الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]
قال ابن مالك: (فصل: يعمل اسم الفاعل غير المصغّر والموصوف خلافا للكسائي، مفردا وغير مفرد، عمل فعله مطلقا، وكذا إن حوّل للمبالغة من «فاعل» إلى «فعّال» أو «فعول» أو «مفعال» خلافا للكوفيّين، وربّما عمل محوّلا إلى «فعيل» أو «فعل» وربّما وربّما بني «فعّال» و «مفعال» و «فعيل» و «فعول» من «أفعل»، ولا يعمل غير المعتمد على صاحب مذكور أو منويّ، أو على نفي صريح أو مؤوّل، أو استفهام موجود أو مقدّر، ولا الماضي غير الموصول به «أل» أو محكيّ به الحال خلافا للكسائيّ، بل يدلّ على فعل ناصب لما يقع بعده من مفعول به يتوهّم أنّه معموله، وليس نصب ما بعد المقرون بـ «أل» مخصوصا بالمضيّ، خلافا للرّمّاني ومن وافقه، ولا على التّشبيه بالمفعول به، خلافا للأخفش، ولا بفعل مضمر خلافا لقوم).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): قد تقدم أنّ اسم الفاعل هو الصفة الدالة على «فاعل» جارية في التذكير والتأنيث على المضارع، وشرح ذلك ببيان (تامّ)(2)، ثم أشير - بعد ذلك - إلى عمله، ليعلم أنّه يعمل عمل فعله، إن أريد به الحال والاستقبال واعتمد على صاحب مذكور، نحو: زيد مكرم رجلا طالبا العلم، محققا معناه (3)، أو على صاحب منويّ كقول الشاعر:
2151 -
وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه
…
وما كلّ مؤت نصحه بلبيب (4)
-
(1) انظر: شرح التسهيل (3/ 73).
(2)
زيدت كلمة «تام» ليستقيم المعنى، وهي في شرح المصنف (3/ 73).
(3)
قال ناظر الجيش في الهامش: «هذا المثال الذي مثل به غاية الحسن؛ لأنه اشتمل على ما يقع خبرا وصفة، وحالا، يعني تمثيل المصنف بقوله: «زيد مكرم رجلا، طالبا العلم محققا معناه» .
(4)
البيت من الطويل، وقائله: أبو الأسود الدؤلي، ونسب إليه، ولبشار بن برد في رسالة الغفران، لأبي العلاء (ص 140) ط. هندية بالأزبكية (1321 هـ).
والمعنى: ينبغي للعاقل أن يرتاد موضعا مستحقّا للنصحية.
والشاهد في البيت: اعتماد اسم الفاعل على الوصف المقدر، مما يسوغ عمله.
والتقدير: ما كلّ رجل مؤت نصحه، وبهذا المثال ساغ عمل اسم الفاعل، فنصب المفعول به. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكقول الآخر:
2152 -
إنّي حلفت برافعين أكفّهم
…
بين الحطيم وبين حوضي زمزم (1)
وكقول الآخر:
2153 -
وكم مالئ عينيه من شيء غيره
…
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمي (2)
ويروى: «ومن مالئ» .
وكقول الآخر:
2154 -
إنّ النّدى وأبا العبّاس فارتحلوا
…
مثل الفرات إذا ما موجه زخرا
إن تبلغوه تكونوا مثل منتجع
…
غيثا يمجّ ثراه الماء والزّهرا (3)
أو على نفي صريح كقول الشّاعر:
2155 -
ما راع الخلّان ذمّة ناكث
…
بل من وفى يجد الخليل خليلا (4)
-
- ينظر الشاهد في: ديوان أبي الأسود الدؤلي (ص 199)، والمؤتلف للآمدي (ص 224)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (2/ 273).
(1)
البيت من الكامل، وقائله: الفرزدق، قاله للأسود بن الهيثم النخعي أبي العريان، صاحب شرطة خالد بن عبد الله القسري، وقيل: إنه قالها يمدح بها قيس بن الهيثم، صاحب خراسان.
والشاهد فيه قوله: «برافعين أكفهم» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «رافعين» فنصب «أكفهم» لكونه معتمدا على موصوف محذوف؛ إذ التقدير: حلفت برجال رافعين أكفهم، والمحذوف المدلول عليه كالمذكور.
ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (2/ 204)، ومنهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 801)، وقطر الندى (ص 272).
(2)
سبق تخريجه في باب «كم وكأين وكذا» .
والشاهد فيه هنا قوله: «وكم مالئ عينيه» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «مالئ» في «عينيه» لأنه نعت.
(3)
البيتان من البسيط وهما للفرزدق، يمدح العباس بن الوليد بن عبد الملك، المكنى بأبي الحارث، ورواية الديوان: ويد العباس.
والشاهد فيه قوله: «منتجع غيثا» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «منتجع» هنا، فنصب «غيثا» وساغ ذلك لأنه صفة لمحذوف مدلول عليه فهو كالمذكور.
ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (1/ 341)، ومنهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 802).
(4)
هذا البيت من الكامل، ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه قوله: «ما راع الخلان ذمة ناكث» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل، وهو قوله:«راع» في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو على نفي مؤوّل كقوله:
2156 -
وإنّ امرأ لم يعن إلّا بصالح
…
لغير مهين نفسه بالمطامع (1)
وعلى استفهام موجود كقول الشّاعر:
2157 -
أناو رجالك قتل امرئ
…
من العزّ في حبّك اعتاض ذلّا (2)
أو على استفهام مقدّر كقوله:
2158 -
ليت شعري مقيم العذر قومي
…
لي أم هم في الحبّ لي عاذلونا (3)
ولا يعمل اسم الفاعل، إذا لم يقصد به معنى الفعل (4) كـ «صاحب» في أكثر -
- المفعول به الذي هو قوله: «ذمة ناكث» بعد أن رفع الفاعل المغني عن الخبر، وإنما أعمل اسم الفاعل في المفعول به؛ لكونه معتمدا على حرف النفي، وهو «ما» .
ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 802)، وشرح شذور الذهب بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ص 388).
(1)
البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه قوله: «لغير مهين نفسه بالمطامع» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل «مهين» فنصب المفعول به «نفسه» ؛ لأنه مؤول بالنفي الصريح.
ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 327)، والتذييل والتكميل (4/ 803)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / أ)، والمساعد لابن عقيل (150 / أ).
(2)
البيت من المتقارب، ولم ينسب لقائل معين. وقيل: هو لسيدنا حسان بن ثابت، وليس في ديوانه، وقد ذكر ذلك في هامش شذور الذهب (ص 389)، وقال:(لأنه قد صار إلى حالة الذل لا تظهر عليه مسحة شعر حسان رضي الله تعالى عنه) اهـ.
والشاهد في البيت: إعمال اسم الفاعل قد اعتمد على حرف الاستفهام.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 73)، ومنهج السالك (ص 326)، وشواهد العيني (3/ 566)، والهمع (2/ 95)، والدرر (2/ 128).
(3)
البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين.
اللغة: ليت شعري: ليت علمي حاصل.
والشاهد فيه قوله:
حيث أعمل اسم الفاعل، وهو قوله:«مقيم» فرفع الفاعل، وهو «قومي» ونصب المفعول به، وهو «العذر» لكونه معتمدا على همزة الاستفهام المحذوفة.
والتقدير: أمقيم العذر. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 74)، والتذييل والتكميل (4/ 803)، والهمع (2/ 95)، والدرر (2/ 128).
(4)
في شرح فصول ابن معط (1/ 350) رسالة: (وإنما عمل - يعني اسم الفاعل - عمل الفعل؛ -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاستعمال؛ لعدم الاعتماد على صاحب مذكور، أو منويّ، ولا إذا صغّر أو وصف، أو قصد به المضي، ولم يوصل به الألف واللام، ولا حكيت به حال [3/ 138] فلا يقال: هذا ضويرب زيدا، ولا: هذا ضارب عنيف زيدا، ولا: هذا ضارب أمس زيدا، لا اليوم، وإنّما امتنع العمل بالتصغير والوصف؛ لأنّهما من خصائص الأسماء، فيزيلان شبه الفعل معنى ولفظا.
ولم ير الكسائيّ ذلك مانعا؛ لأنّه حكى عن بعض العرب: أظنّني مرتحلا وسويئرا فرسخا، وأجاز أن يقال: أنا زيدا ضارب، أي ضارب (1)، ولا حجة فيما حكاه، لأنّ فرسخا ظرف، والظرف يعمل فيه رائحة الفعل، وأما إجازته: أنا زيدا ضارب، أيّ ضارب؛ فلا حجة فيه؛ لأنّه لم يقل: سمعته عن العرب، بل ذكره تمثيلا، ولو رواه عن العرب لم يكن فيه حجّة؛ لأنّه كان يحمل على أنّ «زيدا» منصوب بـ «ضارب» و «ضارب» خبر «أنا» ، وأي ضارب خبر ثان، وهذا توجيه سهل موافق للأصول المجمع عليها، فلا يعدل عنه، وقد احتجّ الكسائي بقول الشاعر:
2159 -
إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت
…
ذكرت سليمى في الخليط المزايل (2)
ولا حجّة في هذا أيضا؛ لإمكان تخريجه على جعل «فرخين» منصوبا -
- لشبهه بالفعل المضارع في اللفظ والمعنى، أما اللفظ فلأن كل واحد منهما في الغالب على عدة حروف الآخر، وكل منهما متحرك الأول ساكن الثاني، وأما المعنى فلاشتراكهما في وقوعهما نعتا، وحالا، وفي لحوق حروف التثنية والجمع لهما، واتصال الظروف بهما، ودخول لام الابتداء عليهما) اهـ.
وفيه أيضا: (فإن كان للمضي لم يعمل فلا تقول: مررت بضارب زيدا أمس؛ لأنه إنما عمل لما ذكرناه من الشبه بينه وبين المضارع، وأما الماضي، فلم تقو مشابهته له، فلا يعمل إذا كان بمعناه) اهـ.
(1)
ينظر مذهب الكسائي في: التذييل والتكميل (4/ 806).
(2)
هذا البيت من الطويل، ونسبه العيني لبشر بن أبي خازم، ولم أجده في ديوانه ط. دمشق (1960 م) تحقيق د/ عزة حسن، وروي «المباين» في التذييل (4/ 782).
اللغة: إذا فاقد: أي إذا رجعت امرأة فاقد، وهي التي تفقد ولدها، خطباء: بينة الخطب، أي:
الكرب، فرخين: ولدين، رجعت: قالت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، والخليط: المخالط.
والشاهد في البيت قوله:
حيث استدل به الكسائي على جواز إعمال اسم الفاعل الموصوف؛ إذ «فرخين» معمول لفاقد بعد ما وصف بـ «خطباء» .
