المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة النّازعات سورة النّازعات مكّيّة، وهي سبعمائة وثلاثة وخمسون حرفا، ومائة - تفسير الحداد المطبوع خطأ باسم التفسير الكبير للطبراني - جـ ٦

[أبو بكر الحداد]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمّد صلى الله عليه وسلم

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذّاريات

- ‌سورة الطّور

- ‌سورة النّجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصّفّ

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقون

- ‌سورة التّغابن

- ‌سورة الطّلاق

- ‌سورة التّحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة ن (القلم)

- ‌سورة الحاقّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجنّ

- ‌سورة المزّمّل

- ‌سورة المدّثّر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الدّهر

- ‌سورة والمرسلات

- ‌سورة النّبأ

- ‌سورة النّازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التّكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطفّفين

- ‌سورة انشقّت (الانشقاق)

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطّارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشّمس

- ‌سورة اللّيل

- ‌سورة الضّحى

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌سورة والتّين

- ‌سورة العلق

- ‌سورة (القدر)

- ‌سورة لم يكن

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌سورة العاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التّكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة (الكافرون)

- ‌سورة النّصر

- ‌سورة تبّت (المسد)

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة النّاس

الفصل: ‌ ‌سورة النّازعات سورة النّازعات مكّيّة، وهي سبعمائة وثلاثة وخمسون حرفا، ومائة

‌سورة النّازعات

سورة النّازعات مكّيّة، وهي سبعمائة وثلاثة وخمسون حرفا، ومائة وتسع وتسعون كلمة، وستّ وأربعون آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها هوّن الله عليه نزع روحه عند موته، ولم يكن حسابه يوم القيامة إلاّ كقدر صلاة مكتوبة]

(1)

.

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{وَالنّازِعاتِ غَرْقاً} (1)؛أقسم الله بالملائكة إعظاما لهم، ولله أن يقسم بغيره، وليس للعباد أن يقسموا إلاّ به. ويجوز أن يكون القسم هاهنا برب الملائكة، كأنّه قال: ورب النازعات. والنّازعات: الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفّار بالشدّة من أجسادهم، من تحت كلّ شعرة، ومن تحت الأظفار وأصول القدمين، ثم يردونها في جسدها حتى إذا كادت تخرج ردّوها في بدنه.

قال مقاتل: «يعني ملك الموت وأعوانه» .قال سعيد بن جبير: «ينزعون أرواحهم فيفرّقونها ثمّ يقذفون بها في النّار»

(2)

.وقال السديّ: «هي النّفس الّتي تغرق في الصّدور»

(3)

.وقيل: يرى الكافر نفسه وقت النّزع كأنّها تغرق. وقيل: معناه:

تنزع الملائكة أرواح الكفار عن أجسادهم كما يغرق النّازع في القوس فيبلغ بها غاية المدّ، والمغرق اسم مصدر أقيم مقام الإغراق.

قوله تعالى: {وَالنّاشِطاتِ نَشْطاً} (2)؛هم الملائكة ينشطون روح الكافر من قدميه إلى حلقه نشطا كما ينشط الصوف من سفود الحديد. قيل: إنّهم

(1)

ذكره الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 686.

(2)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28025).

(3)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28030).

ص: 431

ينشطون أرواح الكفّار نشطا عظيما ويجذبونها جذبا شديدا بكرب ومشقّة وغمّ، كنشط السّفود الكثير الشّعر من الصوف المتلبد، فيشتدّ عليهم خروج أرواحهم، يقال:

نشطت يد البعير إذا نطقته بالحبل، وأنشطته إذا حللته.

