه أدخل فيه قطعة من الروضة مما يلي بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ارتفاعه نحو قامتين، ثم رفعه الملك العادل زين الدين (4)

(1) يقال له: (علي الأصغر) تمييزًا بينه وبين أخيه علي الأكبر، وهو رابع الأيمة الاثني عشر، كان مضرب المثل في الحلم والورع، ولد سنة 38 بالمدينة، وتوفي بها سنة 94. (الأعلام: 5/ 86، حلية الأولياء: 3/ 133، صفة الصفوة: 2/ 52).

(2)

هو ركن الدين بيبرس - كان شهمًا شجاعًا عالي الهمة معتنيًا بأمر السلطنة، أوقع بالروم والمغول بأسًا شديدًا. استمر ملكه من سنة 658 إِلى أن توفي سنة 667. (البداية والنهاية: 13/ 274 - 275).

(3)

ر: سبع، وهو تحريف لأن وفاة الملك الظاهر كانت سنة 667.

(4)

هذا الملك أصله من سبي وقعة حمص الأولى التي كانت في أيام الملك الظاهر بعد وقعة عين جالوت، وهو من طائفة من التتر تسمى الغويرانية. تولى الملك سنة 694، وكان من خيار الملوك وأعدلهم وأكثرهم برا. (ت) بحماة سنة 702 نائبًا عليها. (البداية والنهاية 13/ 338 - 339 و 14/ 27 - 28).

ص: 754

كتبغا (1) حتى أوصله السقف، فالشباك ليس له سلف قديم، ولا عبرة بقول من يحض على أن الزيارة تكون خارجًا عن الشباك، مع نص ابن حبيب وغيره من أئمة المذهب على الأمر بالدنو منه.

فإِذا وقف للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فليقف وعليه الخشية والسكينة والتواضع، غاض البصر في مقام الهيبة، كما تفعل بين يديه في حياته، وتستحضر علمه بوقوفك بين يديه وسماعه لسلامك، وتمثل وجهه الكريم في ذهنك، وتحضر قلبك جلال هيبته (2) وعلو منزلته وعظيم حرمته، وأن أكابر الصحابة ما كانوا يخاطبونه إِلا كأخي (3) السرار (4)، تعظيمًا لما عظم الله من شأنه (5).

قال ابن حبيب: وقد روينا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يسلمُ عليَّ إِلا ردَّ * الله عليَّ رُوحِي، حتَّى أرد عليه السلام"(6).

(1) كتبغا: سقطت من (ب).

(2)

ب: جلال رتبته. وانظر (مناسك خليل: 60 ب).

(3)

ب، ر: وعظم حرمته - وانظر (وفاء الوفاء: 4/ 1392).

(4)

ب: وأن أكابر الصحابة كانوا يخاطبونه كأخي السرار.

ومعنى (كأخي السرار): في خفض صوت (شرح الشفا: 3/ 720).

(5)

الآيات الدالة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

(6)

رواه أبو هريرة وأخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور. =

ص: 755

وتقول - بحضور قلب وغض صوت (1) وسكون جوارح وإِطراق هيبة -: السلامُ عليكَ أيُّهَا النبي، ورحمة الله وبركاته.

تنبيه:

ويقتصر على هذه الكلمة عند بعض العلماء.

قال ابن وهب عن مالك: ويدنو منه صلى الله عليه وسلم فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

قال مالك: ولا يمس القبر بيده (2)، ويدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الصلاة.

= قال المنذري: في إِسناده أبو صخر حميد بن زياد، وقد أخرج له مسلم في صحيحه وقد أنكر عليه شيء من حديثه، وضعفه يحيى بن معين مرة ووثقه أخرى. (مختصر سنن أبي داود: 2/ 447 رقم 1958).

كما أخرجه أحمد في (مسنده: 2/ 527) والبيهقي في (السنن الكبرى: 5/ 245).

(1)

وانظر (شفاء السقام: 69).

(2)

استنكر جمهور العلماء بدعة مس القبر باليد؛ لأنها عادة اليهود والنصارى، وقد رُوي أن أنس بن مالك رأى رجلًا وضع يده على قبره صلى الله عليه وسلم، فنهاه وقال: ما كنا نعرف هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال السمهودي: أنكره مالك والشافعي وأحمد أشد الإِنكار. (وفاء الوفاء: 4/ 1402) وانظر (شرح الشفا لنور الدين القاري: 3/ 851، المدخل: 1/ 256).

