الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
122 - إسماعيل بن حمّاد الجوهرىّ [1]
من أعاجيب الدنيا؛ وذلك أنه من الفاراب، إحدى بلاد الترك، وهو إمام فى علم اللغة؛ وخطّه يضرب به المثل فى الحسن، ويذكر فى الخطوط المنسوبة كخطّ ابن مقلة «1» ، ومهلهل، واليزيدىّ، ثم هو من فرسان الكلام، وممّن آتاه الله قوّة بصيرة، وحسن سريرة وسيرة، وكان يؤثر السفر على الوطن، والغربة على السّكن والمسكن، ويخترق «2» البدو والحضر، ودخل ديار ربيعة ومضر، فى طلب الأدب، وإتقان لغة العرب؛ وحين قضى وطره من قطع الآفاق، والاقتباس من علماء الشام والعراق، عاود خراسان، وتطرّق الدّامغان «3» ، فأنزله أبو الحسين بن على- وهو من أعيان الكتّاب وأفراد الفضلاء- عنده، وبذل فى إكرام مثواه وإحسان قراه جهده، وأخذ من آدابه وخطّه حظّه، ثم سرّحه «4» بإحسان إلى نيسابور، فلم
[1]. ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 4 - 5، وبغية الوعاة 195، وتلخيص ابن مكتوم 37، ودمية القصر 300، وسلم الوصول 193، وشذرات الذهب 3: 142 - 143، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 262 - 265، وكشف الظنون 1071 - 1073، ومعجم الأدباء 6:
151 -
165، ومعجم البلدان 6: 322، والمزهر 1: 97 - 99، والنجوم الزاهرة 4:
207 -
208، ونزهة الألباء 418 - 421، ويتيمة الدهر 4: 373 - 374.
يزل مقيما بها على التدريس والتأليف، وتعليم الخط الأنيق وكتابة المصاحف والدفاتر اللطائف، حتى مضى لسبيله، عن آثار جميلة، وأخبار حميدة.
وله كتاب الصّحاح «1» فى اللغة، أكبر وأقرب متناولا من مجمل «2» اللّغة؛ وفيه يقول أبو محمد إسماعيل بن محمد النيسابورىّ «3» - وكان عنده الكتاب بخط مؤلّفه:
هذا كتاب الصّحاح سيّد ما
…
صنّف قبل الصّحاح فى الأدب
يشمل أنواعه ويجمع ما
…
فرّق فى غيره من الكتب
وهذا كتاب الصّحاح «4» قد سار فى الآفاق، وبلغ مبلغ الرّفاق، ولمّا دخلت منه «5» نسخة إلى مصر نظرها العلماء، فاستجودوا مأخذها وقربه، ولمحوا فيها أوهاما
كثيرة انتدبوا «1» لإصلاحها، وزادوا فيها بعض ما لعلّه أخلّ به من ألفاظ لغوية، الحاجة داعية إليها، فلا شبهة فى أنه نقلها من صحف فصحّف، وانفرد فى تصريف الكلم برأيه فحرّف.
وقيل إنه اختلط فى آخر عمره، ومات متردّيا من سطح داره بنيسابور فى شهور سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. ورأيت فيما رأيت أنه مات فى حدود سنة أربعمائة.
وله شعر أنشد له أبو منصور الفرّاء «2» فى كتابه «3» :
لو كان لى بدّ من الناس
…
قطعت حبل الناس بالياس
العزّ فى العزلة لكنّه
…
لابدّ للنّاس من النّاس
وله أيضا:
فها أنا يونس فى بطن حوت
…
بنيسابور فى ظلم «4» الغمام
فبيتى والفؤاد ويوم دجن «5»
…
ظلام فى ظلام فى ظلام
وله أيضا:
رأيت فتى أشقرا أحمرا
…
قليل الدّماغ كثير الفضول
يفضّل من حمقه دائما
…
يزيد «6» بن هند على ابن البتول «7»
وله أيضا:
يا صاحب الدّعوة لا تجزعن
…
فكلّنا أزهد من كرز «1»
والماء كالعنبر فى قومس
…
من عزّه يجعل فى الحرز
فسقّنا ماء بلا منّة
…
وأنت فى حلّ من الخبز
ومن العجيب أن أهل مصر يروون كتاب الصّحاح عن ابن القطّاع الصّقلىّ متصل الطريق إلى الجوهرىّ، ولا يرويه أحد من أهل خراسان. وقد قيل:
إن ابن القطّاع لما دخل إلى مصر سئل عن الكتاب فقال: ما وصل إلينا إلى العرب. ولما رأى رغبة المصريين فيه، وكثرة اشتغالهم له، ركّب عليه طريقا ورواه لهم، فنسأل الله السّتر والسلامة بمنّه وطوله.
وذكره الباخرزىّ فى كتابه «2» فى فصل الأدباء من أهل العربية، وسجع له، فقال:
«أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهرىّ، صاحب صحاح اللغة، لم يتأخر فيها عن شرط أقرانه، ولا انحدر عن درجة أبناء زمانه. أنشدنى الأديب يعقوب بن أحمد، قال: أنشدنى الشيخ أبو إسحاق بن صالح الورّاق «3» الجوهرىّ تلميذ الجوهرىّ «4» له:
يا ضائع العمر بالأمانى
…
أما ترى بهجة «5» الزّمان
فقم بنا يا أخا هموم
…
«6» نخرج إلى نهر بشتقان «7»