الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعني مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجد شيئًا من حَصَى المسجد قد تعلق بوجهه أيلزمه رده إِلى المسجد؟ فقال: لا يلزمه ذلك، وأرخص له في طرحه (1) فقال السائل: يا أبا عبد الله إِنهم يقولون: إِذا خرجت الحصاة من المسجد تصيح حتى ترد إِلى المسجد؟ فقال له مالكٌ: دعها تصيح حتى ينشَقَّ حلقُها، فقال له: أولها حلْق يا أبا عبد الله؟ قال: ومن أين تصيح؟ فألزمه بهذا الكلام إِبطال ما ذكر من صياحها، ولم يفرق بين وجوده لذلك في الحرم أو بعد خروجه منه (2).
[حكم قطع شجر المدينة]
واعلم أن النووي ومن تبعه لم يفرقوا بين شجر مكة وشجر المدينة.
قال ابن الجوزي في مناسكه: إِن المدينة تفارق مكة في أنه يجوز أن يؤخذَ من شجر المدينة ما تدعو الضرورة إِليه للرحل (بالحاء المهملة) وشبه ذلك، فأجاز قطع ما تدعو الضرورة إِليه (3).
وحرم أصحابُنَا قطع أشجارها، وأن من قطع شجرة من منبتها ردها، فإِن
(1) ر: تركه.
(2)
هذا يدل بوضوح على موقف مالك من بدع عصره وجهده في مقاومتها وفي إِرجاع الناس إِلى جادة الصواب.
(3)
عبارة ابن الجوزي "تفارق مكة في من أن أدخل إِليها صيدًا يجب عليه رفع يده عنه، ويجوز له ذبحُه وأكله وجوز أن يؤخذ من شجرها ما تدعو الحاجة إِليه للرحل والوسائد، ومن حشيشها ما يحتاج للعلف بخلاف مكة"(مثير الغرام: 217).
نبتت وإِلا انتفع بها، قاله القرافي في الذخيرة (1).
وانتفاعه بها من جملته إِخراجه من الحرم إِلى غيره من الحل، وقد أجاز بعضهم قطع الشجر ليغرس في موضعه شجرًا أو يبني بيتًا؛ وإِذا قطعه فله تملكه ملكًا تامًا يتصرف فيه بما يريد.
وقال القاضي عياض: قال المهلب (2): قطع النبي صلى الله عليه وسلم النخل من المدينة حين بنى مسجده، وذلك يدل على أن النهي (3) لا يتوجه لقطع شجرها للعمارة وجهة الإِصلاح، وأن يقطع شجرها وشوكها ليتخذ موضعه (4) جنانًا وعمارة، وإن توجه النهي إِنما هو لقطع الإِفساد استبقاءً لبهجة المدينة وخضرتها في عين الوارد والمهاجر إِليها (5).
(1) الذخيرة: 3/ 338.
(2)
المهلب بن أحمد بن أسيد (بالتصغير) بن أبي صفرة التميمي أبو القاسم الأندلسي من الراسخين في العلم المتفننين في الفقه والحديث - شرح البخاري واختصره في كتابه النصيح. ت حوالي سنة 433.
(بغية الملتمس: 457، جذوة المقتبس: 330، الديباج 20/ 346؛ الشجرة: 114، الصلة 2/ 592، هدية العارفين: 2/ 482).
(3)
ر: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خطأ لأن المقصود: النهي عن قطع شجر المدينة.
(4)
ص: من موضعه.
(5)
ب: المهاجر لها.
وكلام المهلب هذا نقله السنوسي، ثم قال: روى ابن نافع عن مالك مثله انظر (مكمل إِكمال الإِكمال: 3/ 458).
قال القرافي: والكلام في شجر المدينة كالكلام في شجر حرم مكة (1).
فإِذا تقرر هذا فقد ظهر بما قدمناه أن قواعد مذهبنا وفتاوى الفقهاء ونصوص المذهب شاهدة بمخالفة ما ذكره النووي وغيره.
ومما يؤيد ذلك أن العمارات التي بوادي القرى (2) فيها (3) من أحجار المدينة ما هو باق مشاهد إِلى الآن، والظاهر أنها محمولة من مقطع أحجار المدينة وهو بيِّن، فإِن تلك الأراضي ليس فيها مقطع يشبه مقطع أحجار المدينة، بل جبالها كلها (4) بين الحمرة والصفرة (5).
ومما يؤيد ذلك أنه لو كان إِدخال حجارة الحل مكروهًا ما كانت الكعبة المشرفة والحجرة النبوية فيهما من أحجار الرخام ما لا خفاء به، وذلك من زمن عمر بن عبد العزيز، بل من قبله، من زمن الوليد بن عبد الملك، فلا وجه للقول بالكراهة وليس في مسائل المذهب ما يدل على المنع من إِخراج كيزان الحرمين.
وقد قال النووي رحمه الله: لا يجوز الأكل في الأواني المعمولة من تراب الحرم، ولعل مراده الأواني التي أُخرجت من الحرم * وجعل الخارج بها بمنزلة المعتدي والغاصب.
(1) الذخيرة: 3/ 338.
(2)
انظر عن وادي القرى (وفاء الوفاء: 4/ 1328 - 1329).
(3)
ب: فيها ما هو.
(4)
كلها: سقطت من (ب).
(5)
ص: والغبرة.
فرع:
فإِذا أقدم على قطع شجرة لا يجوز له قطعها فليستغفر الله عز وجل ولا شيء عليه، وبئس ما صنع.
فرع:
ويكره للمحرم قطع ما يُستنبت من النخل والرمان، وكذلك يكره له احتشاش الكراث والسلق والخس، ونحو ذلك من البقول خشية قتل الدواب (1) قاله مالك في الواضحة.
فرع:
ويكره للمحرم أن يحتش في الحل خيفة قتل الدواب، وما يفعله الحاج من الاحتشاش في طريق مكة بعد الإِحرام ينبغي الاحتراز منه، لمن عز عليه دينه.
والظاهر أن الكراهية في هذه وما قبلها على التحريم، وليست على بابها، للتعليل بخيفة قتل الدواب، قاله ابن عبد السلام.
فرع:
وشجر الحرم سواء فيه الأخضر واليابس؛ لأن الأخضر بهجة وأبهة واليابس له حرمة، وربما انتفع الطيور بالمبيت عليه والتوقف عليه بالنهار.
(1) النوادر والزيادات: 1/ 181 ب.