الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة البلد
سورة البلد مكّيّة، وهي ثلاثمائة وعشرون حرفا، واثنتان وثمانون كلمة، وعشرون آية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[من قرأها أعطاه الله الأمن من غضبه يوم القيامة]
(1)
.
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ} (1)؛يعني مكّة، أقسم الله بها إعظاما لها، وحرف (لا) زائدة.
قوله تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ} (2)؛أي وأنت-يا محمّد-حلّ بمكّة، يعني: وأنت مقيم فيها، وقيل: أنت حلال فيها، تصنع ما تريد من القتل والأسر، يعني: وأنت حلال لك أن تتصرّف فيها، وذلك أنّ الله تعالى أحلّ لنبيّه عليه السلام مكّة يوم الفتح حتى قاتل، وقتل ابن خطل
(2)
وهو متعلّق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة
(3)
وغيرهما
(4)
.
(1)
رواه الثعلبي عن أبي بإسناد ضعيف، وقد تقدم وسيأتي.
(2)
في المخطوط: (ابن حنظل)،والصحيح هو عبد الله بن خطل، كان معلقا بأستار الكعبة، فقتله أبو برزة الأسلمي بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (28851) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي الدر المنثور: ج 8 ص 517؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: [فيّ نزلت هذه الآية]).وفي السيرة النبوية لابن هشام: ج 4 ص 53؛ قال: قتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو بزرة الأسلمي.
(3)
ذكره مقاتل في التفسير: ج 3 ص 485.ويقال: مقيس بن حبابة أو خبابة. قتله نميلة بن عبد الله، رجل من قومه. ينظر: السيرة النبوية لابن هشام: ج 4 ص 52 - 53.
(4)
وغيرهما، كالحويرث بن نقيذ بن وهب، وهو الذي آذى ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وأم كلثوم، قتله علي بن أبي طالب. ينظر: السيرة النبوية: ج 4 ص 52 - 53.
قوله تعالى: {وَوالِدٍ وَما وَلَدَ} (3)؛فهذا قسم بآدم وذريّته، وجواب القسم:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} (4)؛أي في شدّة من حين ينفخ فيه الروح إلى أن يصل إلى الآخرة، ليعلم أنّ الدّنيا دار كدّ ومشقّة، والجنّة دار الراحة والنعمة. والمكابدة في اللغة: هو أن يكابد الإنسان أمر المعاش والمعاد، قال الحسن:
«تكاد مصائب الدّنيا، وشدائد الآخرة، لا تلقى ابن آدم إلاّ يكابد أمر الدّنيا في مشقّة»
(1)
.
قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} (5)؛كناية عن الإنسان، وقد جاء في التفسير: أنه نزل في أبي الأشدّ بن كلدة الجمحيّ، كان قويّا شديدا يضع الأديم العكاظيّ فيقف عليه ويقول: من أزالني عنه فله كذا وكذا، فيجتمع عليه عشرة أقوياء ويجرّون الأديم، فكان ينقطع الأديم ولا تزول قدماه عن مكانهما.
والمعنى: يظنّ هذا الكافر بشدّته وقوّته أن لن يقدر عليه أحد؛ أي على أخذه وعقوبته أحد، وأن لن يبعث
(2)
،والله قادر عليه، فيقال: إنه لمّا نزل ذلك حصر بطنه وانحصر بوله فكان يتمرّغ في التراب ويقول: قتلني ربّ محمّد
(3)
.
قوله تعالى: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً} (6)؛يعني هذا الكافر المذكور يقول: أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمّد وأصحابه فلم ينفعني ذلك. واللّبد:
كلّ ما لبد بعضه على بعض.
قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} (7)؛ معناه: أيظنّ أنه لم يحص عليه ما أنفق، وأنه لا يسأل عنه من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟
قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ} (9)؛ ذكر الله منّته عليه فقال: ألم نجعل له عينين يبصر بهما، ولسانا يتكلّم به، وشفتين يستعين بهما على الكلام.
(1)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28872 و 28873).
(2)
في المخطوط: (وألّن يبعث).
(3)
ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: ص 1979.والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 20 ص 64.
قوله تعالى: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} (10)؛أي وبيّنا له وعرّفناه الخير والشرّ، ليسلك طريق الخير، ويجتنب طريق الشرّ، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّه قرأ {(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)} وقال: [أيّها النّاس إنّهما نجدان: نجد الخير، ونجد الشّرّ]
(1)
.
وقيل: معنى {(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)} :ألهمناه مصّ الثّديين، والثديان هما النّجدان، وهذا قول سعيد بن المسيّب والضحاك، ورواية عن ابن عبّاس.
