المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الملك سورة الملك مكّيّة، وهي ألف وثلاثمائة حرف، وثلاثمائة وثلاثون - تفسير الحداد المطبوع خطأ باسم التفسير الكبير للطبراني - جـ ٦

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمّد صلى الله عليه وسلم

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذّاريات

- ‌سورة الطّور

- ‌سورة النّجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصّفّ

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التّغابن

- ‌سورة الطّلاق

- ‌سورة التّحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة ن (القلم)

- ‌سورة الحاقّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجنّ

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثّر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الدّهر

- ‌سورة والمرسلات

- ‌سورة النّبأ

- ‌سورة النّازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة انشقّت (الانشقاق)

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطّارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشّمس

- ‌سورة اللّيل

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌سورة والتّين

- ‌سورة العلق

- ‌سورة (القدر)

- ‌سورة لم يكن

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التّكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة (الكافرون)

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة تبّت (المسد)

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

الفصل: ‌ ‌سورة الملك سورة الملك مكّيّة، وهي ألف وثلاثمائة حرف، وثلاثمائة وثلاثون

‌سورة الملك

سورة الملك مكّيّة، وهي ألف وثلاثمائة حرف، وثلاثمائة وثلاثون كلمة، وثلاثون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأ سورة الملك فكأنّما أحيا ليلة القدر] وقال: [إنّها تجادل عن صاحبها يوم القيامة].وقال صلى الله عليه وسلم: [وددت أنّ {(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)} في قلب كلّ مؤمن]

(1)

.

وعن ابن مسعود أنّه قال: (إذا وضع الميّت في قبره يؤتى من قبل رجليه، فيقال: ليس لكم عليه سبيل، فإنّه كان يقرأ سورة الملك. ثمّ من قبل رأسه فيقول لسانه: ليس لكم عليه سبيل، فإنّه كان يقرأ سورة الملك، ثمّ هي المانعة من عذاب الله]

(2)

.

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ؛} أي تعالى باستحقاق التعظيم الذي بيده إعطاء الملك وأخذه، يؤتي الملك من يشاء فيعزّه وينزعه ممن يشاء فيذلّه، {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1)؛من الإعزاز والإذلال.

(1)

في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج 7 ص 130؛قال الهيثمي: (رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن الحكم ابن أبان وهو ضعيف).وأخرجه الحاكم في المستدرك: ذكر فضائل السور: الحديث (2120)، وقال:(هذا إسناد عند اليمانيين صحيح) وليس في السند إبراهيم بن الحكم، وإنما هو الحكم بن أبان. وضعفه الذهبي ب (حفص بن عمر العدني).

(2)

في الدر المنثور: ج 8 ص 232؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن الضريس والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود) وذكره.

ص: 311

قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ؛} معناه: الذي قدّر الإماتة والإحياء، {لِيَبْلُوَكُمْ؛} فيما بين الإحياء والإماتة، {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً؛} اللاّم في ليبلوكم متعلّق بخلق الحياة دون خلق الموت، لأنّ الابتلاء في الحياة، ومعنى (ليبلوكم) أي ليعاملكم معاملة المختبر

(1)

،فيجازيكم على ما ظهر منكم لا على ما يعلم منكم، ومعنى {(أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)} أي أحسن عقلا وأورع عن محارم الله، قال صلى الله عليه وسلم:[أتمّكم عقلا أشدّكم خوفا لله، وأحسنكم نظرا فيما أمر الله به ونهى عنه]

(2)

.

وقال الحسن: (معناه: ليبلوكم أيّكم أزهد في الدّنيا وأترك لها) وارتفع (أيّكم) على الابتداء لأنه بتأويل ألف الاستفهام ولا يعمل فيها ما قبلها، تقديره: ليبلوكم أنتم أحسن عملا أم غيركم. قوله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2)؛أي العزيز بالنقمة لمن لا يؤمن، الغفور لمن تاب وآمن.

قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً؛} أي مطبقة بعضها على بعض مثل القبّة، {ما تَرى؛} أيّها الرّائي، {فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ،} في مخلوقات الرّحمن من تفاوت؛ أي لا ترى بعضها حكمة وبعضها عبثا، ولا ترى في السّماء اضطرابا وتباينا في الخلقة، وقال مقاتل:(ما ترى يا ابن آدم في خلق السّماوات من عيب)

(3)

.

