الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفرق بعض الشيوخ بين الدائم منه فيكون مانعًا وما يعتاد أحيانًا فلا يكون مانعًا.
قال ابن عبد السلام: وهو معنى كلام الباجي؛ لأن مطلق المرض لا يكون مانعًا.
فرع:
ويعتبر حصول السّن المجزئ والسلامة من العيوب حين التقليد والإِشعار لا وقت الذبح على المنصوص فلو قلد هديًا سالمًا ثُمَّ تعَّيب أجزأه.
وبالعكس لم يجزه على المشهور فيهما، فلو اطلع قبل نحره أو بعده على أن به من العيوب ما يمنع الإِجزاء فإِن ذلك لا يجزئ عن الهدي الواجب ثم يبقى النظر بعد ذلك فيما يأخذه عوضًا عن العيب وفي ثمن الهدي على تقدير أن لو استحق، وحكمه أن يتعين بالأرش وبثمن الهدي المستحق في الهدي الواجب؛ لأن الذمة مشغولة به فالبدل واجب وإِن لم يوف ذلك بثمن الهدي تيمم من عنده بقيمة الثمن، وأما التطوع إِذا جرى فيه مثل هذا فإِن بلغ قيمة ما يأخذه في العيب أو ثمن المستحق قيمة هدي اشتراه به وإِن لم يبلغ قيمة هدي تصدق به، وقيل: يتملكه ويفعل به ما شاء.
فصل
من سنة الهدي في الإِبل: التقليد والإِشعار (1)، وفي البقر التقليد دون
(1) الأصل في ذلك حديث ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم =
الإِشعار، والغنم لا تقلد ولا تشعر على الأشهر (1)، والقول الآخر أنها تُقَلَّدُ.
واختلف المذهب في إِشعار ما لا سنام له من الإِبل والبقر، والأقرب عدمه لأن الأصلَ عدم تعذيبِ الحيوان، فيُقتصر على ما ورد. وقيل: تشعر؛ لأن ذلك لأجل شهرتها هديًا، ولذلك قلدت.
وأمَّا ماله أسْنِمَةٌ من البقر ففي الجلاب: أنها تشعر (2) لتحقق المشابهة (3) بينها وبين الإِبل.
واتفقوا: أن الغنم لا تُشعُر.
قال مالك في الموازية: ويقلد هديه ثم يشعره ثم يجلله إِن شاء ثم يركع ثم يحرم.
قال ابن حبيب: وليس التجليل بواجب على من أهدى لا في واجب ولا في تطوع، إِلا من أحب.
= دعا ببدنَةٍ، فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت الدم عنها، وقلدها بنعلين، ثم أتى براحلته فلما قعد عليها واستوت به على البيداء أهل بالحج".
أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب في الإِشعار. (مختصر سنن أبي داود: 2/ 290 رقم: 1677).
(1)
انظر: (الكافي: 1/ 402).
(2)
عبارة الجلاب: "تقلد البقر وتشعر إِذا كانت لها أسنمة، وإِن لم تكن لها أسنمة قلدت ولم تشعر". (التفريع: 1/ 333).
(3)
ر: للمشابهة.
وقال مالك في المبسوط: إِن البقر والغنم لا تجلل.
وأما التقليد والإِشعار في الإِبل فواجب لأنها علم الهدي.
قال ابن حبيب عن مالك: وحسن أن يشق جلال البدن عن الأسمنة، وهو من عمل الناس.
واستحبَّ مالكٌ: إِذا كان ثمنُ الجِلالِ يسيرًا أن تُجَلَّلَ به من حين تشعر الهدي وتشق أوساطها، فإِنَّ ذلك زينةٌ لها، وإن كان لها خطْبٌ وبَالٌ أخرت إِلى أن تغدوَ إِلى عرفَات من مِنى.
قال ابن الحاج: وقد روي أن حكيم بن حزام (1) حج في الإِسلام ومعه مائة بدنَة قد جللها بالحِبَرة (2) وكلها عن أعجازها وأهداها ووقف بعرفة بمائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها: عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأهدى ألف شاة (3).
(1) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العُزى، أبو خالد القرشي، ابن أخي خديجة أم المؤمنين. ولد بمكة في الجاهلية وشهد حرب الفجار، وأسلم يوم فتح مكة، ورويت عنه بعض الأحاديث. عمر طويلًا. ت بالمدينة حوالي 54. (الأعلام: 2/ 298، أسد الغابة: 2/ 45 رقم 1234، الإِصابة: 1/ 348، شذرات الذهب 1/ 10، صفة الصفوة: 1/ 725، رقم 109).
(2)
الحِبْرَة والحَبَرة: ضرب من برد اليمن منمر (اللسان: حبر).
(3)
أورد ذلك ابن عبد البر عندما ترجم لحكيم بن حزام في الاستيعاب: 1/ 363 ط. مكتبة نهضة مصر، الفجالة، مصر.
والتقليد: تعليق نعل في العُنق، وأقل ما يكفي نعلٌ (1).
واستحب مالك - رحمه الله تعالى - أن يقلدَها نعليْن (2) ومن لم يجدهما قلدها بشيء مما تنبته الأرض.
