الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن عشر: في النيابة في الحج والإجارة عليه
والمشهور: المنع من النيابة في الحج (1)، والشاذ: الجواز، قاله ابن بشير، ولعله يريد في فرض الحج.
(1) قال الشارمساحي: "الأعمال عندنا على ثلاثة أضرب: ضرب لا تجوز النيابة فيه بوجه، وهو ما لم يكن فيه حق مالي بوجه كالصلاة والصوم، فلا يجوز فيه أن ينوب أحد عن غيره، لقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
…
وضرب تجوز فيه النيابة: وهو ما كان من الأعمال راجعًا إِلى المال، وضرب أخذ بطرف من البدن ومن المال، وهو الحج، فمن غلب فيه حكم البدن لم يجز فيه النيابة، ومن غلب فيه حكم المالية؛ لأنه غالب لا يتأتى إِلا بإِنفاق المال أجاز فيه النيابة، إِلا أن مالكًا راعى الخلاف، فكره أن تعقد فيه الإِجارة ابتداء، فإِن وقعت جازت رعيًا للخلاف".
(الشارمساحي على التفريع: 2/ 1 ب).
واعتبر القرافي أن النيابة تصح بالإِجماع فيما اشتمل فعله على مصلحة مع قطع النظر عن فاعله كرد الوديعة، ولا تصح بالإِجماع فيما لا يتضمن مصلحة في نفسه بل بالنظر إِلى فاعله كالصلاة. أما المتردد بينهما فهو محل اختلاف، ومنه الحج الذي ألحقه مالك بالقسم الثاني ومنع النيابة فيه.
انظر (الفروق: 2/ 204 - 206 - الفرق العاشر والمائة: بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه عن الملكف). وانظر (مجموع فتاوى ابن تيمية 26/ 14 وما بعدها).
فرع (1).
قال سند: اتفق أرباب المذاهب (2) على أن الصحيح أنه لا يجوز استنابته في فرض الحج، والمذهب كراهتها في التطوع، وإِن وقعت صحت الإِجارةُ، قاله القرافي (3).
فرع:
قال القرافي: وأما الشيخ الضعيف، فقال الأئمة: إِن كان ذا مال وجب عليه (4) الاستيجار، واستحبه (5) ابن حبيب.
فرع:
والمذهب: أن حج النائب لا يُسقط فرض المنيب.
وقال الحنيفة: يقع الحج تطوعًا عن النائب، وللمستنيب أجر النفقة (6).
(1) ر: فصل.
(2)
ر: المذهب.
(3)
الذخيرة: 3/ 193.
(4)
ب: يجب عليه.
(5)
ر: واستحسنه. وما أثبتناه متفق مع ما في الذخيرة.
(6)
إِذا لم يوص شخص أحدًا بأن يحج عنه فتبرع بالحج عنه من هو أهل للتبرع من الورثة أو غيرهم، وحج بنفسه عنه أو أحج عنه غيره جاز عن حجة الإِسلام. قال أبو حنيفة: لو مات رجل بعد وجوب الحج عليه ولم يوص به فحج رجل عنه أو حج عن =
وهو قريب من قول مالك (1). قاله القرافي.
وقال ابن حبيب: يجزئ عن الكبير العاجز والميت الموصي (2).
فرع:
إِذا أحرم عن أبويه جميعًا لم ينعقد إِحرامه وإِن أحرم عن أحدهما ولم يعينه لم يقع إِلا عن نفسه.
فرع:
فلو أحرم عن الميت ثم صرفه إِلى نفسه لم يجز عنهما، وإِن كان أجيرًا رد الأجرة؛ قاله في الذخيرة (3).
فرع: [استنابة العاجز]
ولا تصح استنابة العاجز ولا تجوز.
= أبيه أو أمه حجة الإِسلام من غير وصية، يجزيه إِن شاء الله تعالى.
ومن شروط جواز الإِحجاج عند الحنفية عدم اشتراط الأجرة على الصحيح، فإِن شرط ذلك وقع الحج عن الحاج دون الآمر وهذا الشرط منصوص عليه في عامة كتبهم كالهداية ومختصر القدوري والكنز.
(المسلك المتقسط، وإِرشاد الساري إِلى مناسك الملا علي القاري: 288).
