الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الفجر
سورة الفجر مكّيّة، وهي خمسمائة وتسعة وتسعون حرفا، ومائة وتسع وثلاثون كلمة، وثلاثون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها كانت له نورا يوم القيامة، ومن قرأها في اللّيالي العشر غفر الله له]
(1)
.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ} (2)؛أقسم الله برب الفجر، والفجر: هو الصّبح الذي يطلع في آخر الليل، وهو دلالة على نعم الله تعالى وعلى توحيده، وفي ذكره حثّ على الشّكر، وترغيب في إقامة صلاة الفجر. وقوله تعالى:
{(وَلَيالٍ عَشْرٍ)} هنّ عشر ذي الحجّة، شرّفها الله تعالى، لتسارع الناس فيها إلى الخيرات والطاعات. وعن ابن عبّاس:«يعني العشر الأواخر من شهر رمضان»
(2)
.وقيل:
العشر الأوّل من المحرّم.
قوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (3)؛الشّفع: هو يوم النّحر، يشفع بما قبله من الأيام من الشّهر. والوتر: يوم عرفة أوتر بما قبله من أيّام الشهر. وعن الحسن وقتادة: «أنّ هذا قسم بالخلق كلّهم، فإنّهم شفع ووتر» .وقال مقاتل: «الشّفع آدم وحوّاء، والوتر هو الله تعالى»
(3)
.وقال مجاهد ومسروق: «هو الخلق كلّه»
(4)
،قال الله تعالى:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ}
(5)
الكفر والإيمان؛ والشّقاوة والسعادة؛
(1)
رواه الثعلبي عن أبي بإسناد ضعيف.
(2)
ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 39.
(3)
في التفسير: ج 13 ص 481.
(4)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28737).
(5)
الذاريات 49/.
والسعادة؛ والهدى والضّلال؛ والليل والنهار؛ والسماء والأرض؛ والبرّ والبحر؛ والشّمس والقمر؛ والجنّ والإنس. والوتر هو الله عز وجل الواحد الأحد الفرد.
وقيل: الشفع: صلاة الفجر، والوتر: صلاة المغرب. وقيل: الشفع: درجات الجنّات؛ لأنّها ثمان، والوتر: دركات النار؛ لأنّها سبع، كأنه أقسم بالجنّة والنار. وقيل:
الشفع: صفات المخلوقين من العزّ والذّل؛ والقدرة والعجز؛ والقوّة والضعف؛ والعلم والجهل؛ والبصر والعمى، والوتر: انفراد صفات الله تعالى؛ عزّ بلا ذلّ؛ وقدرة بلا عجز؛ وقوّة بلا ضعف؛ وعلم بلا جهل؛ وحياة بلا موت.
قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلف «(والوتر)» بكسر الواو، واختاره أبو عبيد
(1)
؛لأنه أكثر في الكلام وأنشأ، ومنه وتر الصلاة، ولم يسمع شيء من الكلام، الوتر بالفتح، وقرأ الباقون بالفتح وهي لغة أهل الحجاز.
قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ} (4)؛قسم برب الليل إذا يسر بمضيّه وانقضائه إلى طلوع الفجر. ويقال: إنه أقسم بليلة المزدلفة اذ أسري فيها، وعلى هذا قال بعضهم: إن المراد بالفجر يوم عرفة.
ووجه حذف الياء من (يسر) أنّها رأس آية، ورءوس الآي كالفواصل من العشر. قرأ نافع وأبو عمرو بالياء في الوصل، وقرأ ابن عامر وعاصم بحذفها وصلا ووقفا، وقرأ ابن كثير ويعقوب بالياء في الحالتين
(2)
.
قوله تعالى: {هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} (5)؛لفظه لفظ استفهام بمعنى التّقرير، يقول: بعد هذا الذي عقل قسم، والحجر: هو العقل، وجواب القسم {(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)} .
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ} (6)؛ألم تعلم كيف صنع ربّك بعاد وكيف أهلكهم،
{إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ} (7)،وأما إرم فهو صفة
(1)
نقله النحاس في إعراب القرآن: ج 5 ص 135.
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج: ج 5 ص 345.وإعراب القرآن للنحاس: ج 5 ص 136.
