الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النّبأ
سورة النّبأ مكّيّة، وهي سبعمائة وسبعون حرفا، ومائة وسبعون كلمة، وأربعون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها سقاه الله من برد الشّراب يوم القيامة]
(1)
.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} (2)؛قال المفسّرون: لما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بتوحيد الله والبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن، جعلوا يتساءلون بينهم ويقولون: ما نرى الذي جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم، وما الذي أتى به، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ومعناها: عن أيّ شيء يتحدّثون فيما بينهم، وهذا لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى تفخيم القصة. وأصله عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت الألف؛ لأن العرب إذا وضعت (عن ما) في موضع الاستفهام حذفت نونها فرقا بينهما وبين أن تكون اسما مثل قوله {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها}
(2)
،و (علام تفعل)،بخلاف قولهم:
سألت فلانا عمّا فعل، لا يجوز فيه حذف الألف؛ لأن معناها الّذي، وكذلك إذا كانت (ما) للصلة كقوله تعالى {عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ}
(3)
.
قوله تعالى {(عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)} أي الخبر الشّريف، وهو القرآن، فإنه خبر عظيم الشّأن؛ لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول، والخبر عمّا يجوز وما لا يجوز، وعن البعث والنشور.
قوله تعالى: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} (3) يعني أنّهم اختلفوا في القرآن، فجعله بعضهم سحرا وبعضهم كهانة وبعضهم شعرا، وبعضهم أساطير الأوّلين.
(1)
رواه الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 113 عن أبي بن كعب بإسناد ضعيف.
(2)
النازعات 43/.
(3)
المؤمنون 40/.
ثم أوعد الله من كذب بالقرآن فقال تعالى: {كَلاّ سَيَعْلَمُونَ} (4)؛أي ليس الأمر على ما قالوا، سيعلمون عاقبة تكذيبهم حتى تنكشف الأمور، {(ثُمَّ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ)} وعيد على إثر وعيد. وقيل: معنى (كلاّ) ارتدعوا وانزجروا، فليس الأمر على ما تظنّون،
وسيعلم
(1)
الكفار عاقبة أمرهم، {ثُمَّ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ} (5)؛ أمر القيامة وأهوالها، وما لهم من أنواع العذاب في النار.
قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً} (7)؛نبّه سبحانه على عظيم قدرته، ولطيف حكمته؛ ليعرفوا توحيده. والمهاد: الوطاء؛ للتصرّف عليه من غير كلفة، فالأرض مهاد يسيرون في مناكبها ويسكنون في مساكنها، والمهاد والمهد بمعنى واحد، والمهاد: الفراش، والجبال أوتاد للأرض؛ لأنّ الأرض كانت تنكفئ بأهلها على وجه الماء، فأرساها الله بالجبال الثوابت حتى لا تميد بأهلها، وكان أبو قبيس أوّل جبل وضع على الأرض
(2)
.
قوله تعالى: {وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً} (8)؛أي ذكرانا وإناثا، ويقال: ألوانا وأصنافا،
وكلّكم ترجعون إلى أب واحد، {وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً} (9)؛أي راحة لأبدانكم، فكلّ من تعب من الخلق إذا نام استراح، والسّبات مأخوذ من السّبت وهو القطع، والسّبات قطع العمل، والسّبات هاهنا أن ينقطع عن الحركة، والروح في بدنه.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً} (10)؛سابغا بظلمته وسواده لكلّ شيء،
{وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً} (11)؛أي ذا ضياء لطلب المعاش بالحراثة والتجارة ونحوهما.
قوله تعالى: {وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً} (12)؛أي رفعنا فوق رءوسكم سبع سماوات غلاظا شديدة الإتقان، قائمة بإذن الله لا تنهار ولا تتغيّر من طول الزّمان، غلظ كلّ سماء خمسمائة عام،
(1)
في المخطوط: (سيعلمون الكفار) وهو غير مناسب، فتكون (سيعلم الكفار) أو (سيعلمون- الكفار-عاقبة
…
).
