الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب
[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]
قال ابن مالك: (ينصب المتعجّب منه مفعولا بموازن «أفعل» فعلا لا اسما، خلافا للكوفيّين، غير الكسائيّ، مخبرا به عن «ما» متقدّمة بمعنى شيء، لا استفهاميّة خلافا لبعضهم، ولا موصولة خلافا للأخفش في أحد قوليه، وك «أفعل» «أفعل» خبرا لا أمرا، مجرورا بعده المتعجّب منه بياء زائدة لازمة، وقد تفارقه إن كان «أن» وصلتها، وموضعه رفع بالفاعلية لا نصب بالمفعوليّة، خلافا للفرّاء والزّمخشريّ وابن خروف. واستفيد الخبر من الأمر هنا، وفي جواب الشّرط، كما استفيد الأمر من مثبت الخبر والنّهي من منفيه، وربّما استفيد الأمر من الاستفهام، ولا يتعجّب إلّا من مختصّ، وإذا علم جاز حذفه مطلقا، وربّما أكّد «أفعل» بالنّون، ولا يؤكّد مصدر فعل تعجّب، ولا أفعل تفضيل).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): للتعجّب ألفاظ كثيرة لا يتعرض لها النحويّون، في باب التعجب، كقول العرب:«لله أنت» (2) و «واها له» (3) وكقول النبيّ صلى الله عليه وسلم
(1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 30).
التعجب لغة: هو التأثر الحاصل للنفس عند الاستطلاع على أمر زائد عن المعهود للمتأثر، وقيل: هو انفعال يحدث فى النفس عند الشعور بأمر خفي سببه.
واصطلاحا: هو استعظام زيادة في وصف الفاعل، خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قلّ نظيره.
وقيل: هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية بألفاظ كثيرة. ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 71)، والشرح الكبير لابن عصفور أيضا (1/ 419)، والتذييل والتكميل (4/ 595، 596)، وشرح الأشموني (3/ 16، 17)، وشرح التصريح (2/ 86، 87).
(2)
في حاشية الصبان (3/ 17): (قوله: «لله أنت»: أي في جميع الكمالات، يدل عليه حذف جهة التعجب، فهو أبلغ من نحو: «لله درك فارسا») اهـ.
(3)
واها: اسم فعل مضارع بمعنى: أعجب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأبي هريرة (1) رضي الله عنه: «سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس» (2).
ومن ألفاظه «فعل» المتقدم ذكره في باب «نعم» نحو: بغض الرجل زيد (3)، ومنها المذكور فى باب الاستغاثة نحو: يا للمراء، ومنها ما يذكر في باب القسم من نحو: لله لا يؤخّر الأجل (4)، وإنما ينوب في النحو من ألفاظه لـ «أفعل»
و «أفعل» وهما فعلان غير متصرّفين (5)، ولا خلاف في فعليّة [3/ 112] «أفعل»؛ لأنه على وزن مختصّ بالأفعال ولأنه قد يؤكد بالنّون كقول الشاعر:
2063 -
ومستبدل من بعد غضبى صريمة
…
فأحر به من طول فقر وأحريا (6)
أراد: وأحرين، فأبدل النّون ألفا للوقف، وأما «أفعل» فمختلف فى فعليّته عند -
(1) أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر، توفي سنة (59 هـ)، نشأ يتيما، وأسلم سنة (7 هـ) وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر من الرواية عنه، ولاه عمر المدينة مدة، ثم عزله، ومات بها. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 202، 213).
(2)
لقيه النبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو هريرة جنبا، فانسل، واغتسل، ثم رجع، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:«أين كنت؟» فقال: إني كنت جنبا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«سبحان الله!» .
ينظر: البخاري الباب (23) من كتاب الغسل، ومسلم حديث (66) من كتاب الحيض، والنسائي الباب (17) من كتاب الطهارة.
وفي حاشية الشيخ يس على التصريح (2/ 86): (إن قلت: ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟ قلت:
أصل ذلك أن يسبح الله عند رؤية العجب من صنائعه، ثم كثر، حتى استعمل في كل ما يتعجب منه) اهـ.
وهذا الحديث الشريف وما قبله من التعجب السماعي.
(3)
سبق شرحه، وهو تعجب قياسي.
(4)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 598)، والهمع (2/ 92) وهذا من التعجب السماعي.
(5)
في شرح التصريح (2/ 86، 88): (والمبوب له منها في النحو صيغتان اثنتان موضوعتان له:
إحداهما: ما أفعله
…
والثانية: أفعل به).
(6)
هذا البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وفي اللسان مادة «غضب»:(أنشده ابن الأعرابي).
الروايات واللغة: ومستبدل اسم فاعل من الاستبدال، وغضبى المائة من الإبل، صريمة تصغير صرمة بكسر الصاد، قطعة من الإبل، نحو الثلاثين، وصغرها للتقليل، فأحر به: أجدر به، تعجب، من: حري أن يفعل كذا، أحريا: أصله أحرين، فأبدل النون ألفا في الوقف.
والشاهد فيه: «وأحريا» حيث أكد «أفعل» بنون التوكيد.