(1)
ر: وهو قريب من القول الذي لمالك.
(2)
هذا الفرع والذي قبله في (الذخيرة: 3/ 193).
(3)
الذخيرة: 3/ 197 - 198.
وقيل: تصح، وهو (1) مروي عن مالك.
وفي التبصرة: وقيل لمالك: إِن رجلًا أمرني - وهو حيٌّ - أن أحج عنه؟ فقال: افعل ما أمرك به، وأرى الموت والحياة في ذلك سواء والابن والأجنبي والشيخ والشاب، كل ذلك جائز وكلها أعمال أبدان إِلا أن يكون حيًّا قادرًا على الحج، فلا يصح أن يحج عنه كما لا يجوز ذلك في الصلاة والصوم.
وقيل: تصح من الولد دون غيره قاله ابن وهب؛ لأن الرخصة وردت فيه (2) سواء كان ذلك بوصية أو لا، كان الأب شيخًا أو غير ذلك، قاله اللخمي وابن حبيب أيضًا (3).
(1) وهو: ساقط من (ر).
(2)
الرخصة في ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إِن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال:"نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء" قال ابن حجر: رواه البخاري. (بلوغ المرام: 734 رقم 733 كتاب الحج باب فضله وبيان من فرض عليه).
(3)
قال ابن وهب وأبو مصعب: تجوز الاستنابة في حق الولد خاصة؛ لأن الرخصة وردت فيه. ونقل عن ابن وهب أنه أجاز أن يحج الرجل عن قرابته فلم يخص الولد، وبقول ابن وهب الأول أخذ ابن حبيب، فقال: جاءت الرخصة في الحج عن الكبير الذي لم ينهض ولم يحج، أن يحج عنه ولده وإِن لم يوص به، ويجزيه إِن شاء الله، والله واسع وأحق بالتجاوز. (التوضيح 1/ 200 ب).
وقال صاحب التوضيح: قولهم: لا يجوز استنابه العاجز، بمعنى: أنها تكره، وظاهر كلام اللخمي وابن الحاجب وابن عبد السلام: المنع (1) *.
فرع:
قال مالك: ومن مات وهو صرورة ولم يوص أن يحج عنه فأراد أن يتطوع عنه بذلك ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي فليتطوع عنه بغير هذا، يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق (2) لأن التطوع عنه بهذه الأشياء أولى لوصولها إِليه، وثواب الحج هو للحاج وإِنما للمحجوج عنه ثواب المساعدة على المباشرة (3).
(1) عبارة صاحب التوضيح عند شرحه نص ابن الحاجب: "ولا استنابة للعاجز على المشهور" عبارته: "أما العاجز فحكى المصنف فيه ثلاثة أقوال المشهور عدم الجواز أي يكره - صرح ابن الجلاب بذلك، وكلام المصنف لا تؤخذ منه الكراهة بل المنع وهو ظاهر ما حكاه اللخمي، والقول الثاني الجواز مطلقًا، وهو مروي عن مالك"(التوضيح: 1/ 200 ب).
(2)
كلام مالك وارد في المدونة، ونقله عنه ابن يونس. (التاج والإِكليل: 2/ 543 - مواهب الجليل: 2/ 543).
قال خليل: "وتطوع وليه عنه بغيره كصدقة ودعاء، فللولي وغيره أن يتطوع عن الميت أو الحي بغير الحج مما يقبل النيابة كالدعاء والعتق"(الدردير على المختصر الخليلي: 1/ 269).
(3)
ساق هذا المعنى ابنُ فرحون في شرحه على مختصر ابن الحاجب (مواهب الجليل: 2/ 543).
قال في التقريب على التهذيب: وكذلك من استأجر قارئًا. يعني يقرأ ويهدي ثواب القراءة له.
تنبيه:
وفي آخر فتاوى ابن رشد، في السؤال عن قوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} . (1) قال: وإِن قرأ الرجل وأهدى ثواب قراءته للميت جاز ذلك وحصل للميت أجره، ووصل إِليه نفعه إِن شاء الله تعالى (2).
وما قاله ابن رشد - رحمه الله تعالى - يؤيده (3) ما رواه النسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل مقبرة فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إِحدى عشرة مرة وأهدى
(1) النجم 39.