ينظر الشاهد في: المقرب (1/ 124)، والتذييل والتكميل (4/ 782)، ومنهج السالك (ص 328)، اللسان مادة «فقد» وهو عنده «في الخليط المباين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بـ «رجّعت» على إسقاط حرف الجرّ، وأصله: رجّعت على فرخين، فحذف «على» وتعدّى الفعل بنفسه فنصب، ويجوز نصب «فرخين» بـ «فقدت» مقدرا (1)، مدلولا عليه باسم الفاعل الموصوف، فإنّ ما لا يعمل يجوز أن يدلّ على ما يعمل.
وقد يحتجّ الكسائيّ أيضا بقول الشاعر:
2160 -
وقائلة تخشى عليّ: أظنّه
…
سيودي به ترحاله ومذاهبه (2)
فإنّ «تخشى» صفة «قائلة» وقد وقعت قبل المقول، الذي هو «أظنّه» والجواب أن يقال: إنّ «أظنّه» محكيّ بـ «قالت» أو «تقول» ، مقدرا، فبطل الاحتجاج (3).
ووافق (4) بعض أصحابنا الكسائيّ في إعمال الموصوف قبل الصفة؛ لأنّ ضعفه يحصل بعد ذكرها، لا قبله، فأجاز: أنا زيدا ضارب أيّ ضارب، ومنع: أنا ضارب، أي ضارب زيدا، واستدلّ صاحب هذا الرأي بقول الشاعر:
2161 -
وولّى كشؤبوب العشيّ بوابل
…
ويخرجن من جعد ثراه منصّب (5)
فرفع «ثراه» بـ «جعد» ثم نعته بـ (منصّب)(6). -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 783).
(2)
هذا البيت من الطويل، وقائله: ذو الرمة، غيلان بن عقبة، صاحب مية. والبيت في ديوانه (2/ 858).
اللغة: سيودي به: سيهلكه.
والشاهد في البيت:
فإن «أظنه» معمول لـ «قائلة» مع وصفه «تخشى عليّ» .
ينظر الشاهد أيضا في: منهج السالك (ص 328)، والتذييل والتكميل (4/ 782)، وحاشية الأمير على اللبيب (2/ 74).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 784).
(4)
الكلام الآتي - إلى قوله: «منصب» - في التذييل والتكميل (4/ 784) منسوبا إلى المصنف، ولكنه غير موجود في شرحه، وهذا الكلام أيضا في تعليق الفرائد للدماميني (3/ 6)، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 17).
(5)
البيت من الطويل، وقائله: امرؤ القيس، من قصيدة أولها:
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب
…
نقض لبانات الفؤاد المعذب
وبيت الشاهد في ديوانه (ص 69).
والشاهد في البيت قوله: «جعد ثراه منصب» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل الموصوف، قبل استكماله الصفة.
ينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 784)، والهمع (2/ 96)، والدرر (2/ 129).
(6)
في الأصل: منصف، والصحيح ما أثبته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأجاز الكسائيّ أيضا إعمال اسم الفاعل المقصود به المضي، مع كونه عاريا من الألف واللّام، ومذهبه في هذه المسألة ضعيف؛ لأنّ اسم الفاعل الذي يراد به المضيّ لا يشبه الفعل الماضي إلا من قبيل المعنى، فلا يعطى ما أعطي المشابه لفظا ومعنى، أعني الذي يراد به معنى المضارع، كما لم يعط الاسم من منع الصرف بعلة واحدة ما أعطي ذو العلتين، وأيضا فإنّ الفعل المضارع محمول على اسم الفاعل في الإعراب فحمل اسم الفاعل عليه في العمل، ولم يحمل الفعل الماضي على اسم الفاعل في إعراب فلم يحمل اسم الفاعل عليه في العمل (1).
قال سيبويه: وإذا أخبر أنّ الفعل قد وقع وانقطع، فهو بغير التنوين البتة؛ لأنه إنما أجري مجرى الفعل المضارع له، كما أشبهه الفعل المضارع في الإعراب، فكلّ واحد منهما داخل على صاحبه (2)، هذا نصّه، قلت (3): فالمسوي في العمل بين اسم الفاعل المقصود به معنى الماضي، وبين اسم الفاعل المقصود به معنى المضارع كالمسوي بين الفعل الماضي والفعل المضارع في الإعراب وهذا لا يصحّ، فلا يصحّ ما هو بمنزلته، فإن وقع الذي بمعنى الماضي صلة للألف واللام استوى هو والذي بمعنى المضارع في استحقاق العمل؛ لأنّه وقع موقعا يجب تأويله فيه بالفعل، كما يجل تأول الألف واللام بالذي، أو أحد فروعه، فقام تأويله بالفعل مقام ما فاته من الشبه اللفظي، كما قام لزوم التأنيث في المؤنث بالألف، وعدم التكسير (4) في الجمع مقام سبب ثان، في منع الصّرف، وإذا كان في وقوع الذي بمعنى الماضي صلة تصحيح لعمله، بعد أن لم يكن عاملا؛ كان في وقوع الذي بمعنى المضارع صلة توكيد لاستحقاق ما كان له من العمل.
والحاصل: أنّ اسم الفاعل الموصول به الألف واللام يعمل في المضيّ، والحضور، والاستقبال، وقد ظنّ قوم منهم الرماني (5) أنّه لا يعمل إلا في الماضي، وحملهم على -
(1) من قوله: «وأجاز الكسائي» إلى هنا في شرح المصنف (3/ 75).
وينظر: شرح فصول ابن معط للقاضي الخوي (1/ 350)، وقد سبق نقل كلامه.
(2)
ينظر: الكتاب (1/ 171) تحقيق هارون.
(3)
القائل هو: ابن مالك، في شرحه على التسهيل.
(4)
في المرجع السابق «النظير» بدل «التكسير» وما هنا أدق وأنسب.
(5)
يراجع مذهب الرماني ومن معه، في الكتاب (1/ 127)، والتذييل والتكميل (4/ 818).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك أنّ سيبويه - حين ذكر إعمال اسم الفاعل المقرون بالألف واللام لم يقدره إلا بالذي فعل، فقال: هذا (1) باب من الاستفهام، يكون فيه الاسم رفعا -: وممّا لا يكون فيه إلا الرفع: أعبد الله أنت الضاربه؟ (2) لأنك إنما تريد معنى: أنت الذي ضربه (3).
وقال (4) - بعد هذا الباب بأبواب يسيرة -: هذا باب صار فيه الفاعل بمنزلة الذي فعل في المعنى (5)، ثمّ قال بعد ذلك: قولك: هذا الضارب زيدا، فصار في معنى: هذا الذي ضرب زيدا، وعمل عمله (6)، هذا نصّه، ثم تمادى على مثل هذا في جميع الباب، ولم يتعرّض للذي بمعنى المضارع؛ لأنّه قد صحّ له العمل دون الألف واللّام، فعمله عند اقترانه بهما، على معنى الذي أحقّ وأولى، للعلّة السابق ذكرها، ولو لم يكن إعمال الذي بمعنى المضارع مسموعا عند وصل الألف واللّام، لوجب الحكم بجوازه؛ للأولوية المشار إليها، فكيف وقد ثبت إعماله في القرآن العزيز وغيره؟.
فمن إعماله في القرآن العزيز قوله تعالى: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (7)، ومن إعماله في غير القرآن قول الشاعر:
2162 -
فبتّ والهمّ تغشاني طوارقه
…
منّ خوف رحلة بين الظّاعنين غدا (8)
ومنه قول عمرو بن كلثوم [3/ 139]:
2163 -
وأنّا المنعمون إذا قدرنا
…
وأنّا المهلكون إذا أتينا
وأنّا الشّاربون الماء صفوا
…
ويشرب غيرنا كدرا وطينا (9)
-
(1) في الأصل: (في) بدل (هذا) والصواب ما أثبته.
(2)
في الأصل (الضارب) والصواب ما أثبته.
(3)
انتهى النقل من كتاب سيبويه، وهو بنصه في (1/ 130).
(4)
أي: قال سيبويه.
(5)
ينظر: الكتاب (1/ 181).
(6)
المرجع السابق (1/ 181، 182).
(7)
سورة الأحزاب: 35.
(8)
البيت من بحر البسيط، ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه قوله: «الظاعنين غدا» استشهد به على إعمال اسم الفاعل، الواقع صلة لـ «أل» حالة كونه دالّا على الاستقبال، وفي هذا رد على الرماني، ومن معه، لقولهم: إنه لا يعمل في هذه الحالة إلا إذا كان للماضي.
(9)
هذان البيتان من الوافر، وقائلهما - كما ذكر الشارح - عمرو بن كلثوم التغلبي، من بني عتاب، وهو جاهلي قديم. تنظر ترجمته في: الشعر والشعراء (1/ 240)، وخزانة الأدب (3/ 183). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنه قول الآخر:
2164 -
إذا كنت معنيّا بمجد وسؤدد
…
فلا تك إلّا المجمل القول والفعلا
ولا تلف إن أوذيت يوما مكافئا
…
فمن كافأ الباغين لم يكمل الفضلا (1)
ومذهب الأخفش أن النصب بعد مصحوب «أل» ، على التشبيه بالمفعول به، وأصحابه يقولون: إن قصد بـ «أل» العهد، فالنصب على التشبيه بالمفعول، وإن قصد معنى الذي فالنصب باسم الفاعل (2)، وقال قوم: النصب بفعل محذوف بعد ما قرن بـ «أل» من اسم فاعل، أو مصدر، وكلّ ذلك تكلف، لا حاجة إليه، وقد نبه على ذلك كله، في متن الكتاب، وإذا أضيف اسم الفاعل، الذي بمعنى الماضي، واقتضى بعد الإضافة - من جهة المعنى - مفعولا به، جيء
به منصوبا، كقولك: هذا معطي زيد (أمس)(3) درهما، ونصبه عند الجمهور بفعل مقدر مدلول عليه باسم الفاعل؛ لأنّ الدلالة يكتفى فيها بالمعنى المجرّد فأن يكتفى فيها بمعنى ولفظ يتضمن حروف المدلول عليه أحقّ وأولى.
وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل، وإن كان بمعنى الماضي (4)؛ لأنّه اكتسب -
- والشاهد في قوله: «المنعمون إذا قدرنا، المهلكون إذا أتينا» ؛ حيث أعمل اسم الفاعل المحلى بـ «أل» مع دلالته على الاستقبال.
ينظر الشاهد أيضا في: شرح معلقة ابن كلثوم (ص 108)، تحقيق د/ محمد إبراهيم البنا، وجمهرة أشعار العرب (1/ 363)، والتذييل والتكميل (4/ 818).
(1)
البيتان من الطويل، ولم ينسب لقائل معين وكلمة الباغين رويت في الأصل: البالغين وهو خطأ.
والشاهد في قوله: «المجمل القول والفعلا» ؛ فقد استشهد به على إعمال اسم الفاعل الواقع صلة لـ «أل» حال كونه دالّا على الاستقبال، كما في الشاهد الذي قبله.
ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 331)، والتذييل والتكميل (4/ 818)، والهمع (2/ 96)، والدرر (2/ 129).
(2)
لمراجعة مذهب أصحاب الأخفش ينظر: منهج السالك (ص 313)، والمساعد لابن عقيل (2/ 199) تحقيق د/ بركات.
