الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثّلّاج أنه حدّثه عن إبراهيم بن عبد الوهاب الأبزارىّ «1» الطبرىّ صاحب أبى حاتم السّجستانىّ، وكان يكتب خطا حسنا صحيحا، ينافس فى تحصيله الرّغبة فى الأدب.
نقلت من خط ابن الرّزّاز «2» البغداذىّ فى الوفيات التى جمعها «وفيها- يعنى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة- توفى أبو إسحاق الطبرىّ النحوىّ- يعرف بتيزون- وذلك فى جمادى الأولى» .
96 - إبراهيم بن السرىّ بن سهل أبو إسحاق الزّجّاج النحوىّ [1]
صاحب كتاب معانى القرآن «3» . كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، وله مؤلّفات حسان فى الأدب.
قال أبو محمد بن درستويه النحوىّ: حدّثنى الزّجاج قال: كنت أخرط الزّجاج، فاشتهيت النحو، فلزمت المبرّد لتعلّمه- وكان لا يعلّم مجانا، ولا يعلّم
[1]. ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافىّ 108، وإشارة التعيين الورقة 2، والأنساب 272 ا، وبغية الوعاة 179 - 180، وتاريخ بغداد 6: 89 - 95، وتاريخ أبى الفدا 2: 72، وتاريخ ابن كثير 11: 148 - 149، وتلخيص ابن مكتوم 28 - 29، والتهذيب للأزهرىّ 1: 13، وتهذيب الأسماء واللغات 2: 170 - 171، وابن خلكان 1: 11 - 12، وروضات الجنات 44 - 45، وسلم الوصول 18، وشذرات الذهب 2: 259 - 260، وطبقات الزبيدىّ 81 - 82، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 165 - 168، والفهرست 60 - 61، وكشف الظنون 575، 723، 1391: 1399، 1428، 1438، 1445، 1446، 1447، 1451، 1459 1980، واللباب: 1: 397، ومراتب النحويين 136، والمزهر 2: 409، 420، 465، ومعجم الأدباء 1: 130 - 151، والنجوم الزاهرة 3: 208، ونزهة الألباء 308 - 312.
بأجرة إلا على قدرها- فقال لى: أىّ شئ صناعتك؟ قلت: ألخرط الزجاج، وكسبى فى كل يوم درهم ودانقان، أو درهم ونصف، واريد أن تبالغ فى تعليمى، وأن أعطيك كلّ يوم درهما، وأشرط لك أنى أعطيك إياه أبدا، إلى أن يفرق الموت بيننا: استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه.
قال: فلزمته، وكنت أخدمه «1» فى أموره مع ذلك، فأعطيه الدرهم، فينصحنى فى العلم حتى استقللت، فجاءه كتاب بعض بنى مارمة «2» من الصّراة «3» ، يلتمسون معلّما نحويّا لأولادهم، فقلت: أسمنى لهم، فأسمانى، فخرجت، فكنت أعلّمهم، وأنفذ إليه فى كل شهر ثلاثين درهما، وأتفقّده بعد ذلك بما أقدر عليه.
ومضت مدة على ذلك، فطلب منه عبيد الله بن سليمان «4» مؤدّبا لابنه القاسم.
فقال له: لا أعرف لك إلا رجلا زجّاجا بالصّراة، مع بنى مارمة. قال: فكتب إليهم عبيد الله، فاستنزلهم عنى، فنزلوا له، فأحضرنى، وأسلم القاسم إلىّ. فكان ذلك سبب غناى، وكنت أعطى المبرّد ذلك الدرهم فى كلّ يوم إلى أن مات، ولا أخليه من التفقّد معه بحسب طاقتى.