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: الحديث (3944) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال:(صحيح الإسناد ولم يخرجاه) وفيه طلحة بن عمرو، واه، كما نبه عليه الذهبي في تلخيصه.
أي وقّادا متلألئا مشتعلا بالنور العظيم، تنضج الأشياء بحرّها، وتضيء للناس بنورها، والوهج مجمع النور والحرارة.
قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً} (14)؛قال مجاهد ومقاتل وقتادة والكلبي: «المعصرات الرّياح؛ لأنّها تعصر السّحاب حتّى تخرج منه المطر»
(1)
.قال الأزهريّ: «هي الرّياح ذوات الأعاصير» ،و (من) معناها الباء كأنه قال: بالمعصرات
(2)
؛ولأن الرياح
(3)
تستدرّ المطر، وقال أبو العالية والربيع والضحاك:
«المعصرات السّحاب الّتي ينجلب منها المطر، كالمرأة المعصورة وهي الّتي دنا حيضها» ،قال الشاعر
(4)
:
جارية بأبرقين دارها
…
قد أعصرت أو قد دنا إعصارها
يسقط من غلمتها إزارها
…
تمشي الهوينا ساقطا خمارها
وقال يزيد بن أسلم: «المعصرات: السّماوات» ،وقال ابن كيسان:
«المغيّبات» .
والماء الثّجّاج: هو السّيّال الصّبّاب، والثّجّ: الصّبّ، كما روي في الحديث:
[أفضل الحجّ العجّ والثّجّ]
(5)
أراد بالعجّ: رفع الصوت بالتّلبية، والثّجّ: إراقة الدّم.
وقال مجاهد: «ثجّاجا أي مدرارا» وقال قتادة: «متتابعا يتلو بعضه» .
قوله تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً} (15)؛أي لنخرج بالمطر حبّا يأكلونه ونباتا ترعاه أنعامكم،
{وَجَنّاتٍ أَلْفافاً} (16)؛أي بساتين ملتفّة الأشجار، واحدها لفّ بالكسر، وجمعه لفّ بالضمّ، وجمع الجمع ألفاف.
(1)
في الدر المنثور: ج 8 ص 392؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن جرير وابن الأنباري عن قتادة). وقاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 440.
(2)
في جامع البيان: الأثر (27901) أخرجه الطبري بإسناده عن عكرمة: (أنه كان يقرأ وأنزلنا بالمعصرات يعني الرياح).
(3)
في المخطوط: (الريح) والمناسب: (الرياح).
(4)
منظور بن مرثد الأسدي. وعند القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 173:
جارية بسفوان دارها تمشي الهوينى ساقطا خمارها
(5)
في مجمع الزوائد: ج 3 ص 224؛قال الهيثمي: (رواه أبو يعلى وفيه رجل ضعيف) وله شاهد أخرجه الترمذي في الجامع: أبواب الحج: الحديث (827).
قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً} (17)؛معناه: إنّ يوم الفصل بين الخلائق وهو يوم القيامة كان ميقاتا للأوّلين والآخرين أن يجتمعوا فيه، وميقاتا لما وعد الله من الثواب والعقاب.
ثم بيّن متى يكون ذلك فقال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً} (18) يعني نفخة البعث فيأتي كلّ أناس بإمامهم فوجا بعد فوج، وزمرا بعد زمر من كلّ مكان للحساب. والصّور: قرن ينفخ فيه إسرافيل.
وعن معاذ بن جبل قال: قلت: يا رسول الله؛ أرأيت قوله تعالى: {(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً)} ؟ قال: [يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر] ثمّ بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [يا معاذ يحشر النّاس عشرة أصناف من أمّتي أشتاتا قد بدّل الله صورهم وغيّرهم من جماعة المسلمين، فبعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكّسون على رءوسهم وأرجلهم فوق وجوههم يسحبون، وبعضهم عمي يتردّدون، وبعضهم صمّ بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاّة على صدورهم، يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلّبون على جذوع من نار، وبعضهم أشدّ نتنا من الجيف، وبعضهم يلبسون جبابا من قطران لازقة بجلودهم.
