الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
143 - أسعد بن مهذّب بن زكريا بن ممّاتى أبو المكارم [1] الكاتب المصرىّ
من أقباط مصر فى عصرنا، وجدّه ممّاتى كان جوهريا بمصر، وكان يصبغ البلّور صبغة الياقوت؛ فلا يعرفه إلا الخبير بالجواهر، ولقد حكى لى رجل كان يعرف بالرشيد الصائغ أنّ الفصّ من عمل ممّاتى كان إذا نودى عليه فى سوق الصاغة تشوّفت نحوه العيون أكثر من تشوّفها إلى غيره من الجواهر لجودته، وحسن منظره.
وجدّه الأبعد أبو مليح كاتب الأفضل «1» ، وصاحب ديوانه، وهو الذى قال فيه ابن مكنسة «2» الشاعر:
طويت سماء المكرما
…
ت وكوّرت «3» شمس المديح
[وتناثرت شهب العلا]«4»
…
مذ «5» قيل مات أبو المليح «6»
[1]. ترجمته فى أعلام النبلاء 4: 323 - 328، وتاج العروس 3: 543، وتاريخ ابن كثير 13: 53، وتلخيص ابن مكتوم 41 - 42، وحسن المحاضرة 1: 242 - 243، وخطط المقريزى 3: 260 - 261، وابن خلكان 1: 68 - 69، وسلم الوصول 180 - 181، وشذرات الذهب 5: 20، وكشف الظنون 1015، 1215، ومعجم الأدباء 6: 100 - 126.
ومماتى ضبطه ابن خلكان بفتح الميمن، والثانية منهما مشدّدة، وبعد الألف تاء مكسورة.
أسلم هذا أسعد وأبوه الخطير «1» مهذّب فى صدر الدولة الغزّية»
، عند استيلائها على الأعمال المصرية.
وتولى ديوان الإقطاعات المدة الطويلة، سالما فى نفسه وجاهه ومآله إلى أن استولى على الأمر عبد الله بن علىّ بن مقدام الدّميرىّ «3» - وكان عامّيا أحمق، قليل التدبير، حاسدا لكلّ ذى فضيلة- فقبّح أثره عند مخدومه «4» ، فلحقته إهانة، فخرج من مصر مختفيا بعد شدّة أدركته، وقصد حلب، فأتى إلى من «5» بها بقديم الصحبة، فأخفق مسعاه، وأجدب مرعاه، وعاش بشجاه، إلى أن أدركته الوفاة، فمات بها فى شهور سنة ست أو سبع وستمائة، ودفن بالمقبرة المعروفة بالمقام على جانب الطريق المسلوك إلى دمشق خارج تربة رجل متمحل، يعرف بعلىّ بن أبى بكر الهروىّ الموصلىّ الخرّاط.
ولما ورد إلى حلب اطّرحوا قدره، واستبردوا نظمه ونثره، وتحاموا محاضرته، وقلّلوا مكاثرته؛ فكان فيها غريبا على التحقيق، عادم التصديق والصديق؛ وإلا
فهو كما قال فيه محمد بن محمد بن حامد «1» عندما وصفه: «ذو الفضل الجلىّ، والشعر العلىّ، والنظم السوىّ، والخاطر القوىّ، والروىّ الروىّ، والقافية القافية أثر الحسن، والقريحة المقترحة صور اليمن، والفكرة المستقيمة على جدد البراعة، والفطنة المستمدّة من مدد الصناعة، شابّ الأدب رابّ؛ وعن الفضل ذابّ، وله شعر حسن، منه قوله يوم فتح الخليج «2» بالقاهرة:
خليج كالحسام له صقال
…
ولكن فيه للرائى مسرّه
رأيت به الصّغار تجيد عوما
…
كأنّهم نجوم فى المجرّه
وله فى غلام نحوىّ:
وأهيف أحدث لى نحوه
…
تعجّبا يعرب عن ظرفه
علامة التأنيث فى لفظه
…
وأحرف العلّة فى طرفه
وقوله فى غلام خيّاط:
وخيّاط نظرت إلي
…
هـ مفتونا بنظرته
أسيل الخدّ أحمره
…
بقلبى ما بوجنته
وقد أمسيت ذا سقم
…
كأنّى خيط إبرته
وأحسد منه ذاك الخي
…
ط فاز برىّ ريقته
وكان السديد أبو القاسم الكاتب فى ديوان الإنشاء من فضلاء المتصرّفين، قد عمل قصيدة لامية مقيّدة؛ فقال فيها الأسعد هذا:
تبكى قوافى الشعر لاميّة
…
بيّضتها من حيث سوّدتها
لما «1» علا وسواس ألفاظها
…
ظننتها جنّت فقيّدتها
وله فى جماعة لا يجتمعون إلا فى مجلس الشراب:
أراكم كحباب الكأس منتظما
…
فما أرى جمعكم إلّا على قدح
وشعره ونثره كثير طيّب، وليس هذا موضع التكثير منه، وإنما ذكرته فى هذا التصنيف؛ لأنه تعرّض إلى تهذيب أفعال ابن طريف «2» فى اللغة، فاختاره وأجاده، وأتى فيه بالحسنى وزيادة. وقد كانت تصانيفه «3» كثيرة لطيفة، ومقاصده فيها طريفة «4» .