(2)
كذا في (فتاوى ابن رشد: 1446 الفتوى 528).
وأشار البرزلي إِلى رأي ابن رشد هذا، فقال:"أما القراءة على الميت أو الحي وإِهداء ثوابه فمذهب ابن رشد جوازه، وتأول قوله عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} "(نوازل البرزلي: 1/ 67 أ - كتاب الصلاة).
ونقل المواق كلام ابن رشد، وعلق عليه في (سنن المهتدين: 30) وفي انتفاع الميت بقراءة القرآن وإِهداء ثوابه له قولان: أولهما أنه ينتفع به وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما، وثانيهما أنه لا ينتفع به وهو المشهور في مذهب مالك والشافعي - انظر (مجموع الفتاوى لابن تيمية: 24/ 315).
(3)
ص، ب: يعضده.
وانظر (إِتحاف السادة المتقين، للمرتضى الزبيدي: 10/ 371).
ثواب ذلك لمن بها كتب الله له بعددهم حسنات" (1).
وفي أحكام ابن سهل (2) في باب الوصايا في امرأة أوصت أن يقرأ على قبرها القرآن (3) بأجرة ذكرتها فقال أبو عبد الله بن عتاب (4) في الجواب: وما عهدت به لقارئ يقرأ على قبرها فهو نافذ في ثُلُثِها، كالاستئجار للحج، وهو رأي شيوخنا، وذلك بخلاف ما لو أوصت بمال لمن يصلي عنها أو يصوم (5).
(1) هذا الحديث موضوع أخرجه أبو محمد الخلال في فضائل سورة الإِخلاص: 201 - مخط الظاهرية، مجموع 95).
وذكر السيوطي أن في إِسناده عبد الله بن أحمد بن عامر، وهو كذاب، كما قال عنه الذهبي في (ميزان الاعتدال: 2/ 390) انظر (ذيل اللآلي المصنوعة: 144 - ط الهند).
(2)
عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي أبو الأصبغ القرطبي، لازم ابن عتاب واختص به وروى عن مكي بن أبي طالب كان جيد الفقه مقدمًا في الأحكام، ألف فيها "الإِعلام بنوازل الأحكام". ت 486. (الديباج: 1/ 70، المرقبة العليا: 96 - 97).
(3)
اختلف العلماء في قراءة القرآن، الدائمة على القبور - انظر (مجموع فتاوى ابن تيمية 24/ 317).
(4)
محمد بن عتاب بن محسن، أبو عبد الله القرطبي شيخ المفتين بها، تفقه على ابن الفخار وصحب القاضي ابن بشير، وكتب له مدة قضائه، وكان ثبتًا متقدمًا في المعرفة بالأحكام. ت 362. (الديباج 2/ 241، الصلة: 2/ 515 الوافي بالوفيات: 4/ 79).
(5)
الإِعلام بنوازل الأحكام: 1/ 177 - 178) وانظر (مجموع فتاوى ابن تيمية: 24/ 317 و 324).
فرع:
وتنفذ الوصية بالحج عن الميت على المشهور مراعاة للخلاف، والشاذ: لا تنفذ؛ لأن الوصية لا تبيح الممنوع، ويصرف القدر الموصى به في وجوه الخير.
فرع مرتب:
وإِذا قلنا بإِنفاذها عن الميت، فهل يكون الحج على وجه النيابة عن الميت؟ وعليه نزلت رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة؛ لأنه قال: لا يحج عن الموصي لا صرورة ولا عبدٌ ولا مكاتَبٌ ولا معتق بعضُهُ ولا مدبر ولا أم ولد (1).
فاعتباره صفة المباشر للحج يدل على أنه على وجه النيابة عن الموصي. وقيل: لا تصح النيابة في ذلك، وإِنما للمحجوج عنه أجر النفقة، وإِن تطوع عنه أحد فله أجر الدعاء، حكاه القاضي أبو الحسن بن القصار.
فرع مرتب:
وإِذا فرعنَا على ظاهر المدونة، فقال مالك: أحب إِلي أن ينفذ الوصية من قد حج عن نفسه (2).