فالّذين هم على صورة القردة النّمّامون، والّذين هم على صورة الخنازير الأكّالون السّحت، والّذين هم منكّسون على رءوسهم أكلة الرّبا، والعميان الجائرون في الحكم، والصّمّ البكم هم الّذين يعجبون بأعمالهم، والّذين يمضغون ألسنتهم العلماء الوعّاظ الّذين خالف قولهم أعمالهم، والمقطّعة أيديهم وأرجلهم الّذين يؤذون الجيران، والمصلّبون على جذوع النّار السّعاة إلى السّلطان، والّذين هم أشدّ نتنا من الجيف هم الّذين يتنعّمون باللّذات والشّهوات، ومنعوا حقّ الله من أموالهم، والّذين يلبسون الجباب هم أهل الكبر والفجور والخيلاء]
(1)
.
(1)
في تخريج أحاديث الكشاف: ج 4 ص 688؛قال الحافظ: (أخرجه الثعلبي وابن مردويه).وفي الدر المنثور: ج 8 ص 393؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن مردويه عن البراء بن عازب، أن معاذا ابن جبل) وذكره. وإسناده ضعيف. وأخرجه الثعلبي في الكشف والبيان: ج 1 ص 115.
قوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً} (19)؛أي فتحت لنزول الملائكة، فكانت ذات أبواب، قرأ أهل الكوفة «(وفتحت)» بالتخفيف.
قوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً} (20)؛أي سيّرت على وجه الأرض فصارت كالتّراب المنبثّ، إذا رآه الناظر يحسبه سرابا بعد شدّتها وصلابتها.
والسراب: الغبار المنبثّ في الهواء يحسبه العطشان عند وقوع الشمس أنه ماء وليس بماء.
قوله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً} (21)؛أي طريقا وممرّا للعباد، ولا سبيل إلى الجنّة حتى تقطع النار، وقال مقاتل:«إنّ جهنّم كانت محبسا»
(1)
معدّة
{لِلطّاغِينَ؛} أي للكافرين، {مَآباً} (22)؛أي مرجعا يرجعون إليه، وفي الحديث:[أنّها أعرف بأصحابها من الوالدة بولدها].
قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً} (23)؛قرأ حمزة «(لابثين فيها أحقابا)» ، وقرأ الباقون «(لابثين)» وهما بمعنى واحد؛ أي ماكثين فيها مقيمين بها
(2)
.
واختلف العلماء في معنى الحقب، فروي عن عبد الله بن عمر:«أنّ الحقب الواحد أربعون سنة، كلّ يوم منها ألف سنة» ،فهذا هو الحقب الواحد، وهي أحقاب لا يعلم عددها إلاّ الله. وعن عليّ رضي الله عنه:«أنّ الحقب الواحد ثمانون سنة، كلّ سنة اثنا عشر شهرا، كلّ شهر ثلاثون يوما، كلّ يوم ألف سنة»
(3)
.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [والله ما يخرج من النّار من دخلها من المشركين حتّى يكونوا فيها أحقابا، والحقب بضع وثمانون سنة، والسّنة ثلاثمائة وستّون يوما، كلّ يوم ألف سنة]
(4)
.
(1)
ذكره الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 115.ونقله القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 177.
(2)
في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 178؛ قال القرطبي: (وقرأ حمزة والكسائي (لابثين) بغير ألف، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيدة، وهما لغتان).
(3)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (27935).
(4)
في الدر المنثور: ج 8 ص 395؛ قال السيوطي: (أخرجه البزار وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.وفي مجمع الزوائد: ج 10 ص 395؛قال الهيثمي: (رواه البزار وفيه سليمان ابن مسلم الخشاب، وهو ضعيف جدا).
(1)
.فليس للأحقاب عدّة إلاّ الخلود في النار، ولكن قد ذكر أنّ الحقب الواحد سبعون ألف سنة، كلّ يوم منها ألف سنة مما تعدّون.
