الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الأول
[مقدمات التحقيق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
تصدير
عنى كثير من علماء المسلمين وأدبائهم بجمع كثير من الحقائق المبعثرة فى بطون الكتب، أو التى تلقوها بالرواية والسماع، أو خبروها بأنفسهم. ثم نسقوا هذه الحقائق، ونظموا كل طائفة متشاكلة منها فى سلك واحد؛ فدوّنوا السير وتراجم العلماء والحكماء والأطباء والأدباء ورواة الحديث والقرّاء والفقهاء والنحاة. ووصفوا البلدان والأقطار التى ارتادوها، أو قرءوا عنها أو سمعوا بها؛ كما وصفوا الحيوان والنبات؛ فكان من وراء ذلك كله طائفة كبيرة من كتب السير والطبقات والمعاجم المنوّعة والموسوعات الجامعة فى شتى نواحى العلم؛ حتى أصبحت اللغة العربية من أغنى لغات العالم كلها بمثل هذه الكتب؛ إن لم تكن أغناها. ومع ذلك لم يكن العرب هم أوّل من استحدثها؛ إذ أنهم لم يأخذوا فى مثل هذا التدوين إلا منذ القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) عندما وضع أبو بكر بن إسحاق سيرة النبىّ الهاشمىّ- عليه الصلاة والسلام، ثم اعتمد عليه ابن هشام المتوفى سنة 213 هـ. ثم جاء ابن سعد وابن سلّام فألف كل منهما طبقاته، وتتابع ظهور أمثال هذه الكتب، وتعدّدت مناحيها وموضوعاتها. وفى القرن السابع زادت وكثرت على الرغم مما حل فيه بالحضارة الإسلامية والثقافة العربية من نكبات؛ فصار لدينا كتب متعدّدة عن كل عظيم نابه، وكل فئة خاصة أو طبقة معينة من العلماء والأدباء فى مختلف القرون أو فى قرن بعينه. وإنّ نظرة واحدة إلى فهارس المكتبات العربية لتقنعنا بالكثرة الوافرة من الكتب التى وضعها العرب فى هذه الناحية من التأليف.
وقد كان لهذه السير والتراجم والطبقات قيمتها للعلم والأدب والتاريخ؛ إذ يسرت للباحث والعالم والمؤرّخ الوصول إلى كثير من الحقائق التى يقوم عليها بحثه، وبيّنت للعالم مدى إقبال المسلمين وكتّاب العربية فى مختلف العصور على البحث والتدوين، وما عانوا فيه من مشقة وجهد علمىّ مشكور؛ كما بينت للخلف مقدار ما تركه له أسلافه من ثروة ثقافية ضخمة يفخر بها كما يفخر كل محب للعلم والبحث.
ومما يؤسف له كل الأسف أن الشطر الأعظم من هذه الثروة العلمية الضخمة قد ضاع فى تلك النكبات التى حلت بالعالم الإسلامى من غزوات متكررة وحروب وثورات ومجاعات وحرائق وسرقات وجهل الحكام وطمع الطامعين.
وإنى لأرجو من الله أن تتاح لنا أو لغيرنا الفرصة لجمع كل أسماء الكتب العربية الموجودة والضائعة التى أشار إليها المؤلفون فيما وصل إلينا من كتبهم، وتنسيقها فى ثبت شامل يكون مرجعا للباحثين وهاديا لهم؛ فلعل التوفيق يوافى طائفة منهم بالعثور على بعضها والاستفادة منها.
ومما يذكر أن القدامى فى الزمن السالف قد درجوا على محو ما لديهم من بعض الكتب ليستغلوا رقوقها فى كتابة تأليف جديد من عندهم، أو تدوين مذكرات خاصة بهم، وقد تكررت هذه العملية مرات؛ لأن قراطيس البردى والرقوق كانت غالية الثمن على الكثيرين.
وإذ قد توصل العلم الحديث إلى إستعادة هذه الكتابة الممحوّة مما تركته وراءها من آثار فى البردىّ أو فى الرقوق، فقد استطاع العلماء الأوربيون الحصول على نسخ من مؤلفات قيمة ظنوا أنها ضاعت، ولا سبيل إلى العثور عليها. ففى المتحف البريطانى مثلا مخطوطات سريانية أخذت من أديار وادى النطرون؛ منها مخطوط ألفه ساويرس الأنطاكى فى القرن التاسع الميلادى كان مكتوبا عليه إلياذة
هو ميروس وإنجيل لوقا، وعلى أوراق كان عليها هندسة إقليدس مكتوبة فى القرنين السابع والثامن. وقد تكون ثمة كتب عربية كثيرة قد أصابها مثل ذلك فمحيت وكتب عليها غيرها أحدث منها وأقل قيمة.
ومهما يكن من الأمر فمن الخير للعلم والإنسانية أن يضاعف العاملون منا جهودهم فى جمع المتفرّق من التراث الثقافىّ العربىّ من مظانه، ونشر القيم منه، وهو كثير حافل، وما لم ينشر منه إلى اليوم لا يزال كثيرا.
فمثلا جمال الدين أبو الحسن على القفطىّ المصرى وزير الأيوبيين فى حلب، المتوفى سنة 646 قد خلف لنا قرابة الثلاثين كتابا ضاع أكثرها، ولم يصل الينا منها سوى كتاب واحد كامل، ومختصران له اختصرهما غيره «1» ، ومختصر لكتاب «2» آخر، وقطعة «3» من كتاب ثالث.
والكتاب الكامل هو الذى بين يدى القارئ الجزء الأوّل منه، وهو يشمل الكثيرين من علماء النحو واللغة وغيرهم، منهم من سبق لنا معرفتهم ومنهم من لم نعرف.
ولما كان الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم قد توفر سنين طويلة على دراسة هذا الكتاب، وكان حضرته قد تمرّس بنشر الكتب وتحقيقها من قبل،
انتهزنا هذه الفرصة وعهدنا إليه بمراجعة هذا الكتاب وإعادة تحقيقه، وإعداده للنشر، فقام بذلك بهمة ملحوظة وأمانة مشكورة، باذلا فيه غاية الجهد، وكان نصيبه التوفيق.
هذا وسيظهر الكتاب في أربعة أجزاء، يشمل آخرها الفهارس المنوّعة التي دأبنا على العناية بها تسهيلا للباحث وتوفيرا لوقته؛ فلا يخفى أنّ كتابا مثل هذا يفقد جزءا كبيرا من فائدته المرجوّة إذا ظهر خلوا من الفهارس.
هذا، وأرجو من كل باحث يعنى بهذا الكتاب أن يتفضل مشكورا ويبعث إلينا بما قد يعنّ له من ملاحظات على هذه الطبعة لنستدركه في الطبعة التالية إن شاء الله؛ فكلنا يسعى إلى الاقتراب من المثل الأعلى في كل ما يعمل.
أيدنا الله بعون من عنده حتى نضاعف جهودنا في سبيل الثقافة العربية، ونحقق بعض ما نصبو إليه من خير لها. والله ولي التوفيق