المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الغاشية سورة الغاشية مكّيّة، وهي ثلاثمائة وإحدى وثمانون حرفا، واثنتان - تفسير الحداد المطبوع خطأ باسم التفسير الكبير للطبراني - جـ ٦

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمّد صلى الله عليه وسلم

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذّاريات

- ‌سورة الطّور

- ‌سورة النّجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصّفّ

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التّغابن

- ‌سورة الطّلاق

- ‌سورة التّحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة ن (القلم)

- ‌سورة الحاقّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجنّ

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثّر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الدّهر

- ‌سورة والمرسلات

- ‌سورة النّبأ

- ‌سورة النّازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة انشقّت (الانشقاق)

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطّارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشّمس

- ‌سورة اللّيل

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌سورة والتّين

- ‌سورة العلق

- ‌سورة (القدر)

- ‌سورة لم يكن

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التّكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة (الكافرون)

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة تبّت (المسد)

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

الفصل: ‌ ‌سورة الغاشية سورة الغاشية مكّيّة، وهي ثلاثمائة وإحدى وثمانون حرفا، واثنتان

‌سورة الغاشية

سورة الغاشية مكّيّة، وهي ثلاثمائة وإحدى وثمانون حرفا، واثنتان وتسعون كلمة، وستّ وعشرون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها حاسبه الله حسابا يسيرا]

(1)

.

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ} (1)؛أي قد أتاك حديث الغاشية، يعني القيامة تغشى كلّ شيء بالأهوال؛ لأنّها داهية تغشى جميع الناس، وقال سعيد بن جبير:«أراد بالغاشية نار جهنّم تعمّ أهلها من جميع الجوانب، وتغشى وجوههم النّار»

(2)

.

قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ} (2)،أي وجوه يوم القيامة خاشعة ذليلة، وهي وجوه الكفرة والمنافقين في الآخرة،

{عامِلَةٌ،} أي تجرّ في النار على وجوهها، {ناصِبَةٌ} (3)؛أي في تعب وعناء ومشقّة وبلاء من مقاسات العذاب، قال الحسن:«لم تخشع لله في الدّنيا ولم تعمل له، فأخشعها في الآخرة وأعملها وأنصبها بمعالجة الأغلال والسّلاسل»

(3)

.وقال قتادة: «تكبّرت في الدّنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النّار»

(4)

.وقال الضحّاك: «يكلّفون ارتقاء جبل من حديد في النّار» .

(1)

رواه الثعلبي في تفسيره عن أبي بن كعب بإسناد واه.

(2)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28667) مختصرا.

(3)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28671) بمعناه.

(4)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28672).

ص: 485

والنّصب: الدّأب في العمل، وقال عكرمة والسديّ:«عاملة في الدّنيا بمعاصي الله، ناصبة في النّار يوم القيامة»

(1)

.وقال سعيد بن جبير: «هم الرّهبان أصحاب الصّوامع الّذين يتعبون وينصبون في العبادة، ثمّ لا يخلصون في الآخرة من ذلك على شيء لوقوع ذلك على غير موافقة العلم» .ويقال: هم الخوارج. ويقال:

المراد به كلّ من عمل عملا، وخلط بعمله ما يبطله من ربا أو شرك أو عجب.

قوله تعالى: {تَصْلى ناراً حامِيَةً} (4)؛أي تلزم نارا قد انتهى حرّها، قال ابن مسعود:«يخوض في النّار كما تخوض الإبل في الوحل» .

قرأ العامّة «(تصلى)» بفتح التاء، وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر بضمّها اعتبارا بقوله:

{تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} (5)؛أي من عين متناهية في الحرّ، قال الحسن:«قد انتهى طبخها منذ خلق الله السّماوات والأرض إلى تلك السّاعة» .

قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ} (6)؛قال مجاهد وعكرمة وقتادة: «وهو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، تسمّيه قريش الشّبرق حين يكون رطبا، فإذا يبس فهو الضّريع»

(2)

يصير عند اليبس كأظفار الهرّة سمّا، لا تقربه دابّة وإنّما تأكله الإبل في الرّبيع من فوقه

(3)

.وقال ابن زيد: «أمّا في الدّنيا فإنّ الضّريع الشّوك اليابس، وأمّا في الآخرة فهو شوك في النّار»

(4)

.