وقال مقاتل: «الحقب الواحد سبعة عشر ألف سنة»
(2)
،وقال:«هذه الآية قوله تعالى: «فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً» يعني أنّ العدد قد انقطع، وأنّ الخلود قد حصل»،وعن عبد الله بن مسعود قال:«لو علم أهل النّار أنّهم يلبثون في النّار عدد حصى الدّنيا لفرحوا، ولو علم أهل الجنّة أنّهم يلبثون في الجنّة عدد حصى الدّنيا لحزنوا»
(3)
.
قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً} (24)؛أي لا يذوقون في تلك الأحقاب نوما ولا شرابا من الماء. وقيل: معناه: لا يذوقون في جهنّم من شدّة حرّها بردا ينفعهم من حرّها، ولا شرابا ينفعهم من عطشها.
وقيل: معناه: لا يذوقون في جهنّم برد ريح ولا ظلاّ ولا شرابا باردا، {إِلاّ حَمِيماً وَغَسّاقاً} (25)،أي إلاّ ماء حارّا في غاية الحرارة، و (غسّاقا) وهو ما يغسق أي يسيل من صديد أهل النّار، وكلّ ذلك يزيد في العطش.
وعن أبي معاذ النّحويّ قال في قوله تعالى: {(لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً} :
«أنّ البرد النّوم» ،ومثله قال الكسائيّ وأبو عبيدة، والعرب تقول: منع البرد البرد؛
(1)
أخرجه الطبري بمعناه في جامع البيان: الأثر (27938).
(2)
قاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 442.
(3)
في مجمع الزوائد: ج 10 ص 396؛قال الهيثمي: (رواه الطبراني وفيه الحكم بن ظهير، وهو مجمع على ضعفه).
أي أذهب البرد النوم، ولأنّ العطشان لينام فيبرد غليله، فلذلك سمي النوم بردا، قال الشاعر
(1)
:
وإن شئت حرّمت النّساء سواكم
…
وإن شئت لم أطعم نقاحا ولا بردا
أي نوما
(2)
.
قوله تعالى: {جَزاءً وِفاقاً} (26)؛انتصب على المصدر؛ أي جوزوا على وفق أعمالهم جزاء. وقيل: تقديره: جزيناهم جزاء، وقوله تعالى (وفاقا) أي وفّقوا أعمالهم وفاقا كما يقول: قاتل قتالا، والمعنى: جوزوا بحسب أعمالهم، قال مقاتل:
«وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشّرك، ولا عذاب أعظم من النّار»
(3)
.
وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً} (27)؛أي إنّهم كانوا لا يخافون أن يحاسبوا، والمعنى: أنّهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنّهم يحاسبون،
{وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً} (28)؛أي وكذبوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم والقرآن تكذيبا، و (فعّال) من مصادر التّفعيل، قال الفرّاء:(هي لغة فصيحة يمانيّة)
(4)
،يقال حرّقت القميص حرّاقا.
قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً} (29)؛أي وكلّ شيء من الأعمال بيّنّاه في اللوح المحفوظ، كقوله تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ}
(5)
.
قوله تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً} (30)؛أي يقال لهم: ذوقوا العذاب في النار، فلن نزيدكم إلاّ ألوان العذاب لونا بعد لون، وكلّ عذاب يأتي بعد الوقت، فهو زائد على الأوّل.
(1)
البيت لعمر بن أبي ربيعة (23 - 93 هـ)،وللحارث المخزومي، (؟؟ -80 هـ).شاعر غزل، ووالي يزيد بن معاوية على مكة، خلال قيام عبد الله بن الزبير رضي الله عنه استتر خائفا، فعزله يزيد. بقي بمكة حتى مات.
(2)
النقاح: الماء البارد الصافي، وقيل: الماء العذب. ينظر: لسان العرب: (برد).والصحاح: ج 2 ص 15: (برد).
(3)
قاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 442.
(4)
في معاني القرآن: ج 3 ص 229؛ قال الفراء: (هي لغة يمانية فصيحة).