ينظر: الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 629)، وشرح الكافية الشافية (2/ 1077)، والمساعد لابن عقيل (2/ 153)، والأشموني (3/ 221).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكوفيين، ومتفق على فعليته عند البصريين (1)، وهو الصحيح؛ للزوم اتّصال نون الوقاية به (2) عاملا في ياء المتكلّم، نحو: ما أفقرني إلى عفو الله (3)، ولا يكون كذلك إلا فعل، ولا يرد على هذا «عليكني» ولا «رويدني» فإنّه قد يقال فيهما:
عليك بي، ورويد لي، فيستغنى فيها عن نون الوقاية بالباء واللام، بخلاف:«ما أفقرني» ونحوه، فإنّ النون فيه لازمة، غير مستغنى عنها بغيرها (4)، والمتعجب منه منصوب بـ «أفعل» على المفعوليّة، إن وقع بعده، نحو: ما أظهر الحقّ، وما أدحض الباطل (5)، ومجرور بباء لازمة إن وقع بعد «أفعل» نحو: أكرم بزيد، و «ما» الواقعة قبل «أفعل» اسم مبتدأ، بلا خلاف، لأنّ «أفعل» ثابت الفعلية (6) ولا بدّ له من فاعل، وليس ظاهرا، فتعيّن كونه ضميرا، ولا مذكور يرجع إليه غير «ما» فتعيّن كونها اسما، وبعد ثبوت اسميّتها فهي إمّا بمعنى شيء (7)، وإما بمعنى الذي، وإما استفهاميّة، والقول الأول قول البصريين وهو الصحيح، لأنّ قصد المتعجّب الإعلام بأنّ المتعجّب منه ذو مزية إدراكها جليّ، وسبب الاختصاص خفيّ، فاستحقت الجملة المعبّر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصّة، ليحصل -
(1) في التذييل والتكميل (4/ 601): (يعني أنّ «أفعل» في التعجب فعل عند البصريين والكسائي، والهمزة فيه للنقل، وهو اسم عند الكوفيين، غير الكسائي، ونقل بعض أصحابنا أنه اسم عند الكوفيين، ولم يستثن منهم الكسائي، فلعل له قولين) اه.
ينظر: الإنصاف (1/ 81) مسألة (15)، ومنهج السالك (ص 370)، والمساعد لابن عقيل (2/ 147)، وشرح التسهيل للمرادي (188 / ب).
(2)
في التذييل والتكميل (4/ 602): (وما ذكروه من لزوم نون الوقاية لفعل التعجب هو على طريقة البصريين، وأما الكوفيون فإنهم يجيزون: ما أظرفني أو ما أظرفي؛ يجعلون نون الوقاية جائزة مع ياء المتكلم، لا واجبة، وحكوه سماعا عن العرب) اهـ وينظر: الإنصاف مسألة (15)(1/ 82)، وشرح التسهيل للمرادي (188 / ب)، وتوضيح المقاصد للمرادي أيضا (3/ 62).
(3)
هذا الكلام بنصه في شرح الكافية الشافية (2/ 1078).
(4)
ينظر: شرح المصنف، والتذييل والتكميل (4/ 601).
(5)
في التذييل والتكميل (4/ 600): (ومذهب سيبويه والبصريين أنّ نصب الاسم في: «ما أظرف زيدا» هو على المفعول به) اهـ.
وينظر: الكتاب (1/ 96)، وشرح التسهيل للمرادي (188 / ب)، والمساعد لابن عقيل (2/ 147).
(6)
أي عند البصريين. وهو الصحيح.
(7)
أي نكرة غير موصولة، ولا موصوفة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بذلك إبهام، متلوّ بإفهام ولا ريب أنّ الإبهام حاصل بإيقاع «أفعل» على المتعجّب منه؛ إذ لا يكون مختصّا، فتعين كون الباقي مقتضيا الإبهام، وهو «ما» فلذلك اختير القول بتنكيرها، ولا يمتنع الابتداء بها - وإن كانت نكرة غير مختصّة - كما لم يمتنع الابتداء بـ «من» و «ما» الشرطيّتين والاستفهاميتين، ووافق أبو الحسن الأخفش على صحّة جعل «ما» التعجبية نكرة، وأجاز كونها موصولة بفعل التعجّب، مخبرا عنها بخبر لازم الحذف (1)؛ فتحصّل أيضا بقوله هذا إفهام وإبهام، فحصول الإفهام بذكر المبتدأ أو صلته، وحصول الإبهام بالتزام حذف الخبر، إلا أنّ هذا القول يستلزم مخالفة النظائر من وجهين (2):
أحدهما: تقدّم الإفهام، وتأخّر الإبهام، والمعتاد فيما تضمّن من الكلام إفهاما، وإبهاما: تقدّم ما به الإبّهام، وتأخّر ما به الإفهام، كما فعل بضمير الشأن ومفسّره، وبضميري «نعم» ، و «ربّ» ، وبالعموم والتخصيص، وبالمميّز والتمييز، وأشباه ذلك.
الثّاني: كون الخبر فيه ملتزم الحذف دون شيء، يسدّ مسدّه، والمعتاد في الخبر، الملتزم الحذف، أن يسدّ مسدّه شيء، يحصل به استطالة كما كان بعد «لولا» ، وفي نحو: لعمرك لأفعلنّ، فالحكم بموصوليّة «ما» وكون الخبر محذوفا، دون استطالة حكم بما لا نظير له؛ فلم يعول عليه ولا أجيب الدّاعي إليه، وأيضا يقال لمن ذهب هذا المذهب: أخبرني عن الخبر الذي ادّعيت حذفه، أمعلوم هو أم مجهول؟ فإن قال: هو معلوم؛ فقد أبطل الإبهام المقصود، وإن قال: هو مجهول؛ لزمه حذف ما لا يصحّ حذفه، فإنّ شرط صحة حذف الخبر ألا يكون مجهولا، وهذا كاف في بيان ضعف القول بأن «ما» التعجبية موصولة بفعل التعجّب، وأما كونها استفهامية وهو قول الكوفيين (3) فليس بصحيح؛ لأنّ قائل -
(1) ينظر: شرح فصول ابن معط (ص 138)، والتذييل:(4/ 607)، والمساعد (2/ 148).
(2)
شرح المصنف (3/ 31).