(3)
زدت كلمة «أمس» من شرح المصنف (3/ 78)، ليستقيم الكلام، ويصح المراد بذكرها.
(4)
في شرح السيرافي (2/ 586، 587): (فإذا قلت: هذا معطي زيد درهما أمس، وهذا ظان زيد منطلقا أمس، فكثير من أصحابنا يزعمون أن الثاني منتصب بإضمار فعل آخر، كأنه قال: هذا معطي زيد، أعطاه درهما أمس، وهذا ظان زيد، ظنه منطلقا أمس، والأجود عندي أن يكون منصوبا بهذا -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالإضافة إلى الأول شبها بمصحوب الألف واللام، ولأنّ ارتباطه بما يقتضيه لا بدّ منه، والارتباط إما بالإضافة، وإما بنصبه إياه، امتنعت الإضافة؛ لأنّ شيئا واحدا لا يضاف إلى شيئين، فتعيّن الارتباط بنصبه إياه، ونزّل هذا منزلة رفع «أفعل» التفضيل الظاهر في مسألة الكحل، ونظائرها، وإن كان أصله المنع، وقوى أبو علي الشلوبين (1) مذهب السيرافي بقولهم: هو ظانّ زيد أمس فاضلا، فإنّ «فاضلا» يتعين نصبه بـ «ظان» ؛ لأنّه إن أضمر له ناصب لزم حذف أول مفعوليه، وثاني مفعولي «ظان» ، وذلك لا يجوز؛ لامتناع الاقتصار على أحد مفعولي ظنّ، والصحيح قول الجمهور والتعليل بشبه المضاف بذي الألف واللّام ضعيف؛ لأنّ عمل ذي الألف واللّام إنما صحّ لوقوعه صلة، ووجوب تأويله لذلك بفعل، والمضاف بضد ذلك.
وأمّا الارتباط بزائد على المضاف إليه، فيكفي فيه شعور الذهن به، وأما: هو ظانّ زيدا أمس فاضلا، فليس إلا حذف أول مفعولي «ظنّ» المدلول عليه بـ «ظان» ، وذلك شبيه بحذف ثاني مفعولي «ظنّ» المحذوف في: أزيدا ظننته فاضلا؟ (2)، وأمّا «ظان» فليست إضافته على نية العمل، فيطلب مفعولا ثانيا، ولكن إضافته كإضافة اسم جامد، وكاستعماله غير مضاف في نحو، هذا ظانّ أمس زيدا فاضلا، على نصب زيد، وفاضل بـ «ظنّ» مدلولا عليه باسم الفاعل فهذا وأمثاله لا خلاف في جوازه، وبه يتخلص من إعمال اسم الفاعل الماضي، غير موصول به الألف واللام، ولا يمنع التثنية، ولا الجمع مطلقا إعمال اسم الفاعل، المستوفي شروط العمل، ولا فرق في ذلك بين جمع التكسير، وجمعي التصحيح، فإن قيل: -
- الفعل بعينه؛ وذلك لأن الفعل الماضي فيه بعض المضارعة، ولذلك بني على حركة، فبذلك الجزء من المضارعة يعمل الاسم الجاري عليه عملا ما، دون الاسم الجاري على الفعل المضارع، فعمل في الاسم الثاني لما لم يمكن إضافته إليه؛ لأنه لا يضاف إلى اسمين، فأضيف إلى الاسم الذي قبله، وصارت إضافته بمنزلة التنوين له، وعمل في الباقي بما فيه من معنى الفعل والتنوين) اهـ.
(1)
في التوطئة لأبي علي الشلوبين (ص 241، 242): (وإذا وجهت الإضافة، واتفق أن كان الفعل له أكثر من مفعول واحد، وانتصب ما زاد على الواحد بإضمار فعل نحو: هذا معطي زيد درهما، أن هذا مذهب الأكثر، وأجاز بعضهم نصبه باسم الفاعل، واحتج بقولهم هذا ظان زيد منطلقا أمس) انتهى.
ويراجع أيضا مذهب الشلوبين وأصحابه في التذييل والتكميل (4/ 810، 811) ومنهج السالك (ص 328).
(2)
ينظر: شرح المصنف (3/ 73 - 82) فقد نقل عنه ناظر الجيش هذا الموضوع كله حتى قوله:
(هذا آخر كلام المصنف، رحمه الله تعالى، وهو كلام شاف).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هلّا امتنع بجمع التكسير العمل، كما امتنع بالتصغير، لاستوائهما في تغيير نظم الواحد، فالجواب: أنّ التصغير لم يمنع العمل، لتغيير نظم الواحد فحسب، بلّ لكونه مغيرا نظم الواحد، ومحدثا فيه معنى غير لائق بالفعل وهو معنى الوصفية، فإنّ معنى قولك: ضويرب: ضارب صغير، والجمع - وإن غير نظم الواحد - ليس محدثا (1) في المجموع معنى لا يليق بالفعل؛ لأن الجمع بمعنى العطف، فإنّ معنى قولك: ضرّاب: ضارب، وضارب، وضارب والعطف لائق بالفعل، فلذلك امتنع عمل اسم الفاعل بالتصغير دون التكسير، وأما التثنية وجمع التصحيح فحقيقان بأن يبقى العمل معهما؛ لأنّهما يساويان جمع التكسير في تضمّن معنى العطف، ويفوقانه بأنهما لم يغيرا نظم الواحد، ويساوي اسم الفاعل - في العمل بالشروط المذكورة، في إفراده وغيره - ما قصد به المبالغة، من موازن: فعّال، ومفعال، وفعول، كقول من سمعه سيبويه: أما العسل فأنا شرّاب (2)، وكقول الشاعر:
2165 -
أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها
…
وليس بولّاج الخوالف أعقلا (3)
وكقول رؤبة:
2166 -
كم رامنا من ذي عديد مبز
…
حتّى وقفنا كيده بالرّجز
برأس دمّاغ رؤوس العزّ (4)
-
(1) في الأصل: فليس تحدثا، والصواب ما أثبته.
(2)
ينظر: الكتاب (1/ 111) والشاهد في هذا القول: نصب «العسل» بصيغة المبالغة «شراب» .
(3)
هذا البيت من الطويل، وقائله: القلاح بن حزن بن خباب التميمي، في ردّه على سوار بن حنان المنقري.
اللغة: أخا الحرب: الملازم للحرب المستعدّ لها، جلالها: جمع جل - بضم الجيم - ما يلبسه الفارس من السلاح، ولاج: دخال، أي: كثير الدخول، الخوالف: جمع خالفة، وهي عمود في مؤخرة البيت، أعقلا: الذي يضرب في مشيه من خوف أو وجع.
والمعنى: إذا حضر البأس والخوف، لم ألج البيت مستترا، بل أجاهر بالحرب، وأمضي ثابت القدم، غير مضطرب، ولا أتزعزع.
والشاهد فيه قوله: «لباسا إليها جلالها» ؛ حيث أعمل «لباسا» - وهي صيغة مبالغة - عمل الفعل.
ينظر الشاهد في: العين للخليل (ص 182)، والكتاب (1/ 111)، والمقتضب (2/ 112)، والأشموني (2/ 296)، والدرر (2/ 129).
(4)
هذه الأبيات من مشطور الرجز، وقائلها: رؤبة بن العجاج، كما نسبه المصنف (ابن مالك) وهو -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكقول الآخر:
2167 -
هجوم عليها نفسه غير أنّه
…
متى يرم في عينيه بالشّبح ينهض (1)
وكقول الآخر:
2168 -
عشيّة سعدى لو تراءت لراهب
…
بدومة تجر عنده وحجيج
قلا دينه واهتاج للشّوق إنّها
…
على الشّوق إخوان العزاء هيوج (2)
-
- في ديوان رؤبة (ص 64)، من قصيدة يمدح بها أبان بن الوليد البجلي، ولفظ الديوان:
إلا وقمنا كيده بالرجز
اللغة: الدماغ: مبالغة «دامغ» وهو الذي يبلغ بالشجة إلى الدّماغ، رؤوس العز: أي رؤوس أهل العز، والرجز: العذاب، والرأس: الرئيس.
والشاهد فيه قوله: «دماغ رؤوس العز» ؛ حيث نصب «رؤوس العز» بـ «دماغ» صيغة مبالغة.
ينظر الشاهد في: الديوان (ص 64)، والكتاب (1/ 113)، ومنهج السالك (ص 322)، والتذييل والتكميل (4/ 790).
(1)
هذا البيت من الطويل، من أبيات قالها ذو الرمة، غيلان بن عقبة، يصف بها ذكر نعام، يهجم هو نفسه على البيض، أي: يلقي نفسه عليها، حاضنا إياها، فإذا فوجئ بشبح أي: شخص؛ نهض هاربا، وترك بيضه.
اللغة: الشبح: - بسكون الباء الموحدة - لغة في الشبح، وهو الشخص.
الشاهد فيه: «هجوم نفسه» ؛ حيث أعمل «هجوم» مبالغة «هاجم» ، فنصب «نفسه» .
ينظر الشاهد في: ديوان ذي الرمة (ص 1832)، القسم الرابع، والكتاب (1/ 110)، وأمالي القالي (1/ 25)، (2/ 294)، ومنهج السالك (ص 232)، والتذييل والتكميل (4/ 787).
(2)
هذان البيتان من الطويل، وهما للراعي النميري الشاعر المشهور، المتوفى سنة (90 هـ)، كما في اللسان «هيج» ونسب سيبويه الشاهد لأبي ذؤيب الهذلي كما في الكتاب (1/ 111) ولم أجد هذا الشاهد في ديوان الهذليين، فالصواب أنه للراعي النميري.
اللغة: سعدى: اسم محبوبته التي يشبب بها، دومة: هي دومة الجندل، موضع بين الشام والعراق - تجر - بفتح التاء -: جمع تاجر، قلا - بفتح القاف -: أبغض، اهتاج: ثار، إخوان العزاء: أصحاب الصبر، هيوج - على وزن فعول -: في معنى اسم الفاعل.
والمعنى: يصف امرأة بأنها حسنة، لو نظر إليها راهب لأبغض دينه وتركه واهتاج شوقا، كما أنها تسلب أصحاب العزاء والصبر صبرهم، وتحملهم على الصياح.
والشاهد فيه: نصب «هيوج» «إخوان العزاء» ؛ لأنها صيغة مبالغة.
ينظر الشاهد في: ديوان الراعي (ص 29)، ومنهج السالك (ص 333)، وشواهد العيني (3/ 336، 337)، والأشموني (3/ 297).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكقول بعض العرب: إنّه لمنحار بوائكها (1).
