الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشركين - واعتذر إليك مما صنع هولاء - يعني المسلمين - ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، وأهًا لريح الجنة. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، قد مثلوا به. قال: فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه. قال أنس: فكنا نقول: لما أنزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] أنها نزلت فيه وفي أصحابه
(1)
.
أويس القرني
3434 -
حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن الهيثم، ثنا أحمد بن الخليل البرجلاني، ثنا أبو النضر، ثنا سليمان بن المغيرة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة عن أسير بن جابر، قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه يقول: تفرقوا، ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدًا يتكلم بكلامه فأحببته ففقدته فقلت لأصحابي: هل تعوفون رجلا كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم. أنا أعرفه، ذاك أويس القرني قلت: أفتعرف منزله؟ قال: نعم. قال: فانطلقت معه حتى جئت مجرته فخرج إليّ فقلت: يا أخي ما حبسك عنا؟ قال: العري، قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه، قال: قلت: خذ هذا البُرد فالبسه، قال: لا تفعل فإنهم إذا يؤذونني إذا رأوه، قال: فلم أزل به حتى لبسه، فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن برده هذا، فقال: فجاء فوضعه فقال: أترى، قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون في هذا الرجل، فقد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكسى مرة، قال: فأخذتهم بلساني أخذًا شديدًا، قال: فقضي أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر بن الخطاب، قال: فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين؟، قال: فجاء ذلك الرجل فقال: أنا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن رجلًا يأتيكم من اليمن يقال له: أويس لا يدع باليمن غير أم له، وقد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه إلا مثل
(1)
أخرجه البخاري (4048)، والترمذي (3201)، وأحمد (3/ 201)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 43)، والبغوي في تفسيره (5/ 246).
موضع الدينار - أو الدرهم - فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم" قال: فقدم علينا، قال: فقلت: من أين؟ قال: من اليمن. قلت: ما اسمك؟ قال: أويس. قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أما لي. قلت: أكان بك بياض فدعوت الله فأذهب عنك؟ قال: نعم. قلت: فاستغفر لي، قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين، قال. فاستغفر له، قال: قلت: أنت أخى لا تفارقني، قال: فانملس مني، وانبئت أنه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل ذلك الرجل الذي كان يسخر منه يقول: ما هذا فينا ولا نعرفه، قال عمر: بلى إنه رجل كذا كأنه يضع شأنه قال: فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس، قال: أدرك ولا أراك تدرك، قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذا بعادتك فما بدا لك؟، قال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا، فاستغفر لي يا أويس، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، وأن لا نذكر الذي سمعته من عمر لأحد. قال: فاستغفر له، قال أسير. فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال، فدخلت عليه فقلت له: يا أخي ألا أراك العجب ونحن لا نشعر فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس وما يجزى كل عبد إلا بعمله، قال: ثم انملس منهم فذهب
(1)
.
رواه حماد بن سلمة، عن الجريري نحوه، ورواه زرارة، عن أسير بن جابر، وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي خيثمة، عن أبي النضر مختصرًا، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن زرارة، عن أسير مطولًا.
3435 -
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا معاذ بن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن زرارة، عن أسير بن جابر، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتته أمداد أهل اليمن سألهم هل فيكم أويس بن عامر القرني؟ فذكر نحو حديث أبي نضرة عن أسير بطوله
(2)
.
ورواه الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة بزيادة ألفاظ لم يتابعه عليها أحد تفرد به مخلد بن يزيد، عن نوفل عنه.
(1)
أخرجه أحمد في المسند 11/ 38 - 939، ومسلم (2542).
(2)
أخرجه مسلم (2542/ 225).
3436 -
حدثنا أبي، ثنا حامد بن محمود، ثنا سلمة بن شبيب، ثنا الوليد بن إسماعيل الحراني، ثنا محمد بن إبراهيم بن عبيد، ثنا مخلد بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله، عن الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة من أصحابه إذ قال: "ليصلين معكم غدًا رجل من أهل الجنة" قال أبو هريرة: فطمعت أنا أن أكون ذلك الرجل، فغدوت فصليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فأقمت في المسجد حتى انصرف الناس وبقيت أنا وهو، فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة، مرتد برقعة، فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، ادع الله لي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة، وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، قلت: يا رسول الله، أهو هو؟ قال:"نعم، إنه لمملوك لبني فلان" قلت: أفلا نشتريه فنعتقه يا نبي الله؟ قال: "وأنى لي ذلك إن كان الله يريد أن يجعله من ملوك الجنة، يا أبا هريرة، إن لأهل الجنة ملوكًا وسادة، وإن هذا الأسود أصبح من ملوك الجنة وسادتهم. يا أبا هريرة إن الله يحب من خلقه الأتقياء الأحفياء الأبرياء، الشعسة رءوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم من كسب الحلال الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا". "قالوا: يا رسول الله! كيف لنا برجل منهم؟، قال: "ذلك أويس القرني". قالوا: وما أويس القرني؟. قال: "أشهل ذا صهوبة، بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام بذقنه إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو القرآن يبكي على نفسه. ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف، ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض، معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف فاشفع فيشفع الله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر، يا عمر، ويا علي، إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما الله يغفر الله تعالى لكما" قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه، فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر في ذلك العام قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن! أفيكم أويس من مراد؟ فقام شيخ كبير طويل
اللحية، فقال: إنا لا ندري ما أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له: أويس وهو أخمل ذكرًا، وأقل مالًا، وأهون أمرًا من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده. قال: أين ابن أخيك هذا أبحر منا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب، قال: بأراك عرفات، قال: فركب عمر وعلي سراعًا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما ثم أقبلا إليه، فقالا: السلام عليك ورحمة الله، فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته، قالا: من الرجل؟ قال: راعى إبل وأجير قوم. قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا الإجارة، ما اسمك؟ قال: عبد الله، قالا: قد علمنا أن أهك السموات والأرض كلهم عبيد الله، فما اسمك الذي سمتك أمك؟، قال: يا هذان ما تريدان إليَّ؟، قالا: وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويسًا القرني، فقد عرفنا الصهوبة والشهولة، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كان بك فأنت هو، فأوضح منكبه فإذا اللمعة. فابتدراه يقبلانه، قالا: نشهد أنك أويس القرني، فاستغفر لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحدًا من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر، في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات؛ لا هذان! قد أشهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي - رضى الله عنه -: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعليّ بن أبي طالب فاستوى أويس قائمًا، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأنت يا علي بن أبي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيرًا، قالا: وأنت جزاك اللّه عن نفسك خيرًا، فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي، وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك، قال. يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني، ما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى عليّ إزارًا من صوف، ورداء من صوف، متى تراني أخرقهما، أما ترى أن نعلي مخصوفتان، متى تراني أبليهما؟، أما تراني أني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟، يا أمير المؤمنين، إن بين يدي ويديك عقبة كئودًا، لا يجاوزها إلّا ضامر مخف مهزول، فأخف يرحمك الله. فلما سمع عمر ذلك من كلامه ضرب بدرته الأرض، ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أن أم عمر لم تلده، يا ليتها كانت عاقرًا لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟، ثم قال: يا أمير