وقال قتادة: (ما ترى فيها خللا ولا اختلافا)

(4)

، {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ} (3)؛أي كرّر النظر، هل ترى في السّماء من شقوق أو صدوع أو خروق،

{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ؛} أي إن لم تستدرك بالمرّة الأولى، فردّ البصر مرّة أخرى مستقصيا، وردّد البصر مرّة أخرى بعد مرّة، {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ}

(1)

في المخطوط: (المتحيز).

(2)

في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: ج 1 ص 241؛ قال العراقي: (من رواية محمد بن وهب بإسناده عن أبي هريرة رفعه قال: (قال في الميزان: هو حديث باطل منكر آفته محمد بن وهب، وقال الدارقطني: هو حديث غير محفوظ».

(3)

قاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 381.

(4)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (26723).

ص: 312

{خاسِئاً؛} صاغرا بمنزلة الخاسئ وهو الذليل، {وَهُوَ حَسِيرٌ} (4)؛أي كليل منقطع قد أعيا بمنزلة الحسير الذي طلب شيئا فلم يجده كما يحسر البعير.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ؛} السّماء الدّنيا هي الأدنى إلينا، وهي التي يراها الناس، والمصابيح: النجوم، واحدها مصباح، سمّيت بذلك؛ لأنّها تضيء كما يضيء المصباح، ومن ذلك الصّبح والصّباح وهو السّراج، والنجوم لثلاث خصال: زينة، وعلامات يهتدى بها

(1)

، {وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ} أي ورجوم لمن يسترق السمع من الشياطين، {وَأَعْتَدْنا لَهُمْ؛} في الآخرة، {عَذابَ السَّعِيرِ} (5)؛مع ما جعلنا لهم في الدّنيا من الرّمي بالشّهب.

قوله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (6)؛ ظاهر المعنى.

قوله تعالى: {إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً؛} أي صوتا قطيعا كصوت الحمار، وهو آخر ما ينهق بنفس شديد، وهو أقبح الأصوات، وإذا اشتدّ لهب النار سمع لها صوت شديد كأنّها تطلب الوقود. قوله تعالى:{وَهِيَ تَفُورُ} (7)؛ أي تغلي بهم كغلي المرجل. وقال مجاهد: (تفور بهم، كما يفور الماء الكثير بالحب القليل)،والفور ارتفاع الشيء بالغليان.

قوله تعالى: {تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ؛} أي تكاد تنشقّ وتتقطّع من تغيّظها على أهلها لتأخذهم، والمعنى: تكاد النار ينفرق بعضها من بعض غضبا على الكفار، وانتقاما لله عز وجل منهم، {كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ؛} من الكفار؛ أي جماعة، {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها؛} أي النار، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} (8)؛أي رسول منذر، وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب،

{قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا،} له، {ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ؛} ممّا تقول، وقلنا للرّسول:{إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ}

(1)

في جامع البيان: الأثر (26731) عن قتادة قال: (إن الله جلّ ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال) وذكره ثم قال: (فمن يتأول منها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ خطه، وأضاع نصيبه، وتكلّف ما لا علم له به).

ص: 313

{كَبِيرٍ} (9)؛أي خطأ عظيم. وقيل: إن قوله {(إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ)} من قول الزّبانية للكفّار؛ أي ما كنتم في الدّنيا إلاّ في ضلال كبير.

وقال أهل النار معترفين بجهلهم: {وَقالُوا لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ؛} أي لو كنّا نسمع الهدى من الرّسل سماع من يتفكّر ويعقل منهم عقل من يميّز، {ما كُنّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ؛} أي أقرّوا بذلك، {فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ} (11)؛أي أسحقهم الله سحقا؛ أي باعدهم من رحمته، والسّحق: البعد، والمعنى: فبعدا لأصحاب النار من رحمة الله.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (12)؛معناه: إنّ الذين يعملون لربهم ويتّقون معصيته في سرّهم، ويخافونه ولم يروه، لهم مغفرة لذنوبهم وثواب عظيم في الجنّة، والخشية في الغيب أدلّ على الإخلاص وأبعد من النّفاق.

قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} (13) وهذا تحذير للكفّار عن الإقدام على المعاصي، يقول: إن أخفيتم كلامكم في أمر محمّد صلى الله عليه وسلم أو جهرتم به، فإنه عليم بما في القلوب من الخير والشرّ.

