المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سورة انشقت (الانشقاق) - تفسير الحداد المطبوع خطأ باسم التفسير الكبير للطبراني - جـ ٦

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمّد صلى الله عليه وسلم

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذّاريات

- ‌سورة الطّور

- ‌سورة النّجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصّفّ

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التّغابن

- ‌سورة الطّلاق

- ‌سورة التّحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة ن (القلم)

- ‌سورة الحاقّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجنّ

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثّر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الدّهر

- ‌سورة والمرسلات

- ‌سورة النّبأ

- ‌سورة النّازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة انشقّت (الانشقاق)

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطّارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشّمس

- ‌سورة اللّيل

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌سورة والتّين

- ‌سورة العلق

- ‌سورة (القدر)

- ‌سورة لم يكن

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التّكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة (الكافرون)

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة تبّت (المسد)

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

الفصل: ‌سورة انشقت (الانشقاق)

‌سورة انشقّت (الانشقاق)

سورة الانشقاق مكّيّة، وهي أربعمائة وثلاثون حرفا، ومائة وتسع كلمات، وخمس وعشرون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأ سورة {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} أعاذه الله أن يعطيه كتابه من وراء ظهره]

(1)

.

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ} (1)؛وذلك أنّ أبا سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ وكان مسلما، جادل أخاه الأسود بن عبد الأسد في الإسلام، وكان الأسود كافرا، فأخبره أبو سلمة بالبعث، فقال له الأسود: ويحك! أترى أنّي مصدّق أإذا كنّا ترابا وعظاما أنبعث؟ فأين السّماء والأرض يومئذ؟ وما حال النّاس؟ فأنزل الله هذه السّورة

(2)

.

ومعناها: واذكر إذا السّماء انشقّت لنزول الملائكة وهيبة الرّحمن، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} (2)؛أي سمعت وأطاعت لأمر ربها بالانشقاق، وحقّ لها أن تطيع ربّها. يقال: أذنت للشّيء إذا سمعت، وأذنته إذا سمعته.

قوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} (3)؛أي بسطت بسط الأديم العكاظيّ، فجعلت كالصّحيفة الملساء، لا يبقى جبل ولا بناء ولا شجر إلاّ دخلت فيها،

{وَأَلْقَتْ؛} الأرض، {ما فِيها؛} من الأموات، {وَتَخَلَّتْ} (4)؛عن ذلك كما كانت من قبل،

{وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} (5)؛أي سمعت وانقادت لأمر ربها، وحقّ لها أن تسمع وتطيع.

(1)

رواه الثعلبي عن أبي رضي الله عنه بإسناد ضعيف.

(2)

ذكره مقاتل في التفسير: ج 3 ص 464.وابن عطية في المحرر الوجيز: ص 1961.

ص: 465

وجواب (إذا) في هذه السّورة محذوف؛ تقديره: رأى الإنسان عند ذلك ما قدّم من خير أو شرّ، وقيل: جوابه: فملاقيه، والمعنى: إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان كدحه وهو عمله. وقيل: جوابه: {(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً)} ؛ تقديره: إذا السّماء انشقّت لقي كلّ كادح ما عمله.

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} (6)، اختلفوا في الخطاب لمن هو، فروى عبد الله بن عمران: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ثمّ قال: [أنا ذلك الإنسان، أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، فأجلس جالسا في قبري، ثمّ يفتح لي باب إلى السّماء بحيال رأسي حتّى أنظر إلى عرش ربي، ثمّ يفتح لي باب إلى الأرض السّفلى حتّى أنظر إلى الثّور والثّرى، ثمّ يفتح لي باب عن يميني حتّى أنظر إلى الجنّة وإلى منازل أصحابي، وأنّ الأرض تتحرّك تحتي فأقول لها: ما لك أيّتها الأرض؟ فتقول: إنّ ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي وأن أتخلّى، فأكون كما كنت إذ لا شيء فيّ]

(1)

.

والمعنى على هذا القول: إنّك عامل لربك عملا فملاقي ربّك ترجع إليه فيجازيك. وقال بعضهم: الخطاب للمكذّب بالبعث، وهو أبيّ بن خلف الجمحيّ، والمعنى: إنّك عامل عملا في كفرك، فتردّ إلى ربك في الآخرة، فتلقى جزاء عملك.

والظاهر: أنّ الخطاب لجميع الناس. والكدح في اللّغة هو السّعي الدّءوب في العمل في الدنيا والآخرة، قال الشاعر

(2)

:

فما الدّهر إلاّ تارتان فمنهما

أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

والمعنى: أيّها الإنسان سترى جزاء ما عملت من خير أو شرّ، فانظر اليوم ماذا تعمل وفيم تتعب نفسك، فلا تعمل إلاّ لله حتى تستريح من الكدح.

(1)

في الدر المنثور: ج 8 ص 456 عزاه السيوطي إلى أبي القاسم الختلي في الديباج عن ابن عمر، وذكره مختصرا.

(2)

ذكره الزجاج في معاني القرآن: وإعرابه: ج 5 ص 235،وهو ت ميم بن أبي بن مقبل (70 ق. هـ-37 هـ).

ص: 466

قوله تعالى: {فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً} (8) أي من أعطي ديوان عمله بيمينه، فسوف يحاسب حسابا هيّنا.

والحساب الهيّن: هو أن يعرف جزاء عمله، وما له من الثواب، وما يحطّ عنه من الوزر، وخرج ما عليه من المظالم،

{وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ،} أي فينقلب إلى أهله من الحور العين وأقربائه من المؤمنين، {مَسْرُوراً} (9)؛بهم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله أيحاسب المؤمن؟ قال: [يا عائشة من حوسب عذّب] قالت: قلت: يا رسول الله {(فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً)} ،قال:[يا عائشة ليس ذلك الحساب، إنّما ذلك العرض، من نوقش الحساب عذّب]

(1)

.

