المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الباء معانيها، وأحكامها] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٦

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب

- ‌[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]

- ‌[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

- ‌[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]

- ‌[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

- ‌الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل

- ‌[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

- ‌[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

- ‌[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

- ‌[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

- ‌[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

- ‌[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه

- ‌الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

- ‌[تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

- ‌[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

- ‌[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

- ‌[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

- ‌الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

- ‌[تعريفها وشرح التعريف]

- ‌[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

- ‌[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

- ‌[بقية أحكام الصفة المشبهة]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

- ‌[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

- ‌الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

- ‌[علة إعمال المصدر - أحوال إعماله]

- ‌[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده]

- ‌[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

- ‌[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

- ‌[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع]

- ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

- ‌الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]

- ‌[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]

- ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[إلى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[كي الجارة - مساواتها للام]

- ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

- ‌[في: معانيها، وما يعرض لها]

- ‌[عن: معانيها، وأحكامها]

- ‌[على: معانيها، وحكم زيادتها]

- ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[الكاف الجارة: معانيها…وأحكامها]

- ‌[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

- ‌[لولا .. حكم الجر بها]

- ‌[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما]

- ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

- ‌الباب الأربعون باب القسم

- ‌[القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه]

- ‌[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

- ‌[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

- ‌[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

- ‌[تلقي جواب القسم الماضي]

- ‌[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

- ‌[من أحكام أسلوب القسم]

الفصل: ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

[الباء معانيها، وأحكامها]

قال ابن مالك: (ومنها: الباء للإلصاق، وللتّعدية، وللسّببيّة، وللتّعليل، وللمصاحبة، وللظّرفيّة، وللبدل، وللمقابلة ولموافقة «عن، وعلى، ومن التبعيضية»، وتزاد مع فاعل، ومفعول، وغيرهما).

ــ

2453 -

إذا أنت لم تنفع فضر فإنّما

يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع (1)

أو على ما الاستفهامية كقولك سائلا عن العلة: كيم فعلت؟ وفي الوقف:

كيمه؟ كما تقول: لم فعلت؟ ولمه؟ (2) وقد تكلم الشيخ في هذا الموضع على «كي» ، وذكر أن كونها تكون جارة هو مذهب البصريين، وأن مذهب الكوفيين أنها لا تكون جارة وإنما هي عندهم ناصبة على حال (3)، وأطال الكلام في ذلك (4)، ولا شك أنه قد تقدم الكلام عليها في باب الموصول (5) وسيأتي الكلام عليها في باب إعراب الفعل (6) إن شاء الله تعالى.

قال ناظر الجيش: قال المصنف (7): باء الإلصاق: هي الواقعة في نحو: وصلت هذا بهذا، وباء التعدية: هي القائمة مقام همزة النقل في إيصال الفعل اللازم إلى مفعول به كالتي في ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (8)، ولَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ (9) وباء السببية: هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معدّاها مجازا نحو: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (10)، وتُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (11)، فلو قصد إسناد الإخراج إلى الهاء من قوله: فَأَخْرَجَ بِهِ وإسناد الإرهاب إلى الهاء من قوله: تُرْهِبُونَ بِهِ فقيل: أنزل ما أخرج من الثمرات رزقا، وما استطعتم من -

(1) من الطويل لقيس بن الخطيم - ملحقات ديوانه (ص 170) والأشموني (2/ 204)، والخزانة (3/ 591)، والمغني (ص 182).

(2)

شرح التسهيل (3/ 149).

(3)

فيتأولون «كيمه» على تقدير: كي تفعل ماذا؟، ويلزمهم كثرة الحذف وإخراج ما الاستفهامية عن الصدر، وحذف ألفها في غير الجر وحذف الفعل المنصوب مع بقاء ناصبه وكل ذلك لم يثبت. وراجع الأشموني (3/ 280، 281).

(4)

التذييل (4/ 16).

(5)

انظر: باب الموصول في هذا الكتاب (الموصولات الحرفية).

(6)

انظر: باب إعراب الفعل في هذا الكتاب.

(7)

شرح التسهيل (3/ 149).

(8)

سورة البقرة: 17.

(9)

سورة البقرة: 20.

(10)

سورة البقرة: 22.

(11)

سورة الأنفال: 60.

ص: 2939

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوّة ترهب عدو الله وعدوكم؛ لصحّ وحسن، ولكنه مجاز والآخر حقيقة، ومنه:

كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين، فإنه يصح أن يقال: كتب القلم، وقطع السكين. والنحويون يعبرون عن هذه الباء

بياء الاستعانة، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى؛ فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز.

وأما [باء] التعليل: فهي التي يحسن غالبا في موضعها اللام كقوله تعالى:

إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ (1)، وفَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ (2)، وإِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ (3)، وكقول الشاعر:

2454 -

ولكنّ الرّزيّة فقد قرم

يموت بموته بشر كثير (4)

واحترزت بقولي: (غالبا) من قول العرب: غضبت لفلان؛ إذا غضبت من أجله وهو حيّ، وغضبت به؛ إذا غضبت من أجله وهو ميّت.