ص: 756

وقال ابن سعيد الهندي (1) - من أئمة المالكية - فيمن وقف بالقبر: لا يلصق به ولا يَمسه ولا يقف عنده طويلًا (2).

وصح من رواية نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إِذا قدِم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت (3).

فهذه طريقة ابن عمر- رضي الله عنهما وتبعه مالك رحمه الله في ترك تطويل القيام هناك.

واختار بعضهم التطويل في السلام، وعلى ذلك الأكثرون (4).

قال جمال الدين المَطَري: ومن أكمل (5) ما يُسلم به المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول:

(1) أحمد بن سعيد بن إِبراهيم الهمذاني بن الهندي، أبو عمر، فقيه عالم بالشروط والأحكام، روى عن القاسم بن أصبغ وعبد الله بن أبي دليم، وكان متقدمًا عند القاضي ابن السليم. ألف كتابًا في الشروط كان معتَمَدًا ولد سنة 320 (ت) 399. (الديباج: 1/ 172 - الشجرة: 101 رقم 255).

(2)

المدخل: 1/ 256 - القرى: 628.

(3)

سنن المهتدين: 30، شفاء السقام: 44، القرى: 628، المدخل: 1/ 255 مصنف عبد الرزاق: 3/ 576 رقم 6724.

(4)

نقل هذا الكلام عن ابن فرحون السمهودي في (وفاء الوفاء: 4/ 1397)

(5)

ر: ومن أجمل.

ص: 757

السلام عليك يا خاتم النبيين، السلام عليك يا شفيع المذنبين، السلام عليك يا إِمام المتقين، السلام عليك يا قائد الغُرّ المحجلين، السلام عليك يا رسول رب العالمين، السلام عليك يا مِنَّة الله على المؤمنين، السلام عليك يا طه، السلام عليك يا ياسين، السلام عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين، السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عنا يا رسول الله أفضل الجزاء، وصلَّى عليك أفضل الصلوات.

وقال ابن حبيب: يقول:

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك يا رسول الله أفضل وأزكى وأعلى وأنمى صلاةٍ صلاها على أحدٍ من أنبيائه وأصفيائه، أشهد يا رسول الله أنك قد بلَّغت ما أُرسلت به، ونصحت لأمتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين (1) وكنت كما نعتك الله في كتابه حيث قال:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2) فصلوات الله وملائكته وجميع خلقه في سماواته وأرضه عليك يا رسول الله، والسلام عليكما يا صاحبي رسول الله يا أبا بكر ويا عمر، جزاكم الله عن الإِسلام وأهله أفضل ما جزى وزيري نبي على وزارته في حياته

(1) توجد صيغة سلام على الرسول صلى الله عليه وسلم قريبة من هذه. أوردها ميارة في (الدر الثمين: 388).

(2)

التوبة 128.

ص: 758

وعلى حسن خلافته إِياه في أمته بعد وفاته، فقد كنتما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزيري صدق في حياته وخلفتماه بالعدل والإِحسان في أمته بعد وفاته، فجزاكما الله عن ذلك * بمرافقته في جنته وإِيانا معكم برحمته (1).

قال جمال الدين المطري: إِن كان الوقت مُتَّسِعًا فمن أحسن السلام أن تقول:

الصلاة والسلام (2) عليك يا من سفرت لوامع مجده، الصلاة والسلام عليك يا من همرت هوامع رفده، الصلاة والسلام عليك يا من ظهرت أنوار علائه، الصلاة والسلام عليك يا من بهرت أنوار أسنائه، الصلاة والسلام عليك يا نتيجة الشرف الباذخ، الصلاة والسلام عليك يا سلالة المجد الراسخ، الصلاة والسلام عليك يا جوهرة الشرف الأعلى، الصلاة والسلام عليك يا واسطة العقد المحلَّى، الصلاة والسلام عليك يا إِمام الأنبياء، الصلاة والسلام عليك يا صفوة الأصفياء، الصلاة والسلام عليك يا معنى الجود، الصلاة والسلام عليك يا منبع الكرم والجود، الصلاة والسلام عليك يا ذا المحامد، الصلاة والسلام عليك يا أبا القاسم، الصلاة والسلام عليك يا من عظمت هباته، الصلاة والسلام عليك يا من بهرت آياته، الصلاة والسلام عليك ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي أقر عيني برؤيتك، وأحلني بشريف

(1) نص ابن حبيب هذا انقله السمهودي عن ابن فرحون في (وفاء الوفاء: 4/ 1397 - 1398).

