الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
140 - إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيبانىّ اللغوىّ [1]
صاحب العربية. كوفىّ نزل بغداذ، روى عنه ابنه عمرو، وأحمد بن حنبل، وأبو عبيد القاسم بن سلّام. وقيل: لم يكن شيبانيا «1» ؛ وإنما كان معلّما مؤدّبا لأولاد ناس من بنى شيبان، فنسب إليهم.
وكان من أعلم الناس باللغة، موثّقا فيما يحكيه، جمع أشعار العرب ودوّنها.
قال عمرو بن أبى عمرو: ولما جمع أبى أشعار العرب كانت نيّفا وثمانين قبيلة، فكان كلما عمل منها قبيلة وأخرجها إلى الناس كتب مصحفا، وجعله فى مسجد الكوفة؛ حتى كتب نيّفا وثمانين مصحفا بخطه.
وقال أبو العباس ثعلب: كان مع أبى عمرو من العلم والسّماع عشرة أضعاف ما كان مع أبى عبيدة، ولم يكن من أهل البصرة مثل أبى عبيدة فى السماع والعلم.
[1]. ترجمته فى بغية الوعاة 192، وتاريخ بغداد 6: 329 - 332، وتاريخ ابن كثير 10:
265، 267، وتقريب التهذيب 308، وتلخيص ابن مكتوم 41، وتهذيب اللغة للأزهرىّ 1 - 6، وتهذيب التهذيب 12: 182 - 184، وخلاصة تذهيب الكمال 384، وابن خلكان 1:
65، وسلم الوصول 179، وشذرات الذهب 2: 23، 31، وروضات الجنات 100، وطبقات الزبيدىّ 134 - 135، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 259 - 260، والفهرست 68، وكشف الظنون 104، 722، 1209، 1383، 1410، 1415، 1466، 1980، ومرآة الجنان 2: 57، ومراتب النحويين 148، والمزهر 2: 411، 419، 463، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 223 - 224، والمعارف 237، ومعجم الأدباء 6: 77 - 84، والنجوم الزاهرة 2: 191، ونزهة الألباء 120 - 125.
وكان أبو عمرو يعرف فى وقته بين العلماء بصاحب ديوان اللغة والشعر، وكان خيّرا فاضلا صدوقا. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبى يلزم مجالس أبى عمرو ويكتب أماليه.
قال أبو عمرو الشيبانىّ: كنت أسير على الجسر ببغداذ؛ فإذا أنا بشيخ على حمار مصرىّ مسرج بسرج مدينىّ، فعلمت أنه من أهلها؛ فكلّمته؛ فإذا فصاحة وظرف؛ فقلت: ممّن أنت؟ فقال: من الأنصار، أنا ابن المولى، «1» الشاعر- إن كنت سمعت به. قال: قلت: إى والإله! لقد سمعت به؛ أنت الذى تقول:
ذهب الرّجال فما أحسّ رجالا
…
وأرى الإقامة بالعراق ضلالا
قال: نعم، قلت: كيف قلت:
يا ليت ناقتى التى أكريتها «2»
…
نحزت وأعقبها النّحاز «3» سعالا
قال: لم أقل كذا، وإنما قلت:
وأعقبها القلاب «4» سعالا
فدعوت عليها بثلاثة أدواء.
وكان أبو عمرو فى مجلس سعيد بن سلم الباهلىّ «1» ، وفيه الأصمعىّ، فأنشد الأصمعى بيت الحارث بن حلّزة:
عننا باطلا وظلما كما تع
…
نز عن حجرة الرّبيض الظّباء «2»
فقال للأصمعىّ: وما معنى «تعنز» ؟ قال: تنحّى، ومنه قيل:«العنزة» التى كانت تجعل قدّام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عمرو: الصواب «كما تعتر عن حجرة الرّبيض» ، أى تنحر فتصير عتائر «3» . فوقف الأصمعىّ، فقال أبو عمرو: والله لا تنشد بعد اليوم إلا «تعتر» .
قال يونس بن حبيب: دخلت على أبى عمرو الشيبانىّ، وبين يديه قمطر فيه أمناء «4» من الكتب يسيرة، فقلت له: أيّها الشيخ، هذا جميع عملك! فتبسم إلىّ، وقال: إنه من صدق كثير.