وباء المصاحبة: هي التي يحسن في موضعها «مع» ويغني عنها وعن مصحوبها الحال كقوله تعالى: قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ (5) أي: مع الحق ومحقّا، وكقوله تعالى: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ (6) أي: مع سلام ومسلما. ولمساواة هذه الباء «مع» قد يعبر سيبويه (7) عن المفعول معه بالمفعول به.

وباء الظرفية: هي التي يحسن في موضعها في نحو: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ (8).

وإِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى (9)، وإِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (10)، [و] وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ (11)، ووَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ (12)، وبِبَطْنِ مَكَّةَ (13)، ووَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ (14)، وإِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (15) وباء البدل: هي التي يحسن في موضعها بدل -

(1) سورة البقرة: 54.

(2)

سورة النساء: 160.

(3)

سورة القصص: 20.

(4)

من الوافر وانظره في التذييل (4/ 18).

(5)

سورة النساء: 170.

(6)

سورة هود: 48.

(7)

الكتاب: (1/ 297).

(8)

سورة آل عمران: 123.

(9)

سورة الأنفال: 42.

(10)

سورة طه: 12.

(11)

سورة القصص: 44.

(12)

سورة القصص: 46.

(13)

سورة الفتح: 24.

(14)

سورة الصافات: 137، 138.

(15)

سورة القمر: 34.

ص: 2940

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كقول رافع بن خديج (1) رضي الله عنه ما يسرّني أنّي شهدت بدرا بالعقبة (2)، ومثله قول الشاعر:

2455 -

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (3)

وقول الآخر:

2456 -

يلقى غريمكم من غير عسرتكم

بالبذل بخلا وبالإحسان حرمانا (4)

وباء المقابلة: هي الداخلة على الأثمان والأعواض كقولك: اشتريت الفرس بألف، وكافأت الإحسان بضعف، وقد تسمى باء العوض.

والموافقة «عن» : كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ (5)، ويَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ (6) أي: عن أيمانهم. كذا قال الأخفش (7)، ومثله:

فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (8)، ومثله قول الشاعر:

2457 -

هلّا سألت بنا فوارس وائل

فلنحن أسرعها إلى أعدائها (9)

والموافقة «على» : كقوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (10) أي: على قنطار، وعلى دينار، وكذا قال الأخفش (11) وجعل مثله مررت به، أي: عليه؛ قال تعالى: وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (12)، ويَمُرُّونَ عَلَيْها (13)، ولَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ (14)، وقال تعالى: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ (15)، ومن موافقة الباء لـ «علي» أيضا: -

(1) رافع بن خديج بن رافع الأنصاري صحابي، عريف قومه بالمدينة، روى له البخاري ومسلم (ص 78) حديثا. (ت 74 هـ) بالمدينة. راجع: الإصابة (2/ 186)، وتهذيب التهذيب (3/ 229).

(2)

وراجع التصريح (2/ 13)، والهمع (2/ 21).

(3)

من البسيط لقريط بن أنيف. وراجع الأشموني (2/ 220)، والعيني (3/ 72)، والهمع (1/ 195)، و (2/ 21).

(4)

من البسيط وانظره في التذييل (4/ 18).

(5)

سورة الفرقان: 25.

(6)

سورة الحديد: 12.

(7)

المعاني (1/ 335).

(8)

سورة الفرقان: 59.

(9)

من الكامل، وهو للمرقش الأكبر. وراجع التذييل (4/ 18، 19).

(10)

سورة آل عمران: 75.

(11)

المعاني (1/ 335)، والمغني (ص 101).

(12)

سورة المطففين: 30.

(13)

سورة يوسف: 105.

(14)

سورة الصافات: 137.

(15)

سورة يوسف: 64.

ص: 2941

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2458 -

أربّ يبول الثّعلبان برأسه

لقد هان من بالت عليه الثعالب (1)

أراد: ببول على رأسه، والموافقة «من» التبعيضية كالثانية في قول الشاعر:

2459 -

فلثمت فاها آخذا بقرونها

شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج (2)

ذكر ذلك أبو علي الفارسي في التذكرة (3). وروي مثل ذلك عن الأصمعي (4) في قول آخر:

2460 -

شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج (5)

والأجود في هذا أن يضمّن «شربن» معنى «روين» ويعامل [3/ 193] معاملته كما ضمّن يُحْمى معنى «يوقد» فعومل معاملته في يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ (6)؛ لأن المستعمل: أحميت الشيء في النار، وأوقدت عليه. وزيادة الباء مع الفاعل نحو: أحسن بزيد، وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (7) [و]:

2461 -

[فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها]

وحبّ بها مقتولة [حين تقتل](8)

و:

2462 -

ألم يأتيك والأنباء تنمي

بما لاقت لبون بني زياد (9)

و: -

(1) من الطويل، وقيل: إنه لأبي ذر الغفاري، وقيل: لغيره وراجع: أمالي الشجري (2/ 271) واللسان «ثعلب» ، والهمع (2/ 22).