وكقول الشاعر:
2169 -
ثمّ زادوا أنّهم في قومهم
…
غفر ذنبهم غير فجر (2)
وكقول الآخر:
2170 -
شمّ مهاوين أبدان الجزور مخامي
…
ص العشيّات لا خور ولا قزم (3)
فـ «غفر» جمع غفور، و «مهاوين» جمع «مهوان» ، وكان أصله «مهينا» فبني على «مفعال» ؛ لقصد المبالغة، واستصحب العمل له مفردا أو مجموعا، وكذلك فعول إذا جمع على فعل، كما قال:
…
... غفر ذنبهم
…
ولو كسّر «فعّال» لاستصحب أيضا عمله، إلّا أن العرب استغنت بتصحيحه عن تكسيره، لاستثقال فكّ التضعيف، وألحق سيبويه بالثلاثة «فعيلا» و «فعلا» ، -
(1) هذا القول في الكتاب لسيبويه (1/ 112)، والبوائك: جمع بائكة، وهي الناقة الحسنة السمينة، وينظر: الأشموني (2/ 297)، والشرح الكبير لابن عصفور (1/ 561).
(2)
هذا البيت من الرمل لطرفة بن العبد الشاعر الجاهلي المشهور، والبيت في ديوانه (ص 55).
ومعنى البيت: يمدح طرفة قومه بأنهم تفوقوا على غيرهم في محاسن الصفات وزادوا عليهم بأنهم يغفرون ذنوبهم بالصفح وأنهم لا يفجرون أي: لا يكذبون أو لا يفخرون بما أسدوا من جميل.
والشاهد فيه قوله: «غفر ذنبهم» فـ «ذنبهم» مفعول «غفر» ، وهي جمع «غفور» التي هي صيغة مبالغة على وزن فعول.
ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 113)، والجمل للزجاجي (ص 106)، والنوادر لأبي زيد (ص 157)، والأشموني (2/ 299)، والدرر (2/ 131).
(3)
هذا البيت من الطويل وقائله الكميت بن زيد الأسدي، وهو في ديوانه (2/ 104) تحقيق د/ داود سلوم ط: بغداد (1969 م)، ونسبه ابن السيرافي في شرح الأبيات (1/ 147) لابن مقبل تميم بن أبي، ولم أجده في ديوان تميم، تحقيق د/ عزة حسن. دمشق (1381 هـ).
اللغة: شم: جمع «أشم» كناية عن العزة، والشمم: ارتفاع الأنوف، مهاوين: جمع مهوان وهو من مهين الجزور ينحرها للضيفان، وأبدان: جمع بدنة وهي الناقة، ويروى «أبداء الجزور» جمع بدء وهو أفضل الأعضاء، مخاميص العشيات: من يؤخر العشاء إيثارا للضيف فتضمر بطونهم، لا خور: ليسوا ضعافا في الشدة، ولا قزم: ليسوا أراذل.
والشاهد فيه: نصب «أبدان الجزور» بـ «مهاوين» جمع «مهوان» لأنه تكثير ومبالغة كمضراب.
ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 114)، وشواهد الأعلم (1/ 59)، والهمع (2/ 97)، والدرر (2/ 131).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مقصودا بهما المبالغة (1)، ثمّ قال: و «فعل» أقل من «فعيل» بكثير (2)، ثم قال:
(ومنه قول) ساعدة بن جؤية (3):
2171 -
حتّى شآها كليل موهنا عمل
…
باتت طرابا، وبات اللّيل لم ينم (4)
قال أبو الحجّاج يوسف بن سليمان الشنتمري (5): قال النحويون: هذا غلط من سيبويه، وذلك [3/ 140] أنّ الكليل هو البرق الضعيف، وفعله لا يتعدّى، والموهن الساعة من الليل، فهو منتصب على الظرف، واعتذر لسيبويه أن «كليلا» بمعنى «مكل» ، كأنه قال: هذا البرق مكل الوقت بدوامه عليه، كما يقال: أتعبت يومك، وغير ذلك من المجاز، قال محمد بن مالك: وهذا عندي تكلف، لا حاجة إليه، وإنما ذكر سيبويه هذا البيت شاهدا على أنّ «فاعلا» قد يعدل به إلى «فعيل» و «فعل» على سبيل المبالغة، كما يعدل به إلى «فعول» و «فعّال» و «مفعال» فذكر هذا البيت لاشتماله على «كليل» للعدل عن «كالّ» وعلى «عمل» ، للعدل به عن «عامل» ، ولم يتعرض لوقوع الإعمال، وإنما يحتج له في ثبوت إعمال «فعيل» بقول بعض العرب: إنّ الله سميع دعاء من دعاه، رواه بعض الثقات (6).
وممّا يحتجّ له به قول الشاعر: -
(1) ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 112).
(2)
الكتاب (1/ 112)، والقول: بحروفه، وما بعده بين القوسين من الهامش.
(3)
هو ساعدة بن جؤبة الهذلي أخو بني كعب بن كاهل بن الحارث بن تميم بن هذيل، شاعر مخضرم، وقد أسلم، تنظر ترجمته في خزانة الأدب (3/ 86، 87) تحقيق الأستاذ/ عبد السّلام هارون.
(4)
هذا البيت من البسيط وهو لساعدة بن جؤبة كما نسبه سيبويه، والبيت في ديوان الهذليين (1/ 198)، وقد نسبه الفارقي لذي الرمة.
اللغة: حتى شآها: أي: البقر، وشآها: أزعجها وسلقها، كليل: برق ضعيف، موهنا: بعد هدء من الليل، عمل: ذو عمل، بات الليل: يعني البرق بات ليله لم ينم وهو مجاز أي: استمر في لمعانه.
والمعنى: نظرت البقرة الوحشية إلى برق مليء بالغيث يضعف الموهن لمعانه؛ فطربت للمعانه وانساقت إليه وظل البرق لامعا طول ليله لم ينم. والشاهد: نصب «موهنا» بكليل؛ لأنه بمعنى «مكل» .
ومن مراجع البيت إضافة إلى ما سبق: المقتضب (2/ 114)، واللسان:«عمل» .
(5)
المشهور بالأعلم توفي سنة (476 هـ) سبقت ترجمته.
(6)
ينظر هذا القول في: التذييل والتكميل (4/ 491) وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (3/ 22)، والهمع (2/ 97).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
2172 -
فتاتان أمّا منهما فشبيهة
…
هلالا والأخرى منهما تشبه البدرا (1)
فأعمل «شبيهة» ، أنثى «شبيه» ، مع كونه من «أشبه» ، كـ «نذير» من «أنذر» (2)، وإذا ثبت إعمال «فعيل» من «أفعل» مع قلة نظائره، كان إعمال «فعيل» من الثلاثي أولى لكثرته، وأنشد سيبويه - مستشهدا على إعمال «فعيل» (3) - قول الشاعر:
2173 -
حذر أمورا لا تضير وآمن
…
ما ليس منجيه من الأقدار (4)
وروي عن المازني أنّ اللاحقيّ (5) قال: سألني سيبويه عن شاهد في تعدّي «فعل» فعملت له هذا البيت. وينسب مثل هذا القول إلى ابن المقفّع (6)، والاختلاف في تسمية هذا المدّعي يشعر بأنّها رواية موضوعة، ووقوع مثل هذا مستبعد، فإنّ سيبويه لم يكن ليحتج بشاهد، لا يثق بانتسابه إلى من يحتجّ بقوله:
وإنما يحمل القدح في البيت المذكور على أنّه من وضع الحاسدين، وتقوّل المتعنتين، وقد جاء إعمال فعل فيما لا سبيل إلى القدح فيه، وهو قول زيد الخيل: -
(1) هذا البيت من الطويل وهو لعبد الله بن قيس الرقيات.
والشاهد في قوله: «فشبيهة» ؛ حيث نصب هلالا؛ لأنها صيغة مبالغة فهي مؤنث «شبيه» ، وقد سبق.
(2)
قال أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 791) ما نصه: (وقد يقال: إنه على إسقاط حرف الجر أي: فشبية بهلال؛ لأن شبيها يتعدى بالباء قالوا: ما زيد لعمرو ولا شبيها به) اهـ.
(3)
الكتاب (1/ 113).
(4)
هذا البيت من الكامل ونسب لأبي يحيى أبان بن عبد الحميد اللاحقي كما نسب لعبد الله بن المقفع، وقيل: إن البيت مصنوع.
اللغة: لا تضير: لا تؤذي، وآمن من الأقدار ما ليس منجيه، ويحتمل أن يكون معنى البيت: أنه يصف إنسانا بالجهل وقلة المعرفة ولذلك فهو يحذر ما لا يضره ويأمن ما لا ينجو منه.
والشاهد فيه: إعمال «حذر» وهو على وزن «فعل» عمل الفعل فنصب «أمورا» والبيت من شواهد سيبويه في كتابه على إعمال «فعل» (1/ 113) بلفظ «لا تخاف» بدل «لا تضير» ، والبيت أيضا في المقتضب (2/ 115)، والجمل للزجاجي (ص 105)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (1/ 270)، وشواهد الأعلم (1/ 58)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 71)، والعيني (3/ 543)، والخزانة (8/ 169).
(5)
هو أبان بن عبد الحميد اللاحقي شاعر بصري مطبوع من شعراء هارون الرشيد تنظر ترجمته في:
خزانة الأدب (8/ 173).
(6)
أما ابن المقفع فهو عبد الله بن المقفع كاتب بليغ له حكم وأمثال تكنى بأبي محمد بعد إسلامه ولقب بالمقفع أي المتشبك اليدين لما ضربه الحجاج بن يوسف الثقفي، وترجمة ابن المقفع في خزانة الأدب (8/ 177).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
2174 -
أتاني أنّهم مزقون عرضي
…
جحاش الكرملين لها فديد (1)
فأعمل «مزقا» وهو «فعل» عدل به للمبالغة عن «مازق» .
ووافق الجرمي سيبويه في إعمال «فعل» وقال: إنّه على وزن الفعل، فجاز أن يجرى مجراه، وحقّ لـ «فعل» أن يكثر استعماله؛ لأنه مقصور «فاعل» (2)، ومنه قول الشاعر:
2175 -
أصبح قلبي صردا
…
لا يشتهي أن يردا
إلّا عوارا عردا
…
أو صليانا بردا (3)
أراد: عاردا، وباردا.
وكثر ذلك في المضاعف، كقولهم: برّ، وشرّ، بمعنى: بارّ، وشارّ (4)، -
(1) هذا البيت من الوافر وقائله زيد الخيل بن مهلهل من طيئ جاهلي ثم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد طيئ، وأسلم وسماه النبي عليه السلام زيد الخيل، قيل: مات في نهاية خلافة سيدنا عمر.
تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 292)، والخزانة (5/ 379).
اللغة: الكرملين - بكسر الكاف -: اسم ماء في جبل طيئ، والفديد: الصوت.
والمعنى: بلغني أنّ هؤلاء مزقوا عرضي وهم عندي كجحاش هذا الموضع التي تصيح.
والشاهد فيه: إعمال «مزقون» فنصب المفعول به «عرضي» .
ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (2/ 292)، والهمع (2/ 97)، والدرر (2/ 13).
(2)
موافقة الجرمي لسيبويه في إعمال «فعل» منقولة عن شرح المصنف (3/ 82)، وينظر أيضا: التذييل والتكميل (4/ 796)، لكن عبارة الشارح «لكنه مقصور على فاعل» فزاد الناسخ كلمة «على» وزيادتها سهو.
