الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
155 - بكر بن محمد بن بقية، وقيل بكر بن محمد بن عدىّ بن حبيب أبو عثمان المازنىّ النحوىّ [1]
من بنى مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علىّ بن بكر ابن وائل. من أهل البصرة، وهو أستاذ أبى العباس المبرّد.
روى عن أبى عبيدة والأصمعىّ وأبى زيد الأنصارىّ ومحبوب بن الحسن، وروى عنه الفضل بن محمد اليزيدىّ والمبرّد وعبد الله بن أبى سعد الورّاق.
ورد بغداذ، فأخذ عنه أهلها، وروى عنه منهم الحارث بن أبى أسامة، ومحمد ابن أبى الجهم السّمّرىّ «1» ، وموسى بن سهل الجونىّ.
قال أبو الفضل ميمون بن هارون: إن أبا عثمان المازنىّ قدم بغداذ فى أيام المعتصم. وروى أنّ قدومه بغداذ كان فى أيام الواثق.
[1]. ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 74 - 85، وإشارة التعيين الورقة 5، والأنساب 500 ب، وبغية الوعاة 202 - 203، وتاريخ بغداد 7: 93 - 94، وتاريخ أبى الفدا 2: 41، وتاريخ ابن كثير 10: 352 - 353، وتلخيص ابن مكتوم 45، وابن خلكان 1: 92 - 93، وشذرات الذهب 2: 113 - 114، وطبقات الزبيدىّ 57 - 64، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 281 - 284، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 179، والفلاكة والمفلوكين 70 - 71، والفهرست 57، وكشف الظنون 412، 1396، 1428، 1438، 1451، ولسان الميزان 2: 57، والمزهر 2: 408، 419، 444، 464، ومسالك الأبصار، ج 4 مجلد 2: 285 - 287، ومعجم الأدباء 7: 107 - 128، والنجوم الزاهرة 2: 263، 329، ونزهة الألباء 242 - 250، والوافى بالوفيات ج 3 مجلد 1: 159 - 164.
قال أبو عثمان المازنى: دخلت على الواثق، فقال لى: يا مازنىّ، ألك ولد؟
قلت: لا، ولكن لى أخت بمنزلة الولد، قال: فما قالت لك؟ قلت: ما قالت بنت «1» الأعشى للأعشى «2» :
فيا أب لا تنسنا غائبا
…
فإنّا بخير إذا لم ترم
أرانا إذا أضمرتك البلا
…
د نجفى ويقطع منّا الرّحم
قال: فما قلت لها؟ قال: قلت لها ما قال جرير: «3»
ثقى بالله ليس له شريك
…
ومن عند الخليفة بالنّجاح
قال: أحسنت! أعطه خمسمائة دينار.
وللمازنىّ من التصانيف: كتاب ما يلحن فيه العامة، وكتاب الألف واللام، وكتاب التصريف، وكتاب العروض، وكتاب القوافى، وكتاب الديباج، على خلاف كتاب أبى عبيدة.
قال أبو جعفر الطحاوىّ المصرىّ الحنفىّ «4» : سمعت القاضى بكّار بن قتيبة- رحمه الله يقول: ما رأيت نحو يا قطّ يشبه الفقهاء إلا حبّان بن هلال «5» والمازنىّ- يعنى أبا عثمان.
قال أبو سعيد السكّرىّ: توفى المازنىّ سنة ثمان وأربعين ومائتين. وقال غيره: مات سنة تسع وأربعين بالبصرة.
وكان أبو العباس المبرّد يصف المازنىّ بالحذق بالكلام والنحو. قال:
وكان إذا ناظر أهل الكلام لم يستعن بشىء من النحو، وإذا ناظر أهل النحو لم يستعن بشىء من الكلام.
وقال الجاحظ فى كتاب البلدان، وقد ذكر فضل البصرة ورجالها: «وفينا اليوم ثلاثة رجال نحويّون ليس فى الأرض مثلهم، ولا يدرك مثلهم- يعنى فى الاعتلال والاحتجاج والتقريب؛ منهم أبو عثمان بكر بن محمد المازنىّ، والثانى العباس بن الفرج الرياشىّ، والثالث أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الزيادىّ.
