الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
190 - حسن بن أسد الفارقىّ الشيخ أبو نصر [1]
معدن الأدب، ومنبع كلام العرب، فاضل مكانه، وعلّامة زمانه، له النثر الرائع، والنظم الذائع، والنحو المعرب عن مشكل الإعراب. وله التصنيف البديع فى شرح اللّمع، إلى غير ذلك ممّا ليس لأديب فى مثله طمع.
كان فى زمان نظام الملك الحسن بن إسحاق الطّوسىّ «1» الوزير، والسلطان ملكشاه. «2»
وكان مستوليا على آمد «3» فى ديوانها، متولّيا لجباية أموالها، وقبض عليه وصودر، وتوسّط الطبيب الكامل فى خلاصه، والتنبيه على مكانته من الفضل.
[1]. ترجمته فى إشارة التعيين 13 - 14، وبغية الوعاة 218، وتلخيص ابن مكتوم 53 - 54، وروضات الجنات 221، وشذرات الذهب 3: 380، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 298، وفوات الوفيات 1: 149 - 151، وكشف الظنون 1563، ومعجم الأدباء 8: 54 - 75. والفارقى:
منسوب إلى ميافارقين، وهى مدينة بديار بكر، وخريدة القصر 2: 172 - 183.
وشعره سائر فى الآفاق، تتناشده رفقة الرفاق؛ فمنه قوله فى شمعة:
ونديمة لى فى الظلام وحيدة
…
مثلى، مجاهدة كمثل جهادى
فاللون لونى والدموع مدامعى «1»
…
والقلب قلبى، والسّهاد سهادى
لا فرق فيما بيننا لو لم يكن
…
لهبى خفيّا وهو منها بادى
أخبرنا أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامة، أنشدنى أبو الحسن على بن السند الفارقىّ الشّروطىّ بميّا فارقين، أنشدنا أبو نصر الحسن بن أسد الفارقىّ النحوىّ لنفسه:
يا من هواه بقلبى
…
مقداره ما يحدّ
وجدت له ما صورته: الحسن بن أسد بن الحسن أبو نصر الفارقىّ النحوىّ، الشاعر الأديب. كان من أهل ميّا فارقين، وكان ذا أدب غزير، وفضل كثير. وله كتاب شرح اللّمع، أجاد فيه وزاد، وأورده زائدا عن المراد. وإذا أنعم الناظر فيه النّظر وجده قد شرح كلام ابن جنّى المجموع بكلامه المبسوط، وأو جز فى العبارة حتى صار كالإشارة. وإذا أردت تحقيق هذا فانظر كلامه فيه على الكلام والقول تجده قد اختار ما ورد فى صدر كتاب الخصائص. وإذا نظرت إلى كلامه فى العوامل وجدته قد اختار الكلام على الحروف فى سرّ الصناعة. ومن أين لابن أسد فى ميّافارقين إلا ما ينقله من كتب المصنّفين! وإنما هو من تصنيف أبى سعيد «2» ، وبعض تصانيف ابن جنّى. وليس ذلك بقليل، فإنه نقل شرح أبى سعيد بخطه، وهو فيما بلغنى وقف بخزانة جامع ميّافارقين.
وكان فى زمان نظام الملك وملكشاه قد تولّى الديوان بآمد، وأساء التدبير فيه لكوهنة تتداخله، فحوقق «1» واعتقل؛ إلى أن شفع فيه طبيب كان حظيّا بحضرة ملكشاه، فأطلق سراحه، وانتقل إلى ميّافارقين، وقد باضت الرياسة فى رأسه وفرّخت. وجرت بميّافارقين حركة طلب لأجلها من يتولّى من قبل السلطان، فاجتمع أهل المدينة على من يولّونه، واجتمع رأيهم على رجل من بيت آل نباتة «2» الخطباء، ليتولى الإصلاح بين المتخاصمين، فأقام أياما، ثم رأى الأمر لا يستقرّ على ما هو عليه، فاعتزل الأمر، ولزم منزله، فتهيأ لها ابن أسد الفارقىّ، ونزل القصر بها، وحكم وما أحكم، وجرت أحوال قضت له بالانفصال على غير جميل، وخاف سطوة السلطان، فخرج عنها إلى حلب، وأقام مدّة، ثم حمله حبّ الرياسة والوطن، فعاد طالبا لها. ولما حصل بحرّان قبض عليه نائب السلطان وشنقه.
ومن أعجب ما اتّفق أنه قال عند عزمه على المسير من حلب أبياتا كانت طيرة «3» عليه، وهى:
لو أنّ قلبك لمّا قيل قد بانوا
…
يوم النوى صخرة صمّاء صوّان
لعيل صبرك مغلوبا ونمّ بما
…
أخفيته مدمع للسر صوّان «4»
زجرت «5» أشياء فى أشياء تشبهها
…
إذ بينهنّ رضاعات وألبان
فقال لى الطّلح «6» يوم طالح ونوى
…
وحقّق البين عندى ما وأى البان»
واستحلبت حلب جفنىّ فانحلبا
…
وبشّرتنى بحرّ القتل حرّان «1»
فالجفن من حلب ما انفكّ من حلب
…
والقلب بعدك من حرّان حرّان
وكان قتله بحرّان فى شهور سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وله أشعار كثيرة ومقطّعات يتعمّد فى أكثرها التجنيس، إلى أن صار له بذلك أنسة تامة، وعناية عامة. وله كتاب فى الألغاز «2» مشهور.
وكان عزبا مدّة عمره، يكره النّسل. وممّا يحكى من كوهنته أنه كان إذا رأى صغيرا قد لبس وزيّن، واجتيز به عليه يبالغ فى سبّ أبويه ويقول: هما عرضاه لى، يرغّبانى فى مثله.
ومن كوهنته أيضا ما حكى عنه أهل بلده، وهو أنه كان يجلس فى دهليز «3» له إلى جانب شبّاك يشرف على الطريق المسلوك، فسمع ليلة رجلا سكران ينشد نصف بيت من «الكان وكان» «4» ، وهو:
غسلت له فركت له ماجا إلىّ ولا التفت