(1) عبارة المدونة: "قلت: فالمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر في هذا سواء عندك بمنزلة العبد لا يحجون عن ميت أوصى؟ قال: نعم"(المدونة: 2/ 253).
(2)
عبارة (المدونة: 2/ 251) قال مالك: إِذا أوصى أنفذ ذلك، ويحج عنه من قد حج أحب إِلي.
قال عبد الوهاب: لأنه يُكره أن يحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه (1).
فرع:
فإِن لم يوص الميت الصرورة بأن يحج عنه لم يلزم الورثة أن يستأجروا من ماله من يحج عنه على الأصح.
تنبيه:
هكذا نقله ابن الحاجب (2) وظاهره أن في المذهب قولًا بلزوم الورثة أن يستأجروا عنه إِذا كان صرورةً، وهو خلاف ما ذكره ابن شاس (3) وابن بشير وغيرهما، والخلاف إِنما هو في جواز الإِقدام على الاستئجار عنه وفي منع ذلك (4) فينبغي حمل كلام ابن الحاجب على ذلك.
هكذا نبه عليه شراح كلامه (5) *
(1) الشارمساحي على التفريع: 2/ 1 ب.
(2)
نص ابن الحاجب: "وإن لم يوص لم يلزم، وإِن كان صرورة على الأصح"(جامع الأمهات: 184).
(3)
عبارة ابن شاس: "إِن لم يوص لم يحج عنه، وقيل: يحج عنه إِن كان صرورة"(الجواهر: 1/ 381).
(4)
ب: وفي المنع من ذلك.
(5)
قال خليل في شرح كلام ابن الحاجب: "الخلاف راجع إِلى الصرورة وكلامه يقتضي أن الخلاف في اللزوم، وظاهر كلام ابن بشير وابن شاس أن الخلاف إِنما هو في الجواز وهو الظاهر، وكذلك قال ابن بزيزة، ولفظه: "المستنيب إِما أن يكون حيًّا أو ميتًا فإِن =
وفي الذخيرة: وقيل يحج عنه وإِن لم يوص إِن كان صرورة (1).
وهذا موافق لنقل المؤلف، ولعل القرافي أخذه منه؛ لأن وفاته بعد ابن الحاجب باثنتين وأربعين سنة (2).
فرع:
والعمرة كالحج فيما ذكر (3) من الخلاف في الإِجارة، وفيما يجوز ويمنع.
فرع:
قال اللخمي: وفي السليمانية قال: لا ينبغي لمؤاجر بالحج أن يركب من الجمال والدواب إِلا ما كان الميت يركبه؛ لأنه كان كذلك أراد أن يوصي ولا يقضي به دينه ويسأل الناس، وهذا خيانة منه وإِنما أراد الميت أن يحج عنه بماله، قال: والعادة اليوم خلاف ذلك، وأنه يصنع به ما أحب ويحج ماشيًا (4) وكيف تيسر.
= كان ميتًا فإِما أن يوصي أو لا يوصي فإِن لم يوص فلا يحج عنه على المشهور سواء كان صرورة أو غير صرورة" (التوضيح: 1/ 201 أ).
(1)
الذخيرة: 3/ 773.
(2)
ب، ص: ولعل القرافي أخذه منه فانظره.
(3)
ص: فيما ذكره.
(4)
ر: ويحج به ماشيًا.
وقد قال مالك في السليمانية: لا ينبغي للأجير أن يركب الحمار والدواب.
قال الشيخ عبد الله المنوفي رحمه الله: ومثل هذا المساجد ونحوها يأخذها الوجيه بوجاهته ثم يدفع منها شيئًا قليلًا لمن ينوب عنه، فأرى الذي أبقاه لنفسه حرامًا؛ لأنه اتخذ عبادة الله متجرًا ولم يوف صاحبها (1) مراده (2)، إِذ مراده التوسعة ليأتي الأجير بذلك منشرح الصدر، قال: وأما من اضطر إِلى الإِجارة على ذلك فإِني أعذره لضرورته.
يريد - والله أعلم - كالسفر والمرض أو شغل يعرض.
فرع:
ويُكره للمرءِ إِجارة نفسهِ في الحج ونحوه من أعمالِ القُرَب على المشهور (3).
(1) ر، ص: صاحبه.
(2)
مراده: سقطت من (ص).