وهؤلاء لا يصاب مثلهم فى شىء من الأمصار». وكتب كتابه «1» هذا فى شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وكان المازنىّ من فضلاء الناس ورواتهم وثقاتهم، وكان متخلّقا «2» رفيقا بمن يأخذ عنه، فذكر محمد بن يزيد عنه قال: قرأ علىّ رجل كتاب سيبويه فى مدّة طويلة، فلما بلغ آخره قال لى: أمّا أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فما فهمت منه حرفا.
وذكره المبرّد قال، قال المازنىّ: قرأت على يعقوب بن إسحاق الحضرمىّ القرآن، فلما ختمت رمى إلىّ بخاتمه وقال: خذه، ليس لك مثل، وكذلك فعل يعقوب بأبى حاتم، ختم عليه سبع ختمات، وقيل خمسا وعشرين ختمة، فأعطاه خاتمه، وقال: أقرئ الناس.
وكان الواثق كتب فى حمله من البصرة إلى سرّ من رأى، فأراده على النظر والكلام، فأبى وقال: أنا تارك، فأعفوه. ووهب له الواثق مالا، وردّه إلى البصرة.
وروى أيضا أن السبب فى حمله غير هذا، وقد يجوز أن يكون قد حمل مرتين؛ وذلك أن جارية غنّت الواثق:
أظليم «1» إنّ مصابكم رجلا
…
أهدى السّلام تحيّة ظلم
فردّ بعض الحاضرين عليها نصبها «رجلا» ، وظنّ أنه خبر إن، وإنما هو مفعول المصدر، و «مصابكم» فى معنى «إصابتكم» ، و «ظلم» خبر إن، فقالت:
لا أقبل هذا ولا أغيّره، وقد قرأته كذا على أعلم الناس بالبصرة، أبى عثمان المازنىّ.
فتقدم «2» الواثق بإحضاره.
قال المازنىّ: لما دخلت على الواثق قال: باسمك؟ يريد: ما اسمك؟
قال المازنىّ: وكأنه أراد أن يعلمنى معرفته بإبدال الباء مكان الميم فى هذه اللغة، فقلت له: بكر بن محمد المازنىّ. قال: مازن شيبان أم مازن تميم «3» ؟ قلت: مازن شيبان، فقال: حدّثنا، فقلت: يا أمير المؤمنين، هيبتك تمنعنى من ذلك، وقد قال الراجز «4»:
لا تقلواها وادلواها دلوا
…
إنّ مع اليوم أخاه غدوا «5»
قال: فسّره لنا، قلت: لا تقلواها: لا تعنّفاها فى السير: يقال: قلوته؛ إذا سرت سيرا عنيفا، ودلوت: إذ سرت سيرا رفيقا.
قال: ثم أحضر التّوّزىّ «1» - وكان فى دار الواثق- وكان التّوّزىّ يقول:
«إن مصابكم رجل» ، يظنّ أن «مصابكم» مفعول، «2» و «رجل» ، خبر، فقال له المازنىّ: كيف تقول: «إن ضربك زيدا ظلم» ؟ فقال التوّزىّ: حسبى، وفهم.
وكان عبد الصمد بن المعذّل «3» قد هجا المازنىّ لأمر أوجب ذلك، وأفحش، وكان فى آخر القصيدة بيت، وهو:
هممت» أعلو رأسها وأدمغه «5»
فبلغ أبا عثمان هذا الهجاء، فقال: قولوا له الجاهل: بم نصبت: «وأدمغه» ؟
لو لزمت مجالسة أهل العلم كان أعود عليك.