لعاد، وهي عادان: عاد الأولى وهي إرم، وعاد الآخرة. ولم يصرف إرم؛ لأنّها اسم للقبيلة، وكان إرم أبا عادين
(1)
فنسبوا إلى أبيهم
(2)
.وقيل: إن إرم كانت قبيلة من عاد وكان فيهم الملك،
{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ} (8).
قوله تعالى: {(ذاتِ الْعِمادِ)} أي القامات الطّوال والقوى الشدائد، يقال رجل معمد ورجل عمدان إذا كان طويلا قويّا، قال ابن عباس:«كانت قامة الرّجل منهم أربعمائة ذراع، لم يخلق مثلهم في زمانهم قوّة وخلقا»
(3)
.ويقال: إنه اسم مدينة ذات العماد والذهب والفضّة، بناها شدّاد بن عاد. والقول الأول أقرب إلى ظاهر الآية؛ لأنّ الغرض بهذه الآية زجر الكفّار، وكان الله بيّن بإهلاكهم مع قوّتهم أنه على إهلاك هؤلاء الكفار أقدر.
وقصّة مدينة إرم ذات العماد ما روى وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة: أنه خرج في طلب إبل له شردت. فبينما هو في صحارى عدن، إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات، عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال.
فلما دنا منها ظنّ أن فيها أحدا يسأله عن إبله، فلم ير خارجا ولا داخلا، فنزل عن دابّته وعقلها، وسلّ سيفه ودخل من باب الحصن، فلما خلف الحصن وراءه إذ هو ببابين عظيمين وخشبهما من أطيب عود، والبابان مرصّعان بالياقوت الأبيض والأحمر، ففتح أحدهما فإذا هو بمدينة فيها قصور، كلّ قصر تحته أعمدة من زبرجد وياقوت، وفوق كلّ قصر منها غرف، وفوق الغرف غرف مبنيّة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت، ومصاريع تلك الغرف من أطيب عود مرصّعة بالياقوت الأبيض والأحمر، والغرف مفروشة كلّها باللؤلؤ والمسك والزعفران.
(1)
في المخطوط: (عادان).
(2)
في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 45؛ قال القرطبي: (وقال معمر: إرم: إليه مجمع عاد وثمود، وكان يقال: عاد إرام، وعاد ثمود).
(3)
في أحكام القرآن: ج 4 ص 1930؛ قال ابن العربي: (وهو باطل؛ لأن في الصحيح أن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في الهواء، فلم يزل الخلق ينقص إلى الآن).وينظر: البداية والنهاية لابن كثير: باب خلق آدم: ج 1 ص 87، ط دار إحياء التراث العربي.
ثم نظر في الأزقّة فإذا في كلّ زقاق شجر مثمر، وتحت الأشجار أنهار مطّردة ماؤها في مجاري من فضّة. فقال الرجل: هذه هي الجنّة التي وصفها الله تعالى في كتابه، فحمل معه من لؤلؤها ومسكها وزعفرانها، ورجع إلى اليمن وأعلم الناس بأمره.
فبلغ معاوية فأحضره وسأل كعب الأحبار: هل في الدّنيا مدينة من ذهب وفضّة؟ قال: نعم، قال: أخبرني من بناها؟ قال: بناها شدّاد بن عاد، واسم المدينة إرم ذات العماد، وهي التي لم يخلق مثلها في البلاد. قال معاوية: فحدّثني بحديثها.
قال: يا معاوية إنّ رجلا من عاد الأولى كان له ابنان: شدّاد وشديد، كان قد قهر البلاد وأخذها عنوة، وليس هو من قوم هود، وإنما عاد هو من ذريّته، فأقام شدّاد وشديد ما شاء الله أن يقيما، ثم مات شديد وبقي شدّاد، فملك وحده وتدانت له ملوك الأرض، وكان ولعا بقراءة الكتب.
فلمّا مرّ فيها بذكر الجنّة، دعته نفسه إلى بناء مثلها عتوّا على الله تعالى، فأمر ببناء هذه المدينة المذكورة، فأمّر على صنعتها مائة أمير، مع كل أمير ألف من الأعوان، وكتب إلى كلّ ملك في الدنيا أن يجمع له ما في بلاده من الجواهر، وكانت تحت يده مائتان وستّون ملكا.
