المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة عبس سورة عبس مكّيّة، وهي خمسمائة وثلاثون حرفا، ومائة وثلاثون - تفسير الحداد المطبوع خطأ باسم التفسير الكبير للطبراني - جـ ٦

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمّد صلى الله عليه وسلم

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذّاريات

- ‌سورة الطّور

- ‌سورة النّجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصّفّ

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التّغابن

- ‌سورة الطّلاق

- ‌سورة التّحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة ن (القلم)

- ‌سورة الحاقّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجنّ

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثّر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الدّهر

- ‌سورة والمرسلات

- ‌سورة النّبأ

- ‌سورة النّازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة انشقّت (الانشقاق)

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطّارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشّمس

- ‌سورة اللّيل

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌سورة والتّين

- ‌سورة العلق

- ‌سورة (القدر)

- ‌سورة لم يكن

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التّكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة (الكافرون)

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة تبّت (المسد)

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

الفصل: ‌ ‌سورة عبس سورة عبس مكّيّة، وهي خمسمائة وثلاثون حرفا، ومائة وثلاثون

‌سورة عبس

سورة عبس مكّيّة، وهي خمسمائة وثلاثون حرفا، ومائة وثلاثون كلمة، واثنتان وأربعون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر]

(1)

.

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{عَبَسَ وَتَوَلّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى} (2)؛وذلك: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده عمّه العبّاس، وأبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وأميّة بن خلف وغيرهم من أشراف قريش، وقد أقبل إليهم يدعوهم إلى الإيمان، ويقرأ عليهم القرآن رجاء أن يؤمنوا فيؤمن بإيمانهم بشر كثير.

فجاء عبد الله بن أمّ مكتوم وهو الأعمى المذكور، فجعل يسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن آيات أنزلت، ويقول: أقرئني يا رسول الله، وعلّمني ممّا علّمك الله، وهو لا يعلم شغل قلب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يدري أنّه مشغول بالإقبال على غيره، فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطب وجهه وعبس، وأقبل على القوم الّذين يكلّمهم. فأنزل الله تعالى هذه الآيات

(2)

.

والمعنى: عبس محمّد، وأعرض بوجهه لأن جاءه الأعمى، و (أن) في موضع نصب؛ لأنه مفعول له. والتّولّي عن الشيء: هو الإعراض عنه، فإنه صرف وجهه عن أن يليه.

(1)

رواه الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 130 بإسناده عن أبي رضي الله عنه، موضوع.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: الحديث (19125).والطبري في جامع البيان: الحديث (28143).

ص: 439

قوله تعالى: {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى} (3)؛معناه: ما يعلمك يا محمّد لعلّ ابن أم مكتوم يزّكّى بالعمل الصالح بجوابك عن سؤاله،

{أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى} (4)؛ويتّعظ فتنفعه ذكراك. وقيل: معنى (يزّكّى):يتطهّر من الذنوب بالعمل الصالح، أو يذكّر فيتّعظ بما يعلمه من مواعظ القرآن. قرأ عاصم «(فتنفعه)» بالنصب على جواب (لعلّ) بالفاء، وقرأ الباقون بالرفع عطفا على {(يَزَّكّى أَوْ يَذَّكَّرُ)} .

قوله تعالى: {أَمّا مَنِ اسْتَغْنى} (5)؛يعني أشراف قريش، قال بعضهم:

معناه: أما من استغنى بماله، وقيل: استغنى عن وعظك، أي جعل نفسه غنيا عنك، وقال ابن عباس: (معناه: استغنى عن الله وعن الإيمان،

{فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى} (6) لوعظه؛ أي تعرض له وتقبل عليه بوجهك وتميل اليه وتصغي إلى كلامه. يقال: فلان تصدّى لفلان؛ أي يتعرّض له ليراه. قرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر (تصّدّى) بالتشديد على معنى تتصدّى، وقرأ الباقون بالتخفيف على الحذف.