قوله تعالى: {وَالسّابِحاتِ سَبْحاً} (3)؛هم الملائكة الموكّلون بقبض أرواح المؤمنين، يسلونها سلاّ رفيقا، ثم يدعونها تستريح رويدا كالسّائح بالشيء في الماء يرفق به، وقال مجاهد:«هم الملائكة ينزلون من السّماء مسرعين كالفرس الجواد السّابح لسرعته»

(1)

.وقال الكلبيّ: «يقبضون أرواح المؤمنين كالّذي يسبح في الماء، فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع، يسلّونها سلاّ رفيقا»

(2)

.وقال قتادة: «هي النّجوم والشّمس والقمر، قال الله تعالى:{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}

(3)

».وقال عطاء:

«هي السّفن»

(4)

.

قوله تعالى: {فَالسّابِقاتِ سَبْقاً} (4)؛هم الملائكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح والإيمان والتّصديق. وقيل: يستبقون بأرواح المؤمنين إلى الجنّة.

قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً} (5)؛يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، يدبرون أمر الله في أهل الأرض، فجبريل للوحي والتّنزيل، وميكائيل للقطر والنبات، وإسرافيل للصّور، وملك الموت لقبض الأرواح، وجواب هذه الأقسام محذوف، تقديره: لتبعثنّ للجزاء والحساب ولتحاسبنّ.

قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ} (6)؛يعني النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلق، والرّجفة صيحة عظيمة فيها تردّد واضطراب،

{تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ} (7)؛يعني النفخة الثانية ردفت النفخة الأولى، وبينهما أربعون سنة، وسميت الثانية رادفة تشبها بالرّادف من الرّاكب.

(1)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28037).

(2)

ذكره الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 123.والقرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 193.

(3)

الأنبياء 33/.

(4)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28039).

ص: 432

قوله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ} (8)؛أي مضطربة قلقة لما عاينت من أهوال يوم القيامة. قيل: أراد بها قلوب الكفّار. والوجيف: اضطراب القلب، وقال مجاهد:«معنى واجفة: وجلة» ،وقال السديّ:«زائلة عن أماكنها» .

وقيل: غير هادئة ولا ساكنة، وقال أبو عمرو:«مرتكضة»

(1)

.

قوله تعالى: {أَبْصارُها خاشِعَةٌ} (9)؛أي أبصار أصحابها ذليلة خاضعة، وذلك أنّ المضطرب الخائف لا بدّ أن يكون نظره نظر الذليل الخاضع؛ لترقّب ما ينزل من الأمر. ويقال: ذليلة عند معاينة النار، كقوله {خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ}

(2)

.

قال عطاء: «يريد أبصار من مات كافرا» يدلّ عليه أنه ذكر منكري البعث،

فقال: {يَقُولُونَ أَإِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ} (10)؛معناه: تقول الكفّار وهم في الدّنيا: أنردّ إلى أوّل حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء؟ كما كنّا، يقال: رجع فلان في حافرته، أي رجع من حيث جاء. والحافرة عند العرب اسم لأول الشيء، وابتداء الأمر. والمعنى أنهم كانوا يستبعدون البعث،

ويقولون: {أَإِذا كُنّا عِظاماً نَخِرَةً} (11)؛أنردّ إلى الحياة الأولى، وتعاد فينا الروح بعد أن نصير عظاما نخرة؛ أي بالية، ومنه قولهم: رجع فلان في حافرته؛ إذا رجع في الطريق الذي جاء فيه.

وقال بعضهم: الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم، والحافرة بمعنى المحفورة كما في {عِيشَةٍ راضِيَةٍ} وما وافق معناه، ومعناه: أإنّا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقا جديدا، ونمشي على أقدامنا، وقال ابن زيد:«الحافرة: النّار» ،وقيل: معناه:

أنردّ أحياء في قبورنا.

قوله تعالى: {(أَإِذا كُنّا عِظاماً نَخِرَةً)} قرأ أهل الكوفة «(ناخرة)» بالألف، وهي قراءة عمر رضي الله عنه

(3)

وابن عبّاس وابن مسعود وابن الزّبير. وقرأ الباقون «(نخرة)» بغير

(1)

ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 196،وأبو عمرو هو المؤرّج، وليس المؤرّخ، والله أعلم. والمعنى مرتكضة، مضطربة، غير ساكنة.