وقال المازنىّ: حضرت يوما مجلس المتوكل، وحضر يعقوب بن السّكّيت، فقال المتوكل: تكلّما فى مسألة نحوية. فقلت له: اسأل، فقال: اسأل أنت، فقلت له: ما وزن «نكتل» اللفظة الواردة فى الآية المذكورة فيها قصة إخوة يوسف؟ قال: فتسرّع، وقال: وزنها: «نفعل» ، فقلت له: اتّئد وانظر،
قال: فأفكر «1» ، ثم قال: وزنها «نفتعل» . قال: فقلت له: «نكتل» أربعة أحرف، و «نفتعل» خمسة أحرف، فكيف تقدر الرباعىّ بالخماسىّ! قال: فبهت «2» ، ولم يحر جوابا «3» ، فقال له المتوكل، فما تقول أنت يا مازنىّ؟ قال: قلت: وزنها فى الأصل «نفتعل» ؛ لأنها «نكتيل» ، فلما تحرّك حرف العلة، وهو الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، فصارت «نكتال» ، ولما دخل الجازم صارت «نكتل» .
فقال المتوكل: هذا هو الحق، وانخزل ابن السكيت ووجم، وظهر ذلك عليه، وقمنا، فلما خرجنا قال ابن السكيت فى الطريق: بالغت اليوم فى أذاى! فقلت له: لم أقصدك بشىء ممّا جرى، وإنما مسألة كانت قريبة من خاطرى، فذكرتها.
وذكر أن بعض تلامذة المازنىّ دخل عليه، وهو يعالج نفسه، قال: فقلت له:
امرخ «4» صدرك يلين؛ لأنى سمعت فى حلقه حشرجة، فقال لى: امرخ صدرك يلن.
قال المازنىّ: قال له الواثق: إن ها هنا قوما يختلفون إلى أولادنا فامتحنهم، فمن كان منهم عالما ينتفع بعلمه ألزمناه إياهم، ثم أمر فجمعوا، فامتحنتهم، فما وجدت طائلا، وخافوا، فقلت: لا بأس على أحد، فلما رجعت إليه قال: كيف رأيتهم؟
قلت: يفضل بعضهم بعضا، وكلّ يحتاج إليه، فقال: لله درّك يا بكر!، وأمر لى بصلة جزلة، وأجرى لى فى كل شهر مائة دينار، فكنت بحضرته.
قال المازنىّ: قلت لابن قادم، أو لابن سعدان لمّا كابرانى: كيف تقول:
«نفقتك دينارا أصلح من درهم؟» ، فقال:«دينار» بالرفع، قلت: فكيف تقول:
«ضربك زيدا خير لك؟» ، فنصب زيدا، فقلت له: فرّق بينهما، فانقطع، وكان ذلك عند الواثق.
وشاهدت فى بعض المجاميع «1» ذكر دخول المازنىّ على المتوكل- وهو أصحّ- فى إنشاده «لا تقلواها» ، من أن يكون أنشدها عند الواثق.
قال المازنىّ: ذكرت للمتوكل، فأمر بإشخاصى، فلما دخلت عليه رأيت من العدّة والسلاح والأتراك ما راعنى- والفتح بن خاقان بين يديه- وخشيت أنى إن «2» سئلت عن مسالة ألّا أجيب فيها، فلما مثلت بين يديه، وسلّمت قلت:
يا أمير المؤمنين، أقول كما قال الأعرابىّ:
لا تقلواها وادلواها دلوا
…
إنّ مع اليوم أخاه غدوا
قال المازنىّ: فلم يفهم عنى ما أردت، واستبردت فأخرجت، ثم دعانى بعد ذلك، فقال: أنشدنى أحسن من شعر الأعرابىّ، فأنشدته قصيدة أبى ذؤيب الهذلىّ:
أمن المنون وريبها تتوجّع «3»
فقال: ليست بشىء، ثم أنشدته قصيدة متمّم بن نويرة:
لعمرى وما دهرى بتأبين مالك «4»
فقال: ليست بشىء، ثم أنشدته عدّة قصائد فى هذا الفن «1» ، وهو يقول مثل قوله فسكتّ، فقال: من شاعركم اليوم بالبصرة؟ قلت: عبد الصمد بن المعذّل ابن غيلان، قال: فأنشدنى له، فأنشدته أبياتا قالها فى قاضينا ابن «2» رياح:
أيا قاضية البصره
…
قومى فارقصى قطره
ومرّى برواشنك «3»
…
فماذا البرد والفتره
أراك قد تثيرين
…
عجاج القصف يا حرّه
بتحذيفك خدّيك
…
وتجعيدك للطرّه
قال المازنى: فاستحسنها المتوكل، واستطار لها سرورا وابتهاجا، وأمر لى بجائزة؛ فكنت أتعمّل له حفظ مثل ذلك، واستدللت على نقصه، وكمال الواثق.