وحكى أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عيّاش القاضى: حدثنى أبو إسحاق الزّجاج قال: كنت أؤدّب القاسم «5» بن عبيد الله فأقول له: إن بلّغك الله مبلغ أبيك، وولّيت الوزارة ماذا تصنع بى؟ فيقول: ما أحببت، فأقول له: تعطنى عشرين ألف
دينار- وكانت غاية أمنيّتى- فما مضت إلا سنون حتى ولى القاسم الوزارة، وإنّى على ملازمتى له، وقد صرت نديما له، فدعتنى نفسى إلى إذكاره بالوعد؛ ثم هبته، فلما كان فى اليوم الثالث من وزارته قال لى: يا أبا إسحاق، لم أرك أذكرتنى بالنّذر! فقلت: عوّلت على رعاية الوزير- أيّده الله- وأنّه لا يحتاج إلى إذكار لنذر عليه فى أمر خادم واجب الحق، فقال لى: إنه المعتضد، ولو لاه «1» ما تعاظمنى دفع ذلك كلّه إليك فى مكان واحد، ولكن أخاف أن يصير لى معه حديث، فاسمح لى بأخذه متفرّقا، فقلت: يا سيدى افعل. فقال: اجلس للناس، وخذ رقاعهم فى الحوائج الكبار؛ واستجعل «2» عليها، ولا تمتنع من مسألتى شيئا تخاطب فيه، صحيحا كان أو محالا، إلى أن يحصل لك مال النّذر. قال: ففعلت ذلك، وكنت أعرض عليه كلّ يوم رقاعا، فيوقّع فيها، وربما قال لى: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول: كذا وكذا، فيقول: غبنت! هذا يساوى كذا وكذا، ارجع فاستردّ، فأراجع القوم، فلا أزال أماكسهم «3» ويزيدوننى، حتى أبلغ الحدّ الذى رسمه.
قال: وعرضت عليه شيئا عظيما، فحصلت عندى عشرين ألف دينار وأكثر منها فى مديدة. فقال لى بعد شهور: يا أبا إسحاق، حصل مال النّذر؟ فقلت: لا، فسكت، وكنت أعرض عليه؛ فيسألنى فى كل شهر أو نحوه: هل حصل المال؟
فأقول: لا، خوفا من انقطاع الكسب، إلى أن حصل عندى ضعف ذلك المال.
وسألنى يوما، فاستحييت من الكذب المتّصل، فقلت: قد حصل ذلك ببركة الوزير، فقال: فرّجت والله عنى، فقد كنت مشغول القلب إلّا أن يحصل لك.
قال: ثم أخذ الدواة، فوقّع لى إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة، فأخذتها، وامتنعت أن أعرض عليه شيئا، ولم أدر كيف أقع منه، فلما كان من غد جئته، وجلست على رسمى، فأومأ إلىّ: هات ما معك؛ يستدعى منى الرّقاع على الرسم، فقلت: ما أخذت من أحد رقعة؛ لأن النّذر قد وقع الوفاء به- ولم أدر كيف أقع من الوزير- فقال: يا سبحان الله! أترانى كنت أقطع عنك شيئا قد صار لك عادة، وعلم به الناس، وصارت لك به منزلة عندهم وجاه، وغدوّ إلى بابك ورواح، ولا يعلم سبب انقطاعه، فيظنّ ذلك لضعف جاهك عندى، أو تغيّر رتبتك! اعرض علىّ على رسمك، وخذ بلا حساب. فقبّلت يده، وباكرته من غد بالرقاع، فكنت أعرض عليه كلّ يوم شيئا إلى أن مات، وقد تأثّلت حالى هذه- رحمه الله.
قال أبو على الفارسىّ: دخلت مع شيخنا أبى إسحاق الزجّاج على القاسم بن عبيد الله الوزير، فورد إليه خادم، وسارّه بشىء استبشر له، ثم تقدّم إلى شيخنا أبى إسحاق بالملازمة إلى أن يعود، ثم نهض، فلم يكن بأسرع من أن عاد، وفى وجهه أثر الوجوم «1» ، فسأله شيخنا عن ذلك، لأنس كان بينه وبينه، فقال له: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى المغنيات، فسمتها «2» أن تبيعنى إياها، فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من ينصحها بأن تهديها إلىّ، رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما وردت أعلمنى الخادم بذلك، فنهضت مستبشرا لافتضاضها، فوجدتها قد حاضت، فكان منّى ما ترى. فأخذ شيخنا الدواة من بين يديه وكتب:
فارس ماض بحربته
…
حاذق بالطّعن فى الظّلم
رام أن يدمى فريسته
…
فاتّقته من دم بدم
وذكر أنه جرى بين الزّجاج وبين «1» مسينة- وكان من العلماء- شرّ استحكم حتى خرج الزّجاج إلى حدّ الشتم، فكتب إليه مسينة:
أبى الزجّاج إلا شتم عرضى
…
لينفعه فآثمه «2» وضرّه
وأقسم صادقا ما كان حرّ
…
لينطق لفظه فى شتم حرّه
ولو أنى كررت لفرّ منى
…
ولكن للمنون علىّ كرّه
فأصبح قد وقاه الله شرّى
…
ليوم لا وقاه الله شرّه
فلما اتصل هذا بالزجاج قصده معتذرا إليه، وسأله الصفح.