وقال أبو العباس ثعلب: دخل أبو عمرو إسحاق بن مرار البادية، ومعه دستيجان «1» حبرا، فما خرج حتى أفناهما بكتب سماعه عن العرب.
وكان أبو عمرو الشيبانىّ نبيلا فاضلا عالما بكلام العرب، حافظا للغاتها، عمل كتاب شعراء «2» ربيعة ومضر واليمن إلى ابن هرمة «3» ، وسمع من الحديث سماعا واسعا، وعمّر عمرا طويلا أناف على التسعين، وهو عند الخاصة من أهل العلم والرواية مشهور معروف.
والذى قصّر به عند العامة من أهل العلم أنه كان مشتهرا بالنبيذ والشرب له.
وسمع الناس من عمرو بن أبى عمرو عن أبيه سنين- وأبوه [أبو] عمرو فى الأحياء- وهو يحدّث عن أبيه.
مات أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيبانىّ النحوىّ سنة عشر ومائتين، يوم السّعانين «4» .
وصنف أبو عمرو كتاب الحروف فى اللغة، وسماه كتاب الجيم، وأوّله الهمزة، ولم يذكر فى مقدّمة الكتاب لم سمّاه الجيم، ولا علم أحد من العلماء ذلك.
ولقد ذكر لى أبو الجود حاتم بن الكنانىّ الصّيداوىّ «1» نزيل مصر- وكان كاتبا يخالط أهل الأدب، وأسنّ رحمه الله قال: سئل ابن القطّاع السّعدىّ «2» الصّقلىّ اللّغوىّ- نزيل مصر- عن معنى الجيم، فقال: من أراد علم ذلك من الجماعة فليعطنى مائة دينار؛ حتى أفيده ذلك، فما فى القوم من نبس بكلمة.
ومات ابن القطّاع، ولم يفدها أحدا.
ولمّا سمعت ذلك من أبى الجود- رحمه الله اجتهدت فى مطالعة الكتب والنظر فى اللغة، إلى أن عثرت على الكلمة فى مكان غامض من أمكنة اللغة، فكنت أذاكر الجماعة، فإذا جرى اسم الجيم أقول: من أراد علم ذاك فليعط عشرة دنانير، فيسكت الحاضرون عند هذا القول «3» . فانظر إلى قلة همة الناس وفساد طريق العلم، ونقض العزم! فلعن الله دنيا تختار على استفادة العلوم! فأمّا أبو منصور الأزهرىّ الهروىّ- رحمه الله فإنه ذكر فى مقدّمة كتابه فى اللغة الذى سماه التهذيب أسماء جماعة من علماء العربية؛ منهم أبو عمرو الشيبانىّ- عفا الله عنه- فأخطأ فى اسم أبيه، وأورده مصحّفا، فقال:«مراد» ، وهو خطأ كبير من مثله، وروى ذلك بخطه فى مقدّمة الكتاب.
أخبرنى ياقوت «1» ، واسمه ياقوت الرومىّ مولى عسكر الحموىّ، قال: شاهدت بمرو نسخة من الكتاب، بخط الأزهرىّ عند بنى السمعانىّ «2» ، وفيها «مراد» ، وكتب هذا المذكور من هذه النسخة نسخة، وأحضرها فى صحبته من خراسان- رحمه الله ورضى الله عنه.
ونقلت من كتاب اليمنىّ «3» فى طبقات النحاة واللغويين أن كتاب الجيم هو كتاب الحروف الذى صنّفه أبو عمرو، وجمع فيه الحوشىّ، ولم يقصد المستعمل.
قال: وجميع ما فيه خارج عن كتابه النوادر، وفيهما «4» علم كثير.
قال الجاحظ: إنما قيل له الشيبانىّ لانقطاعه إلى ناس من بنى شيبان، وليس له نسب فيهم، وتوفّى سنة ست عشرة ومائتين «5» .
وقيل لأبى زيد الأنصارىّ: إن أبا عمرو الشيبانىّ يروى هذا الحرف للأعشى «6» :
بساباط حتى مات وهو محزرق «7»
بكسر الراء، فقال: إنها نبطيّة، وأمّ أبى عمرو نبطيّة، فهو أعلم بها منا.
وقال أبو بكر محمد بن الحسن الأندلسىّ «1» فى كتابه: «إنّ أبا عمرو الشيبانىّ هو إسحاق بن مرار، من رمادة الكوفة، وجاور شيبان، فنسب إليهم» .