(2)

في (ر): السلام دون التصلية، وهكذا كلما وردت.

ص: 759

روضتك، وقضى لي أن أفوز بحضرتك، وأحرز سابق السعادة بحلول بلدتك.

وقال بعضهم: وصفة السلام أن يقول:

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك قد بلغت (1) الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين، وأنزل عليك كتابه النور المبين، وجمع لك فيه علم الأولين والآخرين، ووصفك فيه بقوله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2) وقال عز من قائل وقوله الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (3). وإِني يا رسول الله قد ظلمت نفسي وجئت مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إِلى ربِّي، راجيًا منه المغفرة بشفاعتك، والممات على ملتك وشريعتك ومحبتك والنجاةَ من النار والفوزَ بالجنة والسلامةَ من كلِّ هول دونها، والمغفرةَ لوالدي (4) وأولادي وأهلي وأئمتنا وإِخواننا ومن سبقنا بالإِيمان مغفرة عزمًا، وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم

(1) ر: أنك بلغت.

(2)

التوبة: 128.

(3)

النساء: 64.

(4)

ر: والسلامة من كل هول، والسلامة لوالدي.

ص: 760

والأموات، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد (1) كما صليت على إِبراهيم وبارك على سيدنا محمد وآل محمد كما باركت على إِبراهيم في العالمين إِنك حميد مجيد (2)، اللهم وَأجزِهِ عنا أفضل ما جازيت نبيًّا عن أمته، ورسولًا عن قومه، ولا تجعله آخر العهد به، وانفعنا بمحبته والوقوف ببابه ولا تصرفني إِلا بالفوز بالمغفرة وقضاء الطلبة.

وتدعو بما تحب من خير الدنيا والآخرة، ثم تتيامن قليلًا نحو ذراع فتسلم على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه فتقول:

السلام عليك يا صاحب رسول الله، السلام عليك يا خليفة رسول الله السلام عليك يا سيدي * أبا بكر الصديق، أشهد أنك أخلصت في صحبتك، ونصحت في خلافتك، وعدلت في رعيتك، فرضي الله عنك وجزاك عن المسلمين أفضل ما جزى به الأئمة المقسطين، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، نفعنا الله بمحبتك، وحشرنا في زمرتك مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم تتيامن قليلًا نحو ذراع فتسلم على أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتقول.

السلام عليك يا أبا حفص الفاروق، السلام عليك يا صاحب رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، لقد أخلصت في صحبتك ونصحتَ في

(1) وعلى آل سيدنا محمد: سقطت من (ر).

(2)

أورد ابن قدامة سلامًا بصيغة قريبة من المذكورة أعلاه. انظر (المغني: 3/ 558).

ص: 761

خلافتك وعدلت في رعيتك، فرضي الله تعالى عنك، وجزاك عن المسلمين أفضل ما جزى به الأئمة المقسطين، اللهم ارض عن أصحاب رسول الله أجمعين، وعن أهل بيته وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين، وصل وسلم عليهم أجمعين، وانفعنا بمحبتهم، واحشرنا في زمرتهم، ولا تخالف بنا عن طريقهم، بفضلك ورحمتك {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1){رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2) والحمد لله رب العالمين.

وفي مختصر الواضحة قال ابن حبيب: واجعل أكثر شغلك ما كنت بالمدينة الوقوفَ بالقبر والسلام على من فيه، كلما دخلت المسجد وخرجت منه، وأكثر من الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار المكتوبة والنافلة، ما أقمت بالمدينة لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي خَيْرٌ من ألف صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ" وقد تقدم الحديث بطوله أول الباب (3).

ومن أحسن ما تقوله في آخر سلامك:

صلى الله عليك في الأولين والآخرين أفضل وأطيب وأزكى وأكمل ما صلى على أحد من خلقه، كما أنقذنا بك من الضلالة، وبصرنا بك من العماية، وهدانا بك من الجهالة، أشهد أن لا إِله إِلا الله وأشهد أنك عبده

(1) الحشر: 10، وبدايتها {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ

}.

(2)

البقرة: 127.

(3)

تقدم في ص 739. وانظر رأي مالك في ذلك ص 772.

