الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
93 - إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله بن ديسم أبو إسحاق الحربىّ [1]
العالم الكامل، الفاضل، اللغوىّ، المحدّث. ولد فى سنة ثمان وتسعين ومائة.
روى عن العالم الجمّ من العلماء، وروى عنه من الأدباء أبو بكر بن الأنبارىّ النحوىّ، [و] أبو عمر الزاهد صاحب ثعلب.
وكان إماما فى العلم، رأسا فى الزهد، عارفا بالفقه، بصيرا بالأحكام، حافظا للحديث، قيّما بالأدب، جمّاعا للّغة. وصنّف كتبا كثيرة؛ منها:
غريب الحديث، وهو أجلّ كتاب، وأكبر ما صنّف فى هذا النوع. «1»
وكان أصله من مرو. قال: أمّى تغلبيّة، وكان أخوالى نصارى أكثرهم.
وصحبت قوما من الكرخ على الحديث «2» - وعندهم ما جاز قنطرة العتيقة «3» من الحربيّة- فسمونى «الحربىّ» بذلك.
[1]. ترجمته فى الأنساب 162 ا، وبغية الوعاة 178، وتاريخ بغداد 6: 27 - 40، وتاريخ أبى الفدا 2: 58، وتاريخ ابن كثير 11: 79، وتلخيص ابن مكتوم 27، وشذرات الذهب 2: 190، وصفة الصفوة 2: 228 - 232، وطبقات الشافعية 2: 26 - 27، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 163 - 164، وفهرست ابن النديم 231 - 232، وفوات الوفيات 1: 4 - 5، وكشف الظنون 1205، 1424، ومرآة الجنان 2: 209 - 210، ومعجم الأدباء 1: 112 - 129، ومعجم البلدان 3: 245، والنجوم الزاهرة 3: 116، ونزهة الألباء 276 - 278. والحربىّ، بفتح الحاء: منسوب إلى الحربية، وهى محلة كبيرة ببغداد.
وورث أموالا كثيرة، فأنفقها على طلب الحديث. ومن زهده أنّه ما احتفل فى ملبسه ولا فى مأكله يوما قطّ، ولا شكا مرضا يجده إلى أحد من أهله. وأقام سنين ينظر بفرد عين، وما أعلم أحدا بذلك، وأفنى من عمره ثلاثين سنة لا يأكل سوى رغيفين؛ إن جاءته أمّه وأخته بهما، وإلا بات جوعان «1» . واقتنع ثلاثين أخرى برغيف فى كلّ يوم، إن جاءه أكل، وإلا بات جوعان، وربّما مشى قطعة من زمانه بنصف رغيف وأربع عشرة تمرة.
وغابت امرأته عنه عند بنته زائرة لمرضها، فكانت مؤنته فى الشهر بدرهم ودانقين «2» ونصف. واشترى صابونا، ودخل الحمام بدانقين، فقامت نفقة الشهر- وهو رمضان- بدرهم وأربعة دوانق [ونصف].
وقال: «3» ما كنا نعرف من هذه الصّباغ «4» شيئا سوى باذنجانة مشوية، أو لعيقة بنّ، «5» أو باقة فجل. وما تروّح بمروحة قط، ولا روّح، ولا أكل من شىء واحد فى يوم مرتين.
وجاء إنسان «6» إلى إبراهيم الحربىّ يشكو إليه ضائقة أدركته؛ فقال له إبراهيم:
لا تقنط؛ فإن مع العسر يسرا، ولقد ضقت مرة حتى عدمنا القوت، فقالت لى امرأتى: إن الصبيّين لا يصبران على ما نصبر عليه، فأعطنى شيئا من كتبك
نبعه، ونتفرّج به، فشحّت نفسى بالكتب، وقلت لها: أمهلينى «1» بقيّة اليوم والليلة، فالله مرجوّ الفرج، فما دخل الليل حتى دقّ الباب، فقلت: من؟ قال: رجل، قلت: ادخل. قال أطف «2» السراج؛ قال: فكببت على السراج شيئا، ودخل فوضع شيئا كان معه إلى جانبى، [وانصرف]«3» ، فرفعت الغطاء عن السّراج، فإذا شىء ملفوف، فكشفته فإذا هى أطعمة، وإذا فيها قرطاس فيه خمسمائة درهم، فقلت للمرأة: أنبهى الصّبيّين ليأكلا، وأوفى ما علينا من دين.
فلما أصبحت جلست على باب الدار، وإذا رجل معه جملان محمّلان، وكان الحاجّ»
الخراسانىّ قد قدم، وهو يسأل عن بيت إبراهيم الحربىّ، فقلت له: أنا إبراهيم، فقال: قد سيّر إليك رجل من خراسان هذين الحملين، وهما ورق خراسانىّ، فقلت: من هو؟ فقال: قد أحلفنى ألّا أذكر لك اسمه، فأخذتهما منه، ودعوت الله لمرسلهما وللحامل.
وسيّر إليه المعتضد «5» عشرة آلاف درهم، فلم يقبلها، فقيل له: فرّقها فى جيرانك، فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين: هذا مال ما تعبنا فى جمعه، فلا نتعب فى تفريقه، فإن تركنا أمير المؤمنين، وإلا رحلنا من جواره.
وسيّر إليه المعتضد وهو مريض ألف دينار، فلم يقبلها وردّها، فخاصمته بنته، فقال لها: أتخشين إذا متّ الفقر؟ فقالت: نعم. قال لها: فى تلك الزاوية اثنا عشر ألف جزء حديثية ولغويّة وغير ذلك، كتبتها بخطّى، فبيعى منها كلّ يوم جزءا بدرهم. ومن له اثنا عشر ألف درهم ليس بفقير!