الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة العاديات
سورة العاديات مكّيّة، وقيل: مدنيّة، وهي مائة وثلاثة وستّون حرفا، وأربعون كلمة، وإحدى عشرة آية. قال صلى الله عليه وسلم:[من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا]
(1)
،والله الموفّق.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{وَالْعادِياتِ ضَبْحاً} (1)؛أقسم الله تعالى بالخيول العاديات في سبيله إكراما للغزاة، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لنا أن نقسم إلاّ به. والضّبح حمحمة الخيل، وما يسمع من أصوات أنفاسها إذا عدت
(2)
.
وعن عليّ رضي الله عنه: «أنّ المراد بالعاديات الذاهبة إلى العدوّ، يوم بدر قال: ولم يكن معدّا يومئذ إلاّ فرس واحد ركبها المقداد»
(3)
.وانتصب قوله (ضبحا) على المصدر تقديره: والعاديات تضبح ضبحا.
قوله تعالى: {فَالْمُورِياتِ قَدْحاً} (2)؛أي فالمظهرات بسنابكها النار بوطئها بنعالها للحجارة، وبضربها الحصى بعضها ببعض كنار القادح، والقدح والإيراء بمعنى واحد، وتقديره: فالقادحات قدحا.
(1)
رواه الثعلبي والواحدي في الوسيط وابن مردويه. عزاه الزيلعي في تخريج الكشاف: ج 4 ص 267 إليهما وهو حديث موضوع، وتقدم الكلام فيه وسيأتي.
(2)
في جامع البيان: الأثر (29247) أسند الطبري عن علي رضي الله عنه قال: (الضّبح من الخيل: الحمحمة، ومن الإبل النّفس).
(3)
في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 155 ذكر القرطبي: (قال الشعبي: تمارى علي وابن عباس).
قوله تعالى: {فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً} (3)؛يعني الخيل تغير عند الصّبح في سبيل الله، أضاف الإغارة إليها وأراد بذلك ركّابها، وذلك أنّهم كانوا يسيرون إلى العدوّ ليلا ويأتوهم صبحا.
قوله تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} (4)؛أي هجمت بالمكان الذي انتهت إليه غبارا. وإن ما لم يذكر المكان؛ لأن في الكلام دليلا عليه، وذلك أن إثارة الغبار لا يكون إلاّ بمكان.
قوله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} (5)؛أي دخلن في ذلك المكان في وسط جمع المشركين للإغارة.
قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ؛} هذا جواب القسم هاهنا، والإنسان عبارة عن جنس الناس، وقيل: المراد به الكافر، والكنود هو الكافر، الذي [يمنع رفده، ويأكل وحده، ويجلد عبده]
(1)
وهكذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال الكلبيّ:
«الكنود بلسان معدّ: العاص» ،وبلسان مضر وربيعة وقضاعة: الكفور، وبلسان بني مالك: البخيل. وقال الحسن: «يعدّ المصائب، وينسى النّعم»
(2)
وقال عطاء:
«الكنود الّذي لا خير فيه» .والأرض الكنود الذي لا تنبت ثانيا، وقيل: هو الحقود الحسود.
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ} (7)؛معناه: إنّ الله على صنع هذا الكنود وكفرانه لنعمه لشهيد يحصي عليه أعماله. وقيل: معناه: إنّ الإنسان على نفسه لشهيد، يشهد بذلك حاله في بخله، وإعراضه عما يجب عليه، فالهاء على هذا القول راجعة للإنسان.
(1)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (29286) عن أبي أمامة. وفي الدر المنثور: ج 8 ص 603؛ قال السيوطي: (أخرجه عبد بن حميد والبخاري في الأدب والحكيم الترمذي وابن مردويه).
(2)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (29287).
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (8)؛الضمير عائد على الإنسان، معناه: إنّ الإنسان في حقّه، ويقال في معناه: وإنّه لحبه المال لبخيل، ويقال:
رجل شديد إذا كان بخيلا.
قال ابن زيد: «سمّي المال خيرا وعسى أن يكون خبيثا وحراما، ولكنّ النّاس يعدّونه خيرا، وسمّى المال خيرا، وسمّى الجهاد سوء، فقال {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}
(1)
»
(2)
أي فقال وليس هو عند الله سوء ولكن يسمّونه سوء. ومعنى الآية شأنه من أجل حب المال الشديد بخيل، ويقال للبخيل: شديد ومتشدّد، قال طرفة:
أرى الموت يعتام
(3)
…
الرّجال ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدّد
والفاحش البخيل، قال الله تعالى:{وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ}
(4)
أي بالبخل.
وقوله تعالى: {*أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ} (9)؛معناه:
أفلا يعلم هذا الإنسان إذا بعث الموتى من قبورهم،
{وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ} (10)،أي وأظهر ما في صدورهم من الخير والشرّ والسّخاء والبخل،
{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} (11)؛أي عالم يعلم ما أسرّوه وما أعلنوه، ويجازيهم على أعمالهم.
ولولا دخول اللام في جواب (إنّ) لجاءت مفتوحة لوقوع العلم عليها، ولكن لما دخلت اللام كسرت (إنّ) على عادة العرب، كما في قوله تعالى {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ}
(5)
.
(1)
آل عمران 174/.
(2)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (29291).وذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 162 بلفظه.
(3)
يقال: اعتامه واعتماه؛ أي اختاره.
(4)
البقرة 268/.
(5)
المنافقون 1/.
ويحكى: أنّ الحجاج غلط في قراءة هذه السّورة فقال (أنّ ربّهم) بالفتح، واستدرك الغلط من جهة العربية وحذف اللام فقال:(خبير) فالتفت الحسن إلى أصحابه وقال: «ألا تنظرون إلى عدوّ الله يغيّر كتاب الله ليقوّم لسانه!»
(1)
.
آخر تفسير سورة (العاديات) والحمد لله رب العالمين
(1)
في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 163؛ قال القرطبي: (وقرأ أبو السّمّال (أنّ ربّهم بهم يومئذ خبير).وفي اللباب في علوم الكتاب: ج 20 ص 468؛قال ابن عادل الحنبلي: (ويحكى عن الحجاج أنه لما فتح همزة (أن) استدرك على نفسه، وتعمد سقوط اللام، وهذا إن صحّ كفر، ولا يقال: إنه قراءة ثابتة، كما نقل عن أبي السمال فلا يكفر. لأنه لو قرأها كذلك ناقلا لها لم يمنع منه، ولكنه أسقط اللام عمدا إصلاحا للسانه، واجتمعت الأمة على أن من زاد حرفا، أو نقص حرفا من القرآن عمدا فهو كافر).وقال:(قال شهاب الدين: ولا يحفظ عن الحجاج إلا هذا الأثر السوء، والناس ينقلونه عنه كذلك، وهو أقل من أن ينقل عنه).