وقال الكلبيّ: «الضّريع لا تقربه دابّة، إذا يبس لا يرعاه شيء» .وقال عطاء:

«هو شيء يطرحه البحر المالح تسمّيه أهل اليمن الضّريع» .وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

في الدر المنثور: ج 8 ص 491؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة).وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: الأثر (19254).

(2)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28684) عن مجاهد، و (28683) عن عكرمة، و (28685) عن قتادة.

(3)

هكذا رسمها الناسخ، وهي أقرب إلى (فرقه)،ويكون المعنى: أي من خوف الجوع أو من شدة الجوع. والله أعلم.

(4)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (98690).

ص: 486

قال: [الضّريع شيء يكون في النّار يشبه الشّوك أمرّ من الصّبر، وأنتن من الجيفة، وأشدّ حرّا من النّار، سمّاه الله ضريعا]

(1)

.

وقيل: إنّ الله يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل ما بهم من العذاب، فيستغيثون من الجوع فيغاثون بالضّريع، ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصّة، فيذكرون أنّهم كانوا يسلكون الغصص في الدّنيا بالماء، فيسقون فيعطشون ألف سنة، ثم يسقون من عين آنية لا شربة هنيّة ولا مريّة، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلود وجوههم وسوّدها، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها، فذلك قوله تعالى:{وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ}

(2)

.

فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون: إنّ إبلنا لتسمن على الضّريع، فأنزل الله قوله تعالى:{لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} (7)؛وكذبوا، فإن الإبل لا ترعاه إلاّ ما دام رطبا، وأما إذا يبس فلا تقربه دابّة، ورطبه يسمّى شبرقا لا ضريعا، والمعنى:

لا يسمن من أكله ولا يسدّ جوعة.

قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ} (9)؛هذه صفة وجوه أهل الجنّة يقول: وجوههم يومئذ نضرة حسنة جميلة، آثار النّعمة عليها ظاهرة، وهي لعملها راضية بما أدّاها إليه من الثواب والكرامة،

{فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ} (10)؛أي مرتفعة في القدر والشّرف.

قوله تعالى: {لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً} (11)؛أي لا يسمع أصحاب تلك الوجوه كلمة ذات لفق ولا حلفا كاذبا ولا كلاما باطلا، وذلك لأنّ سماع ما لا فائدة فيه يثقل على العقلاء، ولا يتكلّم أهل الجنّة إلاّ بالحكمة وحمد الله تعالى على ما رزقهم من النّعيم المقيم.

قوله تعالى: {فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ} (12)؛أي فيها لكلّ إنسان في قصره عين جارية من كلّ شراب يشتهيه، يجري إلى حيث يشاء على حسب إرادته ومحبّته.

(1)

في الدر المنثور: ج 8 ص 492؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن مردويه بسند واه عن ابن عباس).

(2)

محمد 15/.

ص: 487

قوله تعالى: {فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} (13)؛في الهواء رفيعة القدر بعضها فوق بعض، من الذهب والفضّة وغير ذلك من الجواهر العظيمة، عليها من الفرش والحجال. قال صلى الله عليه وسلم:[لو ألقي من أعلاها فراش لهوى إلى قرارها مائة خريف]

(1)

والحكمة في ذلك الارتفاع أن يرى المؤمن بجلوسه عليها جميع ما خوّله الله من الملك والنعمة.

قوله تعالى: {وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ} (14)؛الأكواب: جمع كوب، وهو الكوز الذي لا عرى له ولا خراطيم، موضوعة على حافّة العين الجارية معدّة لأشربتهم وهو من اللّؤلؤ الرطب على ما ورد في الحديث.

وقوله تعالى: {وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ} (15)؛هي جمع نمرقة، وهي الوسادة المنسوجة من قضبان الذهب المكلّلة بالدّرّ والياقوت، قد صفّ بعضها إلى بعض للراحة

(2)

ورفع المنزل، قال الشاعر:

كهول وشبّان حسان وجوههم

على سرر مصفوفة ونمارق

قوله تعالى: {وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (16)؛الزّرابيّ هي الطّنافس العجيبة، واحدتها زريبة، وهي البسط العريضة، والمبثوثة الكثيرة المبسوطة المفرّقة في المجالس.

قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (17)؛فيه تنبيه على قدرة الله تعالى، يقول: أفلا يرون إلى الإبل مع عظمها وشدّتها كيف تبرك إذا أريد ركوبها فتحمل عليها وتركب، ثم تقوم فيقودها الصغير وينخّيها ويحمل عليها الحمل الثقيل وهي باركة، فتنهض بثقله دابة بحملها «وليس ذلك في شيء من الحيوان» إلا البعير

(3)

.