(3)
درج على ذلك ابن الحاجب فقال: "ويكره للمرء إِجارة نفسه على المشهور وتلزم" وقال مالك: لأن يؤاجر الإِنسان في عمل اللبن والحطب - وفي رواية وسوق الإِبل - أحب إِلى من أن يعمل لله بأجر، وهناك رأي شاذٌ أن هذا من باب الإِعانة على الطاعة". (التوضيح: 1/ 20 أ).
ووجه كراهة هذه الإِجارة أنها من باب طلب الدنيا بعمل الآخرة. (الجواهر: 1/ 382).
وانظر (التاج والإِكليل: 3/ 2 - الكافي: 1/ 408).
وقيل: ذلك غير مكروه (1) لجواز الإِجارة على الأذان وتعليم (2) القرآن.
فرع:
وعقد الإِجارة بالحج لازم، وإِن قلنا بالكراهة، لتعلق حق الغير، فلو أراد نقضها لما بلغه أن أحدًا لا يحج عن أحد لم يكن له ذلك، قاله ابن القاسم.
والإِجارة على ثلاثة أقسام: بأجرة معلومة (3)؛ وبالنفقة وتسمى البلاغ (4) في النفقة، وعلى وجه الجعالة وهو أن لا يلزم نفسه شيئًا ولكن إِن حج كان له كذا وإِلا فلا وتسمى البلاغ في الحج، قاله اللخمي.
فإِذا وقعت الإِجارة بشيء معين فيملك الأجير الأجرة بنفس العقد ويتولى
(1) انظر (التمهيد: 9/ 136).
(2)
ر: وتعليمه.
(3)
الإِجارة بالأجرة المعلومة، تسمى بالإِجارة المضمونة. قال الشارمساحي في توضيحها:"معنى المضمونة أن يستأجره بأجرة معلومة على عمل معلوم فيلزم الأجير أن يحج عنه بتلك الأجرة، وله فضلها وعليه نقصها فكأنه ضمن له أن يحج عنه، ولذلك سميت مضمونة"(الشارمساحي على التفريع: 2/ 2 أ).
(4)
قال الشارمساحي: "معنى البلاغ: أن يعطيه مالًا يمكن أن يبلغ إِلى الحج وينفق منه ذاهبًا بنفقته؛ لأن ما يكفيه معلوم بالعرف، كذلك هذا جاز أن يستأجره بعدد غير معين؛ لأنه يتعين بالعرف فيما يكفي الناس في ذلك"(الشارمساحي على التفريع: 2/ 2 أ).
النفقة بنفسه فما زاد فله وما نقص فعليه، ولو ضاع المال كان ضامنًا للحج أحرم أو لا.
وأما البلاغُ في النفقة فهو إِعطاء الأجير مالًا يحج منه، فله الإِنفاق بالمعروف من غير إِسراف ولا تقتير، ويشتري من المال حاجته من الثياب والوطاء واللحاف والكعك والزيت والخل واللحم المرة بعد المرة، ويخرج من المال ما لزمه من هدايا وفدية (1) غير مُتعمِّد لموجبها (2)، فإِذا رجع رد ما فضل.
قال محمد: وإِنا لنكره ذلك (3).
قال اللخمي: يريد إِلا بشيء (4) معلوم.
فرع: قال اللخمي: والإِجارةُ من بلدِ المُوصِي إِن وَصَّى مِنْهُ ثم مات.
قال ابن القاسم: ويحرم من ميقات الميت وإِن لم يشترطوا ذلك عليه.
وقال أشهب في كتاب محمد: يحج عنه من الموضع الذي أوصى منه (5) * يريد إِذا كان يغير بلده.
(1) ب، ص: هذي أو فدية.
(2)
مختصر ابن عرفة: 1/ 128 أ.
(3)
ر: وأنا أكره ذلك.
(4)
ب: لا بشيء.
(5)
منه: سقطت من (ر).
قال محمد بن عبد الحكم: إِن كان من أهل مصر فمات (1) بخراسان ووصى بالحج عنه من خراسان فهذا أحسن، وإِنما يحج عنه من بلد الميت إِذا مات به إِلا أن لا يجد من يستأجر بتلك الوصية من موضع وصى به.