(2)

الشورى 45/.

(3)

في الكشف والبيان: ج 10 ص 125؛ قال الثعلبي: (وهي قراءة عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس

).وفي الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 197؛ قال (وقرأ أبو عمرو وابنه عبد الله) وأظنه وهم أو تصحيف من النسّاخ.

ص: 433

ألف، والنّخرة: البالية، والنّاخرة: المجوّفة، يقال: نخر العظم ينخر فهو ناخر ونخرا إذا بلي وتفتّت، وقال الأخفش:«هما لغتان؛ أيّهما قرأت فحسن» .والمعنى: أنّهم أنكروا البعث، فقالوا: أنردّ أحياء إذا متنا وبليت عظامنا.

قوله تعالى: {قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ} (12)؛كانوا يقولون على جهة التّكذيب: إن كان الأمر على ما يقول محمّد، فتلك الرجعة خاسرة. والخاسرة: ذات الخسران؛ أي إن رددنا بعد الموت لنخسرنّ بما يصيبنا بعد الموت.

ثم أعلم الله سهولة البعث عليه فقال تعالى ردّا عليهم: {فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ} (13)؛يعني النفخة الأخيرة صيحة واحدة يسمعونها وهم في بطون الأرض أموات،

{فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ} (14)؛أي فإذا هم أحياء على وجه الأرض. والسّاهرة: وجه الأرض وظهرها، فإنّما هي نفخة واحدة وصيحة واحدة هائلة {(فَإِذا هُمْ بِالسّاهِرَةِ)} أي فإذا هم على ظهر الأرض بعد أن كانوا في جوفها.

والعرب تسمّي وجه الأرض ساهرة؛ لأن فيها نوم الجفون وسهرهم. يقال: إنّ المراد بالسّاهرة أرض بيت المقدس. ويقال: أراد به أرض الآخرة. وقيل: الساهرة: جهنّم.

قوله تعالى: {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى} (15)؛أي هل جاءك-يا محمّد-حديث موسى،

{إِذْ ناداهُ رَبُّهُ؛} أي هل بلغك قصّة موسى وخبره، وهذا استفهام بمعنى التقرير، كما يقول الرّجل لغيره: هل بلغك حديث فلان، وهو يعلم أنّه بلغه ذلك، ولكن يريد بهذا الكلام التحقيق.

ويجوز أن يراد بهذا الابتداء الإخبار، كأنه قال: لم يكن عندك-يا محمّد- ولا عند قومك ما أعلمك الله به من حديث موسى إذ أسمعه الله نداءه، {بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} (16)؛أي بالوادي المطهّر الذي كلّمه الله عليه، واسم ذلك الوادي (طوى).وهذا يقرأ بالتنوين وغيره، فمن نوّنه وصرفه؛ فلأنّه مذكّر سمّي به مذكر، ومن لم يصرفه جعل له اسم البقعة التي هي مشتملة على ذلك الوادي.

قوله تعالى: {اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} (17)؛أي ناداه ربّه فقال له:

يا موسى اذهب إلى فرعون إنه علا وتكبّر وكفر وتجاوز عن الحدّ في المعصية،

ص: 434

وتعمل عمل الأزكياء،

و؛ هل لك رغبة في أن، {وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ؛} أي إلى معرفة ربك وعبادته وتوحيده ومعرفة صفاته، {فَتَخْشى} (19)؛عقابه إن لم تطعه.

ثمّ بيّن الله لموسى أن يمضي

(1)

، {فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى} (20)؛حتى أراه الآية الكبرى، يعني العصا إذ كانت أكبر آية، وقال بعضهم: اليد البيضاء التي أخرجها، لها شعاع كالشّمس،

{فَكَذَّبَ وَعَصى} (21)؛أي فكذب فرعون بأنّها من الله، وعصى موسى فلم يطعه،

{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى} (22)؛أي أدبر عن الإيمان، وأعرض عنه بعمل الفساد في الأرض، ويقال: أدبر: أسرع هاربا من الجنّة.

