الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التّكاثر
سورة التّكاثر مكّيّة، وهي مائة وعشرون حرفا، وثمان وعشرون كلمة، وثماني آيات
(1)
.قال صلى الله عليه وسلم: [من قرأها لم يحاسبه الله بالنّعيم الّذي أنعم به عليه في الدّنيا، وأعطي من الأجر كمن قرأ ألف آية]
(2)
.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ} (2)؛أي شغلتكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم حتى متّم ودفنتم في المقابر قبل أن تتوبوا، ويقال لمن مات: زار حفرته، وتوسّد لحده. هذا خطاب لمن حرص على الدّنيا وجمع أموالها وهو يريد التكاثر والتفاخر بها.
وقيل: إنّ هذه السّورة نزلت في حيّين من قريش؛ أحدهما: بنو عبد مناف، والآخر: بنو سهم، فعدّوا أيّهم أكثر، فكثّرهم بنو عبد مناف، فقال بنو سهم: إنما أهلكنا البغي في الجاهليّة، فعدّوا أمواتنا وأمواتكم وأحياءنا وأحياءكم، فتعادّوا فكثّرهم بنو سهم، فأنزل الله هذه السورة تهديدا لهم. والمعنى: شغلكم التفاخر بالأنساب والمناقب عن توحيد الله حتى عددتم الموتى في المقابر.
ثم زاد في وعيدهم فقال: {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (3)؛أي حقّا سوف تعلمون ماذا تلقون من العذاب عند الموت وفي القبر،
{ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} (4)،أي ثم حقّا سوف تعلمون ماذا تلقون في الآخرة من عذابها، ولا
(1)
(وثماني آيات) سقطت من المخطوط.
(2)
ذكره الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 786 وإسناده ضعيف.
بدّ أن يكون المراد بهذا الثاني غير المراد الأول، وكيف يكون هذا تكرارا، وقد دخل بينهما حرف (ثمّ) التي هي للتراخي.
قوله تعالى: {كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} (5)؛قال بعضهم:
جواب هذا محذوف؛ أي حقّا لو علمتم ماذا ينزل بكم في الآخرة علم اليقين لما تفاخرتم في الدّنيا، وما ألهاكم التكاثر.
قوله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} (6)؛أي لترونّ الجحيم في الموقف إن متّم على هذا،
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ} (7)،معاينة، إذا دخلتموها، وتشاهدون في الآخرة كلّ ما شككتم فيه في الدّنيا،
{ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (8)؛ثم لتسألنّ يوم القيامة عن اشتغالكم بنعيم الدّنيا حتى تركتم ما لزمكم من الفرائض.
واختلفوا في هذا السّؤال، قال بعضهم: هو سؤال توبيخ وتقريع للكفّار في النار، يقال للكافر وهو في النار: أين ذهب تفاخرك وملكك ومملكتك وعددك، ويؤيّد هذا ما روي: أنّ أبا بكر رضي الله عنه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أكلة أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي الهيثم بن التّيهان الأنصاريّ من لحم وخبز شعير وماء عذب وبسر قد ذنّب، فقال: يا نبيّ الله أتخاف علينا أن يكون علينا من النّعيم الّذي نسأل عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: [إنّ ذلك للكفّار، ثمّ ثلاث لا يسأل الله العبد عنهم يوم القيامة: ما يواري به عورته، وما يقيم به صلبه، وما يكنّه من الحرّ والبرد. وهو مسئول بعد ذلك عن كلّ نعمة]
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: [ما أنعم الله على عبد من نعمة صغيرة أو كبيرة فقال عليها:
الحمد لله، إلاّ أعطي خيرا ممّا أخذ]
(2)
.
(1)
في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 177؛ قال القرطبي: (ذكره القشيري أبو نصر).وبمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (29328) عن أبي هريرة رضي الله عنه، و (29329) عن أبي عسيب.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج 8 ص 193:الحديث (7794) عن أبي أمامة رضي الله عنه.-
وعن أنس قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: من يستطيع أن يؤدّي شكر ما أنعم الله عليه؟ قال: [من علم أنّ تلك النّعمة من قبل الله فقد أدّى شكرها]
(1)
.
وسئل ابن مسعود عن النعيم المذكور في هذه الآية فقال: «الأمن والصّحّة» ، وسئل عليّ رضي الله عنه عن ذلك فقال:«خبز الشّعير، والماء القراح» .ويقال: إنّه بارد الشّراب، وظلّ المساكن، وشبع البطون. ويقال: يسأل عن الماء البارد في شدّة الحرّ، وعن الماء الحارّ في شدّة البرد.