ص: 762

ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة، كما تقدم.

ثم تقول:

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وآته الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه مقامًا محمودًا كما وعدته وأسعدنا بزيارته، وأدخلنا في شفاعته يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.

تنبيه (1):

فإِن كان أحد أوصاه بالسلام، قال: السلام عليك يا رسول الله من فلان، ويدعو له كما تقدم، فقد روي أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يوصي بذلك (2).

وفي الشفا للقاضي عياض: إِنَّه كان يُبْرِدُ البريد من الشام بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم (3).

(1) ر: مسألة.

(2)

عن زيد بن أبي سعيد المهدي قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز فلما ودعته قال لي: إِليك حاجة، فإِذا أتيت المدينة فسترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاقرئه مني السلام. (المدخل: 1/ 255) وانظر (شفاء السقام في زيارة خير الأنام 44، مناسك ابن هلال: 2 أ).

(3)

شرح الشفا للقاري: 3/ 850. =

ص: 763

قال القاضي بدر الدين بن جماعة: ثم ترجع إِلى موقفك الأول قبالة وجهه صلى الله عليه وسلم بعد السلام على الأئمة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما * فتحمد الله وتمجده وتصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وتتوسل به وتشفع به في حق نفسك ووالديك وأولادك ومن أحببت (1).

وينبغي أن تنشد هناك قول الأعرابي (2):

= ويذكر نور الدين القاري أن قائل ذلك هو حاتم بن وردان كما رواه البيهقي في شعب الإِيمان.

وقال السبكي: "استفاض عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كان يبرد البريد من الشام، يقول: "سلم لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكر جماعة ممن رووا ذلك؛ انظر (شفاء السقام: 55 - 56) وانظر (القرى 583).

(1)

هذا مختصر من كلام ابن جماعة وتمامة: "يختم دعاءه بآمين وبالصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم"(هداية السالك: 3/ 1378).

(2)

روى العتبي قصة هذا الأعرابي، قال: "كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].

وقد جئتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إِلى ربي فيها، وهو منجز ما وعد، ثم بكى وأنشد (البيتين أعلاه) ثم انصرف الأعرابي بعد أن استغفر الله.

وقال العتبي: غلبتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له". =

ص: 764

[البسيط]

يا خير من دُفنت في القاع أعظُمُه

فطاب مِنْ طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداءُ لقبر أنت ساكنه

فيه العفافُ وفيهِ الجودُ والكرمُ

قال ابن عساكر: ثم تتقدم إِلى الصندوق قبالة رأسه الكريم، فتقف يمين الصندوق، وبين الأسطوانة التي من غربيه وتستقبل القبلة بحيث يكون الصندوق عن يسارك والأسطوانة عن يمينك واقفًا في الروضة.

قال: وتسمى الإِسطوانة التي عن يمينك أسطوانة التوبة؛ وهذا موافق لما نقله مالك في العتبية.

وقال بعضهم: هي التي تليها في الروضة.

ومالك رحمه الله إِمام دار الهجرة وهو أعلم بذلك من أهل السير. واختلف أصحابنا في محل الوقوف للدعاء، ففي الشفاء قال مالك في رواية ابن وهب: إِذا سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم يقف للدعاء ووجهه إِلى القبر الشريف لا إِلى القبلة (1).

= (الأحكام السلطانية للماوردي: 109، الإيضاح للنووي 159 - 160، رحلة القلصادي: 145، القرى: 581 وفيه قال الطبري: أخرجه أبو أحمد بن عساكر - مثير الغرام: 233، المجموع: 8/ 274، المغني: 3/ 557) وهذه الرواية مخالفة لرأي مالك أنه يمضي بعد السلام، وردها المانعون للزيارة بضعف سندها وعدم احتجاج مالك بالآية المذكورة فيها.

(1)

شرح الشفا للقاري: 3/ 851. =

ص: 765

وقد سأل الخليفة المنصور مالكًا رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه الصلاة والسلام إِلى الله يوم القيامة؟ (1).

وقال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند القبر يدعو، ولكن يسلم ويمضي.