قال معاوية: كم أقام في مدّة بنائها؟ قال: أقاموا ثلاثمائة سنة في بنائها وعمارتها. قال: فكم كان عمر شدّاد؟ قال: سبعمائة سنة، وإنما سمّاها الله ذات العماد؛ لأجل الأعمدة التي تحتها من الزبرجد والياقوت.
قال كعب: فلما فرغوا من بنائها أعلموا شدّادا بذلك فقال لهم: انطلقوا واجعلوا فيها حصنا واجعلوا حوله ألف قصر، عند كلّ قصر ألف علم حتى أجعل في كلّ قصر وزيرا من وزرائي. فرجعوا فعملوا تلك القصور والأعلام والحصون، ثم أتوه فأخبروه بفراغ ذلك، فأمر الوزراء أن يتهيّئوا بالنقلة إليها، وأمر جنده ونساءه وخدمه أن يتجهّزوا، فأقاموا في جهازهم عشر سنين.
ثم سار الملك بجيش لا يحصي عددهم إلاّ الله، فلما صار إليها، ليسكنها وبلغ إلى أن صار بينه وبينها مسيرة يوم وليلة، بعث الله عليهم جميعا هو وجنوده ووزراؤه
صيحة عظيمة من السّماء فهلكوا ولم يبق منهم أحد، ولم يدخل شدّاد ولا أحد من قومه تلك المدينة، ولم يقدر أحد على دخولها إلى يوم القيامة، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ولا يبلغها أحد غيره أبدا.
قال معاوية: فهل تقدر أن تصفه يا أبا إسحاق؟ قال: نعم؛ هو رجل أحمر قصير، على حاجبه خال وعلى عنقه خال، يخرج في طلب إبل له فيقع على تلك المدينة، فيدخلها ويحمل شيئا مما فيها، وكان الرجل حينئذ مختفيا عند معاوية، فقام ليذهب، فالتفت كعب التفاتة فرآه، فقال: هو هذا يا أمير المؤمنين. فقال له معاوية:
لقد فضّلك الله يا كعب على غيرك من العلماء. فقال: يا أمير المؤمنين ما خلق الله شيئا في الدّنيا إلاّ وقد فسّره في التّوراة لعبده موسى عليه السلام
(1)
.
قوله تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ} (9)؛معناه: ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب ذات العماد، {(وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ)} وهم قوم صالح، كانوا يقطعون الصخر، وينحتون من الجبال بيوتا آمنين بقرب المدينة التي كانوا نازلين فيها، ومعنى قوله (بالواد) القرى. قال أهل التفسير: أوّل من جاب الصّخر؛ أي قطع الصّخور، ونحت الجبال والرّخام ثمود.
قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ} (10)؛عطفا على ثمود. واختلفوا في معنى {(ذِي الْأَوْتادِ)} قال بعضهم: معناه: ذو الجنود والجموع. وقال بعضهم: ذو الملك الثابت، وجنوده الذين كانوا يشدّون أمره، سموا أوتادا؛ لأنّ قوامه بهم.
ويقال: معناه: أنه كان إذا غضب على أحد مدّه على الأرض، ووتّد على رجليه ويديه ورأسه على الأرض بأربعة أوتاد حتى يموت ممدّا
(2)
كما فعل بأمر امرأته آسية
(3)
.
(1)
لا أظن إلا أن هذه القصة مختلقة من نسج خيال القصّاص وأوهام خيالاتهم، بل ربما لتنفث فكرة القدرية الغيبية في أذهان عامة المسلمين، وكنت أرجو أن يترفّع أهل التفسير عن ذكر مثل هذه الإسرائيليات التي أفسدت أذهان عامة المسلمين وأضعفت الفهم للاسلام في عقولهم.
(2)
في المخطوط: (مدبا).
(3)
أخرج الطبري في جامع البيان: الأثر (28783): (عن أبي رافع قال: أوتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت).
قوله تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ} (12)؛ الذين أفرطوا في الظّلم والفساد والكفر والقتل بغير حقّ،
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ} (13)؛أي صبّ عليهم لونا من العذاب. وقيل: وجع عذاب.