(3)
في التذييل والتكميل (4/ 604): (وذهب الفراء وابن درستويه إلى أنّ «ما» استفهامية دخلها معنى التعجب وتأوله ابن درستويه على الخليل رحمه الله قال: معنى قول الخليل «ما» في «ما أحسن زيدا»، أنه استفهام دخله معنى التعجب كأنه هو الذي من حقه أن يقال فيه: أي شيء حسنه؟ واستدل عليه بإجماعهم على أنّ قولهم: أيّ رجل زيد؟ استفهام دخله معنى التعجب) اه، وينظر: منهج السالك لأبي حيّان (370)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / أ)، والمساعد لابن عقيل (2/ 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك إما أن يدّعي تجردها للاستفهام، وأما أن يدعي كونها للاستفهام والتعجّب معا، كما هي في قوله تعالى: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (1).
فالأول باطل بإجماع، ولأنّ اللفظ المجرد للاستفهام لا يتوجّه ممّن يعلم إلى من يعلم، و «ما أفعله» صالح لذلك، فلم يكن لمجرد الاستفهام، والثاني أيضا باطل؛ لأنّ الاستفهام المشوب بتعجّب لا يليه - غالبا - إلا الأسماء، نحو: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (2)، وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (3)، الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (4)، الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (5)، ونحو قول الشاعر:
2064 -
يا سيّدا ما أنت من سيّد
…
موطّأ الأكناف رحب الذّراع (6)
ومثله:
2065 -
يا جارتا ما أنت جارة (7)
و «ما» المشار إليها مخصوصة بالأفعال، فعلم أنّها غير المضمّنة استفهاما، وأيضا: لو كان فيها معنى استفهام لجاز أن تخلفها «أيّ» كما يجوز أن تخلفها في نحو:
(
…
ما أنت من سيّد)
لأنّ استعمال «أيّ» في الاستفهام المضمّن تعجّبا كثير، كقوله:
2066 -
أيّ فتى هيجاء أنت وجارها (8) -
(1) سورة الواقعة: 8.
(2)
سورة الواقعة: 27.
(3)
سورة الواقعة: 41.
(4)
سورة الحاقة: 1، 2.
(5)
سورة القارعة: 1، 2.
(6)
سبق تخريج هذا الشاهد في باب التمييز.
والشاهد هنا قوله: «ما أنت من سيّد» ؛ حيث إنّ «ما» الاستفهامية المشوبة بالتعجب جاء بعدها اسم هو «أنت» .
(7)
سبق تخرج هذا الشاهد في باب التمييز أيضا.
والشاهد هنا قوله: «ما أنت جارة» ؛ حيث إنّ «ما» قد يقصد بها الاستفهام المشوب بالتعجب، ويعقبها الاسم غالبا، كما هنا.
(8)
هذا صدر بيت من الطويل، وعجزه:
إذا ما رجال بالرّجال استقلّت
-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأيضا، فإنّ قصد التعجّب بـ «ما أفعله» مجمع عليه، وكونه مشوبا باستفهام، أو ملموحا فيه الاستفهام زيادة لا دليل عليها، فلا يلتفت إليها (1).
وفي «أفعل» المتعجّب به، مع الإجماع (2) على فاعليته قولان:
أحدهما: أنّه في اللفظ أمر، وفي المعنى خبر إنشائي مسند إلى المتعجّب منه المجرور بالباء (3).
الثاني: أنّه أمر باستدعاء التعجّب من المخاطب، مسند إلى ضميره، وهو قول الفرّاء واستحسنه الزمخشريّ، وابن خروف (4) والأول هو الصحيح، لسلامته ممّا يرد على الثاني من استشكالات:
أحدها: أنّه لو كان الناطق بـ «أفعل» المذكور آمرا بالتعجّب لم يكن متعجّبا، كما لا يكون الآمر بالحلف، والنّداء، والتشبيه، حالفا، ولا مناديا، ولا مشبها، ولا خلاف في كون الناطق بـ «أفعل» المذكور متعجّبا، وإنما الخلاف في انفراد التعجّب، ومجامعة الأمريّة (5).
الثاني: أنّه لو كان أمرا مع الإجماع على فعليّته لزم إبراز ضميره في التأنيث، والتثنية والجمع، كما يلزم في كلّ فعل أمر، متصرفا كان أو غير متصرّف، -
- ولم ينسب لقائل معين، وهو من أبيات سيبويه التي جهل قائلها.
اللغة: أي فتى هيجاء أنت وجارها: يريد: أي فتى حرب، وأي جار حرب أنت، والجار: الكافي لها، استقلت: نهضت.
والشاهد هنا: أي فتى هيجاء وجارها، حيث استعملت «أي» للاستفهام المتضمن تعجبا.
ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 55)، وشرح المصنف (3/ 33)، والتذييل والتكميل (4/ 605).
(1)
ينظر: شرح المصنف (3/ 33).
(2)
في التذييل والتكميل (4/ 609): (لا خلاف في فعلية «أفعل» إذ هذا الوزن لا يوجد في الأسماء إلا قليلا جدّا، نحو: أصبع، إحدى لغات
الإصبع، هكذا نقلوا، وفي كلام ابن الأنباري ما يدل على أنّ «أفعل» اسم، لا فعل) اهـ.
(3)
ينظر: شرح المصنف (3/ 33) والتذييل والتكميل (4/ 605).
(4)
تنظر هذه الآراء في: معاني القرآن للفراء (2/ 139)، والتذييل والتكميل (4/ 612)، والمفصل (ص 276).