ولعل ذلك ليس اختلاف قول، وإِنما أمر المنصور بذلك لأن يعلم بما يدعو ويعلم آداب الدعاء بين يديه صلى الله عليه وسلم، فأمِنَ عليه من سوء الأدب فأفتاه بذلك، وَأفتَى العامةَ أن يُسلِّموا وينصرفوا، لئلا يدعوا تلقاء وجهه الكريم ويتوسلوا به في حضرته إِلى الله العظيم، فيما لا ينبغي الدعاء وفيمَا يكره أو يحرم، فمقاصد الناس وسرائرهم مختلفة وأكثرهم لا يقوم بآداب الدعاء ولا يعرفها (2)، وقد

= ورواية ابن وهب عن مالك هذه يعارضها قوله في كتاب المبسوط للقاضي إِسماعيل البغدادي بعدم الوقوف عند القبر للدعاء وبالمضي بعد السلام مباشرة وسيأتي قوله هذا وشيكًا وهذا ما درج عليه ابن قدامة في (المغني: 3/ 558).

(1)

أورد هذه الحكاية البدر بن جماعة ذاكرًا أن الحافظين ابن بشكوال وعياضًا روياها. (هداية السالك: 3/ 1381) وهي في (المدارك: 2/ 101).

أما ابن تيمية فقد رد هذه الحكاية وجرح رواتها ونقد سندها وذكر أنها لم تنقل عن أحد من أصحاب مالك المعروفين بالأخذ عنه، وأنها تناقض مذهبه المعروف عنه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: 66 - 85 و 166).

(2)

برر المؤلف بهذا اختلاف الفتوى في هذا الموضوع، وعزاه إِلى اختلاف في الحال، ونفى عن الإِمام مالك - هنا - القول بإِباحة التوسل.

ص: 766

ذكرها القاضي عياض (1)، وذكرنا منها في آخر الدعاء يوم عرفة (2) طرفًا، فلذلك أمرهم بالسلام والانصراف.

ويظهر لك من ها هنا أمر مالك (3) أيضًا أن لا يطول السلام عنده ولا الوقوف بين يديه صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عساكر: والذي بلغنا عن ابن عمر- رضي الله عنهما وغيره من السلف الأولين الاختصار والإِيجاز في السلام جدًّا.

فعن مالك إِمام أهل المدينة - وناهيك به خبرة بهذا الشأن - أنه قال في رواية ابن وهب عنه: يقول المُسَلِّم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وقد تقدم ذلك (4).

وقال ابن حبيب في الواضحة بعد ذكر السلام: ثم تتحاشى عن القبر وتستقبل القبلة فتدعو لنفسك * ومن أردت بما استطعت من خيري الدارين، ثم اركع على إِثر ذلك ركعتين أو ما بدا لك.

ويستحب للزائر الإِكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرته الشريفة حيث يسمعه ويرد عليه.

(1) شرح الشفا للقاري: 3/ 742 وما بعدها.

(2)

تقدم في ص 393.

(3)

أمر مالك: سقطت من (ر).

(4)

تقدم في ص 756.

ص: 767

قال ابن عساكر: وروينا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ صَلَّى عليَّ عند قَبْرِي سمعتُه، ومنْ صلَّى عليَّ نائيًا أُبلغتُه"(1) صلى الله عليه وسلم.

وذكر أيضًا بسنده أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى علي عند قبري وكل الله عز وجل بها ملكًا يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شهيدًا أو شفيعًا"(2).

مسألة:

والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كالصلاة والسلام عليه في الصلاة في

(1) أورده الألبابي في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 1/ 239) وقال: أخرجه ابن عساكر عن طريق محمد بن مروان عن الأعمش، ضعيف وليس بمحفوظ.

وأورده السيوطي في الجامع الصغير برمز (هب) عن أبي هريرة.

قال المناوي: قال ابن حجر في الفتح: سنده جيد وهو غير جيد

وقال ابن دحية: موضوع تفرد به محمد بن مروان السدي، قال: وكان كذابًا، وأورده ابن الجوزي في الموضوع، وفي الميزان: ابن مروان السدي تركوه، واتهم بالكذب ثم أورد له هذا الخبر. (فيض القدير: 6/ 170 رقم 8812).

وهو في (الدرة الثمينة 86 أ، الباب 16 في ذكر فضل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم) وانظر (شفاء السقام: 49 - 50).

(2)

أورده السمهودي في (وفاء الوفاء: 4/ 1350) بهذا اللفظ، وقال: رواه جماعة عن أبي هريرة مرفوعًا من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن مروان السُّدِّي الصغير، وهو ضعيف. وانظر (شفاء السقام: 50 - 51).

ص: 768