(3)
هذان البيتان من مجزوء الرجز، وهو من شعر الضب فيما زعم العرب حين يقال له: وردا يا ضب؛ لأن الضب لا يشرب ماء أبدا، وهذا واضح أنه من كلامهم الذي يضعونه على ألسنة البهائم، ويراجع في ذلك: إصلاح المنطق لابن الكميت (ص 394).
اللغة: صرد: بكسر الراء يصرد صردا: يجد البرد سريعا، عوار: نبت، وعرد: ملتف. والصليان:
نبت في البادية وفي الصحاح: (بردا: أي ذو برودة) اهـ، وقيل: بردا تصحيف من القدماء فتبعهم فيه الخلف ويروى «زردا» وهو السريع الازدراد أي: الابتلاع.
والشاهد في قوله: «عردا وبردا» ؛ لأنهما على وزن «فعل» وقد أراد: عاردا وباردا.
ينظر الشاهد في: المحتسب (1/ 171)، (2/ 5، 82، 257)، والخصائص (2/ 365).
(4)
في الأصل: «وشر وشار» بالشين المعجمة وذلك تصحيف، والصواب أنهما بالسين المهملة، ينظر: شرح المصنف (3/ 82)، والتذييل والتكميل (4/ 896).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمشهور بناء هذه الأمثلة من الثلاثي، وقد يبنى من «أفعل» «فعّال» ، كأدرك؛ فهو درّاك، وأسأر، فهو سآر (1)، و «فعيل» ، كأنذر؛ فهو نذير، وآلم؛ فهو أليم، وأسمع؛ فهو سميع، ومنه قول الشّاعر:
2176 -
أمن ريحانة الدّاعي السّميع
…
يؤرّقني وأصحابي هجوع (2)
أي: الدّاعي المسمع. وقد بني أيضا من «أفعل» «مفعال» ، كمعطاء، ومهداء، ومعوان، ومهوان، وندر بناء فعول ذي المبالغة، من «أفعل» ، في قول الشاعر يصف ناقة جهول:
2177 -
جهول، وكان الجهل منها سجيّة
…
غشمشمة للقائدين زهوق (3)
أي: كثيرة الإزهاق من يقودها، هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى وهو كلام شاف واف بالمقصود (4)، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أمور:
منها: أنك عرفت - من قول المصنف: يعمل اسم الفاعل غير المصغّر والموصوف دون تقييد بكون الوصف قبل العمل أو بعده، ومن قوله - في الشرح -: ووافق بعض أصحابنا الكسائيّ في إعمال الموصوف قبل الصفة - أنّ اسم الفاعل متى وصف لا يعمل، سواء أكان الوصف قبل العمل، أم بعده. -
(1) في اللسان مادة «سأر» : السؤر: بقية الشيء، وأسأر منه شيئا: أبقى، والنعت منه سآر، على غير قياس؛ لأن قياسه مسئر
…
ثم قال صاحب اللسان: قال الأزهري: ويجوز أن يكون سآر من «سأرت» ومن «أسأرت» كأنه رد إلى الأصل، كما قالوا:«درك» من «أدركت» و «جبار» ، من:«أجبرت» اهـ.
(2)
هذا البيت من الوافر، وقائله: عمرو بن معديكرب، وترجمته في الخزانة (2/ 444، 446).
اللغة: ريحانة: امرأته المطلقة، وقيل: أخته، أم دريد بن الصمة، السميع: المسمع، صيغة مبالغة «مفعل» من «أسمع» مثل: بديع، في معنى مبدع.
الشاهد فيه قوله: «السميع» ؛ إذ قد جاء لمبالغة «مفعل» على رأي الجمهور، فهو مثل: أليم بمعنى مؤلم.
ينظر الشاهد في: ديوان عمرو بن معديكرب (ص 128)، والأصمعيات (ص 172)، والكامل (1/ 99)، وابن الشجري (1/ 64)، (2/ 106)، واللسان «سمع» .
(3)
هذا البيت من الطويل، وقائله حميد بن ثور الهلالي، وهو في ديوانه (ص 36)، والقافية فيه «رهوق» ، بالراء المهملة، كأنها ترهق من يقودها حتى تكاد تطؤه بخفها.
والشاهد فيه قوله: «زهوق» لأنها صيغة مبالغة من «أزهق» على وزن «فعول» ، أي: كثيرة الإزهاق.
ينظر الشاهد في: المخصص لابن سيده (7/ 123)، والتذييل والتكميل (4/ 799)، واللسان «زهق، وغشم» .
(4)
ينظر شرح المصنف (3/ 82).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لكنّ ابن عصفور يقول: إن المانع من عمل اسم الفاعل هو وصفه قبل العمل، وأما وصفه بعد العمل فسائغ؛ لأنه لم يوصف إلا بعد أن استحقّ العمل بشبه الفعل، ووصفه قبل العمل يبعد شبهه به، فلا يجوز: هذا ضارب ظريف، زيدا، ويجوز: هذا ضارب زيدا ظريف (1).
ومن ثمّ قال الشيخ في شرحه، عند ذكر هذه المسألة: هذا الذي ذكره - يعني المصنف - لا نعلم فيه خلافا، من أنّه إذا وصف بعد أخذه مفعوله، جاز ذلك، وليس وصفه، بعد أخذه معموله قادحا في عمله (2) انتهى.
والذي اختاره المصنف هو الذي يقتضيه النظر، وذلك أنّ العلة المانعة من عمل الموصوف إنما هي كون الوصف من خصائص الأسماء، كما أنّ التصغير كذلك، ولا شكّ أنه إذا اقترن بالاسم المشبه الفعل، ما هو من خصائص الأسماء، أزال اقترانه به ذلك الشبه.
ومعلوم أنّ اتصال الصفة بالموصوف، أشدّ من اتصال العامل بالمعمول، وإذا كان كذلك فلا فرق، أن يذكر الوصف مقدما على المعمول، أو مؤخرا عنه (3).
ومنها: أنّ من جملة شروط عمل اسم الفاعل الاعتماد - كما عرفت - إما على صاحب من مبتدأ، أو صاحب حال، أو موصوف، وإما على نفي، أو شبهه، من نهي، أو استفهام (4)، وإنّما كان ذلك شرطا؛ لأنّ الاعتماد على النفي والاستفهام يقوّي في الاسم جانب الفعلية، وهذا ظاهر، وأما الاعتماد على صاحب فلأنّ الوصف لا يكون إلا بالمشتق، أو بما هو في حكمه وكذلك الحال أيضا لا يكون إلا بما هو كذلك، وأما الخبر فلأنّ المشتق منه يعامل معاملة الفعل، بدليل تحمّله للضمير.
ولا شكّ أن الخبر - إذا كان مشتقّا - هو المبتدأ في المعنى، فلولا أنّه جرى -
(1) ينظر: شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير لابن عصفور)(1/ 554) تحقيق صاحب أبو جناح.
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 784).
(3)
هذا الكلام رد على قول ابن عصفور: (وإذا وصفت اسم الفاعل فلا يخلو أن تصفه قبل العمل، أو بعده، فإن كانت الصفة بعد العمل عمل؛ لأنه لم يوصف إلا بعد ما أعمل، مثال ذلك: هذا ضارب زيدا عاقل) اهـ.
(4)
سبق الكلام على ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مجرى الفعل، الذي هو غير المبتدأ في المعنى لما احتيج فيه إلى ذكر ضمير يعود إلى المبتدأ، أشار إلى هذا التعليل ابن عصفور (1)، ولم يظهره لي ما ذكره، أما قوله: إن الوصف لا يكون إلا بالمشتق، وكذلك الحال أيضا فهذا إنما كان يفيد لو كان اسم الفاعل غير مشتق، فيقال: إنما ساغ عمله؛ لأنه وقع موقعا هو المشتق، لكنّ اسم الفاعل الذي الكلام فيه مشتق، فكيف نعلل اشتراط اعتماده على موصوف، أو ذي حال، بأنّ الوصف والحال لا يكونان [3/ 141] إلا بالمشتق.
وأمّا قوله: إنّ المشتقّ إذا وقع خبرا يعامل معاملة الفعل؛ فهذا إنما كان يفيد أنّه لو كان صالحا لا يحتمل ضميرا، وإنما عمله تشبيها له بالفعل، وليس الأمر كذلك؛ لأنّ المشتقّ من حيث هو مشتق يجب عمله في الضمير مع قطع
النّظر عن الفعل؛ لأنّ المشتقّ في الاصطلاح هو الدالّ على ذات قام بها معنى وإذا كان كذلك لم يتوجه ذكره، والذي ذكره غيره وهو أولى أنّه إنما اشترط اعتماد اسم الفاعل حال العمل على صاحب له؛ لأنّ ذلك أصل وضعه؛ لأنّه صفة في المعنى ولا بدّ من محكوم عليه، والمحكوم عليه به قد يكون مبتدأ وقد يكون موصوفا، ولا شكّ أنّ صاحب الحال حكمه حكم المبتدأ، وحكم الموصوف، فإنما اكتفى بالاستفهام والنفي إذا قدما ولم يحتج إلى اعتماد على صاحب؛ لأنهم لم يستعملوا الصفة قائمة مقام الفعل إلا في هذين الموضعين.
والذي يدلّ على أنّه موضوع موضع الفعل لا موضع الأسماء والصفات أنه يستقل بفاعله كلاما في قولنا: أقائم الزيدان، ولولا أنّه بمثابة قولك: أيقوم الزيدان؟
لم يستقل كلاما؛ إذ الصفة لا يثبت استقلالها بفاعلها، ولو قيل: إنّما اشترط في عمل اسم الفاعل الاعتماد على صاحبه، ليحقق كونه وصفا، فيتبين أنه يستحقّ العمل؛ إذ لو لم يكن خبرا ولا صفة ولا حالا لم تحقق وصفيته واحتمل أن يكون قد استعمل استعمال الأسماء كـ «والد» لكان أقرب.
ومنها: أنّ الأخفش والكوفيين لا يشترطون في إعمال اسم الفاعل الاعتماد، ومن ثمّ أجازوا: قائم «الزيدان» ، و: قائم الزيدون؛ على أنّ «قائما» مبتدأ، وما بعده فاعل به (2)، -
(1) الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 553).
(2)
ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 800)، ومنهج السالك (ص 327).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واستدل الأخفش بقوله تعالى: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها (1) في قراءة من رفع دانية (2).
والجواب عن ذلك ظاهر، والذي عليه الجمهور أنّ ذلك لا يجوز، قالوا: لأنّ اسم الفاعل لا يسوغ له العمل إلّا في موضع يسوغ فيه وقوع الفعل، قال ابن عصفور:
ولذلك منع النحويون أن يقال: هذان ضارب زيدا وتاركه، إذا أردت أن أحدهما يضربه والآخر يتركه؛ لأنّه لا يجوز أن يقع الفعل في موضعه، لا تقول: هذان يضرب زيدا ويتركه، وأنت تريد أنّ أحدهما يضربه، والآخر يتركه (3) انتهى.