(5)
ينظر: منهج السالك (ص 371)، والتذييل والتكميل (4/ 612)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يعتذر [3/ 113] عن ذلك بأنه مثل أو جار مجرى المثل (1)، لأنّ المثل يلزم لفظا واحدا دون تبديل، ولا تغيير، نحو: أطرّي فإنّك ناعلة (2):
2067 -
…
خلالك الجوّ فبيضي واصغري (3)
والجاري مجرى المثل يلزم لفظا واحدا مع اغتفار بعض التغيير، نحو: حبّذا ولله درّك، فالتزم لفظ «حبّذا» ، و «لله» أن تختم الجملتان بما كان للناطق بهما غرض في الختم به، و «أفعل» المذكور لا يلزم لفظا واحدا، أصلا، فليس مثلا، ولا جاريا مجرى المثل، فلو كان فعل أمر مسند إلى المخاطب لبرز ضميره في التأنيث، والتثنية، والجمع، كما برز مع غيره، من أفعال الأمر العارية من المثلية، وقيدت أفعال الأمر بالعارية من المثلية احترازا من نحو:«خذ ما صفا، ودع ما كدر» (4) و «زر غبّا تزدد حبّا» (5) على أنّ قولهم: «اذهب بذي تسلم» أشبه بالأمثال، -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 610، 617)، ومنهج السالك (371)، والمساعد لابن عقيل (141 / ب).
(2)
أطرّي: خذي طرر الوادي، وهى نواحيه، فإنّك ناعلة: فإن عليك نعلين، وقيل: عنى بالنعلين غلظ في جلد قدميها، ويضرب لمن يؤمر بارتكاب الأمر الشديد، لاقتداره عليه، يستوي فيه خطاب المذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والجمع.
ينظر هذا المثل في: الكتاب (1/ 292)، جمهرة الأمثال لأبن لأبي هلال العسكري (1/ 50)، برقم (24)، ومجمع الأمثال (1/ 430)، وشرح المفصل لابن يعيش (3/ 428) اللسان «طرر» .
(3)
هذا عجز بيت من الرجز، جرى مجرى المثل، وقائله طرفة بن العبد، الشاعر المشهور، وذلك أنه كان في سفر مع عمه، فذهب طرفة بفخ له، بمكان اسمه معمر، فنصبه للقنابر، وظل طوال يومه لم يصد شيئا، ثم حمل فخه، وعاد إلى عمه، فرحلا من هذا المكان، فرأى القنابر يلقطن ما كان نثر لهن، فقال أبياتا منها هذا الشاهد، وصدره:
يا لك من قنبرة بعنبر
…
...
وينسب الشاهد أيضا لكليب ابن أخي المهلهل، ويضرب المثل في الحاجة يتمكن منها صاحبها.
والشاهد: لزوم المثل لفظا واحدا دون تغيير.
ينظر الشاهد في: ديوان طرفة بن العبد (ص 46)، ومجمع الأمثال (1/ 239)، والفاخر (179)، وجمهرة الأمثال للعسكري (ص 422).
(4)
ينظر هذا المثل في المستقصى للزمخشري (2/ 72)، برقم (258)، والشاهد فيه لزوم الأمر لفظا واحدا، لأنه ليس عاريا من المثلية.
(5)
هذا الحديث أورده ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 146) مادة «غبب» وذكره -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأحق بأن يجرى مجراها، ولم يمنع ذلك من بروز فاعل الفعلين في التثنية والجمع، والتأنيث، فلو كان المذكور جاريا مجرى المثل لعومل معاملة:«اذهب» و «تسلم» (1).
الثالث من الإشكالات: أن «أفعل» المذكور لو كان مسندا إلى المخاطب لم يجز أن يليه ضمير المخاطب، نحو: أحسن بك؛ لأنّ في ذلك إعمال فعل واحد في ضميري فاعل ومفعول، لمسمّى واحد (2).
الرابع من الإشكالات: أنّ «أفعل» المشار إليه لو كان بمعنى الأمر، لا بمعنى «أفعل» تالي «ما» لوجب له من الإعلال - إذا كانت عينه ياء، أو واوا - ما وجب لـ: أبن، وأقم، ونحوهما، ولم يقل: أبين، وأقوم، فيلزم مخالفة النظائر، فإذا جعل مخالفا لـ: أبن، وأقم، ونحوهما في الأمريّة، موافقا لأبين وأقوم، من: ما أبينه، وما أقومهّ في التعجّب، سلك به سبيل الاستدلال، وأمن الشذوذ من التصحيح والإعلال (3)، وقد تبين بعد ما ذكرت فاعليته ما بعد «أفعل» من المجرور بالباء، وهو نظير المجرور بعد (كفى) في نحو: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (4) إلا أنّ بينهما فرقا من وجهين:
أحدهما: أنّ الباء في: كَفى بِاللَّهِ * ونحوه قد يحذف، ويرتفع مصحوبه كقول الشاعر:
2068 -
عميرة ودّع إن تجهّزت غازيا
…
كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا (5)
-
- السيوطي في الجامع الكبير (1/ 537)، وهذا الحديث من الأمثال، وتمثل به النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مجمع الأمثال للميداني (1/ 322) برقم (1732): قال المفضل: «أول من قال ذلك معاذ بن حزم الخزاعي، وكانت أمه من عك، وكان فارس خزاعة، وكان يكثر زيارة أخواله
…
إلخ».
(1)
ينظر: شرح المصنف (3/ 34)، والتذييل والتكميل (4/ 618).
(2)
يراجع هذا الإشكال في: شرح المصنف (3/ 34)، والتذييل والتكميل (4/ 619) وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 57)، والهمع (2/ 9).
(3)
ينظر: شرح المصنف (3/ 34)، والتذييل والتكميل (4/ 619).
(4)
سورة الرعد: 43، وسورة الإسراء:96.