وقال ابن حبيب *: يقلدها بما شاء.
وقال ابن عبد السلام: والمذهب أن ما تنبته الأرض مستحب على غيره (3).
ويكره التقليد بالأوتار لما يُخشى أن يتعلق بشجرة فتؤذيها لقوتها ورقتها، وله أن يجعل حبال القلائد مما شاء.
وقال مالك رحمه الله: تفتل حبال القلائد فتلًا.
وقالت عائشة رضي الله عنها كنت أفتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلائد هديه من عِهن (4)، وهو الصوف.
(1) الكافي: 1/ 402.
(2)
الأصل فيه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة. قال: اركبها، قال: إِنها بدنة، قال: اركبها.، قال: فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم والنعل في عنقها.- أخرجه البخاري في (الصحيح: 3/ 183 - 184، كتاب الحج، باب: تقليد النعل).
(3)
تقييد أبي الحسن الصغير: 2/ 4 أ.
(4)
عن القاسم عن أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: فتلتُ قلائدها من عِهْن كان =
والإِشعار: وهو العلامة.
وصفة إِشعار الهدي: أن تشق في سنامها الأيسر (1) بسكين أو بمبضع.
وقيل: من الأيمن من نحو الرقبة إِلى المؤخر حتى يخرج شيء من دمها (2).
ويقول عند الإِشعار: بسم الله والله أكبر (3).
= عندي.- أخرجه البخاري في (الصحيح: 2/ 208، كتاب الحج، باب: القلائد من العهن).
وأخرجه ابن خزيمة عن عائشة بلفظ: "كنت أفتل قلائد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين"(صحيح ابن خزيمة: 4/ 153 رقم 2573).
وعنها أخرجه أبو داود، ولفظه "فتلت قلائد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين" (صحيح ابن خزيمة: 4/ 153 رقم 2573).
وعنها أخرجه أبو داود، ولفظه "فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي
…
".
قال المنذري: أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (مختصر سنن أبي داود: 2/ 293 رقم 1673).
(1)
سنة الإِشعار أن يكون من الشق الأيسر سواء كانت البدن صعبة أو ذللًا، وكان ابن عمر يشعرها من الشقين جميعًا، وإِذا كانت صعابًا أشعرها وهي مقرنة موثقة. وإِنما يفعل هذا ليدللها بذلك. (البيان والتحصيل: 17/ 178) وانظر (الكافي: 1/ 402).
(2)
انظر (البيان والتحصيل: 17/ 178.
(3)
عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إِذا طعن في سَنام هديه وهو يشعره قال: بسم الله والله أكبر (مالك في الموطإِ، كتاب الحج، العمل في الهدي حين يساق).
قال الزرقاني: في ذلك امتثال لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} =
ويكون التقليد والإِشعار في مكان واحد، وهو متوجه إِلى القبلة، ويكون التقليد قبل الإِشعار وقد تقدم.
وقال ابن القاسم: كل ذلك واسع، يعني الترتيب بينهما ليس بواجب.
ثم يجلله بعد ذلك الإِشعار بما أحبّ، وذلك على قدر الجدة والرغبة في الثواب، فمن الناس من يجلل بالوشي والحبر، وبعضهم بالقطن.
فرع:
قال مالك: ولا ينبغي للمرأة أن تُقَلِّد ولا أن تُشْعِرَ ولا أن تَأمَرَ بذلك جاريتها. وهي تجد رجلًا يقلد لها ويشعر، ولو اضطرت إلى ذلك أجزأها.
فرع:
وخطام الهدايا كلها وجلالها كلحمها فحيث يكون اللحم مقصورًا على المساكين يكون الجلال والخطام كذلك، وحيث يكون اللحم مباحًا للأغنياء والفقراء يكون الخطام والجلال كذلك تحقيقًا للتبعية.
وقال أشهب: إِن أعطى جلال بدنته الواجبة لبعض ولده فلا شيء عليه.
فرع:
ولا ينبغي أن يقلد هدي التمتع إِلا بعد الإِحرام بالحج، فإِن قلد قبل ذلك
= [البقرة: 185]- (الزرقاني على الموطأ: 2/ 326) وانظر (الجواهر: 1/ 451 - قوانين ابن جزي: 159).
فهل يجزئ عن الهدي الواجب؟
اختلف قول مالك فيه:
فكان أولًا يقول: لا يجزئ؛ لأنه قد وجب بالتقليد قبل التَّمتُّع.
ثم قال: إِن أخره إِلى يوم النحر فنحره عن متعته رجوت أن يجزئه، وقد فعله الصحابة رضي الله عنهم.
قال ابن عبد السلام: وقد أشار غير واحد إِلى الخلاف (1) في ذلك إِنما هو إِذا ساق هذا الهدي في العمرة لينحره عن التمتع فيكون ذلك من باب الكفارة قبل الحنث، وأما لو ساقه على نية التطوع ثم حل من العمرة فأحرم بالحج فإِنه لا يجزؤه، قولًا واحدًا. والله أعلم.