بضرب كآذان الفراء فضوله
…
وطعن كإيزاغ المخاض تبورها «3»
فقال: هى هذه التى تجلس عليها يا أبا سعيد، فقال الأصمعىّ لمن حضر: يا أهل بغداذ، هذا عالمكم! والفراء هاهنا جمع فرأ، وهو الحمار الوحشىّ، وكانت رواية أبى عمرو «كآذان الفراء» ، فتغفّله الأصمعىّ بغير روايته، فزلّ؛ يقال: فرأ وفراء، بالمد والقصر.
ولأبى عمرو بنون وبنو بنين، كلّهم رووا عنه. وله من التصانيف: كتاب الخيل. كتاب اللغات، وهو الجيم، ويعرف بكتاب الحروف، غريب. كتاب النوادر الكبير ثلاث نسخ. كتاب غريب «4» الحديث.
كتاب النحلة «5» . كتاب الإبل. كتاب خلق الإنسان «6» .
وقال يعقوب بن السّكّيت: مات أبو عمرو الشيبانىّ، وله مائة سنة وثمانى عشرة سنة، وكان يكتب بيده إلى أن مات. قال: وكان ربّما استعار منّى الكتاب، وأنا إذ ذاك صبىّ آخذ عنه، وأكتب من كتبه.
وقال ابن كامل: مات أبو عمرو فى اليوم الذى مات فيه أبو العتاهية وإبراهيم الموصلىّ سنة ثلاث عشرة ومائتين.
قال الأزهرىّ: «كان «1» يقال له: أبو عمرو الأحمر [جاور بنى شيبان بالكوفة، فنسب إليهم، ثم]«2» قدم بغداذ، وسمع منه أبو عبيد، وروى عنه الكثير ووثّقه. وكان قرأ دواوين الشعراء على المفضّل الضبىّ، وسمعها منه أبو حسان، وابنه عمرو بن أبى عمرو، وكان الغالب عليه النوادر وحفظ الغريب وأراجيز العرب. وله كتاب كبير فى النوادر قد سمعه «3» أبو العباس أحمد بن يحيى من ابنه عمرو عنه، وسمع أبو إسحاق الحربىّ هذا الكتاب أيضا من عمرو بن أبى عمرو. [وسمعت أبا الفضل المنذرىّ يروى عن أبى إسحاق عن عمرو بن أبى عمرو] جملة من الكتاب».
وذكره المرزبانىّ «4» فقال: «إسحاق بن مرار (بكسر الميم) أبو عمرو، مولى وليس من بنى شيبان؛ ولكنّه كان مؤدّبا لأولاد ناس من بنى شيبان، فنسب إليهم؛ كما نسب اليزيدىّ إلى يزيد بن منصور الحميرىّ، حين أدّب ولده» .
وقال أحمد بن يحيى النحوىّ ثعلب: كان عند أبى عمرو الشيبانىّ ما يحتاج إليه، وما لا يحتاج إليه لكثرة ما طلب وجمع.
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار: توفى ابنى محمد، فرأيته فى النوم، فقلت:
مازلت أعرفك مسرفا، كنت تفعل كذا وكذا، فقال:
أيارب إن تغفر فإنّك أهله
…
وإن تكن الأخرى فإنّى مجرم
قال: فقال لى شيخ من ناحية: هو أفقه منك! قال محمد الكندىّ: بلغ أبو عمرو الشيبانىّ مائة سنة وعشر سنين، ومات سنة ست أو خمس ومائتين.
وقال يعقوب بن السكّيت: مات أبو عمرو الشيبانىّ، وله مائة وثمانى عشرة سنة، وكان يكتب بيده إلى أن مات، وربما استعار منّى الكتاب، وأنا إذ ذاك صبىّ، آخذ عنه، وأكتب من كتبه.
وقال أحمد بن كامل القاضى: توفّى أبو العتاهية الشاعر فى سنة ثلاث عشرة ومائتين، وفى يوم مات فيه أبو عمرو الشيبانىّ وإبراهيم الموصلىّ المغنى، والد إسحاق، وكانت وفاته ببغداذ.
وروى أن أبا عمرو مات سنة ست عشرة ومائتين، وله مائة سنة وسنتان.