(5)
يس 12/.
قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً} (31)؛المتّقي هو المؤمن المطيع لله، الكافّ عن جميع معاصيه. والمفاز: موضع الفوز وهو الجنّة، والمعنى: أنّ للمتّقين فوزا ونجاة من النار.
وقوله تعالى {حَدائِقَ وَأَعْناباً} (32)،تفسير لذلك الفوز.
والحدائق: جمع الحديقة، وكلّ ما أحيط به الحائط من الأشجار فهو حديقة وهو البستان الجامع. والأعناب: أنواع العنب في البستان، والمعنى:{(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدائِقَ وَأَعْناباً)} يعني أشجار الجنّة وثمارها.
قوله تعالى: {وَكَواعِبَ أَتْراباً} (33)؛الكواعب: جمع الكاعب، وهي الجارية النّاهد المفلّكة الثدي، وهي التي خرج ثديها بأحسن الخروج، ولم يفطم بعد.
والأتراب: اللّدات
(1)
المستويات في السنّ
(2)
،ويجوز أن يكون المعنى: مثل أزواجهنّ في السنّ والصورة والقدّ.
قوله تعالى: {وَكَأْساً دِهاقاً} (34)؛الكأس: الإناء الذي فيه الشّراب، والدّهاق: الملآن المتابع، والمعنى: وكأسا ممتلئة.
وقوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذّاباً} (35)؛أي لا يسمعون في مجالسهم في الجنّة كلاما لا فائدة فيه، ولا يكذّب بعضهم بعضا، والمعنى: لا يسمعون في الجنّة إذا شربوا الخمر باطلا من الكلام، ولا يكذّب بعضهم بعضا، قال ابن عبّاس:
«ذلك أنّ أهل الدّنيا إذا شربوا تكلّموا بالباطل، وأهل الجنّة إذا شربوا لم يتكلّموا عليها شيئا يكرهه الله» .وقرأ الكسائيّ: «(ولا كذابا)» بالتخفيف؛ أي لا يكذب بعضهم بعضا، والكذاب مصدر المكاذبة، وهو حسن المعنى.
قوله تعالى: {جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً} (36)؛أي جزاهم الله بهذه الأشياء من ربك وأعطاهم عطاء حسابا، وقال ابن قتيبة:«عطاء كافيا» ،يقال:
أحسبت فلانا؛ أي أكثرت له وأعطيته ما يكفيه، قال الزجّاج:«في ذلك الجزاء كلّ ما يشتهون، ومن ذلك: حسبي كذا؛ أي كفاني»
(3)
.والمعنى: جزاء من ربك عطاء كثيرا كافيا وافيا.
(1)
في المخطوط: (اللذات) وهو غير مناسب.
(2)
في جامع البيان: الأثر (27973)؛قال الطبري: (قال ابن زيد: الأتراب: اللّدات. وقال: مستويات، فلانة تربة فلانة).وفي الجامع لأحكام القرآن: ج 17 ص 200؛قال القرطبي: (على ميلاد واحد في الاستواء).
(3)
بمعناه؛ قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج 5 ص 214.
قوله تعالى: {رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ؛} قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير: «(ربّ السّماوات)» برفع الباء، و «(الرّحمن)» بالرفع أيضا على معنى:
هو ربّ السّماوات والأرض وما بينهما وهو الرحمن، وإن شئت قلت:(ربّ) مبتدأ و (الرّحمن) خبره.
وقرأ ابن عامر
(1)
ويعقوب كلاهما بالخفض على البدل من «(ربك)» .
وقرأ حمزة والكسائي وخلف «(ربّ)» بالخفض، و «(الرّحمن)» رفعا، قال أبو عبيدة:
«وهذه القراءة أعدلها
(2)
عندي؛ لأنّ قوله تعالى (ربّ) قريب من (ربّك) فيكون نعتا له. وارتفع (الرّحمن) لبعده عنه، فيكون مبتدأ وما بعده خبره»
(3)
.
