الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المعارج
سورة المعارج مكّيّة، وهي ألف ومائة وواحد وستّون حرفا، ومائتان وستّ عشرة كلمة، وأربع وأربعون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها أعطاه الله ثواب الّذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والّذين هم على صلاتهم يحافظون]
(1)
.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} (1)؛نزلت في النّضر بن الحارث حين قال {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ}
(2)
والمعنى دعا دعاء على نفسه بعذاب، وذلك العذاب واقع لا محالة لا بدّ منه،
ذلك العذاب عند وقوعه، {لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ} (2)
(3)
؛يدفعه عنهم، فقتل النّضر يوم بدر صبرا وهو من الكافرين، ولم يقتل يومئذ من الأسارى غيره وغير عقبة بن أبي معيط.
قوله تعالى: {مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ} (3)؛أي وقوع ذلك العذاب من الله ذي الفواضل والنّعم، وسمّيت معارج؛ لأنّها على مراتب. وقيل:
معناه: ذي معالي الدّرجات التي يعطيها أولياءه في الجنّة. وقال الكلبيّ: (معناه: ذي السّماوات) سمّاها معارج؛ لأنّ الملائكة تعرج فيها. وقال ابن زيد: (معنى الآية على
(1)
رواه الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 43 بإسناده عن أبي رضي الله عنه، وإسناده واه جدا.
(2)
الأنفال 32/.
(3)
في الدر المنثور: ج 8 ص 277؛ قال السيوطي: (أخرجه الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس) وذكره. أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: ج 10 ص 3373:الحديث (18983).والحاكم في المستدرك: كتاب التفسير: الحديث (3908)،وقال: هذا حديث صحيح.
قراءة من قرأ «(سال)» بغير همزة؛ أي سال واد من أودية جهنّم بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع)
(1)
.
قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ؛} أي تصعد الملائكة والرّوح يعني جبريل عليه السلام {إِلَيْهِ؛} أي إلى الموضع الذي لا يجري لأحد سواه فيه حكم.
وقوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (4)؛قال عكرمة وقتادة: (يعني يوم القيامة).وعن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله؛ ما أطول هذا اليوم-يعني يوم القيامة-! فقال صلى الله عليه وسلم: [والّذي نفسي بيده إنّه ليخفّف على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدّنيا]
(2)
.
وقيل: معنى الآية: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يكون مقداره خمسين ألف سنة لعروج غيرهم، وذلك أنّ من أسفل الأرضين السّبع إلى فوق السموات السّبع خمسين ألف سنة، هكذا روي عن مجاهد. وأما قوله {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}
(3)
هو ما بين سماء الدّنيا إلى الأرض في الصّعود خمسمائة سنة، وفي النّزول خمسمائة سنة كذلك، فذلك قوله {أَلْفَ سَنَةٍ} لغير الملائكة.
وقال يمان: (يعني: القيامة في يوم القيامة خمسون موطنا، كلّ موطن ألف سنة).وفيه تقديم وتأخير؛ كأنّه قال: ليس له دافع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، تعرج الملائكة والروح إليه. وقيل: معنى الآية: لو جعل الله محاسبة الخلائق إلى أحد غيره لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة، وهو يفرغ منه في ساعة واحدة؛ لأنه سريع الحساب.
(1)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (27202).
(2)
في الدر المنثور: ج 8 ص 280؛ قال السيوطي: (أخرجه أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن حبان والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
…
) وذكره. وأخرجه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 75.والطبري في جامع البيان: الحديث (27035) وفيه تصحيف في اسم أبي سعيد. وفي مجمع الزوائد: ج 10 ص 337 قال الهيثمي: (رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن على ضعف في راويه).
(3)
السجدة 5/.
قوله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} (5)؛أي اصبر يا محمّد على تبليغ الوحي والرسالة وعلى ما يلحقك من الأذيّة من الكفار، والصّبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى.
قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} (6)؛أي يرون العذاب بعيدا غير كائن، كما يخبر الرجل عن شيء فيقول: هذا بعيد؛ أي هذا مما لا يكون،
ونحن، {وَنَراهُ قَرِيباً} (7)؛أي صحيحا كائنا؛ لأنّ كلّ ما هو كائن قريب.