(5)
البيت من الطويل، وقائله سحيم عبد بني الحساس، الشاعر المشهور، وهو في طبقات الشعراء لابن سلام (ص 70):
…
... إن تجهّزت غاديا
وفي اللسان مادة «نهى» : -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والباء الجارّة ما بعد «أفعل» لا تحذف، إلّا إذا كان مصحوبها «أن» والفعل كقول الشاعر:
2069 -
وقال نبيّ المسلمين تقدّموا
…
وأحبب إلينا أن تكون المقدّما (1)
ولو اضطرّ شاعر إلى حذف الباء المصاحبة غير أن بعد «أفعل» ، لزمه أن يرفع، وعلى مذهب الفراء يلزم النصب (2)، ولا حجة له في قول الشاعر:
2070 -
ألا طرقت رجال القوم ليلى
…
فأبعد دار مرتحل مزارا (3)
لإمكان جعل «أبعد» دعاء، على معنى: أبعد الله دار مرتحل عن مزار محبوبته، كأنّه يحرّض نفسه على الإقامة في منزل طروق ليلى، لأنه صار طروقها مزارا (4)، ولا حجة له في قول الآخر: -
-
سميّة ودع
…
اللغة: عميرة: اسم امرأة، تصغير عمرة، وفي ديوان سحيم: قال أبو عبيدة: كانت حبيبته التي شغف بها تسمى: غالية، وهي من أشراف تميم بن مر، ولم يتجاسر على ذكر اسمها، ودّع: اترك التودد إليها.
والشاهد في البيت قوله:
«كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا» ؛
حيث أتى الشاعر بفاعل «كفى» الشيب وما عطف عليه غير مجرور بالباء الزائدة، وهذا دليل على جواز حذف هذه الباء.
ينظر هذا الشاهد في: ديوان سحيم (ص 16)، والتذييل والتكميل (4/ 611)، والإنصاف (1/ 110)، وقطر الندى (323)، وشواهد المغني
للسيوطي (325)، والأشموني (3/ 19).
(1)
البيت من الطويل، وقائله: العباس بن مرداس الصحابي، في غزوة حنين.
والشاهد في البيت قوله:
فقد استشهد به على جواز حذف الباء التي تجر المتعجب منه بعد «أنّ، وأن» المصدرتين؛ وذلك لاطراد حذف الجار منهما.
وينظر الشاهد في: ديوان العباس بن مرداس (ص 102)، وشرح المصنف (3/ 35)، والمساعد لابن عقيل (2/ 150)، والدرر (2/ 121)، الأشموني (3/ 19).
(2)
ينظر: منهج السالك (372)، والتذييل والتكميل (4/ 621).
(3)
لم يعرف قائله، وهو من بحر الوافر.
وروي: «الحي» بدل «القوم» .
الشاهد فيه: «فأبعد دار مرتحل» حيث نصب الاسم بعد «أفعل» لما حذفت الباء وهذا دليل على أن المجرور بعد أفعل في موضع نصب على المفعولية.
وهو من شواهد المصنف (3/ 35)، والتذييل والتكميل (4/ 621)، ومنهج السالك (372)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / ب)، وتعليق الفرائد (2/ 435)، والدرر (2/ 120)، والمساعد (2/ 150)، والهمع (2/ 91).
(4)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 621).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
2071 -
فأجدر مثل ذلك أن يكونا (1)
لاحتمال أن يكون «أجدر» فعل أمر، عاريا من التعجّب بمعنى: اجعل مثل ذلك جديرا بأن يكون، أي: حقيقا بالكون (2)، يقال: جدر بكذا جدارة، أي:
صار به جديرا (3)، وأجدرته به، أي: جعلته جديرا به، أي: حقيقا (4)، ويحتمل أن يكون «أجدر» فعل تعجّب، مسندا إلى «مثل ذلك» ، ثم حذفت الباء اضطرارا واستحقّ مصحوبها الرفع على الفاعلية لكنه بني، لإضافته إلى مبني، كما بني في قوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (5) على قراءة غير أبي بكر، وحمزة والكسائي (6).
والثاني من جهتي الفرق: أن «كفى» قد تسند إلى غير المجرور بالباء فيكون هو في موضع نصب، ولا يفعل ذلك بـ «أفعل» ، أصلا، ومن المواضع التي أسند فيها «كفى» إلى غير المجرور بالباء قول الشاعر:
2072 -
فكفى بنا فضلا على من غيرنا
…
حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (7)
ونظير ما جاء في التعجّب من لفظ الأمر مرادا به الخبر ما جاء من ذلك في جواب -
(1) هذا عجز بيت من الوافر لم أهتد إلى قائله، ولم أعرف تتمته فيما قرأت من المراجع.
والشاهد فيه قوله:
حيث نصب «مثل» الذي كان مجرورا بعد «أجدر» ونصب على إسقاط الخافض، وهذا دليل على أنّ موضعه نصب على المفعول به.
ينظر الشاهد في: شرح التسهيل (3/ 35)، والهمع (1/ 91)، الدرر (2/ 120).
(2)
ينظر هذا التأويل في: التذييل والتكميل (4/ 621)، ومنهج السالك (372)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / ب) وهو بحروفه في الدرر (2/ 120، 121).
(3)
في اللسان مادة «جدر» (5/ 189): (هو جدير بكذا، ولكذا، أي خليق له، وقد جدر جدارة) اهـ.
(4)
لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 622)، وشرح المصنف (3/ 35) وتعليق الفرائد للدماميني (2/ 435).
(5)
سورة الذاريات: 23.
(6)
القراءة في النشر (3/ 213) وتحبير التيسير (ص 179)، والإتحاف (ص 399)، والكشاف (4/ 17)، والبحر المحيط (8/ 136، 137)، وإملاء ما من به الرحمن (2/ 244)، والبيان في غريب القرآن (2/ 391)، وفي كتاب السبعة لابن مجاهد (609):(قوله: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، وحفص عن عاصم: مثل مآ نصبا) اه.
وفي الحجة لابن خالويه (312): (والحجّة لمن نصب أنه بناه مع «ما» بناء: «لا رجل عندك») اهـ.