وهذا كلّه محمول على ما إذا تشاغل بشيء من هذه المباحات، فترك بها واجبا عليه، وأمّا إذا لم يكن ذلك، فإنه لا يسأل عنها ولا يحاسب عليها.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [النّعيم الماء البارد والرّطب]
(2)
.وقال عبد الله ابن عمر: «هو الماء البارد في الصّيف» .وفي الخبر المأثور: [أنّ أوّل ما يسأل الله العبد يوم القيامة أن يقول له: [ألم نصحّ لك جسمك؟ ألم أروك من الماء البارد؟]
(3)
.
(2)
-والحاكم في المستدرك: كتاب الدعاء: باب الدعاء بعد أكل الطعام: الحديث (1914).وفي مجمع الزوائد: ج 10 ص 95؛قال الهيثمي: (رواه الطبراني وفيه سويد بن عبد العزيز، وهو متروك).أما الحاكم فقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).وفي إسناد الحاكم عن جابر عبد الرحمن بن مقيس، قال أبو زرعة:(عبد الرحمن بن مقيس كذاب).والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط: ج 2 ص 211:الرقم (1379) بلفظه. وابن ماجة في السنن: كتاب الأدب: باب فضل الحامدين: الحديث (3805) بمعناه بإسناد حسن، حيث اختلف في (شبيب ابن بشر).
(1)
لم أقف عليه.
(2)
هو معنى حديث أخرجه الطبري في جامع البيان عن جابر: الرقم (29326)،وعن أبي هريرة الرقم (29327 و 29328).
(3)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (29332) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: [إذا شرب أحدكم الماء، فليشرب أبرد ما يقدر عليه] قيل: ولم؟ قال: [لأنّه أطفأ للمرء، وأنفع للعلّة، وأبعث للشّكر]
(1)
.وقال أبو حاتم: «الماء البارد يستخرج الحمد من وسط القلب»
(2)
.
وقال رجل للحسن: إنّ لنا جارا لا يأكل الفالوذج ويقول: ما أقوم بشكره، فقال:«ما أجهل جاركم هذا! إنّ نعمة الله بالماء البارد أكثر من نعمة تجتمع عليها الحلواء»
(3)
.
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من أكل خبز البرّ وشرب الماء البارد وكان له ظلّ، فذاك النّعيم الّذي يسأل عنه]
(4)
.
وعن أنس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله هل عليّ من النّعمة شيء؟ قال:
[نعم؛ التّنعّل، والظّلّ، والماء البارد]
(5)
.
وقيل: يسأل الله العباد يوم القيامة عن خمس: شبع البطون، وبارد الشّراب، ولذة النوم، وظلّ المساكن، واعتدال الخلق. وعن إبراهيم النخعيّ:«من أكل فسمّى، وفرغ فحمد الله تعالى، لم يسأل عن نعيم ذلك الطّعام» .
(1)
ذكره الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 278،وعزاه له الصالحي في سبل الهدى: ج 12 ص 104؛ولفظه: [أطيب للمعدة
…
].
(2)
عزاه الثعلبي أيضا إلى أبي حاتم، قال: عن أبي العباس الأزهري يقول
…
وذكره). ينظر: الكشف والبيان: ج 10 ص 278.
(3)
تقدم.
(4)
في كنز العمال: الحديث (4715)،عزاه المتقي إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي. وينظر: مسند الإمام أحمد: ج 5 ص 39.وبمعناه عن ابن عباس عزاه السيوطي في الدر المنثور إلى الخطيب وابن عساكر والبزار.
(5)
في الدر المنثور: ج 8 ص 619؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن مردويه عن أنس
…
) وذكره.
وقال ابن عبّاس: «النّعيم صحّة الأبدان والأسماع والأبصار، ويسأل الله العباد فيما استمعوه، وهو قوله تعالى:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً}
(1)
»
(2)
.
وقيل: إنّ من نعمة الله على عباده الأكل والشراب، وتسهيل خروج الأخبثين، قال بكر بن عبد الله:«يا لها من نعمة! يأكل متلذّذا ويخرج ذلك سهلا» .
آخر تفسير سورة (التكاثر) والحمد لله رب العالمين
(1)
الإسراء 36/.
(2)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (29322).