وقيل: هذا على الاستعارة؛ لأن السّوط عند العرب غاية العذاب، يقال ساطه يسوطه سوطا؛ إذا خلطه، والسّوط مما يخلط الدم واللحم
(1)
.
قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} (14)؛أي بحيث يرى ويسمع، وقال مقاتل:«يجعل رصدا من الملائكة يرصد النّاس على الصّراط معهم الكلاليب» .وقال الضحاك: «بمرصد لأهل الظّلم والمعصية»
(2)
.وقال عطاء:
«معناه: إنّ ربّك لا يفوته أحد، وإنّه لا محيص عنه، وهو عالم بهم وإليه المصير» .
قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ؛} معناه:
فأمّا الإنسان الذي لا يعرف نعمة عليه عند سعة الرزق وتضييقه، {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} (15)؛فيقول عند السّعة: ربي أكرمني بالمال والسّعة،
{وَأَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ} (16)؛ويقول عند ضيق الرّزق عليه إذا كان رزقه على مقدار البلغة: ربي أهانني بالفقر، وضيق المعيشة، وأذلّني بذلك، ولم يشكر الله على ما أعطاه من سلامة الجوارح.
قوله تعالى: {كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} (17)؛أي حاشا أن يكون إكرام الله لعباده مقصورا على توسعة النّعم عليه، وأن تكون إهانة الله لعباده مقصورة على تضييق الرزق عليهم، بل يوسّع الله تعالى النّعم على من يشاء على ما تقتضيه الحكمة. قال الحسن:«أكذبهم جميعا؛ يقول: ما بالغنى أكرمت، ولا بالفقر أهنت» .
(1)
يريد أن الجلد بالسياط يخلط الدم واللحم في بدن المعذّب؛ حين يضرب؛ يقولون: ضرب فلان بالسّياط، وهو ما تسبب في ظهور الازرقاق في الجلد بعد حين بسبب اختلاط الدم باللحم تحت الجلد: جامع البيان: التأويل في الأثر (28787) وما بعده.
(2)
أخرجه بمعناه الطبري في جامع البيان: الأثر (28790).
وقوله {(كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)} معناه: لا يعرفون حقّ اليتيم بالعطيّة والصدقة، ولا يحفظون ماله عليه، وفي هذا بيان أنّ إهانة الله إنما تكون بالمعصية لا بما توهّم الكافر. وروي أنّ هذه الآيات نزلت في أميّة بن خلف، كان في حجره يتيم كان لا يحسن إليه ولا يعرف حقّه.
ومعنى (كلاّ) ردّ عليه؛ أي لم أبتليه بالغنى لكرامته عليّ، ولم أبتليه بالفقر لهوانه عليّ، والفقر والغنى من تقديري وقضائي، فلا أكرم
(1)
من أكرمته بالغنى، ولا أهين من أهنته بالفقر، ولكني أكرم من أكرمته بطاعتي، وأهين من أهنته بمعصيتي. قيل:
معناه: أهنت من أهنت من أجل أنه لم يكرم اليتيم، قال صلى الله عليه وسلم:[أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة]
(2)
.وقال: [كافل اليتيم كالصّائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر]
(3)
،و [من مسح على رأس يتيم تعطّفا عليه، كتب الله له بكلّ شعرة مرّت عليها يده عشر حسنات]
(4)
.وقال عيسى عليه السلام: «الفقر مشقّة في الدّنيا مسرّة في الآخرة، والغنى مسرّة في الدّنيا مشقّة في الآخرة» .
قرأ ابن عامر «(فقدّر عليه رزقه)» بتشديد الدال، وهما لغتان، وكان أبو عمرو يقول:«قدر بمعنى قتّر، وقدّر هو أن يعطيه ما يكفيه»
(5)
.
(1)
في المخطوط: (فلا أكره) وهو غير مناسب. وأثبتناه كما في تفسير الثعلبي: ج 10 ص 201.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: ج 6 ص 173:الحديث (5905).والإمام أحمد في المسند: ج 5 ص 333.والبخاري في الصحيح: كتاب الطلاق: باب اللعان: الحديث (5304)،وفي كتاب الأدب: باب فضل من يعول يتيما: الحديث (6005).