قال ابن عبّاس: (كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخبره جبريل، فيقول بعضهم لبعض: أسرّوا قولكم كيلا يسمع به إله محمّد) قال الله هذه الآية:

{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؛} هذه الأشياء ما في الضّمير. وقيل: معناه: ألا يعلم الله مخلوقاته، وقيل: ألا يعلم سرّ العبد من خلقه، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14)؛أي لطف علمه بالأشياء حتى لا تخفى عليه غوامض الأمور، الخبير بمصالح عباده.

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً؛} أي سهلة تنصرفون فيها فلا تضطرب بكم ولا تمتنع عليكم، يقال: دابة ذلول إذا كانت سهلة الرّكوب، والذلول لا تمتنع على صاحبها فيها يريدها. قوله تعالى:{فَامْشُوا فِي مَناكِبِها؛} أي في أطرافها، وقيل: في جبالها وآكامها وجوانبها، {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ؛} أي وكلوا من نباتها الذي جعله الله رزقا لكم في الأرض، {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (15)؛أي وإلى الله المرجع في الآخرة للحساب والجزاء، والنّشور هو البعث من القبور.

ص: 314

قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ؛} معناه: أأمنتم يا أهل مكّة من في السّماء سلطانه وقدرته وملكه أن يغيّبكم في الأرض جزاء على قبح أفعالكم. وقيل: معناه: أأمنتم عقوبة من في السّماء وعذاب من في السّماء. وقيل:

معناه: من جرت عادته أن ينزل نقمته من السّماء على من يكفر به ويعصيه.

وقيل: أأمنتم من في السّماء، وهو الملك الموكّل بالعذاب، يعني جبريل أن يخسف بكم الأرض بأمر الله تعالى، {فَإِذا هِيَ تَمُورُ} (16)؛أي تضطرب وتتحرّك، والمعنى: أنّ الله تعالى يحرّك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب، وتتحرك فتعلو بهم وهم يخسفون فيها، والأرض تمور فوقهم فتقلبهم الى أسفل.

والمور: التردّد في الذهاب والمجيء؛ لأنه إذا خسف بقوم دارت الأرض فتدور بهم كما يدور الماء بمن يغرقه.

قوله تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً؛} كما أرسل على قوم لوط، والحاصب: الرّيح التي ترمي بالحصباء لا دافع لها {فَسَتَعْلَمُونَ؛} في الآخرة، {كَيْفَ نَذِيرِ} (17)؛أي إنذاري إذا عاينتم العذاب،

{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} (18)؛معناه: ولقد كذب الذين من قبل أهل مكة من كفّار الأمم الماضية، فكيف كان الإنكار عليهم بالعذاب.

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّاتٍ؛} معناه: أولم يروا إلى الطير صافّات فوق رءوسهم بانبساط أجنحتها تارة وقابضاتها أخرى، معناه: صافّات أجنحتها، {وَيَقْبِضْنَ؛} أجنحتها بعد البسط، وهذا معنى الطّير؛ وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط.

قوله تعالى: {ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ؛} أي ما يمسكهنّ ويحفظهنّ في الهواء في الحالين؛ في حال البسط والقبض إلاّ الرحمن. وهذا أكبر آية دالّة على قدرة الله تعالى إذ أمسكها في الهواء على ثقلها وضخم أبدانها، فمن قدر على إمساك الطير في الهواء قدر على إرسال الحاصب من السّماء. قوله تعالى:{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} (19)؛أي عالم، كما يقال: فلان بصير بالنّحو وبالقرآن؛ أي عالم به.

ص: 315

قوله تعالى: {أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ؛} فيه تنبيه على أنه إن أراد الله تعذيبهم ليس لهم منعه، ولا أحد يصرف عنهم العذاب، ولفظ الجند موحّد، وهذا استفهام إنكار؛ أي لا جند لكم ينصركم ويمنعكم من عذاب الله. قال ابن عبّاس:(معنى ينصركم: يمنعكم منّي إن أردت عذابكم).قوله تعالى: {إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ} (20)؛أي في غرور من الشّيطان، يغرّهم بأنّ العذاب لا ينزل بهم.