وإنما عمل اسم الفاعل في «أقائم الزيدان؟» لما تقدّم تقريره.
ومنها: أنك قد عرفت أنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي ولم يكن صلة للألف واللام لا يعمل إلّا إذا قصد به حكاية الحال لكنّ المصنف لم يذكر مثالا للعامل محكيّا به الحال، والشاهد لذلك قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ (4) قال ابن عصفور: والدليل على أنّ اسم الفاعل إذا كان ماضيا وعمل دون ألف ولام كان المراد به حكاية الحال أنه لا يوجد عاملا إلّا في موضع يسوغ فيه الفعل المضارع، نحو قولنا: كان زيد ضاربا عمرا، فلا شكّ أنّ «ضاربا» معناه المضيّ، وأنت لو صرحت بالفعل فيه لقلت: كان زيد يضرب عمرا.
قال ابن عصفور: وقوع الماضي هنا قبيح، فلولا أنهم أرادوا حكاية الحال في هذا الموضع لما كان وجه لوقوع الماضي فيه، وكذلك قولك: جاء زيد واضعا يده على رأسه، فـ «واضعا يده على رأسه» في هذا الكلام ماض من جهة المعنى، واسم الفاعل قد عمل؛ لأنك لو أتيت بالفعل في موضعه لقلت: جاء زيد يضع يده على -
(1) سورة الإنسان: 14.
(2)
في البحر المحيط (8/ 396): (وقرأ أبو حيوة «ودانية» بالرفع، واستدل به الأخفش على جواز رفع اسم الفاعل، من غير أن يعتمد، نحو قولك: قائم الزيدون). ثم قال: (وقرأ أبي: «ودان» مرفوع، فهذا يمكن أن يستدل به الأخفش) اهـ.
(3)
الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 556)، تحقيق صاحب أبو جناح.
(4)
سورة الكهف: 18.
وفي المرجع السابق (شرح الجمل)(1/ 557): (وأما قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ فعلى حكاية الحال الماضية، ألا ترى أن الواو في (وكلبهم) واو الحال، تقديره: وكلبهم يبسط، فبطل حال المذهب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رأسه قال: فدلّ ذلك على أنهم قصدوا حكاية الحال، وكذلك قول امرئ القيس:
2178 -
ومجر كغلّان الأنيعم بالغ
…
ديار العدوّ ذي زهاء وأركان (1)
فـ «بالغ» - فيه - بمعنى الماضي، بدليل قوله بعده:
2179 -
سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم
…
وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (2)
وهو - مع ذلك - قد عمل؛ لأنك لو أتيت في موضعه بفعل مضارع لساغ، قال: فلّما رأينا اسم الفاعل، إذا كان بمعنى المضي لا يعمل إلّا في موضع يقع فيه الفعل المضارع دلّ ذلك على أنّه إنما عمل لقصد حكاية الحال قال: «وإذا ثبت ما ذكرناه لم يكن في الآية الشريفة حجّة؛ لأنّ قوله سبحانه تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ (3) جملة في موضع الحال (4).
فقد وقع اسم الفاعل في موضع يقع فيه الفعل المضارع بدلا عنه، وإن كان من جهة المعنى ماضيا، ألا ترى أنك تقول: جاء زيد وأبوه يضحك، ولا يحسن أن -
(1) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (ص 175) من قصيدة أولها:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان
…
وربع خلت آياته منذ أزمان
اللغة: مجر: جيش كبير، ثقيل السير من كثرته، الغلان: الأودية، واحدها «غال» ، زهاء: كثرة شجره وارتفاعه، والأنيعم: اسم مكان وبالغ ديار العدو: يعني أنه لا يمكن رده عن المكان الذي يسير إليه، لكثرته وعزه.
والشاهد فيه قوله: ومجر بالغ ديار العدو؛ حيث أعمل اسم الفاعل «بالغ» في «ديار العدو» مع أنه اسم فاعل للماضي؛ لأنّ «واو رب» تخلص ما تدخل عليه إلى الماضي.
ينظر الشاهد في: شرح أبيات سيبويه (2/ 72)، وأمالي المرتضي (1/ 528) والتذييل والتكميل (4/ 806).
(2)
البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس ينظر ديوانه (ص 175).
اللغة: سريت بهم: حملتهم على السير، حتى: ابتدائية، يقع بعدها الجمل المستأنفة، تكل - بفتح التاء وكسر الكاف - تتعب، والمطي: جمع مطية وهي الدابة، والجياد: جمع جواد، وهو الفرس الجيد، والأرسان: جمع «رسن» وهو الحبل.
والمعنى: أنها تساق معطلات دون حبال، لبعد الغزو، وإفراط الكلال.
والشاهد: الاستدلال بما في هذا البيت من معنى المضي في «سريت» على إعمال اسم الفاعل «بالغ» مع أنه بمعنى الماضي.
ينظر الشاهد في: معاني القرآن للفراء (1/ 133)، والأشموني (3/ 98).
(3)
سورة الكهف: 18.
(4)
ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 551).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقول: جاء زيد وأبوه ضحك، وإنّما كان يثبت ما قال الكسائيّ: لو جاء من كلامهم: هذا ضارب زيد أمس، ولا يحسن أن تقول: هذا يضرب زيدا أمس، قال: ومما يبين فساد مذهب الكسائي أنّ اسم الفاعل بمعنى الماضي، لو كان عاملا لم يتعرف بالإضافة، ولكنه يتعرف بها ولذلك وصف بالمعرفة، في قول الشاعر:
2180 -
لئن كنت قد بلّغت عنّي وشاية
…
لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب (1)
انتهى كلام ابن عصفور، ولا شكّ أن مذهب الكسائي في هذه المسألة باطل، لكن في إبطاله بما أنشده نظر، فإنّ الإضافة اللفظية يجوز فيها أن تصير معنوية إلا ما استثني، وحينئذ تعود الإضافة محضة فيحصل بها التعريف، وهو ذكر ذلك في كتبه.
بقي هنا أن يشار إلى مسألتين تتعلقان باسم الفاعل الذي معناه ماض:
إحداهما:
أنّ الخلاف المذكور في عمله إنما هو بالنسبة إلى المفعول به، أما رفعه الفاعل فالظاهر أنه لا بدّ منه، لكن من النحاة من منع رفعه [3/ 142] الفاعل أيضا وبه قال ابن جنّي، واختاره الشلوبين (2)، والمتأخرون من المغاربة خلا ابن عصفور، هذا إذا كان الفاعل ظاهرا، فإن كان الفاعل مضمرا؛ فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه.
قال الشيخ: وليس كذلك بل ذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أنّه لا يرفع المضمر أيضا، قال: والذي تلقيناه أنّه لاشتقاقه يتحمل الضمير (3). انتهى.
وأقول: لا يتوجه لي كون اسم الفاعل الماضي لا يرفع، وذلك أنّ المشتقّ بذاته من حيث هو مشتق يستلزم مرفوعا، فليس محله الرفع بمشابهة الفعل، بل العمل الذي يعمله لمشابهته الفعل إنما هو النصب، ومما يدل على ذلك أنّ اسم الفاعل الذي معناه ماض معنى الوصفية فيه باق، ولا يتصور وجود معنى الوصف دون من يقوم به ذلك، وإذا ثبت أنّه لا بدّ له من مرفوع يقتضيه لذاته؛ فلا فرق فيه بين أن يكون مضمرا أو ظاهرا. -
(1) سبق تخريج هذا الشاهد.
والشاهد فيه هنا قوله: «لمبلغك» ؛ حيث تعرف اسم الفاعل بالإضافة، ولذلك وصف بالمعرفة «الواشي» ولو عمل «مبلغ» لم يتعرف، بل كان نكرة.
(2)
ينظر التوطئة (ص 242).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 810)، ومنهج السالك (ص 326)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسألة الثانية:
أنّ اسم الفاعل الذي معناه ماض إذا أضيف، واقتضى بعد الإضافة من جهة المعنى مفعولا به، بأن يكون من فعل يتعدّى إلى مفعولين، جيء بذلك الذي يقتضيه بعد الإضافة منصوبا، كقولك: هذا معطي زيد درهما أمس، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، في كلام المصنف رحمه الله تعالى، وقد عرفت أنّ مذهب الجمهور أنّه منصوب بفعل مقدّر مدلول عليه باسم الفاعل وأنّ السيرافيّ يرى نصبه باسم الفاعل وإن كان بمعنى الماضي (1)، وأنّ المصنف
اختار مذهب الجمهور (2)، وقد تعرض الشيخ في شرحه (3) لذكر المسألة فقال: ذهب الجمهور ومنهم الجرميّ (4)، والفارسيّ (5)، إلى أنّ الثاني منصوب بفعل مضمر يفسّره اسم الفاعل، ووقفوا في ذلك مع الأصل، وهو أنّ اسم الفاعل بغير «أل» لا يعمل إذا كان معناه ماضيا فالتقدير: أعطاه درهما، وذهب السيرافيّ والأعلم، وبعض المحققين، كالأستاذ أبي عليّ (6)، وأصحابه إلى أنه منصوب باسم الفاعل، وإن كان بمعنى الماضي، قالوا:
لأنه قوّى شبهه بالفعل هنا، وذلك أنه يطلب ما بعده من جهة المعنى ولا يمكن إضافته -
(1) في شرح السيرافي (2/ 586، 587): (فإذا قلت: هذا معطي زيد درهما أمس، وهذا ظان زيد منطلقا أمس، فكثير من أصحابنا يزعمون أن الثاني منتصب بإضمار فعل آخر، كأنه قال: هذا معطي زيد، أعطاه درهما أمس، وهذا ظان زيد، ظنه منطلقا أمس. والأجود عندي أن يكون منصوبا بهذا الفعل بعينه؛ وذلك لأنّ الفعل الماضي فيه بعض ما لمضارعه ولذلك بني على حركة؛ فبذلك الجزء من المضارعة يعمل الاسم الجاري عليه عملا ما، دون الاسم الجاري على الفعل المضارع، فعمل في الاسم الثاني لما لم يمكن إضافته إليه؛ لأنه لا يضاف إلى اسمين، فأضيف إلى الاسم الذي قبله فصارت إضافته بمنزلة التنوين له، وعمل في الباقي بما فيه من معنى الفعل والتنوين) اهـ.
(2)
ينظر: شرح المصنف (3/ 78).
(3)
التذييل والتكميل (4/ 810، 811، 812).
(4)
يراجع مذهب الجرمي في المساعد لابن عقيل (2/ 204) تحقيق د/ بركات.
(5)
في الإيضاح (1/ 143، 144): (فأما قولهم: هذا معطي زيد أمس درهما، فدرهم نصب على إضمار دل عليه «معط»، ومثل ذلك قوله عز وجل: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) اهـ. وينظر رأي الجمهور في منهج السالك (ص 326).