(7)
سبق تخريج هذا الشاهد في (باب الاستثناء)، والشاهد فيه هنا قوله:«فكفى بنا حبّ النبيّ محمّد» ؛ حيث أسند «كفى» إلى «حب» والجار والمجرور في موضع نصب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشرط: كقوله تعالى: قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا (1)، وكقول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» (2)، وإلى هذا النوع أشرت بقولي:(واستفيد الخبر من الأمر هنا، وفي جواب الشرط).
ثم قلت: (كما استفيد الأمر من مثبت الخبر، والنهي من منفيّه) فمثال الأوّل (3):
قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (4) ومثال الثاني: قوله تعالى:
لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها (5) بضمّ الراء، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو (6).
ثم قلت: (وربما استفيد الأمر من الاستفهام) مشيرا إلى قوله تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ (7)، وقوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (8) ثمّ قلت: (ولا يتعجّب إلّا من مختصّ)(9) فنبهت بذلك على أنّ المتعجّب منه مخبر عنه في المعنى، فلا يكون إلا معرفة، أو نكرة مختصة، فيقال: ما أحسنك وما أكرم زيدا، وما أسعد رجلا اتقى الله، ولا يقال: ما أحسن غلاما، ولا:
ما أسعد رجلا من الناس؛ لأنه لا فائدة في ذلك (10)، ثمّ قلت: وإذا علم جاز حذفه، أي: إذا علم المتعجب منه، والمقصود به، جاز حذفه، معمول «أفعل» -
(1) سورة مريم: 75، والأمر في الآية معناه الخبر، فهى من نظائر أفعل، كما في شرح المصنف، والتذييل والتكميل (4/ 621، 623).
(2)
هذا الحديث أخرجه البخاري ولفظه (1/ 31) باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو هريرة:«تسمّوا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده في النار» .
(3)
وضع الأمر موضع الخبر.
(4)
سورة البقرة: 228. والمعنى: ليتربصن. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 623)، وشرح المصنف (3/ 36).
(5)
سورة البقرة: 223.
(6)
في كتاب السبعة لابن مجاهد (ص 183): (فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبان عن عاصم:
(لا تضارّ والدة) رفعا) اهـ.
وفي الإتحاف (ص 158): (واختلف في لا تُضَارَّ فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وكذا يعقوب، برفع الراء مشددة؛ لأنه مضارع، لم يدخل عليه ناصب، ولا جازم، فرفع، فلا نافية، ومعناه النهي للمشاكلة، من حيث إنه عطف جملة خبرية على مثلها، من حيث اللفظ، ووافقهم ابن محيصن واليزيدي) اه.
(7)
سورة آل عمران: 20. والمعنى: أسلموا.
(8)
سورة المائدة: 91. والمعنى: انتهوا.
(9)
ينظر: المرجع السابق في التعليق الأول الصفحة نفسها.
(10)
ينظر: شرح المصنف (3/ 36)، والتذييل والتكميل (4/ 624).
كان، أو معمول «أفعل» (1)، فمثال حذف معمول «أفعل» قول الشاعر:
2073 -
جزى الله عنّا بحتريّا ورهطه
…
بني عبد عمرو، ما أعفّ وأمجدا (2)
أراد: ما أعفّهم، وأمجدهم، فحذف لكون المراد معلوما.
ومثال حذف معمول «أفعل» قول الآخر:
2074 -
فذلك إن يلق المنيّة يلقها
…
حميدا، وإن يستغن يوما فأجدر (3)
أراد: فأجدر به، فحذف مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه الجرّ كساه صورة الفضلة، ولأنه كمعمول «أفعل» في المعنى، وزعم قوم أنّه ليس محذوفا، لكن استتر في الفعل، حين حذفت الباء، كما يستتر ضمير «زيد» ، إذا حذفت الباء من قولك:
زيد كفى به فارسا (4) فتقول: زيد كفى فارسا، وهذه [3/ 114] الدعوى لا تصحّ، لأنّ صحتها تستلزم أن يبرز الضمير في التثنية والجمع، كما يبرز في «كفى» إذا قيل في الزيدان كفى بهما فارسين، و: الزيدون كفى بهم فرسانا:
الزيدان كفيا فارسين، والزيدون كفوا فرسانا (5)، ومعلوم أنّه لا يبرز ضمير مع -
(1) أجاز ذلك الجمهور، ومنعه الفراء، يراجع ذلك في المرجع الثاني الصفحة نفسها، ومنهج السالك (ص 384، 385)، وهمع الهوامع (2/ 91).
(2)
هذا البيت من الطويل وقائله الحصين بن القعقاع، كما في لسان العرب «بحتر» و «بختر» .
والشاهد في البيت قوله: «ما أعف وأمجدا» حيث حذف المتعجب منه جوازا، للعلم به، بعد «أفعل» والتقدير: ما أعفهم، وأمجدهم.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 37)، ومنهج السالك (ص 372)، والتذييل والتكميل (4/ 626).
(3)
هذا البيت من الطويل، وقائله: عروة بن الورد، الملقب بعروة الصعاليك، وكان شاعرا جوادا، من شعراء بني عبس المعدودين في الجاهلية، توفي سنة (616 م). تنظر: مقدمة ديوانه (ص 7 - 9).
والشاهد في البيت قوله: «فأجدر» ؛ حيث حذف المتعجب منه بعد «أفعل» والتقدير: فأجدر به، كما ذكره.
ينظر الشاهد في: ديوانه (ص 37) ط. دار بيروت، والأصمعيات (ص 46)، وشرح المصنف (3/ 47)، والتذييل والتكميل (4/ 620)، والهمع (2/ 90)، والدرر (2/ 120).