(3)
في مجمع الزوائد: باب ما جاء في الأيتام: ج 8 ص 160؛قال الهيثمي: (عن عائشة
…
رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات).وأخرجه الطبراني في الأوسط: الحديث (4779).
(4)
في مجمع الزوائد: ج 8 ص 160؛قال الهيثمي: (عن أبي أمامة
…
رواه أحمد والطبراني وفيه علي ابن يزيد الألهاني وهو ضعيف).وأخرجه الإمام أحمد في المسند: ج 5 ص 250 و 256. والطبراني في الكبير: ج 8 ص 202:الحديث (7821).
(5)
في المخطوط: (وكان ابن عمر يقول
…
) والصحيح كما أثبتناه؛ قال الطبري: (وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول
…
) وذكره. ينظر: جامع البيان: مج 15 ج 30 ص 228.
قوله تعالى: {وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ} (18)؛أي لا يحثّون الناس على الصّدقة على المساكين، قال عمران بن الحصين:[ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا إلاّ وحثّ على الصّدقة ونهى عن المسألة]
(1)
.
واختلف القرّاء في هذه الآية، فقرأ أبو عمرو
(2)
«(يكرمون)» وما بعده بالياء كلها، وقرأ الباقون بالتاء، وقرأ أهل الكوفة «(تحاضّون)» بالألف وفتح التاء؛ أي يحضّ بعضهم على ذلك والتّحاضّ: الحثّ، وروي عن الكسائي «(تحاضّون)» بضم التاء.
قوله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا} (19)؛أي تأكلون الميراث أكلا شديدا؛ أي تلمّون بجميعه من قولهم: لممت ما على الخوان؛ إذا أكلته أجمع، قال الحسن: (هو أن يأكل الرّجل نصيب نفسه ونصيب صاحبه من الميراث»
(3)
،ويقال: أراد أكل ميراث اليتيم بغير حقّ؛ لأنه هو الذي سبق ذكره، ويقال: المراد أن يصرف ما ورثه من نصيب نفسه إلى الباطل.
وفائدة تخصيص الميراث التّنبيه به على حكم غيره؛ لأنه إذا منع عن الأكل
(4)
أحلّ أمواله بالباطل، ففي أكل غير ذلك أولى، ويقال معنى (أكلا لمّا) أي يأكل نصيبه ونصيب غيره، قال بكر بن عبد الله:«اللّمّ: الاعتداء في الميراث، يأكل ميراثه وميراث غيره»
(5)
.
(6)
.
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: ج 8 ص 378:الحديث (7765)؛عن الحسن قال: قال سمرة بن جندب، وقال الطبراني:(ولم يرو هذا الحديث عن يزيد بن إبراهيم إلا بهز بن أسد، تفرد به الرّبالي).
(2)
في المخطوط: (ابن عمر).
(3)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28801).
(4)
في المخطوط: (الكل).
(5)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28807).
(6)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28805).وابن أبي حاتم في التفسير: الرقم (19279).
وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من قطع ميراثا فرضه الله، قطع الله ميراثه من الجنّة]
(1)
.
قوله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا} (20)؛أي حبّا كثيرا شديدا، لا تنفقونه في سبيل الله، تحرصون عليه في الدّنيا، وتعدلون عن أمر الآخرة.
قوله تعالى: {كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} (21)؛معناه: كلاّ ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر، فلا تفعلوا ذلك، وانزجروا عنه وارتدعوا، و (كلاّ) كلمة ردع وزجر، ثم أوعدهم فقال تعالى {(إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ)} أي ستذكرون وتندمون إذا زلزلت الأرض، قصرت بعضها ببعض حتى استوت الأرض، وصارت كالصّخرة الملساء، وتكسّر كلّ شيء على ظهرها.
قوله تعالى: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (22)؛أي وجاء أمر ربك بالمجازاة والمحاسبة، والملائكة صفوف صفّا بعد صفّ عند حساب الناس، يشاهدون ما يجري عليهم، ويقال: إن الملائكة يصفون صفّا واحدا حول الجنّ والإنس يحيطون بهم.