قوله تعالى: {وَما عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكّى} (7)؛أي وما عليك ألاّ يؤمن ولا يهتدي، فإنه ليس عليك إلاّ البلاغ،

{وَأَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى} (8)؛لعمل الخير وهو ابن أمّ مكتوم جاءك يسرع في المشي إليك يلتمس منك الدّين،

{وَهُوَ يَخْشى} (9)؛عذاب الله، وقيل: يخشى العثور في مشيته،

{فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى} (10)؛أي تتشاغل فتعرض بوجهك عنه، يقال: ألهيت على الشّيء إلهاء إذا تشاغلت عنه، وليس من لها يلهو، ومن هذا قولهم: اذا استأثر الله بشيء فاله عنه؛ أي اتركه وأعرض عنه.

قوله تعالى: {كَلاّ؛} أي حاشا أن تعود إلى مثل ذلك، لا تعد إليه ولا تفعل مثله، والمعنى: أنّ (كلاّ) هاهنا كلمة ردع وزجر، أو كلاّ لا تفعل بعدها مثلها.

وقوله تعالى: {إِنَّها تَذْكِرَةٌ} (11)؛أي إنّ هذه الآيات التي أنزلها الله عليك موعظة يتّعظ بها عباد الله تعالى،

{فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ} (12)؛أي من شاء ألهمه وفهّمه القرآن حتى يذكره ويتّعظ به.

وهذا كلّه تأديب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وتبين أنّ المحافظة على الإقبال على المؤمنين أولى من الحرص على من هو كافر رجاء أن يترك. فلمّا أنزلت هذه الآيات أكرم رسول

ص: 440

الله صلى الله عليه وسلم ابن أمّ مكتوم وألطفه واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين غزاهما ليصلّي بالنّاس، وكان صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول:[مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، هل لك من حاجة؟]

(1)

.

ولا يمتنع أن يكون إعراض النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ابن أم مكتوم لأنه كان يريد أن يعلّم الناس طريقة حفظ الأدب في تعلّم العلم. وقوله تعالى {(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ)} أي فمن شاء ذكر ما أنزل من الآيات، ويقال: من شاء الله له أن يتّعظ اتّعظ.

ثم أخبر الله تعالى بجلالة القرآن في اللّوح المحفوظ عنده فقال تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} (13)؛أي في كتب معظّمة بما تضمّنت من الحكمة،

{مَرْفُوعَةٍ؛} القدر في السّماوات، {مُطَهَّرَةٍ} (14)؛أي منزّهة من الدّنس ومن التناقض والاختلاف كما قال تعالى في آية أخرى {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ}

(2)

.والصّحف: جمع الصّحيفة. وقيل: يعني بقوله {(فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ)} اللوح المحفوظ. قوله تعالى: (مرفوعة) يعني في السّماء السابعة وقوله تعالى: (مطهّرة) أي لا يمسّها إلاّ المطهرون، وهم الملائكة.

قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} (15)؛يعني الكتبة من الملائكة، واحدهم سافر مثل كاتب وكتبة، وقال الفرّاء:«السّفرة هاهنا الملائكة الّذين هم رسل الله بالوحي إلى أنبيائه، ومنه السّفارة وهو السّعي بين القوم»

(3)

.

ثم أثنى الله عليهم فقال تعالى: {كِرامٍ بَرَرَةٍ} (16)؛أي كرام على ربهم مطيعين له، والكريم الذي من شأنه أن يأتي بالخير، والبررة: جمع بارّ، وهم الفاعلين للبرّ المطيعين لله.

قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ} (17)؛أي لعن الكافر ما أكفره بالله وبنعمته مع كثرة إحسانه إليه، قال مقاتل: «نزلت في عتبة بن أبي لهب، والمراد به

(1)

عزاه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 213؛ قال: (قال الثوري

) وذكره.

(2)

فصلت 42/.

(3)

ينظر: معاني القرآن: ج 3 ص 236.

ص: 441

كلّ كافر»

(1)

.قوله (ما أكفره) تعجيب بمعنى التوبيخ، يقال: أيّ شيء حمله على الكفر مع وضوح الدلائل على وحدانيّة الله، فتعجّبوا من كفره. وأما الله تعالى فلا يجوز أن يتعجّب من شيء لكونه عالما لم يزل.

قوله تعالى: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (18)؛معنى الآية: ما أشدّ كفره بالله، اعجبوا أنتم من كفره.