قوله تعالى: {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً} (37)؛قال مقاتل: «لا تقدر الخلق أن يكلّموا الرّبّ إلاّ بإذنه» .وقال الكلبيّ: «معناه: لا يشفعون إلاّ بإذنه» .
وقيل: لا يتجرّأ أحد أن يتكلّم في عرصات القيامة إلاّ بإذنه.
ثم وصف ذلك اليوم فقال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا؛} قيل: معناه: في يوم يقوم الرّوح.
واختلفوا في الرّوح، قال الشعبيّ والضحاك:«هو جبريل الّذي سمّاه الله الرّوح الأمين» .وقال ابن عبّاس: «هو ملك من أعظم الملائكة خلقا» .وقال ابن مسعود: «هو ملك عظيم أعظم من السّماوات ومن الجبال، وأعظم من الملائكة، وهو يسبح في السّماء الرّابعة كلّ يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله من كلّ تسبيحة ملكا»
(4)
.
وقال مجاهد وقتادة: «الرّوح خلق من خلق الله على صورة بني آدم وليسوا منهم، يقومون صفّا، والملائكة صفّا، هؤلاء جند، وهم جند» .وعن ابن عبّاس: «أنّه ملك لم يخلق الله في الملائكة أعظم منه»
(5)
،فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفّا،
(1)
في المخطوط كرر (عامر) والصواب: (عاصم).
(2)
في المخطوط: (أعدلهما) وهو غير مناسب، ونقله عنه ما أثبتناه، وكما في الكشف والبيان: ج 10 ص 119،والجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 186.
(3)
نقله أيضا الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 119.والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 186.
(4)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (27994).
(5)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (27995).
وقامت الملائكة كلّهم صفّا، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم. وقيل: هم خلق غير الإنس والجنّ يرون الملائكة، والملائكة لا يرونهم، كما أنّ الملائكة يروننا ونحن لا نراهم.
قوله تعالى: {لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ؛} معناه: الخلق كلّهم المؤمنون لا يتكلّمون إلاّ من أذن الله له الكلام، ولا يأذن إلاّ لمن إذا قال، {وَقالَ صَواباً} (38).وقيل: معناه: إلاّ من أذن له الرحمن وقال في الدّنيا قولا صوابا عدلا، وهو كلمة التوحيد؛ يعني: لا إله إلاّ الله؛ لا إله إلاّ الله.
قوله تعالى: {ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} أي ذلك اليوم وصف هو الحقّ، {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً} (39)؛أي رجعا حسنا؛ أي من شاء رجع إلى الله بطاعته.
ثم خوّف الكفار فقال تعالى: {إِنّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً؛} أي خوّفناكم من عذاب قريب كائن، يعني عذاب الآخرة، وكلّ ما هو آت قريب، والخطاب لأهل مكّة. ثم بيّن متى يكون ذلك العذاب، فقال تعالى:{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} أي يوم يرى الرجل فيه جزاء عمله في الدّنيا من خير أو شرّ، وخصّ اليدين؛ لأنّ أكثر العمل يكون بهما.
وأمّا الكافر فيقول: {وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} (40)؛أي ليتني لم أبعث، وليتني بقيت ترابا بعد الموت، وقال مقاتل:«إنّ الله يجمع الدّوابّ والطّيور والوحوش يوما، ويقضي بين الثّقلين الجنّ والإنس، ثمّ يقضي للجمّاء من القرناء، فإذا فرغ من ذلك، قال: من ربّكم؟ فيقولون: الرّحمن الرّحيم، فيقول الله تعالى: أنا خلقتكم وسخّرتكم لبني آدم، وكنتم لي مطيعين أيّام حياتكم، فارجعوا للّذي خلقتكم منه. فيصيرون ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: {(يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً)}.»
(1)
.قال أبو هريرة: «فيقول التّراب للكافر: لا حبّا ولا كرامة لك أن تكون مثلي»
(2)
.
آخر تفسير سورة (النبأ) والحمد لله رب العالمين
(1)
بنحوه قاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 444.
(2)
بنحوه أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28017).