قوله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ؛} جاء في التفسير: أنّها تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، على كلّ زمام سبعين ألف ملك، لها تغيّظ وزفير، ويكشف عنها غطاؤها حتى يراها العباد، قال الله تعالى:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى}
(2)
.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ؛} أي يتحسّر ويندم على ما فاته لمّا رأى النار والعذاب، {وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى} (23)؛أي ومن أين له في ذلك الوقت توبة تنفعه، أو عظة تنجيه.
قوله تعالى: {يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي} (24)؛أي يا ليتني عملت في حياتي الفانية لحياتي الباقية،
{فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ}
(1)
لم أقف عليه.
(2)
النازعات 36/.
{أَحَدٌ} (26)؛قراءة العامّة بكسر الذال، و «(يوثق)» بكسر الثاء، معناه: لا يعذّب كعذاب الله أحد، ولا يوثق كوثاقه أحد.
وقرأ الكسائي ويعقوب بفتح الذال والثاء، ومعناه: لا يعذب عذاب الكفار الذي لم يقدّموا لحياتهم أحد، ولا يوثق مثل وثاقه أحد. قيل: إن هذا الإنسان المعذّب أمية بن خلف الجمحيّ.
قوله تعالى: {يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (27)،المراد بها نفس المؤمن، يقول لها الملائكة عند قبضها، وإذا أعطيت كتابها بيمينها التي أيقنت بأنّ الله ربّها، وعرفت توحيدها خالقها فاطمأنّت بالإيمان وعملت للآخرة، وصدّقت بثواب الله،
{اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (30)؛ارجعي إلى ما أعدّ الله لك من نعيم الجنة، راضية عن الله بالثواب، مرضيّة عنده بالإيمان والعمل الصالح، فادخلي في جملة عبادي الصالحين، وادخلي جنّتي التي أعدّت لك.
وقال مجاهد: «معناه: يا أيّتها النّفس المنيبة الّتي أيقنت أنّ الله خالقها، المطمئنّة إلى ما وعد الله، المصدّقة بما قال، الرّاضية بقضاء الله الّذي قد علمت بأنّ ما أصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها)
(1)
.وقيل: معناه: المطمئنّة بذكر الله المتوكّلة على الله، الواثقة بما ضمن لها من الرّزق.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: [إذا توفّي العبد المؤمن أرسل الله ملكين معهما تحفة من الجنّة، فيقال لنفسه: أيّتها النّفس المطمئنّة، أخرجي إلى روح وريحان، وربّ عنك راض. فتخرج كأطيب ريح المسك. فتشيّعها الملائكة في السّماء، فيقولون: قد جاء من الأرض روح طيّبة، فلا تمرّ بباب إلاّ فتح لها، ولا بملك إلاّ صلّى عليها، وتقول الملائكة: ربّنا هذا عبدك فلان، كان يعبدك ولا يشرك بك شيئا. فيقول الله: يا ميكائيل اذهب بهذه النّفس، فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتّى أسألك عنها يوم القيامة.
(1)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الآثار (28833).
ثمّ يأمر بأن يوسّع عليه في قبره سبعين ذراعا عرضه، وسبعين ذراعا طوله، ويجعل له فيه نورا كالشّمس، وكان كالعروس ينام فلا يوقظه إلاّ أحبّ أهله إليه، فيقوم من نومه كأنّه لم يشبع منه]
(1)
.
وعن جعفر عن سعيد قال: قرأ رجل عند رسول الله {(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً)} ،فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أحسن هذا يا رسول الله؟ فقال: [يا أبا بكر إنّ الملك سيقوله لك]
(2)
.
آخر تفسير سورة (الفجر) والحمد لله رب العالمين
(1)
أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 203 - 204 مع اختلاف في بعض ألفاظه. وذكره القرطبي مختصرا في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 58.
(2)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (28835).ونسبه السيوطي في الدر المنثور: ج 8 ص 513 إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن سعيد ابن جبير. وذكره المتقي الهندي في كنز العمال: الحديث (35591) عن أبي بكر رضي الله عنه وفيه: [سيقولها لك عند الموت].