الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يشرب الماء، وفى الصيف ثمانين كذلك لا يشرب الماء، وأنه يأكل من الطعام المالح والحلو والحامض. قال: وسألته عن البول، فذكر أنه يبول فى كل يوم مرتين.
185 - الحسن بن بشر الآمدىّ- رحمه الله [1]
هو أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ الأصل، البصرىّ المنشأ. إمام فى الأدب، وله شعر حسن، واتساع تام فى علم الشعر ومعانيه [رواية] ودراية وحفظا، وصنّف كتبا فى ذلك حسانا.
وكان فى البصرة كاتبا للقضاة من بنى عبد الواحد، صحب المشايخ والجلّة، مثل أبى إسحاق الزجّاج وطبقته.
قال: حدّثنى «1» أبو إسحاق الزجّاج قال: كنا ليلة بحضرة القاسم «2» بن عبيد الله نشرب- وهو وزير- فغنّت بدعة جارية عريب:
أدلّ فأكرم به من مدلّ
…
ومن ظالم لدمى مستحلّ
إذا ما تعزّز قابلته
…
بذلّ وذلك جهد المقلّ «3»
[1]. ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 14، وبغية الوعاة 218، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 370)، وتلخيص ابن مكتوم 52، وروضات الجنات 219، وطبقات ابن قاضى شهبة 1:
298 -
299، والفهرست 155، وكشف الظنون 462، 1447، 1637، 1889، 1928، ومعجم الأدباء 8: 75 - 93، ومعجم البلدان 1:62. والآمدىّ: منسوب إلى آمد، وهى أعظم مدن ديار بكر.
فأدّت فيه صنعة حسنة، فطرب القاسم عليه طربا شديدا، واستحسن فيه الصنعة جدا والشعر، فأفرط. فقالت له بدعة: يا مولاى، إن لهذا الشعر خبرا حسنا أحسن منه. قال: وما هو؟ قالت: هو لأبى خازم «1» القاضى.
قال: فعجبنا من ذلك مع شدّة تقشّف أبى خازم وورعه وتقبّضه. فقال له الوزير: بالله يا أبا إسحاق! اركب إلى أبى خازم، واسأله عن هذا الشعر وسببه.
فباكرته، وجلست حتى خلا وجهه، ولم يبق إلا رجل بزىّ القضاة، عليه قلنسوة، فقلت له: بيننا شىء أقوله على خلوة، فقال: فليس هذا ممّن أكتمه شيئا. فقصصت عليه الخبر، وسألته عن الشعر والسبب، فتبسّم، وقال: هذا شىء قلته فى الحداثة، كنت قلته فى والدة هذا- وأومى إلى القاضى الجالس، فإذا هو ابنه- وكنت إليها مائلا، وكانت لى مملوكة، ولقلبى مالكة، فأما الآن فلا عهد لى بمثله منذ سنين، ولا عملت شعرا منذ دهر طويل، وأنا أستغفر الله مما مضى. فوجم الفتى حتى ارفضّ عرقا، وعدت إلى القاسم، فأخبرته، فضحك من خجل الابن.
وكنّا نتعاود ذلك زمانا.
كان قد ولى القضاء بالبصرة فى سنة نيّف وخمسين وثلاثمائة رجل لم يكن عندهم بمنزلة من صرف به، لأنه قد ولّى صارفا لأبى الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمىّ، فقال فيه أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ هذا- كاتب القاضيين أبى القاسم جعفر وأبى الحسن محمد بن عبد الواحد:
رأيت قلنسية «1» تستغي
…
ث من فوق رأس تنادى: خذونى
وقد قلقت فهى طورا تمي
…
ل من عن يسار ومن عن يمين
فطورا تراها دوين «2» القفا
…
وطورا تراها فويق الجبين
فقلت لها: أىّ شىء دهاك؟
…
فردّت بقول كئيب حزين
دهانى أن لست فى قالبى
…
وأخشى من الناس أن يبصرونى
وأن يعبثوا بمزاح معى
…
وإن فعلوا ذاك بى قطّعونى
فقلت لها: مرّ من تعرفين
…
من المنكرين لهذى الشؤون
ومن كان يشهق إمّا رآك
…
ويخرج من جوفه كالرنين
ومن كان يصفع «3» فى الله لا
…
يملّ ويشتدّ فى غير لين
ويسلح ملأك كيل التما
…
م إمّا على صحة أم جنون
ففارقها ذلك الإنزعاج
…
وعادت إلى حالها فى السكون
وكان الآمدىّ يكتب خطا حسنا من خطوط الأوائل، وهو أقرب خط إلى الصحة. وكتب الكثير.