فرع مرتب:
لو قلد هدي ترك الوقوف نهارًا بعرفة قبل عرفة أو هدي ترك الجمار أو غير ذلك قبل موجبها لم يجزه ذلك، ولم يجز فيه الخلاف المتقدم.
فرع:
فإِن أكل مما ليس له الأكل منه وهي الأنواع الأربعة المتقدم ذكرها ففي ذلك أربعة أقوال:
الأول: أن عليه البدل بهدي كامل في جميع الأنواع الأربعة.
(1) ر: أن هذا الخلاف.
والثاني: عليه قدر ما أكل خاصة في جميعها، وهو مذهب ابن الماجشون في جزاء الصيد وفدية الأذى.
والثالث: أن عليه البدل كاملًا في جزاء الصيد وفدية الأذى وهدي التطوع، إِذا عطب قبل محله دون نذر المساكين (1) فإِنه لا يلزم فيه إِلا قدر ما أكل خاصة.
والرابع: الفرق بين المعيّن للمساكين وبين غيره.
فالأول يلزم فيه قدر ما أكل وما كان من نذر المساكين مضمونًا أو كان من الأنواع الثلاثة الباقية فعليه الهدي كاملًا، وقد تقدم ما روي عن مالك أن من أكل من هدي جزاء الصيد أو فدية الأذى فلا شيء عليه إِلا الاستغفار. انظر ابن عبد السلام.
فرع:
وإِذا قلنا بأن الواجب مقدار ما أكل لإِكمال البدل، سواء كان ذلك مطلقًا كما في القول الثاني أو مقيدًا كما في القول الثالث والرابع، فاختلف هل يؤدي مثل ذلك اللحم إِن علم وزنه أو قيمته إِن لم يعلم وزنه أو يؤدي قيمته مطلقًا طعامًا، وهذان القولان للمتقدمين أو يؤدي قيمته عينًا، وهذا القول لبعض المتأخرين.
(1) المساكين: سقطت من (ر)(ص).
والظاهر من الأقوال الأربعة هو الثاني، وهو أنه ليس عليه إِلا قدر ما أكل؛ لأن القربة حصلت بالنحر، والأكل إِنما أتلف على المساكين أو من في معناهم مقدارًا من اللحم، فوجب أن يغرم لهم مقداره، وهو الظاهر من الأقوال الثلاثة، غرم مقدار اللحم لحمًا ولا حاجة للعدول إِلى الطعام والثمن.
فرع:
إِذا ولدت البدنة بعد تقليدها وإِشعارها فولدها بمنزلتها يحمل معها فإِن كان له محمل حمله على غيرها وإِلّا فعلى أمه (1) فإِن لم يكن يمكن حمله على غيرها ولا تركه ليشتد، فكهدي تطوع عطب فينحره مكانه ويتصدق به ولا يأكل منه ولا يبدله (2)، وإِذا حمله على غيرها فعليه أن ينفق عليه في حمله أو إِبقائه، فإِن أضاعه حتى هلك كان عليه بدله (3).
قال أشهب: فإِن باعه أو ذبحه لغير ضرورة فعليه بدله.
(1) كذا في (المدونة: 2/ 243).
(2)
الجواهر: 1/ 453.
(3)
انظر (أسهل المدارك: 1/ 502 - 503) وقد قال الونشريسي في فروقه: "إِنما قالوا إِذا أنتجت الشاة أو البقرة أو الناقة وهي هدي يجب حمل ولدها معها إِلى مكة ويذبح أو ينحر معها، وإِذا ولدت الضحية يحسن أن يذبح ولدها من غير إِيجاب؛ لأن الضحية لا تتعين بالاشتراك، والهدي يتعين بالتقليد والإِشعار، وولد الهدي كبعض أمه ويجري فيه من العقد ما جرى في أمه". (عدة البروق: 144 - الفرق: 213).
وما ولدت بعد نية الهدي وقبل التقليد والإِشعار، فقال ابن المواز عن مالك: أحب إِلي أن ينحر ولدها معها.
واستحسن أن لا يركب بدنته إِلا إِن احتاج، ولا يلزم النزول بعد الراحة على المشهور (1).
وكذلك إِذا احتاج لحمل متاعه عليها فإِن وجد غيرها نقله عنها، ولا يشرب من لبنها ولا شيء عليه إِن فعل ما لم يضرَّ بها (2) أو بولدها، فيغرم موجب فعله، وإِن خيف عليها الضرر والمرض بترك الحلاب فيحلب قدر ما يزيل عنها الضرر (3).
ومن أضر بفصيل بدنته في لبنه (4) حتى قتله، فعليه بدله هديًا ممن يجوز في الهدي.
(1) عن أبي الزبير قال: "سمعت جابر بن عبد الله سئل عن ركوب الهدي؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اركبها بالمعروف إِذا ألجئت إِليها حتى تجد ظهرًا" أي مركبا. أخرجه مسلم في (الصحيح 1/ 961 رقم 1324 كتاب الحج: جواز البدنة المهداة ....
(2)
ر: ما لم يضرها.
(3)
الجواهر: 1/ 453 - الكافي: 1/ 404.
(4)
ر: في لبنها.