(6)
في التوطئة لأبي علي الشلوبين (ص 241، 242): (وإذا وجهت الإضافة واتفق أن كان الفعل له أكثر من مفعول واحد؛ انتصب ما زاد على الواحد بإضمار فعل، نحو: هذا معطي زيد درهما أمس، مذهب الأكثر وأجاز بعضهم نصبه باسم الفاعل، واحتج بقولهم: هذا ظان زيد منطلقا أمس) اهـ.
وينظر أيضا: منهج السالك (ص 328) وشرح المرادي (198 / أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إليه؛ لأنه قد اشتمل بإضافته إلى الأول فأشبه الفعل بهذا؛ لأنّ الفعل يطلب ما بعده، ولا يمكن إضافته إليه، وصار في ذلك كالمعرّف بالألف واللام، واستدلّ لصحة هذا القول باسم الفاعل من باب «ظنّ» إذا قلت: هذا ظان زيدا قائما أمس، فإنّه يطلب اسمية، ولا يجوز حذف أحدهما اقتصارا ولو نصبت «قائما» بمضمر لزمك حذف الثّاني، الذي يطلب «ظان» ولا يجوز حذفه اقتصارا، فيبقى حذفه اختصارا، والمحذوف اختصارا بمنزلة الثابت، فيلزم أن يكون
اسم الفاعل عاملا فيه أو نقدر ذلك المحذوف عاملا فيلزم حذف الثّاني لاسم الفاعل ويرجع الكلام في ذلك إلى المحذوف الثّاني، ويتسلسل إلى ما لا نهاية له، وبهذا اعترض أبو الفتح (1) على أبي عليّ فسكت (2)، وإذا لزم إعمال «ظان» بمعنى الماضي في الاسم الثّاني، وجب أن يعتقد أنّ الثاني منصوب بفعل مضمر، إلا أن يقول: إنّ العرب لا تقول: هذا ظانّ زيد قائما أمس، وإنها استغنت عنه بقولها: هذا ظنّ زيدا قائما أمس؛ لكن في هذا القول خروج عما عهد في الأفعال المتصرفة، من جواز بناء اسم الفاعل منها للحال والاستقبال، والمضي (3).
قال الشيخ: وسألت شيخنا الأستاذ أبا الحسن ابن الضائع عن هذه المسألة، وذكرت له المذهبين، واعتراض ابن جني وسكوت أبي عليّ؛ فقال: سكوت أبي عليّ عنه استهزاء به، وتضعيف لاعتراضه لا قصور (4)، والصحيح ما ذهب إليه أبو عليّ، ثم أملى عليّ ما نصّه: فإنّ قيل: هذا لا يتصور في باب الظن من قبيل أنّه لا يجوز فيه الاقتصار، وكذلك الاختصار؛ لأنّ المحذوف اختصارا كالمنطوق به، فإن قدرت عاملا لزم التسلسل، فالجواب من وجهين:
أحدهما: أنّ قولهم: هذا ظان زيدا، إنما يكون على حد قولهم: ظننت بزيد، ثمّ جئت باسم الفاعل منه فقلت هذا ظانّ زيد وأصله ظان بزيد فلا يحتاج هذا إلى مفعولين ثمّ حذفت وأضفت فـ «زيد» في الموضعين ليس مذكورا على أنّه مفعول به بل على أنّه محل لوقوع الظن (5). -
(1) أي: أبو الفتح ابن جني.
(2)
ينظر المرجعان السابقان في التعليق الأخير.
(3)
ينظر التذييل والتكميل (4/ 812)، ومنهج السالك (ص 329).
(4)
ينظر: المرجعان السابقان، الصفحتان نفساهما وشرح التسهيل للمرادي (198 / ب).
(5)
لمراجعة ما أملاه ابن الضائع ينظر: المراجع المذكورة في التعليق السابق الصفحتان نفساهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوجه الثّاني: قال (1) وهو الذي انفصل به شيخنا أبو زكريا ابن ذي النّون (2) عما ألزم به أبو عليّ أنّ حذف الاقتصار وإنما يمتنع حيث لا يذكر المفعول الثاني أما إذا كان الكلام قد اشتمل على المفعولين معا وإن لم يذكر الثاني على أنه مفعول بذلك الفعل فإنّه يجوز كقولهم: ظننت أنّ زيدا منطلق؛ لمّا اشتمل الكلام على ذكر المفعولين معا وإن لم يكن لظننت إلا مفعول واحد هنا جاز، فكذلك مسألتنا قد اشتمل الكلام فيها على ذكر المفعولين معا وكذلك في الاشتغال، إذا قلت: أزيدا ظننته منطلقا فلا يحتاج هنا إلى تقدير مفعول ثان لظننت المحذوفة؛ لأنّ المفعول
الثّاني قد ذكر مع المفسر (3). انتهى.
قال الشيخ في الوجه الأول: هذا الوجه هو إحالة لصورة المسألة؛ لأنّ الخلاف إنما وقع في اسم الفاعل الماضي المضاف إلى المفعول الأول والجائي بعده المفعول الثاني منصوبا فهل ينسب العمل في الثاني إليه أو إلى فعل محذوف فلم يقع الخلاف [3/ 143] في هذا التركيب إلّا على هذا التقدير، وأما إجازته على أنه اسم فاعل من قولهم: ظننت بزيد، (أي: جعلته محلّ ظنّي ولا يتعدّى ذلك إلى مفعولين) (4)؛ فليس المتنازع فيه، بل تخريج هذا التركيب على هذا التأويل هو اعتراف بصحّة الإلزام فنقلت:
قال: وأما الوجه الثاني، الذي انفصل به أبو زكريّا فقد تقدمه إلى مثله الأستاذ أبو جعفر أحمد بن أبي الحسن بن الباذش نقلت من خطه ما يدلّ على أنّ (سكنا) من قوله تعالى: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً (5) منصوب بإضمار فعل، على ما ذهب إليه أبو عليّ (6) في قولهم: عبد الله أظنّه ذاهبا، ولولا قياس إحدى الجملتين بالأخرى ما جاز أن تقول: أظنّ عبد الله؛ لأنّ الاقتصار لا يجوز، ولكنّ الحذف لدلالة المفعول في الجملة الثانية (7). انتهى ما نقله الشيخ. -
(1) أي: قال أبو الحسن بن الضائع.
(2)
الشيخ أبو زكريا بن ذي النون، أستاذ ابن الضائع.
وفي بغية الوعاة (1/ 234) ومعجم المؤلفين (11/ 256) هو محمد بن محمد بن عيسى بن علي بن ذي النون الأنصاري المالقي أبو عبد الله النحوي وقد ورد ذكره ورأيه في منهج السالك (ص 329).
(3)
لمراجعة هذا التوجيه الثاني ينظر: منهج السالك (ص 329)، والتذييل والتكميل (4/ 814)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / ب).
(4)
ما بين القوسين تتميم من التذييل والتكميل (4/ 813).
(5)
سورة الأنعام: 96.
(6)
ينظر: الإفصاح (1/ 143 - 144) وقد ذكرت عبارته في تعليق سابق قريب.
(7)
لمراجعة ما نقله أبو حيان من خط ابن الباذش ينظر: منهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 815).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأقول:
أما الوجه الأول من وجهي جواب ابن الضائع، وهو أنّ «ظأنّا» - من قولنا:
هذا ظان زيد أمس قائما - ليس له عمل، ولا يحتاج إلى مفعول، فقد قرره المصنف على وجه أولى من الوجه الذي قرره ابن الضائع عليه، وهو أنّ إضافته ليست على نية العمل، فيطلب مفعولا ثانيا، ولكنّ إضافته كإضافة اسم
جامد، وكاستعماله غير مضاف في نحو: هذا ظان أمس زيدا فاضلا، على نصب:«زيد، وفاضل» بـ «ظنّ» مدلولا عليه باسم الفاعل، ثمّ إنه لا يتوجه عليه ما اعترض به الشيخ على ابن الضائع (1)، من أنّ هذا تركيب آخر، وهب أنّ هذا الجواب يتمشّى له في: هذا ظان زيد أمس قائما، فكيف يتأتّى له جوابا على حذف المفعول الأول للفعل المقدر، الذي هو «ظنّ» ؟ فانظر إلى هذا الرجل - أعني المصنف - كيف أتى بجواب شاف، فتضمّن أن اسم الفاعل، الذي هو «ظان» ، لا مفعول له البتة، وأنّ المفعول الأول الذي هو معمول للفعل المقدّر حذف؛ للدلالة عليه بالمضاف إلى «ظان» ، وهو «زيد» ، وابن الضائع لم يتعرض إلى الجواب عن حذف أول مفعولي الفعل المقدّر أصلا.
وأمّا الوجه الثاني المنقول عن الشّيخ أبي زكريّا، وهو أنّ حذف الاقتصار إنما يمتنع حيث لا يذكر المفعول الثاني، أما إذا اشتمل الكلام على معمولين معا، وإن لم يذكر الثاني على أنه مفعول بذلك الفعل فإنه يجوز، كقولهم: ظننت أنّ زيدا منطلق، إلى آخره؛ ففيه بحث، وهو أن يقال: أما نحو: ظننت أنّ زيدا منطلق فالجملة المشتملة على المسند إليه والمسند واحدة، وما اشتملت عليه مفيد ما يفيده التصريح بذكر المفعولين، فاكتفى بذلك عن مفعول ثان، وأما المسألة التي الكلام فيها، وهي: هذا ظان زيدا أمس قائما، فقد قرر أنّ التقدير فيها: ظنّه أمس قائما، فـ «قائم» الذي هو المفعول الثاني للفعل المقدّر من جملة أخرى مستقلة، فكيف يكون مكتفى به عن ثاني مفعولي «ظانّ» من قولنا: هذا ظانّ زيد أمس، وهو من جملة أخرى لا تعلق لها بالثانية.
وحاصل الأمر: أنّه لا يلزم من الاكتفاء بالمسند إليه، والمسند، عن المفعول الثاني إذا حلّا محلّ المفعول الأول في جملة واحدة، أن يحصل الاكتفاء بهما عنه في جملتين. -
(1) سبق هذا الاعتراض قريبا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن قيل: يدلّ على الاكتفاء بذلك في جملتين مسألة الاشتغال، وهي: أزيدا ظننته منطلقا، فإن التقدير: أظننت زيدا منطلقا ظننته منطلقا، فحذف المفعول الثاني من الجملة الأولى، لاشتمال الجملة الثانية عليه، فالجواب: أنّ الجملة الثانية في الاشتغال مفسرة للجملة الأولى، والمفسّرة في باب الاشتغال هي المفسّرة نفسها، ومن ثم لم يجز الجمع بينهما، وكان شرط العامل المقدّر أن يضمر عمله في الاسم السابق، لو سلّط عليه، وإذا كان كذلك فكأنّ الجملة الثانية هي الجملة الأولى، فالمذكور فيها كالمذكور في الجملة التي قبلها، ثمّ هذا البحث، على أنّ الحذف في مسألة اسم الفاعل حذف اقتصار، أمّا الحذف اختصارا فقد عرفت أنّهم أبطلوه، لما لزم من القول به التسلسل، كما مرّ، وفي النفس - من منع الحذف اختصارا - شيء، ولكنّ الأئمة قد قرروه، فلم يسغ إلا التسليم.