وصنف كتبا حسانا، منها كتاب الموازنة بين أبى تمام والبحترىّ، وهو كتاب كبير حسن فى فنه، وكتاب المختلف والمؤتلف فى أسماء الشعراء، وهو كتاب جليل، وكتاب الردّ على قدامة «4» فى نقد الشعر، وهو كتاب جليل ظريف، وكتاب الحروف فى اللغة.
ورأيت فى بعض المجاميع ما صورته: الحسن بن بشر بن يحيى أبو القاسم الآمدىّ الكاتب النحوىّ؛ من أهل البصرة، وهو صاحب كتاب الموازنة بين الطائيين.
كان حسن الفهم جيد الدّراية والرواية، سريع الإدراك، وصنّف كتبا كثيرة؛ منها كتاب المؤتلف والمختلف فى أسماء الشعراء، وكتاب نثر المنظوم، وكتاب فى أن الشاعرين لا تتفق خواطرهما، وكتاب [ما]«1» فى عيار الشعر [من الخطأ]«2» ، ردّ فيه على ابن طباطبا «3» ، وكتاب فرق ما بين الخاص والمشترك من معانى الشعراء، وكتاب تفضيل امرئ القيس على الجاهليين، وكتاب فى شدة حاجة الإنسان إلى أن يعرف قدر نفسه، وكتاب تبيين غلط قدامة بن جعفر فى كتاب نقد الشعر، وكتاب معانى شعر البحترىّ، وكتاب الرّد على ابن عمار فيما خطّأ فيه أبا تمام، وكتاب ديوان شعره، وغير ذلك «4» .
وكان مولده بالبصرة، وقدم بغداذ، وأخذ عن الحسن بن على بن سليمان الأخفش وأبى إسحاق الزجاج وأبى بكر بن دريد وأبى بكر بن السراج اللغة والأخبار.
واتسع فى الآداب وبرّز فيها، وانتهت رواية الشعر القديم والأخبار فى آخر عمره بالبصرة إليه.
وكان يكتب بمدينة السلام لأبى جعفر بن هارون بن محمد الضبىّ خليفة أحمد ابن هلال صاحب عمان بحضرة المقتدر بالله، وكانت وفاته سنة سبعين وثلاثمائة، وكان يتعاطى مذهب الجاحظ فيما يعمله من الكتب.
ومن شعره يستدعى صديقا له:
عندى أخى وأخوك فى الأدب
…
نسب له فضل على النسب
فى ساحة للهو نعمرها
…
بالجدّ أحيانا وباللعب
ولنا حديث بيننا حسن
…
كالنّور بين منابت العشب
وكأنما كاساتنا شهب
…
تهوى إلى الأحزان والكرب
وبدالنا المنثور «1» فى حلل
…
يدعو إلى اللّذات والطرب
كم منظر للعين فيه وكم
…
فيه لذى الآراب من أرب
يحكى قشور الدرّ أبيضه
…
والصّفر منه قراضة الذهب
وله ضروب أشبهت فلق ال
…
ياقوت حين هوت من السّخب
يوم يطيب إذا حضرت وإن
…
غيّبت عنا فيه لم يطب
فاجمع بوجهك شمل لذّتنا
…
يا قدوة فى العلم والأدب
واعلم بأنك إن أجبت ولم
…
تكن الجواب لنا فلم تجب
وقوله أيضا:
يا واحدا بان فى الزمان
…
ممّن يجاريه أو يدانى
دعنى من نائل وبرّ
…
يعجز عن شكره لسانى
ولست والله مستميحا «2»
…
ولا أخا مطمع ترانى
وهب إذا كنت لى وهوبا
…
من بعض أخلاقك الحسان
وقال يرثى المعمرىّ:
يا عين أذرى الدموع وانسكبى
…
أصبح ترب العلوم فى التّرب
لقيت بالمعمرىّ يوم ثوى
…
أوّل رزء بآخر الأدب
كان على أعجمىّ نسبته
…
فضيلة من فضائل العرب