قوله تعالى: {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ} (10)؛يعني الكافر تكون يمينه مغلولة إلى عنقه، وتلوى يده اليسرى من ورائه، فيدفع إليه كتابه من ورائه، فإذا رأى إلى ما فيه من سيّئاته،

{فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً} (11) دعا بالويل والثّبور على نفسه: وا ويلاه؛ وا ثبوراه. والثّبور: الهلاك.

وقوله تعالى: {وَيَصْلى سَعِيراً} (12)؛ أي يدخل نارا موقدة، قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائيّ «(ويصلّى)» بضمّ الياء وتشديد اللام على وجه المبالغة؛ أي يكثر عذابه في الآخرة.

قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} (13)؛أي كان مسرورا في أهله في الدنيا بمعاصي الله، وكان لا يحزنه خوف القيامة، وكان يمنعه السّرور في أهله عن إقامة فرائض الله.

قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} (14)؛معناه: إنه ظنّ في الدّنيا أن لا يرجع إلى الله في الآخرة، فلذلك كان يركب المآثم، والمعنى: أنه ظنّ أن لن يرجع إلى الله تعالى.

وقوله تعالى: {بَلى؛} أي ليس كما ظنّ، بل يحور إلينا ويبعث؛ أي بلى ليرجعنّ إلى ربه بعد البعث، {إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً} (15)؛أي عالما به قبل أن يخلقه بأنّ مرجعه ومصيره إليه. والحور في اللغة: هو الرجوع.

(1)

أخرجه الطبري باسانيد في جامع البيان: الحديث (28459).

ص: 467

قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} (16)؛أي أقسم برب الشّفق، و (لا) هاهنا زائدة. والشّفق عند أكثر أهل العلم: الحمرة التي ترى بعد سقوط الشّمس، وعند أبي حنيفة هو البياض. والشّفق في الأصل هو الرّقّة، ومنه شفيق إذا كان رقيقا، ومنه الشّفقة لرقّة القلب، فإذا كان هكذا فالبياض منه أولى من الحمرة؛ لأنّ البياض أرقّ من الحمرة، والحمرة أكثف من البياض.

قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ} (17)؛معناه: والليل وما جمع وردّ إلى مأمنه ومبيته من كان منتشرا في النهار، يقال: طعام موسوق؛ أي مجموع في الغرائر، والوسق من الطعام: ستّون صاعا، قال عكرمة:«معناه: واللّيل وما جمع فيه من دوابه وعقاربه وحيّاته وظلمته» .

قوله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} (18)؛أي إذا اجتمع ضوؤه، وتكامل واستدار في الليالي البيض، يقال: اتّسقت الأمور إذا تكاملت واستوت.

قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} (19)؛جواب القسم، وهو خطاب لكلّ الناس

(1)

اذا قرئت بضمّ الباء على الجمع، والمعنى: أيّها الناس لتركبنّ يوم القيامة حالا بعد حال، وشدّة بعد شدة، تقول العرب: وقع في بنات طبق، تريد الدّواهي العظام.

ويقال: أراد بالآية تغيّر الأحوال من حال النّطفة إلى حال العلقة، ومن العلقة الى المضغة، ومن المضغة إلى الصّغر، ومن الصّغر إلى الشّباب، ومن الشّباب إلى الكهولة، ومن الكهولة إلى الكبر، ومن الكبر إلى الموت، ومن الموت الى البعث، ومن البعث الى الحساب، ومن الحساب الى الصّراط، ومن الصّراط الى موضع الجزاء، إمّا إلى الجنّة أو إلى النار.

وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «(لتركبنّ)» بفتح الباء، وهي قراءة عمر بن الخطّاب وابن مسعود وابن عبّاس قال:«يعني: يا محمّد لتركبنّ طبقا عن طبق؛ أي سماء بعد سماء، ودرجة بعد درجة، ورتبة بعد رتبة» .

(1)

في المخطوط: (لكل الناس لجميع الناس).

ص: 468

وقوله تعالى: {فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (20)؛أي ما لهؤلاء المشركين لا يؤمنون بهذا القرآن، وبما جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم من عند الله بعد ظهور الحجج والأدلّة،

{وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} (21)؛أي يصلّون لله، ولا يخضعون

{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} (22)،وهذا بيان وجوب سجدة التّلاوة؛ لأنه ذمّهم على تركها عند السّماع. وظاهر الآية يقتضي وجوب السّجدة عند سماع سائر القرآن، خصّصنا ما عدا مواضع السّجود بالإجماع، فاستعملنا في مواضع السّجود، إذ لو لم يفعل ذلك لألغينا حكم الآية رأسا.

قوله تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ} (23)؛أي بما يضمرون في قلوبهم، والإيعاء: جعل الشّيء في الوعاء، والقلوب أوعية لما يحصل فيها من معرفة أو جهالة أو عزيمة أو خير أو شرّ.

قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} (24)؛أي أخبرهم بعذاب وجيع، مكان البشارة للمؤمنين بالنّعيم المقيم،

{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (25)؛أي لكن المؤمنين المطيعين لهم ثواب لا يكدّر عليهم بالمنّ، ويقال:{(غَيْرُ مَمْنُونٍ)} أي لا ينقص على مرّ الدّهور، ويقال: غير مقطوع ولا منقوص.

آخر تفسير سورة (الانشقاق) والحمد لله رب العالمين

ص: 469