(4)
لمراجعة هذا الزعم، ينظر: منهج السالك (ص 373)، وشرح التسهيل للمرادي (190 / أ)، وفي التذييل والتكميل (4/ 628): (وزعم الفارسي، وقوم من النحويين أنه لم يحذف الفاعل في «أفعل» بل لما حذف حرف الجر استتر الفاعل في «أفعل» . اه.
(5)
ينظر هذا الرد في: شرح المصنف (3/ 137)، والتذييل والتكميل (4/ 628)، وهذا الرد أيضا في منهج السالك (ص 373) وزيد عليه:(وأجيب بأن الضمير استتر في الفعل، فلم يظهر، وسواء أكان ضمير جمع أو تثنية، أو مفرد؛ لأنه أجري مجرى الأمثال، وفي بقائها على صورة واحدة) اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«أفعل» ، كقوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (1) فعلم بذلك عدم صحة الدعوى المذكورة، ومما يدلّ على عدم صحتها أنّ من الضمائر ما لا يقبل الاستتار، كـ «نا» من نحو: أكرم بنا، وأحلم بنا؛ لأنّ «نا» لا تقبل الاستتار، والمقبول إنّما هو:
أكرم، وأحلم، ونحو ذلك (2)، كما قال الراجز:
2075 -
أعزز بنا واكف إن دعينا
…
يوما إلى نصرة من يلينا (3)
وقد يتوهم أنّ «أفعل» خوطب به المصدر على سبيل المجاز، كأنّ من قال:
أحسن به، قال: يا حسن به، فلهذا لزم الإفراد والتذكير، أشار إلى هذا أبو علي في البغداديات، منفرا منه، وناهيا عنه (4)، ومما يبين فساده أنّ من الضمائر المصوغ منها «أفعل» ما لا يكون إلّا مؤنثا، كالسهولة والنجابة، فلو كان هذا الأمر على ما توهمه صاحب الرأي لقيل في أسهل به، وأنجب به: أسهلي، وأنجبي به، لكنّه لم يقل؛ فصحّ بذلك فساد ما أدّى إليه (5)، ولشبه «أفعل» بفعل الأمر جاز أن يؤكد بالنون كقول الشاعر:
2076 -
ومستبدل من بعد غضبى صريمة
…
فأحر به من طول فقر وأحريا (6)
وهذا من إلحاق شيء لمجرد شبه لفظيّ، وهو نظير تركيب النكرة مع «لا» الزائدة، لشبهها بـ «لا» النافية للجنس، ونظيره زيادة «أن» بعد «ما» الموصولة، لشبهها بـ «ما» النافية (7)، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك، ولما كان فعل -
(1) سورة مريم: 38.
(2)
في التذييل والتكميل (4/ 628): (ولأنّ من الضمائر ما لا يمكن استتاره، نحوا ضمير المتكلم، تقول: أكرم بي، وأعزز بنا، فلو حذف الباء وحدها لقيل: أكرمنا، وأعززنا، ولم يقل، إنما قالوا:
أكرم، وأعزز؛ فدل ذلك على أنّ المحذوف هو حرف الجر، ومعموله).
(3)
البيت من الرجز، ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه قوله: «واكف» ؛ حيث حذف المتعجب منه بعد «أفعل» والتقدير كما ذكر: واكف بنا.
ينظر: الشاهد في: شرح المصنف (3/ 137)، ومنهج السالك (ص 373)، والدرر (2/ 120)، والتذييل (4/ 627).
(4)
ينظر: منهج السالك (ص 373)، وشرح التسهيل للمرادي (190 / أ).
(5)
ينظر: شرح المصنف (3/ 138).
(6)
سبق تخريج هذا الشاهد.
والشاهد هنا قوله: «أحريا» ؛ حيث أكد «أفعل» بنون التوكيد.
(7)
ينظر: شرح المصنف (3/ 183) والتذييل والتكميل (4/ 629).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التعجب دالّا على المبالغة والمزيّة استغني عن توكيده بالمصدر، وكذلك أفعل التفضيل، وعلى ذلك نبهت بقولي:(ولا يؤكد مصدر فعل تعجّب ولا أفعل تفضيل)، انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو كلام من زرق التوفيق وهدي في أداء مقاصده السنية إلى أحسن طريق ولنتبعه بذكر أمرين:
أحدهما: أنّ ابن عصفور حدّ التعجب بأنه استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قلّ نظيره (1) فذكر الاستعظام تنبيها على أنّ التعجب لا يجوز من الله، والتعجب الوارد في القرآن الكريم مصروف إلى المخاطب (2)، أما ذكر الزيادة، وكون الوصف لفاعل فسيأتي التعرض لها في كلام المصنف، وأما ذكر خفاء السبب فقال هو في شرحه: إنّ التعجّب لا يكون إلا من خفيّ السّبب؛ ألا ترى أنّ الإنسان لا يعجب إلا ممّا كان يعلمه ولا يقدر وقوعه، فيتعجب كيف وقع مثله، وأمّا ذكر خروج المتعجّب منه بالزيادة عن نظائره، وأن يقلّ نظيره، فقال في شرحه أيضا: الزيادة المستعظمة في وصف الفاعل لا يتعجب منها إلا إذا بلغت هذا المبلغ.
الثّاني: أنّ ابن عصفور أيضا وهو يذكر الصيغتين اللتين هما: ما أفعل، وأفعل به قال: إلا أنّ فيها خلافا، منهم من ألحقها بباب التعجّب، كالأخفش ومن معه ومنهم من ألحقها بباب «نعم» ثم صحح أنها من صيغ التعجّب قال: بدليل أنّ العرب لا تبني الفعل الثلاثي على «فعل» ، وتضمنه معنى المدح أو الذّمّ، إلّا بشرط أن يكون ذلك الفعل يمكن
التعجب منه بقياس، قال: ولو لم يكن معناه التعجب لما لزم ذلك فيه، إلّا أنّ منهم من يجريه مجرى «نعم» ، رعيا لما تضمنته من معنى المدح أو الذّم، ومن ذلك قوله تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (3)، وهذه الآية الشريفة على حدّ: نعم رجلا زيد، ومنهم من لا يجريه مجرى «نعم» ؛ -
(1) ينظر: هذا التعريف في: المقرب (1/ 71)، وهو بحروفه - كما هنا - في الشرح الكبير (1/ 576) بتحقيق أبو جناح، والتذييل والتكميل (4/ 599).