ثم بيّن من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أنّ الله خالقه، فقال تعالى:{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ،} لفظ استفهام، ومعناه: التقرير، ثم فسّر ذلك فقال تعالى:{مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ؛} أي من ماء مهين حقير خلقه فصوّره في رحم أمّه على الاستواء باليدين والرّجلين وسائر الأعضاء، {فَقَدَّرَهُ} (19)؛على ما يشاء من خلقه طويلا أو قصيرا؛ ذميما أو حسنا؛ ذكرا أو أنثى؛ شقيّا أو سعيدا، وغير ذلك من الأوصاف.

قوله تعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} (20)؛قال السديّ ومقاتل: «أخرجه من الرّحم وهداه إلى الخروج من بطن أمّه»

(2)

.قال مجاهد: «ثمّ يسّر له سبيل الدّين، ومكّنه من سلوكه» .

قوله تعالى: {ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (21)؛أي أماته عند انقضاء أجله، وجعل له قبرا يوارى فيه، أمر عباده أن يواروه، ولم يجعله ممّن يلقى على الأرض كما تلقى البهائم، ثم أكرمه الله بذلك، يقال: أقبرت فلانا إذا جعلت له قبرا يدفن فيه، وقبرته إذا دفنته، والقابر الدافن.

قوله تعالى: {ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ} (22)؛ أي إذا شاء بعثه، وأحياه بعد الموت.

قوله تعالى: {كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ} (23)؛أي حقّا لم يقض ما أمره الله به، ولم يؤدّ حقّه مع كمال نعمة الله عليه. ثم ذكر رزقه ليعتبر،

فقال تعالى:

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ} (24)؛أي ليتأمّل الكافر في طعامه كيف خلقه

(1)

قاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 452.

(2)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28163) عن السدي. وقاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 453.

ص: 442

الله،

وقدّره سببا لحياته، {أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا} (25)؛قرأ أهل الكوفة ويعقوب «(أنّا)» بالفتح على نيّة تكرير الخافض، تقديره: ولينظر إلى أنّا صببنا المطر من السّماء صبّا، وقرأ الباقون بالكسر على الابتداء، والمطر ينزل من السّماء إلى السّحاب صبّا، ثم ينزل من السّحاب إلى الأرض قطرة قطرة، ليكون أقرب إلى النفع وأبعد من الضّرر.

وقوله تعالى: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} (26) أي صدّعنا الأرض بالنّبات،

{فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا} (27)؛يعني الحبوب كلّها يتغذى بها،

{وَعِنَباً؛} أي كرما، {وَقَضْباً} (28)؛للدواب،

{وَزَيْتُوناً؛} هو الذي يعصر منه الزيت، وقال الحسن:«القضب: العلف»

(1)

، {وَنَخْلاً} (29)؛جمع نخلة،

{وَحَدائِقَ غُلْباً} (30)؛الحدائق: جمع الحديقة، وهو البستان الذي أحدق بالحيطان، والغلب: الشّجر العظام الغلاظ، وقيل: الغلب الملتفّة بالأشجار بعضها في بعض، يقال: شجرة غلباء إذا كانت عظيمة غليظة، ورجل غلب إذا كان غليظ العنق

(2)

.

قوله تعالى: {وَفاكِهَةً وَأَبًّا} (31)؛يعني ألوان الفواكه، والأبّ: هو المرعى والكلأ الذي لم يزرعه الناس مما يأكله الأنعام. وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الأب فقال: «أيّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم»

(3)

.

وعن أنس رضي الله عنه أنّ عمر قرأ هذه الآية فقال: «عرفنا الفاكهة فما الأبّ؟» ثمّ قال: «هذا لعمرو الله التّكلّف، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن تدري ما الأبّ» ثمّ قالوا: اتّبعوا ما بيّن لكم من هذا الكتاب وما لم يبيّن فدعوه

(4)

.

(1)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28174).

(2)

في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 222؛ قال القرطبي: (قال الكلبي: وكلّ شيء أحيط عليه من نخيل أو شجر فهو حديقة، وما لم يحط عليه فليس بحديقة).

(3)

في الدر المنثور: ج 8 ص 421؛ قال السيوطي: (أخرجه أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه

) وذكره.

