الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: فيما ينبغي للقادم على المدينة من طريق مكة
وقد تقدم ما يقول من الأذكار إِذا قفل من مكة (1)، فلا فائدة لإِعادته.
فإِذا وصلتَ المعرَّس، وهي البطحاء التي بذي الحليفة، فلا تجاوزه حتى تنيخ به وتقيم فيه (2) حتى تصلي ركعتين أو ما بدا لك، فإِن ذلك من السنة، فإِن أتيته في وقت لا يصلَّى فيه فأقم فيه حتى تحل النافلة، ثم صل به ثم اِرْحَل (3).
وذلك أن ابن عمر (4) رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا
(1) تقدم في ص 476.
(2)
وفاء الوفاء: 4/ 1391، توضيح المناسك للأزهري: 60 أ.
(3)
التفريع 1/ 355 - 356.
(4)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا خرج إِلى مكة يصلي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي، وبات حتى يصبح". أخرجه البخاري (الصحيح: 2/ 166 - 167، كتاب الحج، باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة).
والشجرة والمعرس موضعان على ستة أميال من المدينة، لكن المعرس أقرب.
واختلف هل كان نزوله صلى الله عليه وسلم هناك قصدًا أو اتفاقًا، وصحح ابن حجر أنه كان قصدًا لئلا يدخل المدينة ليلا. (الفتح: 3/ 391 - 392).
صدر من الحج أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، فصلى بها.
قال نافع: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك (1).
وقال مالك: لا أحب لأحد أن يترك ذلك.
والتعريس به والصلاة فيه من السنة.
ويستحب الغسلُ لدخول المدينة ولبس النظيف من الثياب (2).
فإِذا رحلت (3) منه ووقع بصرك على المدينة، فمن الآداب أن تنزل إِذا قارب النزول في المنزلة التي على باب المدينة (4).
(1) يدل على ذلك قول موسى بن عقبة: "قد أناخ بنا سالم (بن عبد الله) يتوخى بالمناخ الذي كان عبد الله ينيخ، يتحرى معرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي" أخرجه البخاري (الصحيح: 2/ 144 كتاب الحج، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك).
(2)
قال النووي: "يستحب أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه" وأضاف ابن حجر الهيثمي: "يسن أن يتطيب، وأما ما يفعله بعض الجهلة من التجرد من الملبوس كالإِحرام، فهو حرام يجب منعهم منه، ويعزرون عليه التعزير الشنيع حتى ينزجروا". (ابن حجر الهيثمي على شرح الإِيضاح: 490).
والاغتسال للزيارة ذكره المحب الطبري ضمن آدابها، في (القرى: 627) والسمهودي في (وفاء الوفاء: 4/ 1391).
(3)
ر: رجعت - (ب) ارتحلت.
(4)
توضيح المناسك للأزهري: 60 (ب).
والدليل على ذلك أن وفد عبد القيس لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ألقوا أنفسهم عن الرواحل فلم ينيخوها وسارعوا إِليه (1)، فلم ينكر عليهم ذلك صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي عياض (2): وقد حُدثت أن أبا الفضل الجوهري لما ورد المدينة زائرًا وقرب من بيوتها ترجل، ومشى باكيًا منشدًا:[الطويل]:
وَلمَّا رَأيْنَا رَسْمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا
…
فُؤَادًا لِعِرْفَانِ الرُّسُومِ وَلا لُبَّا
نَزَلْنَا عَنِ الأكْوَارِ (3) نَمْشِي كَرَامَةً
…
لمَنْ بَانَ عَنْهُ أنْ نُلِمَّ بِهِ رَكْبَا (4)
(1) مناسك ابن هلال: 3 أ.
الهيثمي على مناسك النووي: 491، نقلًا عن ابن جماعة؛ وفاء الوفاء: 4/ 1390.
(2)
شرح الشفا لنور الدين القاري: 3/ 711 - 712.
(3)
الأكوار: جمع كور (بالضم): رحل الناقة بأكافة، كالسرج بآلته للفرس (م: ن: 3/ 712).
(4)
البيتان لأبي الطيب المتنبي، من قصيدة يمدح فيها سيف الدولة ويذكر بناءه مرعش، مطلعها:
فديناك من ربع وإِن زدتنا كربا
…
فإِنك كنت الشرق للشمس والغربا
وجاء فيها صدر البيت الأول هكذا
وكيف عرفنا رسم من لم يدع لنا
…
........................
(ديوان المتنبي: 318) وانظر (وفاء الوفاء: 4/ 1390 - 1391) وهو ينقل عن الشفا.
قال الإِمام العلامة أبو عبد الله بن رُشَيْدِ: ولما قدمنا المدينة في سنة أربع وثمانين وستمائة كان معي رفيقنا الوزير أبو عبد الله بن أبي القاسم بن الحكم (1)، وكان أرمد، فلما وصلنا ذا الحليفة أو نحوها نزَلنا عن الأكوار، وقوي الشوق لقرب المزار (2) فنزل وبادر إِلى المشي على قدميه احتسابًا لتلك الآثار، وإِعظامًا لمن حل بتلك الديار فأحسن الله وامتن بالشفاء (3) وأنشد لنفسه في وصف الحال:
[الطويل]
وَلمَّا رَأينَا مِنْ رُبُوعِ حَبيبنَا
…
بيثرب (4) أعلَامًا أثرنَ له الحبَّا
وَبالقُرْبِ منها إِذا كحلنا جُفُوننا
…
شُفِينَا فلا بأسًا نَخَافُ وَلَا كَرْبَا
وحينَ تَبَدَّى للعيونِ جمالُها
…
ومن بُعْدِهَا عنَّا أُدِيلت لنا قربَا
نزلنا عن الأكْوَارِ نمشِى تَكَرُّمًا
…
لِمَنْ حل فيها أن يلم به رَكْبَا (5)
نسح سجال الدمع في عرصاته
…
ونلثم من حب لموطئه التربا *
وإِنّ بقائي دونه لخسارةٌ
…
ولو أنَّ كفي تملك الشرق والغربا
(1) ر: بن الحكيم، والصواب ما أثبتناه من (ص)، (ب) ويؤيده ما في (ملء العيبة: 5/ 270).
(2)
ب: وفرحنا بقرب المزار.
(3)
ب: ص: فأحسن بالشفاء.
(4)
ر: بطبية.
(5)
ملء العيبة، لابن رشيد: 5/ 270، وليس فيه بقية الأبيات.