(2)
في التذييل والتكميل (4/ 595): (لا يجوز - يعني التعجب - من الله تعالى؛ لعلمه بجميع الأمور سبحانه تعالى فلا يتأثر بشيء؛ لأنه قديم لا يقبل الحوادث) اهـ.
(3)
سورة الكهف: 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رعيا لما تضّمنته من معنى التعجّب، ولا يلزم إذا أن يكون فاعله كفاعل «نعم» قال: والدليل على ذلك قوله:
2077 -
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها
…
وحبّ بها مقتولة حين تقتل (1)
وقول الآخر: -
2078 -
لم يمنع النّاس منّي ما أردت ولا
…
أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا (2)
ففاعل «حبّ» في البيت الأول ضمير عائد على ما تقدّم، وفاعل «حسن» في البيت الثاني اسم إشارة، والضمير العائد على ما قبله واسم الإشارة لا يكونان فاعلي «نعم» (3). انتهى.
وقد تقدم ذكر هذه المسألة في باب «نعم» وأشار المصنف إلى أنّ «فعل» يستعمل استعمال «نعم» و «بئس» متضمنا تعجبا، وذكر انجرار فاعله بالباء، واستغناءه، عن الألف واللّام، وإضماره، على وفق ما قبله، لكون الصيغة مضمنة معنى التعجب، مع أنّ المدح أو الذّمّ بها مقصود، ومقتضى كلام ابن عصفور أنّ إرادة التعجّب بها منفصلة عن إرادة المدح أو الذمّ، وأنّ أحد الاستعمالين لا يدخل في الآخر، بل قد تستعمل مرادا بها هذا المعنى، وقد تستعمل مرادا بها المعنى الآخر (4)، واعلم أنّ الشيخ ذكر مسائل سبعا، عند شرحه قول المصنف: «ولا -
(1) سبق تخريج هذا الشاهد في أفعال المدح والذم.
(2)
هذا البيت من البسيط، وقائله: سهم بن حنظلة الغنوي.
اللغة: قال الجوهري في الصحاح: «حسن» : قد حسن الشيء، إن شئت خففت الضم فقلت: حسن الشيء، ولا يجوز أن تنقل الضم إلى الحاء، وإنما يجوز إذا كان بمعنى المدح أو الذم، تشبيها بـ «نعم، وبئس» ، إذ أصلهما: نعم وبئس.
والشاهد في البيت قوله: «حسن» ؛ حيث خففت الكلمة، بنقل ضمة العين إلى الفاء، وهذا جائز.
ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 564)، واللسان «حسن» ، والأشباه والنظائر (3/ 175)، والخزانة (9/ 431).
(3)
هذا النص ليس في شرح الكبير والصغير ولا في مثل المقرب فلعله في شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور.
(4)
في الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 607): (وكل فعل ثلاثى يجوز فيه أن يبنى على وزن «فعل» يراد به معنى المدح، أو الذم، ويكون حكمه إذ ذاك كحكم «نعم وبئس» في الفاعل وفي التمييز، وفي ذكر اسم الممدوح).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يتعجّب إلّا من مختصّ»:
الأولى:
إذا كان المتعجب منه معرفا بـ «ال» العهد، نحو: ما أحسن الابن، تعني به ابنا معهودا بينك وبين المخاطب، قال: الجمهور على الجواز، ومنها الفراء (1).
الثانية:
إذا كان «أيّا» الموصولة بفعل ماض، هو صلتها، نحو: ما أحسن أيّهم قال ذلك، منعها الكوفيّون والأخفش (2) وأجازها غيرهم، فإن كانت صلتها مضارعا جاز عند الجميع، نحو: ما أحسن أيّهم يقول ذلك.
الثالثة:
ما أحسن ما كان زيد، أجازها هشام ومنعها غيره من الكوفيين، قال النحاس (3):
وهي على أصل البصريين جائزة (4)، أي: ما أحسن ما كانت كينونة زيد، فالأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع.
[3/ 115] الرابعة:
ما أحسن ما كان زيد ضاحكا، إذا كانت «كان» ناقصة، أجاز ذلك الفراء وجماعة، ومنعها البصريّون، فإن جعلت «كان» تامة، ونصبت «ضاحكا» على الحال جاز ذلك عند الجميع.
الخامسة:
ما أحسن ما ظننت عبد الله قائما، قال الفراء: إن شئت لم تأت بقائم؛ لأنه -
(1) ينظر: منهج السالك (ص 384، 385)، والتذييل والتكميل (4/ 624)، والهمع (2/ 91).
(2)
ينظر: المراجع المذكورة في التعليق السابق بنفس الصفحات.
(3)
هو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد المصري، المعروف بالنحاس، تعلم في مصر، ثم رحل إلى العراق، وأخذ عن الأخفش الصغير، والزجاج ونفطويه وابن الأنباري، وغيرهم، وناظر ابن ولاد.
من مصنفاته: إعراب القرآن، وكتاب المقنع في اختلاف البصريين والكوفيين، والتفاحة، والكافي، وغير ذلك، توفي سنة (338 هـ).
تنظر ترجمته في: طبقات القاضي ابن شهبة (2/ 375)، ونشأة النحو (ص 157).
(4)
لمراجعة ما قاله ينظر: التذييل والتكميل (4/ 625)، ومنهج السالك (ص 385).