قوله تعالى: {فَحَشَرَ؛} أي فجمع قومه وجنوده، {فَنادى} (23)؛ لمّا اجتمعوا،

{فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} (24)؛أي لا ربّ فوقي، وقيل: إنه جمع قومه بالشّوط يستنصر بهم على إبطال أمر موسى ودفع ضرر الحيّة، فنادى فيهم:

أعيدوا أصنامكم التي كنتم تعبدونها، وأنا ربّ أصنامكم الأعلى.

قوله تعالى: {فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى} (25)؛معناه: لمّا بلغ في استكثاره وكفره إلى حدّ لا ينفع فيه الوعظ، حينئذ أخذه الله بعقوبة صار بها نكالا في الدّنيا والآخرة، و {النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا}

(2)

،ولو تفكّر هؤلاء الجهّال لعلموا أنه لو كان إلها لم يحتج إليهم لدفع ضرر الحيّة التي يخافها.

وقيل: معنى {(فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ)} يعني كلمتي فرعون حين قال {ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي}

(3)

وقوله {(أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)} وكان بينهما أربعون سنة

(4)

.

قال مجاهد: «هذا معنى الآخرة والأولى، وهي الكلمة الأخيرة، وقوله تعالى {ما}

(1)

في المخطوط: (ثم بين الله أن موسى يعتصر).وترجح ما أثبتناه قياسا على عبارة الثعلبي في الكشف والبيان: ج 10 ص 127.والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 19 ص 202.

(2)

غافر 46/.

(3)

القصص 38/.

(4)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28104).وعزاه السيوطي إلى الشعبي في الدر المنثور: ج 8 ص 410.

ص: 435

{عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} هي الكلمة الأولى»

(1)

وهذا قول أكثر المفسّرين.

وقال الحسن: (معنى: نكال الدّنيا والآخرة، الأولى: غرقه في الدّنيا، وعذابه في الآخرة بالنّار».وعن ابن عبّاس قال:«قال موسى: يا رب أمهلت فرعون أربعمائة سنة وهو يقول: أنا ربّكم الأعلى، ويكذّب بآياتك ورسلك، فأوحى الله إليه أنّه كان حسن الخلق سهل الحجاب، فأحببت أن أكافئه» .

قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} (26)؛أي إن في الذي فعل فرعون من العقوبة حين كذب عظة لمن يخشى عذاب الله. والعبرة: هي الدّلالة المؤدّية إلى الحقّ.

ثم خاطب منكري البعث فقال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ؛} الخطاب لأهل مكّة، يقول أأنتم أشدّ خلقا، معناه: أخلقكم بعد الموت أشدّ عندكم أم السّماء في تقديركم؟ وهما في قدرة الله واحد، وهذا كقوله {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ}

(2)

.وقوله تعالى: {بَناها} (27)؛أي بناها مع عظمها، فكيف لا يقدر على إعادتكم مع صغر أجسامكم؟!

وقوله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها} (28)؛أي رفع سقف السّماء فوق كلّ شيء بلا عمد تحتها، ولا علاّقة فوقها، فسوّاها من الفطور والعيوب. وقيل:

فسوّاها بلا سقوف ولا فطور.

قوله تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها} (29)؛أي أظلم ليلها وأظهر نهارها: والغطش: الظّلمة وأصناف اللّيل والنهار إلى السماء؛ لأن الليل إنما يكون بغروب الشمس، والشمس منسوبة إلى السّماء، فإذا غربت الشمس كان مبدأ الظّلام من جانب السّماء، وذلك

(3)

الضياء يظهر قبل طلوع الشمس من جانب السّماء.

(1)

أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28100).

(2)

غافر 57/.

(3)

في المخطوط: (ولذلك).