واعلم أنّ أبا الحسين (1) بن أبي الربيع أنكر مجيء نحو: هذا ظانّ زيد أمس شاخصا، قال: وإنما يقول العرب: هذا الظان زيدا أمس شاخصا؛ لأنك إن نصبت «شاخصا» بإضمار فعل كنت قد اقتصرت على واحد، ولا يجوز في باب «ظنّ» ، وإن نصبته بـ «ظان» أعملت اسم الفاعل، بمعنى الماضي، وهذا لم يثبت.
قال (2): وكان الأستاذ أبو عليّ يأخذ في الانفصال عنه (3) بوجهين:
أحدهما: أنّ العرب لا تقول: هذا ظانّ زيد أمس شاخصا، وإنما تقول: هذا الظانّ زيدا أمس شاخصا (4).
ثانيهما: أن يفرق بين باب «ظننت» فينصب باسم الفاعل؛ لعدم جواز -
(1) في الأصل: الحسن، وهو تحريف، والصواب ما أثبته.
(2)
في الملخص لابن أبي الربيع (ص 229) رسالة: (لا تقول: هذا ظان زيد شاخصا أمس، وإنما تقول في هذا:
هذا الظان زيدا شاخصا أمس، لأنك إن نصبت «زيدا» بإضمار فعل كنت قد اقتصرت على مفعول واحد، ولا يجوز الاقتصار في «ظننت» على مفعول واحد، وإن نصبت بـ «ظان» أعملت اسم الفاعل بمعنى الماضي، وهذا لم يثبت) اهـ. وينظر أيضا في ذلك: منهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 815).
(3)
أي عن اعتراض ابن جني على أبي علي.
(4)
تتمة الكلام في التذييل والتكميل (4/ 815): (لأن «شاخصا» يتعذر أن ينصب بـ «ظان»؛ لأنه بمعنى الماضي، واسم الفاعل بمعنى الماضي لا يعمل عند غير من ينصب بإضمار فعل؛ لما فيه من الاقتصار حيث لا يقتصر) اهـ. ويراجع في ذلك: منهج السالك (ص 330).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاقتصار، وبين باب «أعطيت» فينصب فيه بإضمار فعل؛ لجواز الاقتصار.
ومنها: أنّ الكوفيين منعوا إعمال أمثلة المبالغة، كما أشار المصنف إلى ذلك في متن الكتاب، ومستند الكوفيين في عدم إعمالها أنها ليست جارية على الفعل، وإنما هي جارية مجرى الأسماء التي يمدح بها ويذمّ، وعندهم أنّ ما يذكر بعدها يجرّ بإضافتها إليه، فإن نوّن شيء منها، ونصب ما بعده كان نصبه بإضمار فعل يدل على الصفة، ومن ثمّ لم يجيزوا تقديم المنصوب على الصفة؛ لأنّ الصفة دالة على الفعل الناصب له، وباب الدليل أن يكون متقدما على ما يدل عليه (1).
[3/ 144] واستدلّ ابن عصفور على بطلان دعواهم بأنّها لو كانت عاملة النصب فيما بعدها لوجب أن تتعرف بالإضافة إلى معرفة؛ لأنها عندهم ليست من نصب، لكنها تضاف إلى المعرفة، ولا تتعرّف، قال الشاعر:
2181 -
أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها
…
وليس بولّاج الخوالف أعقلا (2)
فوصف «ولّاج الخوالف» مع كونه مضافا إلى معرفة بـ «أعقل» وهو نكرة.
وقال الآخر:
2182 -
ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعل
…
طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل (3)
-
(1) في شرح التصريح (2/ 68): (ولم يجز الكوفيّون إعمال شيء منها - أمثلة المبالغة - لمخالفتها لأوزان المضارع، ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، ومنعوا تقديمه عليها) اهـ.
وفي المساعد لابن عقيل (2/ 193) تحقيق د/ بركات: (خلافا للكوفيين، في منع أمثلة البالغة،
…
وقالوا لزيادتها بالمبالغة على الفعل، إذ لا مبالغة فيه، وزعموا أن ما جاء منصوبا معها على إضمار فعل يفسره المثال) اهـ.
(2)
سبق تخريج هذا الشاهد قريبا. والشاهد فيه هنا ما ذكره الشارح.
(3)
هذا البيت من الرجز، وفي ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني شطره الأول (ص 3889) ط. دار المعارف (1977 م) ونسب فيه إلى جبار أخي الشماخ، والبيت بتمامه بهذه النسبة في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (1/ 12)، وفي جمهرة اللغة (3/ 401)«خباز» بدل «طباخ» .
اللغة: ابن عم سليمى: يريد عمه الشماخ، وسليمى: زوجة الشماخ، مشمعل: سريع نشيط، في كل ما أخذ فيه من عمل، الكرى: النعاس، الكسل - بكسر السين -: الكسلان.
والمعنى: إذا كسل أصحابه عن طبخ الزاد عند تعريسهم، وغلب الكرى عليهم؛ كفاهم ذلك، وشمّر في خدمتهم، والشاهد في البيت: على ما ذكره الشارح.
ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 177)، ومجالس ثعلب (1/ 126)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 80)، والكامل للمبرد (1/ 94).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فـ «طباخ» نكرة، بدليل وصف «ابن عمّ» به، مع كونه مضافا إلى معرفة، وهي:
إما «ساعات الكرى» ، في رواية من نصب «زاد الكسل» ، وإمّا «زاد الكسل» في رواية من خفضه، قال: وأما منعهم تقديم المفعول فباطل أيضا بدليل قول الشاعر:
2183 -
قلا دينه واهتاج للشّوق إنّها
…
على الشّوق إخوان العزاء هيوج (1)
وقول الآخر:
2184 -
بكيت أخا لأواء يحمد يومه
…
كريم رؤوس الدارعين ضروب (2)
قال (3): وأمّا البصريّون فاتفقوا على جواز إعمال: «فعول، وفعّال، ومفعال» ؛ لكثرة ورودها في كلام العرب معملة، واختلفوا في إعمال:«فعل، وفعيل» ، فمذهب سيبويه ومن تابعه الجواز، ومنع ذلك البغداديون، ونازعوا فيما استدلّ به سيبويه على الإعمال (4)، أشار إلى ذلك ابن عصفور، وأطال، وقد تقدّم من كلام -
(1) البيت من الطويل، وقائله الراعي النميري، الشاعر المشهور، المتوفى سنة (90 هـ) كما في اللسان «هاج» ونسبه سيبويه لأبي ذؤيب الهذلي في الكتاب (1/ 111) ولم أجده في ديوان الهذليين، والصواب أنه للراعي.
اللغة: «هيوج» . على وزن «فعول» - بفتح الفاء، بمعنى اسم فاعل.
والمعنى: وصف امرأة بأنها لو نظر إليها راهب لأبغض دينه، وتركه، واهتاج شوقا، ولحسنها الزائد تسلب أصحاب العزاء صبرهم وتحملهم على الصياح.
والشاهد في البيت قوله: «هيوج» ؛ حيث نصب قوله: «إخوان العزاء» ؛ لأنه مبالغة، و «هيوج» خبر «إنها» أي سعدي.
ينظر الشاهد في: ديوان الراعي (ص 29)، ومنهج السالك (ص 333)، والعيني (3/ 336، 337)، والأشموني (2/ 297).
(2)
هذا البيت من الطويل، وقائله: كعب بن سعد بن عقبة الغنوي، جاهلي، هكذا نسب في الحماسة البصرية (1/ 234)، وروي:«اللأواء» بلامين كما في الكتاب (1/ 111).
اللغة: اللأواء: الشدة والجهد، يحمد يومه: كل يوم له فيه فعل محمود، الدارعين - جمع دارع -:
لابس الدرع.
والمعنى: يصف رجلا كريما، فيقول: بكيت على رجل، يكفي قومه في الشدة، وتحمد أيامه؛ لبسالته في الحرب، ولعطائه في السلم.
والشاهد في البيت: نصب «رؤوس الدارعين» بـ «ضروب» .
ينظر الشاهد في: شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي (1/ 272)، والأعلم بهامش الكتاب (1/ 57)، ومنهج السالك (ص 333).
(3)
أي: قال ابن عصفور.
(4)
ينظر الشرح الكبير لابن عصفور (ص 561).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المصنف في ذلك ما فيه غنية.
قال الشيخ: والإنصاف في هذه المسألة القياس على «فعول، وفعّال، ومفعال» ، والاقتصار في «فعيل وفعل» على موارد السّماع (1).
ومن النحويين من أجاز هذه الأمثلة، وإن كان معناها ماضيا، قال: لما فيها من قوة معنى الفعل، بسبب المبالغة، وإلى ذلك ذهب ابن خروف (2) من المتأخرين مستدلّا بقول الشاعر:
2185 -
كريم رؤوس الدّارعين ضروب
قال: لأنه يرثي رجلا شجاعا، فمدحه بما ثبت واستقرّ، والجواب أنّ هذا إنما هو على حكاية الحال (3).
ومنها: أنّ الموجب لقول الأخفش: إنّ نصب ما بعد اسم الفاعل المقرون بـ «أل» إنما هو على التشبيه بالمفعول به؛ أنّه يرى أنّ «أل» التي باشرت اسم الفاعل إنما هي للتعريف، كما هي في «الرجل» ، فخالف الجمهور في القول بأنها اسم موصول (4)، وإذا كانت حرف تعريف كان دخولها على اسم الفاعل مبطلا لعمله كما يبطله التصغير والوصف؛ لأنّه يبعد عن الفعل بمباشرة ما هو من خواصّ الأسماء له: فلذلك احتاج أن يقول: إن النصب على التشبيه بالمفعول به، ولا شكّ أنّ هذا المذهب مرغوب عنه، وقد ذكرت الأدلة على بطلانه في غير هذا الموضع (5).
(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 797).
(2)
في المرجع السابق (4/ 798): (ذهب أبو بكر بن طاهر وتلميذه ابن خروف إلى جواز إعماله ماضيا، وذلك لما فيه من المبالغة، والسماع الوارد بذلك، قال:
بكيت أخا لأواء
…
...
…
البيت
ألا ترى أنه يندب ميتا، فدل ذلك على أنه يريد بـ «ضروب» معنى الماضي، ورد هذا بأنه محمول على حكاية الحال كما قالوا في قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ.
(3)
ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (ص 561).
(4)
في التذييل والتكميل (4/ 819): («أل» عند الجمهور إذا دخلت على اسم الفاعل كانت موصولة، وذهب الأخفش إلى أنها ليست موصولة، بل هي حرف تعريف، كهي في «الرجل» ودخولها على اسم الفاعل يبطل عمله، كما يبطله التصغير والوصف ..) اهـ.
(5)
ينظر: الرد على الأخفش في: منهج السالك (ص 331)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / ب)، -