ثم أخبر متى يقع العذاب فقال تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ} (8) أي كالصّفر المذاب، وقيل: كدرديّ الزيت
(1)
،وقال الحسن:(مثل الفضّة إذا أذيبت)،
{وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ} (9)؛أي كالصّوف الأحمر، وهو أضعف الصّوف، {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} (10)؛أي لا يسأل قريبا عن قرائبه لاشتغال كلّ بنفسه من شدّة الأهوال.
وقرأ البزيّ عن ابن كثير «(ولا يسأل حميم)» بضمّ الياء أي لا يقال لحميم: أين حميمك؟ قال الفرّاء: (ولست أشتهي ذلك؛ ضمّ الياء؛ لأنّه مخالف لجماعة القرّاء)
(2)
.
قوله تعالى: {يُبَصَّرُونَهُمْ؛} أي يعرف الأقارب أقاربهم ساعة من النهار في ذلك اليوم، ثم لا تعارف بعد تلك الساعة، فيبصّر الرجل حميمه بعد ذلك فلا يكلّمه. والمعنى: يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه، ومع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه.
قوله تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ} (12)؛أي يتمنّى الكافر أن يفدي نفسه من عذاب الله بأولاده وزوجته وأخيه.
وقوله تعالى: {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} (13)؛أي
(1)
الدّرء: الدفع، وهو ما يستر الزيت من الزبد، أو يخالطه، وهو (الكعر) بفتحتين، فيقال: درديّ الزيت وغيره ما يبقى في أسفله، وهو آخره وخاثره. مختار الصحاح (عكر):ص 448.و (درد) ص 202.
(2)
قاله في معاني القرآن: ج 3 ص 184.
وعشيرته الأقربين التي تضمه ويأوي إليها، وتنصره في المكاره والشدائد، ويودّ أيضا أن يفتدي،
{وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ} (14)؛ذلك الفداء من العذاب.
قوله تعالى: {كَلاّ؛} لا ينجيه؛ قوله تعالى: {إِنَّها؛} وهي من أسماء النّار، سميت بهذا الاسم من قوله:{لَظى} (15)؛أي توقد، واللّظى هو اللهب الخالص.
قوله تعالى: {نَزّاعَةً لِلشَّوى} (16)؛صفة النار؛ أي كثيرة النّزع للأعضاء والأطراف.
والشّوى: جمع الشّواة؛ وهو الطّرف، وسمّيت جلدة الرأس أيضا بهذا الاسم.
وفي الحديث: [إنّ النّار تنزع قحف رأسه فتأكل الدّماغ كلّه، ثمّ يعود كما كان، فتعود لأكله، فذلك دأبها أبدا]
(1)
.وقيل: ارتفع قوله (نزّاعة) على إضمار: هي نزاعة للشّوى؛ تنزع اليدين والرّجلين وسائر الأطراف، فلا تترك لحما ولا جلدا إلاّ أحرقته
(2)
.
قوله تعالى: {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلّى} (17)؛أي تدعو النار من أعرض عن الإيمان وتولّى عن التوحيد وأدبر عن الحقّ، فتقول: إليّ يا مشرك؛ إليّ يا منافق؛ إليّ
…
إليّ، فإنّ مستقرّك فيّ،
وتدعو أيضا من {وَجَمَعَ،} المال في الدنيا، {فَأَوْعى} (18)،أي فجعله في الأوعية، لم يصل به
(3)
رحما ولا أدّى فريضة ولا أنفقه في طاعة الله تعالى.
(1)
لم أقف عليه.
(2)
قرأ عاصم: (نزّاعة) بالنصب، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي (نزّاعة) بالرفع. قاله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 18 ص 287؛وقال: (فمن رفع فله خمسة أوجه: أحدها: أن تجعل (لظى) خبر (إنّ) وترفع (نزاعة) بإضمار هي؛ فمن هذا الوجه يحسن الوقف على (لظى).والوجه الثاني: أن تكون (لظى) و (نزاعة) خبران ل (إنّ).كما تقول: إنّه خلق مخاصم. والوجه الثالث: أن تكون (نزاعة) بدلا من (لظى) و (لظى) خبر (إنّ).والوجه الرابع: أن تكون (لظى) بدلا من اسم (إنّ) و (نزاعة) خبر (إنّ).والوجه الخامس: أن يكون الضمير في (إنّها) للقصة، و (لظى) مبتدأ و (نزاعة) خبر الابتداء، والجملة خبر (إنّ).والمعنى أن القصة والخبر (لظى نزاعة للشوى).).