قال مالك: ومن أراد أن يحج عن رجل من مكة فأحب إِلي أن يهل من ميقات ذلك الرجل، وإِن أهل مِن مكة أجزأه (2).
فرع:
قال مالك في كتاب محمد فيمن عليه مشي فأوصى أن يمشي عنه: لا يمشي عنه ويهدي عنه هديين للحج وصفته بالمشي، فإِن لم يجد فواحد يجزئه (3).
فرع:
متى لم يعيِّن المستأجرُ السنةَ التي يحج فيها الأجير بطلت الإِجارة، للجهل بالزمان، كما لو باعه سلعة بثمن إِلى أجل غير معين وقيل: تصح.
والقول بالبطلان غير صحيح، وهو لابن العطار (4).
(1) ب: ومات.
(2)
مختصر ابن عرفة: 1/ 130 أ.
(3)
(الذخيرة - 3/ 193 - 194).
ومثل ذلك في المدونة (2/ 256).
(4)
محمد بن أحمد بن عبد الله بن العطار الأندلسي، أبو عبد الله، عالم مشاور عارف =
وقد أجاز في سماع أبي زيد (1) من العتبية الاستئجار على حجة مقاطعةً في غير سنة (2) معينة (3).
قال في البيان: وإن استؤجر على أن يحج في ذلك العام فلا يتعين في ذلك العام، وإن استأجره على الحج وسكت فهو على أول سنة، فيلزمه أن يحج فيما بعدها (4).
فرع:
وعلى القول بالبطلان (5): فلو استؤجر على عام معين، فنوى فيه عن
= بالشروط. ألف فيها كتابًا كان عليه المعول، أخذ عن أبي عيسى الليثي، وناظر ابن أبي زيد بالقيروان وذاكره، ولقي في رحلة حجِّه سنة 383 أعلامًا وأخذ عنهم، وأخذ عنه ابن الفرضي وغيره ولد سنة 330 ت 399. (الديباج: 12/ 231 - شجرة النور: 101 رقم 354 - المدارك: 7/ 148).
(1)
أبو زيد عبد الرحمن بن أبي جعفر الدمياطي، من الرواة عن الإِمام مالك، تفقه بكبار أصحابه: ابن القاسم وابن وهب وأشهب، وله مؤلفات تسمى بالدمياطية. (الديباج: 1/ 471 - الشجرة: 59 رقم 29).
(2)
ر: ساعة
(3)
ب: بعينها.
(4)
البيان والتحصيل: 3/ 403 - 404.
(5)
القول بالبطلان ينبني على القول بافتقار هذا العقد إِلى تعيين الزمان الذي حج فيه (الجواهر: 1/ 383).
نفسه انفسخت، وكذا لو اعتمر عن نفسه في العام المعين ثم حج عن الميت انفسخت، ولا يجوز له أن يُشرك معه غيره في وجهته.
فرع:
وفي الذخيرة، قال سند: يجب اتصال العمل بالعقد في الإِجارة المعينة كسائر الإِجارات، وإِن كانت بالحجاز فالأحسن أن تكون في الأشهر الحرم، فيشرع فيها عقيب العقد، ويجوز التأخير في المضمونة السنتين (1).
فرع:
ولو شرط على الأجير الإِفراد بسبب أن الميت رضي بذلك، فقرن انفسخت؛ لأنه أتى بغير ما قصده المُوصي، فلو تمتَّع لم تنفسخ وأعاد الحج، لأن القِرانَ أمرٌ يخفى، وهو راجع إِلى النية، وقد يعود إِلى القران لو أمرناه بالإِعادة (2) فلذلك انفسخت، والتمتع لا يخفى (3).
فرع:
ولو شرط عليه الإِفراد بغير وصية من الميت فخالف إِلى القِران أو التمتع، فقيل: يُجزئ لأن الحج حصل، وقيل: لا يجزئ ويرد ما قبض؛ لأن الوارث كالموصي.
(1) ر: السنين. انظر (الذخيرة: 3/ 201).
(2)
وهو راجع
…
بالإعادة: ساقط من (ب).
(3)
انظر (الكافي: 1/ 409).
وفي المسألة خلاف (1) مذكور في الأمهات.