قوله تعالى: {أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ؛} معناه: هل يقدر أحد من معبودكم أن يوصل إليكم أرزاقكم إن حبس الله عنكم المطر والنبات، {بَلْ لَجُّوا؛} بل لجّ الكافرون {فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} (21)؛أي في مجاوزة الحدّ في الطّغيان والتباعد عن سماع الحقّ وقبوله، وليسوا يعتبرون ولا يتفكّرون، لجّوا في طغيانهم وتماديهم وتباعدهم عن الإيمان.

قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (22)؛معناه: أفمن يمشي ناكسا رأسه على وجهه لا يرى ما يصدمه أو يهجم عليه من حفرة، أو بئر في طريقه، فلا ينظر يمينا ولا شمالا، يمشي مشي العميان؛ وهو مثل الكافر يقول: أهدي صوب طريقا أم المؤمن الذي يمشي مستويا على طريق مستقيم، يعني الإسلام.

وإنما شبّه الكافر بالمكب على وجهه؛ لأنه ضالّ أعمى القلب عن الهدى، وقال قتادة:(هذا في الآخرة) معناه: أفمن يمشي مكبّا على النار يوم القيامة أهدى أم من يمشي على طريق الجنة؟ كما قال تعالى في الكفّار {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً}

(1)

.

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ؛} أي قل لهم يا محمّد: هو الذي خلقكم وخلق لكم السمع فاستمعوا إلى الحقّ، والأبصار فأبصروا بها الحقّ، والأفئدة فاعلموا بها الحقّ، {قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ} (23)،نعم الله عليكم.

(1)

الاسراء 97/.

ص: 316

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ؛} أي هو الذي خلقكم صغارا وربّاكم إلى أن صيّركم كبارا، {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24)؛أي تجمعون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ؛} أي هذا الحشر الذي تعدنا به، {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} (25)؛أن يكون ذلك،

{قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ} بوقت الحشر، {عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} (26)؛أي مخوّف لكم بلغة تعرفونها.

قوله تعالى: {فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا؛} معناه: فلمّا رأوا العذاب قريبا تبيّن السّوء في وجوههم وساءهم ذلك. وقيل: أحرقت وجوه الذين كفروا، فاسودّت وعلتها الكآبة والقترة. وقيل: معنى (سيئت) قبحت وجوههم بالسّواد، {وَقِيلَ؛} لهم:{هذَا؛} العذاب، {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ؛} من أجله، {تَدَّعُونَ} (27)؛الأباطيل والأكاذيب أنّكم إذا متّم، وكنتم ترابا وعظاما أنّكم لا تبعثون. وقرأ الضحّاك وقتادة ويعقوب «(تدعون)» مخفّفا؛ أي تدعون الله أن يأتيكم به، من الدّعاء وهو قولهم {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية

(1)

.

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} (28)؛وذلك أنّ الكفّار متمنّون موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وموت أصحابه، فقيل لهم: أرأيتم إن أصبتم مناكم فينا بالهلاك، فمن يجيركم من العذاب الذي لا بدّ نازل بكم، أتظنّون أنّ الأصنام أو غيرها تجيركم؟ فإذا علمتم أن لا مجير لكم فهلاّ تمسّكتم بما يخلّصكم من العذاب وهو الإيمان بالله.

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا؛} أي هو الرّحمن الذي نعبده، ونفوّض أمورنا إليه، {فَسَتَعْلَمُونَ؛} في الآخرة، {مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (29)؛نحن أم أنتم.

(1)

الأنفال 32/.

ص: 317

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً؛} أي غائرا في الأرض لا تناله الأيدي والدّلاء، {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ} (30)؛ظاهر يظهر من العيون إلاّ الله الذي به تشركون، فإذا لم تقدروا أنتم ولا آلهتكم على أن تجعلوا الماء الغائر في الأرض ظاهرا، فكيف تقدرون على أن تدفعوا عذاب الله عن أنفسكم إذا نزل بكم؟ وكيف يقدر على ذلك من اتّخذتموه إلها من دون الله.

ويحكى أنّ متّهما في دينه سمع رجلا يقرأ {(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)} فقال: الماء مع الفأس والمعول، فنام من ليلته تلك فأصبح وقد ذهب ماء عينيه وبقي أعمى إلى أن مات، والعياذ بالله من الخذلان.

آخر تفسير سورة (الملك) والحمد لله رب العالمين.

ص: 318