واجتاز يوم نيروز بشارع الأنبار راكبا، فصبّ عليه بعض الصبيان ماء، فأنشأ يقول، وهو ينفض رداءه من الماء:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه
…
ولا خير فى وجه إذا قلّ ماؤه
وسأل الجماعة «3» ، فقيل هو الزجّاج.
قال أبو الفتح عبيد الله بن أحمد النحوىّ: توفّى أبو إسحاق إبراهيم بن السرىّ الزجّاج النحوىّ فى جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. وقال غيره مات يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من الشهر، وقيل: توفى ببغداذ فى سنة ست عشرة وثلاثمائة، وقد أناف على الثمانين. وكان الزجّاج نديما للمكتفى.
وقال الأوارجىّ «4» الكاتب: وحدّثنى بعض أصحابنا أن الزجّاج قال: لازمت خدمة عبيد الله بن سليمان الوزير ملازمة قطعتنى عن أبى العباس المبرّد وعن برّه
وإجرائى عليه ما كان تعوّده منى، ثم مضيت إليه يوما، فقال لى: هل يقع حسد الإنسان إلا من نفسه؟ فقلت: لا، قال: فما معنى قول الله عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ
، فلم أدر ما وجه ذلك، فقال: ينبغى أن تعلم أن هاهنا أشياء قد بقيت عليك، فاعتذرت إليه، ووعدته بالرجوع إلى ما تعوّده منى «1» .
وكانت «2» درجة الزجاج قد ارتفعت، ونادم المعتضد. وسبب اتصاله به أن بعض الندماء وصف للمعتضد كتاب جامع النطق الذى عمله محمد «3» النّديم، وهو محمد بن يحيى [بن أبى عبّاد]«4» ، ويكنى أبا جعفر، واسم أبى عباد «5» جابر «6» بن يزيد بن الصباح العسكرىّ، وكان حسن الأدب، ونادم المعتضد، وجعل كتابه جداول، فأمر المعتضد قاسم بن عبيد الله أن يتطلّب من يفسّر تلك الجداول، فبعث إلى ثعلب، وعرضه عليه، فلم يتوجّه إلى حساب الجداول، وقال: لست أعرف هذا، فأعطى للزجاج ففكّه، وتقدّم به، وصار له به رزق فى الفقهاء، ورزق فى الندماء «7» .
وله من التصانيف كتاب ما فسّر من جامع النطق. كتاب معانى القرآن. كتاب الاشتقاق. كتاب القوافى. كتاب العروض.
كتاب الفرق. كتاب خلق الإنسان. كتاب خلق الفرس. كتاب مختصر فى النحو. كتاب فعلت وأفعلت. كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف. كتاب شرح أبيات سيبويه. كتاب النوادر. كتاب الأنواء.
وذكر أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ الأصل، البصرىّ المنشأ، أحد أئمة الأدب، قال: حدّثنى أبو إسحاق الزجّاج، قال: كنا ليلة بحضرة القاسم بن عبيد الله نشرب- وهو وزير- فغنّت بدعة جارية عريب:
أدّل فأكرم به من مدلّ
…
ومن ظالم لدمى مستحلّ
إذا ما تعزّز قابلته
…
بذلّ وذلك جهد المقلّ
فأدّت فيه صنعة حسنة جدا، فطرب القاسم عليه طربا شديدا لجودة الصنعة والشعر، وأفرط، فقالت له بدعة: يا مولاى! إن لهذا الشعر خبرا حسنا، أحسن منه، قال: وما هو؟ قال: هو لأبى خازم القاضى. قال: فعجبنا من ذلك؛ من شدّة تقشف أبى خازم وورعه وتقبّضه «1» ، فقال الوزير: بالله يا أبا إسحاق، اركب إلى أبى خازم، واسأله عن هذا الشعر وسببه، فباكرته، وجلست حتى خلا وجهه، ولم يبق إلا رجل بزىّ القضاة، عليه قلنسوة، فقلت له: بيننا شىء أقوله على خلوة، فقال: ليس هذا ممّن أكتمه شيئا، فقصصت عليه الخبر، وسألته عن الشعر والسبب، فتبسم، وقال: هذا شىء قلته فى الحداثة، فى والدة هذا- وأومأ إلى القاضى الجالس، وإذا هو ابنه- وكنت إليها مائلا، وكانت لى مملوكة، فأمّا الآن فلا عهد لى بمثله منذ سنين، ولا عملت شعرا منذ دهر طويل، وأنا أستغفر الله مما مضى.