فرع:
وفي تعيين من عيَّن الميتُ قولان:
أما إِن فُهم قصدُ الموصي في رجل لصلاحه أو لعلمه فلا خلاف أنهُ يعمل على قصده.
(1) يذكر الشارمساحي أن من استؤجر على أن يحج مفردًا لأن الإِفراد أفضل، إِذا حج قارنًا فقد خالف المقصود، وأوقع حجة ناقصة الأفعال إِذ شاركتها العمرة في بعضها، وكان استؤجر على حجة تامة الأفعال.
وقد اختُلف هل يمكن أن يحج عنه عامًا ثانيا، أو لا يمكن، بل تنفسخ الإِجارة ويرد ما أخذه.
فوجه القول بالتمكين أنه لما لم يفعل ما استأجره عليه بقي الطلب عليه بذلك، ويجوز أن يحج في عام قابل، وهو بمنزلة من مرض، فتعين أن يبقى إِلى عام آخر حتى يحج عنه.
ووجه القول بعدم التمكين أنه ظهرت خيانته إِذ لم يفعل ما استؤجر عليه، فلا يؤتمن على ذلك مرة أخرى.
وقال عبد الملك: تجزئ الحجة التي أداها الأجير على غير الوجه المستأجر عليه؛ لأن المقصود إِبراء الذمة مما تعين فيها، وذلك حاصل بالإِفراد والقِران والتمتع، وقد فعل عنه أحدها فأجزأ، كما لو فعله المستأجر عن نفسه. (الشارمساحي على التفريع: 2/ 2 ب).
وإِذا قلنا: يتعين بتعيينه وليس ثمَّ قصدٌ لمعنى معين فأبى ذلك الرجل، فإِن الوصية تبطل.
ولو استأجر الموصي غيره بطل العقد.
وإِن قلنا: إِنه لا يتعين، لم تبطل ويستأجر غيره.
فرع:
وإِذا سمَّى الوصِي قدرًا فوجد من يحج بدونه، فالفاضل ميراث، وكذا ما فضل عن حج البلاغ، فهو ميراث (1) وهذا إِذا لم يعين الوصِي الأجير * وأمَّا إِن عيَّن الأجيرَ وفُهم منه إِعطاء الجميع له عُمِل بقوله أو بما يفهم من قصده. وقيل: إِذا عين القدر ولم يعين الأجير لم يرجع الفاضل ميراثًا، بل يحج به عنه حجج.
فرع:
ولو لم يوجد من يحج عنه بجميع القدر الذي سمى من موضع الميت ومحل إِقامته فقيل: تبطل الوصية ويرجع ذلك (2) ميراثًا، قاله ابن القاسم (3).
وقيل: يحج عنه مما يقرب ولو من الميقات أو من مكة، قاله أشهب.
(1) مختصر ابن عرفة: 1/ 130 أ - مواهب الجليل: 3/ 3.
(2)
ب: ويرجع جميع ذلك.
(3)
كذا في (التاج والإِكليل: 3/ 3) نقلا عن ابن يونس.
والثالث: إِن كان صرورةً يحج عنه من الميقات أو من مكة؛ وإِن كان غير صرورة رجع ذلك ميراثًا، قاله محمد.
فرع:
وهل يلزم أجير الحج أن يُشهد على إِحرامه عن الميت إِذا لم يجر العرف بالإِشهاد على ذلك أو لا يلزمه؟ أجراه أبو عمران على القولين في المستأجر على تبليغ كتاب إِلى بلد فادَّعى أنَّه أوصله، فحكم له ابن القاسم بالأجرة.
وقال غيره: لا يستحق إِلا بعد إِقامة البينة على إِيصاله.
وأما لو جرى العرف بالإِشهاد على الإِحرام، فلا خلاف أنه يلزمه الإِشهاد.
فرع:
قال عبد الحق في تهذيب الطالب: رأيت في مسائل سئل عنها ابن أبي زيد، قيل له في رجل استؤجر بمال ليحج به، وشرطوا عليه الزيارة، فلم يستطع تلك السنة أن يزور، لعذر منعه من ذلك؟ قال: يرد من الأجرة بقدر مسافة الزيارة.
وقال غيره: يلزمه أن يرجع ثانية (1) حتى يزور، والله أعلم.
(1) ب: ثانيا.