(1)

لم أقف عليه.

(2)

في المخطوط: (للرحة).

(3)

ما بين «» سقط من المخطوط، وضبط كما في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 35، ولأن سياق عبارته كما هو عند المصنف رحمه الله.

ص: 488

وقيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا وصف للمشركين سرر أهل الجنة مع علوّها وارتفاعها، وأنّها تنحطّ لصاحبها إذا أراد صعودها ثم ترتفع، استبعدوا ذلك، فذكر الله ما يزيل استبعادهم وكانوا أرباب إبل، فأراهم دلائل توحيده فيما في أيديهم.

وتكلّمت الحكماء في وجه تخصيص الإبل من بين سائر الحيوانات، فقال مقاتل:«لأنّهم لم يروا بهيمة قطّ أعظم منها، ولم يشاهدوا الفيل «إلاّ» الشّاذ منهم»

(1)

.وقال الحسن: «لأنّها تأكل النّوى، وتخرج اللّبن» .وقيل: لأنّها مع عظمها تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف يذهب بها كيف شاء.

وحكى الأستاذ أبو القاسم بن حبيب: أنه رأى في بعض التفاسير: أنّ فأرة أخذت بزمام ناقة، فجعلت الفارة تجرّ الناقة وهي تتبعها حتى دخلت الجحر، فجرّت الزمام فبركت، فجرّته فقرّبت فمها من جحر الفارة، فسبحان الذي قدّرها وسخّرها وذلّلها

(2)

.

وقال أبو عمر

(3)

: «الإبل هي السّحاب، وهي أليق بما بعد من ذكر السّماء والجبال» إلاّ أنّ هذا غير معروف في اللّغة، وإنما يقولون للسّحاب: الإبلّ بتشديد اللام

(4)

.

قوله تعالى: {وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} (18)؛في الهواء فوق كلّ شيء لا تنالها الأيدي،

بلا عماد تحتها ولا علاّقة فوقها، {وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} (19)؛فجعلها مرساة مثبّتة لا تزلزل، وفجّر في أعلاها العيون لمنافع الناس،

{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (20)؛أي بسطت على وجه الماء.

فالذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يخلق نعيم الجنة بالصفات التي ذكرها.

(1)

ذكره مقاتل بمعناه في التفسير: ج 3 ص 479.

(2)

نقله بنصه الثعلبي في التفسير: ج 10 ص 189.

(3)

في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 35؛ قال القرطبي: (قد ذكر الأصمعيّ أبو سعيد عبد الملك ابن قريب، قال أبو عمرو

) وذكره.

(4)

في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 35؛ نقل القرطبي تفصيل ذلك عن الماوردي.

ص: 489

قال أنس بن مالك: «صلّيت خلف عليّ بن أبي طالب، فقرأ:{(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} و

نصبت، و

سطحت) برفع التّاء»

(1)

،وقرأ الحسن بالتشديد

(2)

.

قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ} (21)؛أي عظهم يا محمّد بالقرآن،

إنما أنت واعظ مبلّغ {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} (22)؛أي بمسلّط تجبرهم على الإيمان، وتمنعهم عن الكفر، وهذا كان من قبل آية القتل فنسخ بها، وتسيطر الرجل إذا تسلّط.

قوله تعالى: {إِلاّ مَنْ تَوَلّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ} (24)؛ أي لكن من أعرض عن الإيمان وثبت على كفره فكله إلى الله تعالى لست له بمذكّر؛ لأنه لا يقبل منك، وسيعذّبه الله في الآخرة بأعظم النيران، وإنما قال ذلك لأنّ من المعذبين من هو أشدّ عذابا من غيره.

قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ} (25)؛أي طب نفسا يا محمّد وإن عاندوا وجحدوا، فإنّ إلينا مرجعهم؛ أي إلينا مرجعهم وجزاؤهم، والإياب: الرّجوع والمعاد،

{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ} (26)؛وإخراج ما لهم وعليهم حتى يظهر مقدار ما يستحقّون من العذاب.

آخر تفسير سورة (الغاشية) والحمد لله رب العالمين

(1)

نقله أيضا الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 190.

(2)

والمعنى بتشديد الطاء وإسكان التاء: (سطّحت).

ص: 490