قوله تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} (11)؛معناه: فلا جاد بماله بإنفاقه في طاعة الله، وهلاّ دخل في عمل البرّ، وأنفق ماله في فكّ الرّقاب وإطعام الجياع ليجاوز العقبة، فيكون خيرا له من إنفاقه في عداوة محمّد صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد والضحّاك والكلبيّ: «يعني بالعقبة الصّراط، يضرب على جهنّم كحدّ السّيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلا وصعودا وهبوطا، بجنبيه كلاليب وخطاطيف كأنّها شوك السّعدان، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكردس في النّار منكوس.
ومن النّاس من يمرّ عليه كالبرق، ومنهم من يمرّ عليه كالرّيح، ومنهم كالفارس، ومنهم كالرّجل يعدو، ومنهم كالرّجل يمشي، ومنهم من يزحف ومنهم الزّالق.
واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء».
وقال قتادة: «هذا مثل ضربه الله تعالى، يقال: إنّ المعتق والمطعم يقاحم نفسه وشيطانه مثل من يتكلّف صعوده» ،قال ابن زيد:«معنى الآية: فهلاّ سلكت الطّريق الّذي فيها النّجاة»
(2)
.
ثمّ بيّن ما هي، قوله تعالى:{وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ} (12)؛تعظيم لشأن العقبة، تقول: ما أعلمك يا محمّد بأيّ شيء تجاوز عقبة الصّراط، قال سفيان
(1)
في الدر المنثور: ج 8 ص 522؛قال السيوطي: (أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه من طرق عن الحسن رضي الله عنه
…
) وذكره. وأخرجه الطبري في جامع البيان: النصوص (28899).
(2)
أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (28909).
(1)
.
قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} (13)؛من قرأ بضمّ الكاف فمعناه: اقتحامها فكّ رقبة من رقّ أو شر أو ظلم ظالم أو من سلطان جائر. والاقتحام: الدّخول في الشّيء على الشدّة.
قوله تعالى: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ} (15)؛ منك،
{أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ} (16)؛لاصقا بالتّراب من الجهد والفاقة، ويقال: إن المتربة شدّة الحاجة إذا افتقر. ومن قرأ «(فكّ)» بالنصب «(أو أطعم)» فمعناه:
أفلا فكّ الرقبة وهلاّ أطعم في يوم ذي مسغبة.
وعن البراء بن عازب قال: جاء أعرابيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علّمني عملا يدخلني الجنّة، فقال:[لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة: فكّ الرّقبة وأعتق النّسمة] قال: أوليسا سواء يا رسول الله؟! قال: [عتق النّسمة أن تنفرد بعتقها، وفكّها أن تعين في تمنها، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلاّ من خير]
(2)
.
قوله تعالى: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} (17)؛معناه: إنّ أفعال القرب إنما تنفعه إذا كان مع ذلك من الذين آمنوا. وحرف (ثمّ) ههنا للتّرادف في الإخبار، لا للترادف في المحالّ، كأنه قال: وكان مؤمنا قبل ذلك من الذين يتواصون بالصبر. ويجوز أن يكون معناه: فعل ذلك ثمّ ثبت على الإيمان إلى أن يلقى الله تعالى.
(1)
ذكره ابن عادل الحنبلي في اللباب في علوم الكتاب: ج 20 ص 348.
(2)
في مجمع الزوائد: كتاب العتق: باب العتق والإعانة: ج 4 ص 240؛قال الهيثمي: (رواه أحمد ورجاله ثقات).وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: ج 112 ص 278 عن أبي موسى الأشعري: الحديث (1490) بإسناد ضعيف.
وقوله تعالى: {(وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)} أي وصّى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله، والصبر عن معاصيه، {(وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)} أي وأوصى بعضهم بعضا بالتّراحم على الناس واليتامى والمساكين والضعيف والمظلوم، وفي الحديث:[من لم يرحم النّاس لم يرحمه الله]
(1)
.
وقوله تعالى: {أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ} (18) معناه: أولئك الذين اجتمعت فيهم هذه الخصال هم أصحاب اليمن والبركة، وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، ويؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنّة.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ} (19)؛أي هم أصحاب الشّؤم على أنفسهم، وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم، ويؤخذ بهم ذات الشّمال «إلى» النار.
قوله تعالى: {عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ} (20)؛أي مطبقة أبوابها عليهم مسدودة، من قولك: أوصدت الباب وأوصدته إذا أطبقته، ومنه سمّي الباب الوصيد.
قال صلى الله عليه وسلم: [من قرأ سورة البلد أعطاه الله الأمان من غضبه يوم القيامة]
(2)
.
آخر تفسير سورة (البلد) والحمد لله رب العالمين
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: ج 4 ص 437:الحديث (3733) عن ابن مسعود، وقال: تفرد به إسماعيل بن عياش.
(2)
تقدم في بدء السورة.