الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأعلى
سورة الأعلى مكّيّة، وهي مائتان وواحد وسبعون حرفا، واثنتان وسبعون كلمة، وتسع عشرة آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها أعطاه الله من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ حرف أنزله الله على إبراهيم وموسى ومحمّد عليهم الصّلاة والسّلام]
(1)
.
وعن عليّ رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ هذه السّورة {(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)} وأوّل من قال: سبحان ربي الأعلى ميكائيل» .قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: [يا جبريل أخبرني عن ثواب من قرأها في صلاة أو في غير صلاة، قال: يا محمّد ما من مؤمن يقولها في سجود أو في غير سجود إلاّ كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسيّ وجبال الدّنيا، ويقول الله تعالى: صدق عبدي أنا الأعلى فوق كلّ شيء وليس فوقي شيء، اشهدوا يا ملائكتي أنّي قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنّة جنّتي.
فإذا مات زاره ميكائيل كلّ يوم، فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه فيوقفه بين يدي الله تعالى، فيقول: يا رب شفّعني فيه، فيقول: قد شفّعتك فيه، اذهب به إلى الجنّة]
(2)
.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1)؛الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ والأمّة داخلون معه في هذا الخطاب، والمعنى: صلّ لربك ونزّهه عن كلّ ما لا يليق به من الصّفات، وقل: سبحان ربي الأعلى. وقد يذكر الاسم ويراد به تعظيم المسمّى، كما قال
(1)
رواه الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 182 عن أبي بإسناد ضعيف.
(2)
أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 182.ونقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 13.
الشاعر
(1)
:
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما
…
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقال قوم: معناه: نزّه ربّك الأعلى عمّا يقول فيه الملحدون ويصفه به المشركون، وجعلوا الاسم صفة. ويجوز أن يكون معناه: نزّه الله عن إجرائه على غيره، وكان عليّ وابن عبّاس وابن عمر رضي الله عنهم إذا قرأ أحدهم بهذه السّورة قال:«سبحان ربي الأعلى»
(2)
،والأعلى من صفات الله بمعنى العليّ مثل الأكبر بمعنى الكبير، وليس هذا من علوّ المكان وإنما معناه القاهر القادر، فلا شيء أقدر منه.
قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى} (2)؛أي خلق الإنسان وكلّ ذي روح، فسوّى خلقه باليدين والرّجلين والعينين والأذنين وسائر الأعضاء، وعدّل الخلق.
وقوله تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى} (3)؛أي قدّر الذي خلقه حسنا وذميما، وقدّر عليه السعادة والشقاوة، فهدى كلّ مكلّف من الضّلال إلى الهدى، ومن الباطل إلى الصواب، ومن الغيّ إلى الرّشاد. وقيل: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ، وبصّره السبيل إمّا شاكرا، وإما كفورا.
وقيل: ألهم كلّ حيوان ما يحتاج إليه في أمر معيشته، وعرّفه كيف يأتي الذكر الأنثى، وجعل الهداية في قلب الطفل حتى طلب ثدي أمّه، وميّزه من غيره، وهدى الفرخ لطلب الرزق، وهدى الأنعام لمراتعها. وقيل: معنى قوله {(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)} أي قدّر مدّة الجنين في الرحم تسعة أشهر، أو أقلّ، أو أكثر، فهدى للخروج من الرّحم. وقيل: قدّر الأرزاق وهداهم لطلبها. وقيل: الذنوب على عباده وهداهم للتوبة. وقيل: قدّر الخلق على صورهم، وعلى ما جرى لهم من الأرزاق، فهداهم إلى معرفة توحيده. قرأ الكسائيّ والسلمي «(قدر فهدى)» مخفّفا.
(1)
لبيد العامري (ت 41 هـ) من قصيده له يخاطب بها ابنتيه، مطلعها:
تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلاّ من ربيعة أو مضر
(2)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28633) عن ابن عمر، و (28634) عن علي، و (28635) عن ابن عباس رضي الله عنهم جميعا.
قوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى} (4)؛أي أنبت الكلأ الأخضر بالمطر للبهائم،
ثم، {فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى} (5)؛معناه: فجعل النبت بعد الخضرة هشيما يابسا باليا كالغثاء الذي يقذفه السّيل على جنبات الوادي، وقوله تعالى:(أحوى) أي أسود، وقد يدخل النبت الأحوى لحاجة البهائم إليه، وقد يكون حطبا للناس، وهذا كلّه إخبار عن قدرة الله تعالى وإنعامه على العباد.
قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى} (6)؛أي سيقرئك جبريل القرآن بأمرنا فلا تنساه، فلم ينس النبيّ صلى الله عليه وسلم حرفا من القرآن بعد نزول هذه الآية.
قوله تعالى: {إِلاّ ما شاءَ اللهُ؛} أي إلاّ ما شاء الله أن تنساه، وهو ما نسخت تلاوته، فنأمرك ألاّ تقرأه حتى تنساه على وجه الأيام، وهذا نسيان النّسخ دون التضييع.
وقيل: إلاّ ما شاء الله أن تنساه
(1)
ثم تذكره بعد ذلك. وقيل: إنما ذكر الاستثناء لتحسين النّظم على عادة العرب، تذكر الاستثناء عقيب الكلام وهو كقوله تعالى {خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللهُ}
(2)
ربّك، معلوم أنّ الله تعالى لم يشأ إخراج أهل الجنة من الجنّة ولا إخراج أهل النار من النار، ولكن المراد به ما ذكرناه.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى} (7)؛أي يعلم ما يقرؤه العباد من القرآن، وما يذكرونه من الذّكر في سرّ أو جهر. وقيل: يعلم العلانية من القول والعمل، ويعلم السرّ وما يحدّث الإنسان نفسه بعده، ويعلم إعلان الصّدقة وإخفاءها.
قوله تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى} (8)؛أي نيسّرك لعمل الجنّة، ونوفّقك للشّريعة السهلة وهي الحنيفيّة السّمحة،
{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى} (9)؛أي عظ بالله إن نفعت المواعظ، وليس على وجه الشّرط، فإنّ الموعظة تنفع لا محالة.
وقوله تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى} (10)؛أي سيتّعظ بالقرآن من يخشى عذاب الله،
{وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} (11)؛أي يتجنب التذكّر والعظة ويتباعد عنها الأشقى في علم الله فلا يتذكر ثوابا.
(1)
كتب الناسخ: (تنساه دفعة) ثم شطب (دفعة).
(2)
الأنعام 128/.
وروي أن المراد بقوله {(سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى)} :عبد الله بن أمّ مكتوم
(1)
،ويدخل فيه كلّ مؤمن، والمراد بالأشقى الذي يتجنّب الموعظة الوليد بن المغيرة، ويدخل فيه كلّ كافر.
قوله تعالى: {الَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى} (12)؛وهي السّفلى من أطباق النار، وقيل: سمّيت نار جهنّم النار الكبرى؛ لأنّها أعظم من هذه النار، كما روي في التفسير: أنّ نار الدّنيا جزء من سبعين جزء من نار جهنّم، ولقد غمست في البحر مرّتين حتى لانت، ولولا ذلك ما انتفع بها أحد. وروي: أن نار الدّنيا تستجير أن يردّها الله إلى نار جهنّم.
قوله تعالى: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى} (13)؛ أي لا يموت موتا فيستريح من عذابها، ولا يحيا حياة يجد فيها روح الحياة.
وقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى} (14)؛أي صار إلى البقاء الدّائم والنعيم المقيم من تزكّى بالإسلام والتّوبة من الذنوب، والمعنى: قد أفلح من تطهّر من الشّرك وقال: لا إله إلاّ الله، وكان عمله زاكيا صالحا، وأدّى زكاة ماله،
{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى} (15)؛أي وافتتح الصّلاة بذكر اسم الله، وصلّى الصلوات المفروضات، وكان ابن مسعود يقول:«رحم الله امرءا تصدّق ثمّ صلّى، ثمّ يقرأ هذه الآية»
(2)
.
وقيل: معناه: قد أفلح من أدّى زكاة الفطر ثم صلّى صلاة العيد، ويستدلّ بهذه الآية على جواز افتتاح الصّلاة بغير التّكبير؛ لأنه تعالى ذكر الصّلاة عقيب اسمه، إذ الفاء للتّعقيب من غير تراخ، فلا فصل في الآية بين التكبير وبين سائر الأركان.
(1)
ذكره القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 20.
(2)
في الدر المنثور: ج 8 ص 486؛ قال السيوطي: (أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير عن أبي الأحوص رضي الله عنه منقطعا في رواية، ووصله في رواية أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه. وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: النص (19241).ومن رواية أبي الأحوص عند الطبري في جامع البيان: النص (28652).
قوله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا} (16)؛قرأ العامّة بالتاء، كذلك قراءة ابن كعب:«(بل أنتم تؤثرون الحياة الدّنيا)»
(1)
،والخطاب للكفار؛ كأنه قال: بل أنتم أيّها الكفار تختارون الدّنيا على الآخرة، وقرأ أبو عمرو «(يؤثرون)» بالياء يعني الأشقياء.
قوله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى} (17)؛أي ثواب الآخرة خير من الدنيا وما فيها وأدوم. وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ما الدّنيا في الآخرة «إلاّ»
(2)
كرجل أدخل إصبعه في اليمّ، فلينظر بم يرجع]
(3)
.
قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى} (18)؛أراد به قوله تعالى {(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى)} كما هو في القرآن، ويقال: مذكور في الصّحف الأولى: أنّ الناس يؤثرون الحياة الدّنيا، وأن الآخرة خير وأبقى، أراد به السّورة كلّها.
قوله تعالى: {صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى} (19)،قال قتادة:«تتابعت كتب الله تعالى أنّ الآخرة خير وأبقى»
(4)
.ويقال: إن في صحف إبراهيم: «ينبغي للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شأنه»
(5)
.
وقال أبو ذرّ: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ فقال: [مائة ألف نبيّ، وأربعة وعشرون ألف نبيّ] قلت: كم المرسلون منهم؟ قال: [ثلاثمائة وثلاثة عشر].
(1)
ذكر الطبري القراءتين في جامع البيان: النص (28658).
(2)
(إلاّ) سقطت من المخطوط.
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج 20:الحديث (713 - 722).وفي الأوسط: ج 5:الحديث (4192).والإمام أحمد في المسند: ج 4 ص 228 و 229 و 230.وإسناده صحيح.
(4)
في الدر المنثور: ج 8 ص 488؛ قال السيوطي: (أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه
…
) وذكره. وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: الرقم (19246).والطبري في جامع البيان: الأثر (28662).
(5)
هو جزء من حديث طويل عن أبي ذر رضي الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أخرجه ابن حبان في الصحيح: الرقم (361)،قال الشيخ شعيب: إسناد ضعيف جدا.
قلت: أكان آدم نبيّا؟ قال: [نعم كلمة الله، وخلقه الله بيده. يا أبا ذرّ أربعة من الأنبياء من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيّك] قلت: يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟ قال: [مائة وأربعة كتب، منها على آدم عشر صحائف، وعلى شيت خمسون صحيفة، وعلى أخنوخ وهو إدريس ثلاثون صحيفة، وهو أوّل من خطّ بالقلم، وعلى إبراهيم عشر صحائف، والتّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان]
(1)
.
آخر تفسير سورة (الأعلى) والحمد لله رب العالمين
(1)
ينظر ما قبله، إسناده ضعيف جدا.