(3)
في أصل المخطوط: (منه) وعلى ما يبدو أن المناسب (به) فأثبتناه.
قوله تعالى: {*إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً} (19)؛أي ضجورا شحيحا شديد الحرص مع قلّة الصبر،
وتفسير الهلوع مع ما ذكره الله تعالى، {إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (21)،يعني إذا أصابه الفقر والشدّة جزع فلم يصبر ولم يحتسب، وإذا أصابه ما يسرّ به من المال والسّعة منع خلق الله منه ولم يشكر.
وعن ابن عبّاس أنّه قال: (الهلوع الّذي يرضى عند الموجود، ويسخط عند المفقود).وقيل: هو الذي يكون نسّاء عند النّعم، دعّاء عند المحن، وهذا كلّه إخبار عما خلق الإنسان عليه من جهة الطّبع، ثم نهاه عن الجزع والمنع، يستحقّ بذلك جزيل الثواب.
قوله تعالى: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ} (23)؛ يعني: فإنّهم يغلبون فرط الهلع لثقتهم بربهم، وثقتهم بمقدوراته، والمعنى: إلاّ المصلّين الصلوات الخمس، ويدومون عليها ولا يدعونها ليلا ولا نهارا. وعن عمران بن الحصين: أنّ معناه: (هم الّذين لا يلتفتون في صلاتهم يمينا ولا شمالا)
(1)
.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} (24)؛يعني الزكاة المفروضة؛ لأن ما لا يكون مفروضا لا يكون معلوما،
وقوله تعالى: {لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (25)؛السائل: الطّوّاف الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي يحرم وجوه الاكتساب، لا يسأل ولا يعطى. وعن ابن عبّاس قال:(هو الّذي لا تستقيم له تجارة)
(2)
.وقيل: هو الذي يسهم له في الغنيمة.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحروم فقال: [هو الّذي تحمّل نخل النّاس، ولا يحمل نخله، ويزكو زرع النّاس، ولا يزكو زرعه، وتلبن شاء النّاس ولا تلبن شاهه].
ووجه استثناء المصلّين والمنافقين: أنّ المصلّين لا يفعلون ما يفعله الهلوع؛ لأنّهم يؤدّون حقّ الله، فإنّ مداومتهم على طاعة الله تمنعهم عن أفعال الكفّار.
(1)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (27074) من حديث عقبة بن عامر الجهني.
(2)
في جامع البيان: الأثر (27094) عن عكرمة قال: (السّائل الّذي يسألك، والمحروم الّذي لا ينمى له مال).
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} (27)؛
أي خائفون حذرون، {إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} (28) أي لا يؤمن وقوعه بمن يستحقّه.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ؛} أي لا يرسلونها إلاّ على أزواجهم الأربع أو جواريهم، {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (30)،أي فإنّهم لا يلامون على ترك حفظ فروجهم عن هؤلاء،
{فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ،} أي فمن اعتدى وضلّ في استباحة الوطء طريقا غير هذين الطّريقين، {فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} (31)؛يتعدّون الحلال إلى الحرام.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} (32)؛معناه: والذين هم لأماناتهم التي ائتمنوا عليها في أمر الدين، والذين للعهد الذي بعث به الأنبياء إلى الخلق راعون، وكلّ محافظ على شيء فهو راع له، والإمام راع لرعيّته. ويدخل في هذه الآية أمانات الناس فيما بينهم وعهودهم وعقودهم بينهم.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ} (33)؛أي الذين يقومون بأدائها على وجهها، ولا يكتمونها وإن كانت على أنفسهم،
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ} (34)؛أي يراعون مواقيتها وشروطها وحدودها.
والفائدة في إعادة ذكر الصّلاة؛ لتعظيم أمرها وتفخيم شأنها.
وقوله تعالى:
{أُولئِكَ فِي جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ} (35)؛معناه: الذين استجمعوا هذه الخصال في جنّات في الآخرة مكرمين بالتّحف والهدايا.