قال ابن الفرّاء المصرىّ: وتوفّى المازنىّ سنة تسع وأربعين ومائتين بالبصرة.
هكذا ذكره فى تاريخه.
وقال أحمد بن أبى يعقوب بن واضح الكاتب «4» : توفى المازنىّ سنة ست وثلاثين ومائتين، ذكره فى كتابه الكبير.
قال أبو عثمان المازنىّ: قال لى أبو عبيدة: ما أكذب النحويين! فقلت له:
لم قلت ذلك؟ قال: يقولون: إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث، وإن
الألف التى فى «علقى» «1» ملحقة ليست للتأنيث. قال: فقلت: وما أنكرت من ذاك؟ قال: سمعت رؤبة «2» ينشد:
فحطّ فى علقى وفى مكور «3»
فقلت له: ما واحد العلقى؟ فقال: علقاة «4» . قال أبو عثمان: فلم أفسّر له؛ لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل ذلك. وحقّ ذلك أن يكون علقى جمعا موضوعا على غير علقاة، ولكن كالشاء من شاة «5» . ومن زعم- وهو قول أبى العباس- أن شاء جمع شاة على لفظها كتمرة وتمر؛ فإنما يقول الهمزة بدل من الهاء لازم؛ وذلك أن شاة حذفت منها هاء. ولو جاء على تمرة وتمر لقلنا فى الجمع شاه، فاعلم، فوصلنا بالهاء؛ لأن حق شاة شاهة، وقد كانت الهمزة تبدل من الهاء للمجاورة فقط، وبدلها هاهنا لنفى اللبس؛ ألا ترى أنها مبدلة فى قولك ماء، فاعلم، فإذا صغّرت قلت مويه، فإذا جمعت قلت أمواه ومياه. ومن هذا قولهم للشاء شوىّ؛ مما تقاربت ألفاظه بمداخلتها، وليس من لفظ شاة وشاء على هذا القول.
قال محمد بن يزيد: فقلت للمازنىّ: فما تقول أنت؟ قال: القول فيه أن علقى إذا لم تنصرف فى النكرة؛ فإنما هو اسم مأخوذ من لفظ علقى الذى ينصرف، وليس به، والألف فيه ملحقة، فعلّق على التأنيث فهو مشتق من لفظه، ومعناه كمعناه؛ ألا ترى أنك تقول: سبطر فهو بمعنى السّبط «1» ولفظه، وليس هو إياه بعينه، ولا مبنيا عليه، وإنما هو بمنزلة اسم وافق اسما فى معناه، وقاربه فى لفظه، وكذلك لّال لصاحب اللؤلؤ، وهذا البناء لا يكون فى ذوات الأربعة، وإنما هو اسم مشتق من اللّؤلؤ، وفى معناه، وليس بمبنىّ عليه. وإذا كانت الألف فى علقى للتأنيث لم يجز أن يكون واحدها علقاة؛ لأن تأنيثا لا يدخل على تأنيث.
وقال المازنىّ: قلت للأخفش سعيد بن مسعدة: كيف تقول: «لقضو الرجل «2» »؟. قال: كذلك أقول [قلبت] الياء واو الضمة الضاد. قال: فقلت له:
كيف تسكّنها فى قول من قال: «علم «3» الأمر»، فقال: أقول «لقضو الرجل» ، فأسكن.
قلت: فلم لا تردّ الواو إلى الأصل إذا كانت الضمة فى الضاد قد ذهبت؟ فقال:
إنى إنما أسكنتها من فعل، فأنا أنوى فيها الضمة. فقلت: فكيف تصغر سماء؟ قال:
سميّة. قلت: أليس هى محذوفة من سمّيية؟ قال: بلى! قلت: فلم لا تحذف «4» الهاء؟