ص: 436

قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} (30)؛أي سطّحها بعد خلق السّماء، مأخوذ من الدّحو وهو البسط

(1)

،وذلك أنّ الله خلق الأرض قبل السّماء مجموعة، ثم خلق السّماء وشمسها وقمرها وليلها ونهارها، ثم دحا الأرض بعد ذلك «فهو» أدلّ على القدرة

(2)

.

قوله تعالى: {أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها} (31)؛أراد بالماء ماء الآبار والعيون التي تخرج من الأرض، وبالمرعى النبات مما يأكل الناس والأنعام وهو قوله تعالى:

{وَالْجِبالَ أَرْساها} (32)؛أي أثبتها وثقّل بها الأرض، فعل ذلك،

{مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} (33)،أي منفعة لكم ولدوابكم لا لمنفعة نفسه، فإنه منزّه عن المضارّ والمنافع.

قوله تعالى: {فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى} (34)؛يعني النفخة الثانية التي فيها البعث، والطامّة: الحادثة التي تطمّ على ما سواها؛ أي تعلو فوقه، والقيامة تطمّ على كلّ شيء فسميت الطامّة.

قوله تعالى: {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى} (35)؛ أي ما عمل في الدّنيا من خير أو شرّ، ويقرأ كتابه،

{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى} (36)؛أي أظهرت لجميع الخلائق حتى يراها أهل الموقف كلّ هم، والطامّة عند العرب الدّاهية التي لا تستطاع. وقيل: إن الطامّة الكبرى حين يساق أهل النار إلى النار، وأهل الجنة الى الجنّة.

قوله تعالى: {فَأَمّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى} (39)؛معناه: فأمّا من جاوز الحدّ في معصية الله، واختار ما في الدّنيا من زهرتها وزينتها على الإيمان بالله وطاعته، فإن الجحيم هي المأوى؛ أي مأواه،

{وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ؛} للحساب واجتنب المعاصي، {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ}

(1)

في المخطوط: (النبط) وهو غير مناسب؛ لأن معنى دحا الأرض أي بسطها.

(2)

أي أدلّ على القدرة من القول الآخر، حيث (أن الله تعالى خلق أولا دخان السماء، ثم خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسوّاها، ثم دحا الأرض بعد ذلك).واختلاف بين أهل التفسير؛ ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ج 1 ص 254 - 256 وج 19 ص 205.

ص: 437

{الْهَوى} (40)؛أي المحارم التي يشتهيها، قال مقاتل:«هو الرّجل يهمّ بالمعصية، فيذكر مقامه للحساب فيتركها»

(1)

{فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى} (41).

قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها} (42)؛أي متى قيامها ووقوعها، يعني يوم القيامة يسألونه عن تلك لتكذيبهم بها،

وقوله تعالى: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها} (43)؛أي في أيّ شيء أنت من ذكر القيامة ووقتها، ولم يعرّفك الله ذلك، والمعنى: لست في شيء من علمها؛ أي لا تعلمها،

وقوله تعالى: {إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها} (45)؛معناه: إنما أنت مخوّف من يخاف قيامها؛ أي إنما ينتفع بإنذارك من يخافها.

قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها؛} أي كأنّهم يوم يرون القيامة، {لَمْ يَلْبَثُوا؛} في الدّنيا، {إِلاّ؛} قدر، {عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} (46)؛من العشيّات وقدر ضحى العشيّة، وذلك أنّهم إذا استقبلهم أمر الآخرة ذهب عنهم الكفر في مقدار مكثهم في الدّنيا، ومقدار مكثهم في قبورهم لعظم ما استقبلهم من الشدائد، والمعنى: إن الذي أنكروه سيرونه حتى كأنّهم لم يلبثوا في الدّنيا إلاّ ساعة مضت كأنّها لم تكن. والضّحى وقت ارتفاع النهار، والعشيّ: ما بعد الزوال.

آخر تفسير سورة (النازعات) والحمد لله رب العالمين

(1)

بمعناه قاله مقاتل في التفسير: ج 3 ص 449.

ص: 438