قوله تعالى: {فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} (36)؛هذه الآية في المستهزءين؛ وهم خمسة سمّيناهم من قبل، كانوا قد جلسوا حول النبيّ صلى الله عليه وسلم يستهزءون بالقرآن ويكذّبون به، فقال الله تعالى: ما لهم ينظرون إليك، ويجلسون عندك وهم لا ينتفعون بما يسمعون، والمهطع: المقبل على الشّيء ببصره لا يزيله، وكانوا ينظرون إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم نظرة العداوة غيظا وحنقا. وقيل: معنى مهطعين: مديمين النظر متطلّعين نحوك، وهو نصب على الحال.
قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ} (37)؛أي عن يمين النبيّ صلى الله عليه وسلم وشماله حلقا حلقا، وجماعة جماعة، وعصبة عصبة، والعزين: جماعة في تفرقة، واحدتها عزة، ونظيرها ثبة وثبين.
وكان هؤلاء الكفّار يقولون: إن كان أصحاب محمّد يدخلون الجنة، فإنّا ندخلها قبلهم، فقال الله تعالى:{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلاّ،} لا يكون ذلك، {إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ} (39)؛أي من المقاذير والأنجاس والنّطف والعلق، فأيّ شيء لهم يدخلون به الجنّة، ومن حكمنا في بني آدم أن لا يدخل أحد منهم الجنّة إلاّ بالإيمان والعمل الصالح، فماذا يطمعهم في ذلك وهم كفّار؟ وفي هذا تنبيه على أنّ الناس كلّهم من أصل واحد، وإنما يتفاضلون بالإيمان والطاعة.
قرأ الحسن وطلحة «(يدخل)» بفتح الياء وضمّ الخاء، ومعنى: إنّا خلقناهم مما يعلمون، يعني لا يستوجب أحد الجنّة بكونه شريفا، فإنّ مادة الخلق واحدة، بل يستوجبونها بالطاعة. قال قتادة في هذه الآية:(إنّما خلقت يا ابن آدم من قذر فاتّق الله)
(1)
.قال بعضهم: أنّى لابن آدم الكبر؛ وقد خرج من مخرج البول مرّتين، ثم من بطن أمّه متلوّثا بالدّم متلطّخا ببوله وخرائه.
قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ؛} معناه: فأقسم برب مشارق الشّمس ومغاربها في الشّتاء والصيف، يعني مشرق كلّ يوم في السّنة ومغربه، {إِنّا لَقادِرُونَ (40) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ؛} أي على أن نهلكهم، ونأتي بخلق أطوع لله منهم، {وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} (41)؛أي بمغلوبين بالفوت
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا؛} أي اتركهم يا محمّد يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في كفرهم، {حَتّى يُلاقُوا؛} يعاينوا، {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} (42)؛فيه وهو يوم القيامة، فأنتقم منهم بأعمالهم، وهذا لفظه لفظ الأمر، ومعناه: الوعد. وقيل: إنّ هذه الآية منسوخة بآية القتال.
(1)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (27110).
قوله عز وجل: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً؛} بيان اليوم الذي يوعدون، وهو يوم خروجهم من القبور سراعا نحو الدّاعي، وذلك حين يسمعون الصيحة الآخرة، {كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} (43)؛أي إلى علم منصوب لهم يسرعون ويستبقون إلى موضع الحساب.
والأجداث: جمع الجدث وهو القبر، وكذلك الحرف، والسّراع: جمع سريع، والسّرائع بمعنى المسرع، كالأليم بمعنى المؤلم. والإيفاض: الإسراع، يقال: وفض يوفض؛ وأوفض يوفض؛ إذا أسرع في عدوه.
قوله تعالى: {خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ؛} أي يخرجون من القبور ذليلة أبصارهم تعلوهم مذلّة وسواد الوجوه، {ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ} (44)؛ فيه العذاب على ألسنة الرّسل، فلم يصدّقوهم.
وقرأ زيد بن ثابت وأبو الرجاء وأبو العالية والحسن وابن عامر «(إلى نصب)» بضمّتين ومعناه: الأصنام التي كانوا ينصبونها ويعبدونها ويذبحون تقرّبا إليها
(1)
.
آخر تفسير سورة (المعارج) والحمد لله رب العالمين
(1)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (27121) عن ابن زيد، والأثر (27122) عن الحسن، والأثر (27114) عن أبي العالية.