(4)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28187) بأسانيد. وفي الدر المنثور: ج 8 ص 421؛-

ص: 443

وقال الحسن: «الأبّ هو الحشيش وما تأكله الدّوابّ»

(1)

.وقال قتادة: «أمّا الفاكهة فلكم، وأمّا الأبّ فلأنعامكم»

(2)

.وعن ابن عبّاس قال: «هو ما أنبتت الأرض ممّا يأكل النّاس والأنعام»

(3)

.

قوله تعالى: {مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} (32)؛أي خلقنا هذه الأشياء متاعا لكم ولدوابكم لسدّ خلّتكم وتتميم حاجتكم، وعن مجاهد رضي الله عنه في قوله تعالى {(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ)}:«يعني إلى مدخله ومخرجه»

(4)

.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: [ما طعامكم؟] قال: الحبّ واللّبن يا رسول الله، قال:[ثمّ يصير إلى ماذا؟] قال: إلى ما قد علمت، قال:[فإنّ الله ضرب ما يخرج من ابن آدم تمثيلا للدّنيا]

(5)

.

وقال أبو قلابة: «مكتوب في التّوراة: يا ابن آدم انظر إلى ما بخلت به إلى ما صار» .وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما: «أنّ معناه: فلينظر الإنسان إلى أوّل طعامه ثمّ عاقبته فليعتبر» .

قوله تعالى: {فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ} (33)؛يعني صيحة القيامة تصخّ الأسماع التي تصمّها لشدّة الصّيحة، والصاخّة من أسماء القيامة،

ثم بيّن في أيّ وقت تجيء فقال: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} (36)

(4)

-قال السيوطي: (أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والخطيب والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وصححه عن أنس أن عمر قرأ على المنبر) وذكره.

ص: 444

لا يلتفت أحد إلى أحد منهم لعظم ما هم فيه، ومخافة إن سأله أحد منهم يحمل عنه شيئا من عقابه ويواشيه

(1)

بشيء من ثوابه. وقيل: يفرّ منهم حذرا من مطالبتهم إياه بما بينهم من التّبعات والمظالم. وقيل: لعلمه بأنّهم لا ينفعونه.

وعن الحسن قال: «أوّل من يفرّ من أبيه يوم القيامة إبراهيم، ويفرّ محمّد صلى الله عليه وسلم من أمّه، ويفرّ لوط عليه السلام من زوجته، ونوح من ابنه كنعان، وهابيل من أخيه قابيل)

(2)

وهذا في أولي الثّواب من أهل العقاب، وفي أهل العقاب فيما بينهم، وأمّا أهل الثّواب فيما بينهم فليسوا كذلك، ولكن يسألون ربّهم إلحاق ذرّيّتهم.

قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (37)؛أي شأن يشغله عن الأقرباء ويصرفه عنهم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، فقلت: يا رسول الله فكيف بالعورات؟! فقال: [لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه]

(3)

.

عن سودة أمّ المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يبعث النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا] قالت: قلت يا رسول الله؛ وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال: [شغل النّاس عن ذلك، لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه].

قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} (38)؛أي مضيئة مشرقة حسنة فرحة معجبة، مسرورة بما أكرمها الله تعالى به، وهي وجوه أهل الثواب،

{ضاحِكَةٌ؛} بالسّرور، {مُسْتَبْشِرَةٌ} (39)؛أي فرحة بما تنال من الله من الكرامة،

{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ} (40)؛أي غبار من البلاء وسواد وكآبة،

{تَرْهَقُها قَتَرَةٌ} (41)؛أي يعلوها ويغشاها كسوف وسواد عند معاينة النار، والقترة:

سواد كالدّخان الأسود. ثم بيّن من أهل هذه الوجوه،

قال تعالى: {أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} (42)؛أي الكفرة بالله الكذبة على الله، جمع كاذب فاجر.

آخر تفسير سورة (عبس) والحمد لله رب العالمين

(1)

وشى به إلى السلطان وشاية أي سعى. مختار الصحاح: (وشى).

(2)

ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 225،وفيه اختلاف.

(3)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (28203) وإسناده صحيح.

ص: 445