(2)

من الكامل قيل: لجميل، أو لغيره وانظر ديوان جميل (ص 42) والأغاني (1/ 75)، والدرر (2/ 14).

(3)

الارتشاف (ص 714) والتذييل (4/ 19) والكافية الشافية (ص 288).

(4)

عبد الملك بن قريب الباهلي من الطبقة الثالثة للغويين البصريين قال عن نفسه: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة. له: الأضداد، والإبل وغيرهما - (ت 216 هـ) راجع: الإنباه (2/ 197)، والبغية (2/ 112).

(5)

من الطويل لأبي ذؤيب الهذلي - ديوان الهذليين (1/ 51)، والمحتسب (2/ 114)، والهمع (2/ 34).

(6)

سورة التوبة: 35.

(7)

سورة النساء: 79، 166، سورة الفتح:28.

(8)

البيت من الطويل للأخطل - في ديوانه (ص 4) وانظر الخزانة (4/ 122)، وشرح المفصل (7/ 129)، والعيني (4/ 26).

(9)

من الوافر لقيس بن زهير - راجع الأشموني (2/ 44) والخزانة (3/ 534) الكتاب (1/ 15)، (2/ 59) والهمع (1/ 52).

ص: 2942

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2463 -

ألا هل أتاها والحوادث جمّة

بأنّ امرأ القيس بن مالك بيقرا (1)

و:

2464 -

[مهما لي الليلة مهما ليه]

أودى بنعليّ وسرباليه (2)

وزيادتها مع المفعول نحو: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (3)، [و] وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ (4) وفَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ [إِلَى السَّماءِ](5)، ووَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (6)، وتَنْبُتُ بِالدُّهْنِ (7) في قراءة ابن كثير (8)، وأبي عمرو، ويذهب بالأبصر (9) في قراءة أبي جعفر ومن الشواهد الشعرية قول الشاعر:

2465 -

شهيدي سويد والفوارس حوله

وما ينبغي بعد ابن قيس بشاهد (10)

ومثله:

2466 -

وكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النّبيّ محمد إيّانا (11)

أي: كفانا فضلا حب النبي إيانا. وكثرت زيادتها في مفعول «عرف» وشبهه.

وأشرت بقولي: (وفي غيرهما) إلى زيادتها في «بحسبك» ، وفي المواضع المذكورة في باب كان (12). انتهى كلامه رحمه الله تعالى (13). -

(1) من الطويل لامرئ القيس ديوانه (ص 64) والخزانة (4/ 161) الخصائص (1/ 335) واللسان (بقر).

(2)

ذكر العجز وذكرنا صدره وهو من السريع لعمرو بن ملقط. وانظر: شرح المفصل (7/ 44)، والنوادر (62) والهمع (2/ 57).

(3)

سورة البقرة: 195.

(4)

سورة مريم: 25.

(5)

سورة الحج: 15.

(6)

سورة الحج: 25.

(7)

سورة المؤمنون: 20، والكشاف (3/ 29).

(8)

عبد الله بن كثير القرشي إمام أهل مكة وأحد القراء السبعة (ت 120 هـ) بمكة. راجع طبقات القراء (1/ 443)، وغاية النهاية (1/ 443)، واللطائف (1/ 94).

(9)

سورة النور: 43، والكشاف (3/ 70، 71).

(10)

من الطويل وانظره في الارتشاف (ص 716) والتذييل (4/ 19).

(11)

من الكامل لحسان بن ثابت، أو عبد الله بن رواحة، أو كعب بن مالك. وراجع أمالي الشجري (2/ 169، 311) الكتاب (1/ 269) والهمع (1/ 92، 167).

(12)

قال في شرح التسهيل: وتزاد الباء كثيرا في الخبر المنفي بليس وما أختها وقد تزاد بعد نفي فعل ناسخ للابتداء، وبعد أولم يروا أن وشبهه وبعد لا التبرئة وهل وما المكفوفة.

(13)

انظر: شرح التسهيل (3/ 124).

ص: 2943

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجملة المعاني التي ذكرها أحد عشر. ولم يذكر من المعاني الاستعانة؛ لأنه جعل السببية شاملة لها وسيأتي أنهما غيران. وعلى هذا: تكون المعاني التي للباء اثني عشر معنى. ذكر المغاربة منها ستة وهي الإلصاق، والاستعانة، والسبب، والمصاحبة، معبرين عنها بالحال، والظرفية، والتعدية معبرين عنها بالنقل ثم إنهم لم يتعرضوا لذكر التعليل، ولا شك أنه معنى ثابت للباء وكذا البدل، والظاهر ثبوته أيضا. فهذه ثمانية معان، تبقى أربعة مما ذكره المصنف وهي: المقابلة، وموافقة «عن» ، وموافقة «على» ، وموافقة «من» التبعيضية. ولا شك أن في ثبوت كل منها بحثا سيذكر.

ثم إن ابن عصفور ذكر من جملة المعاني القسم (1)، ولا يتحقق ذلك فإن القسم لم يفهم من الحرف الذي هو الباء؛ بل من فعل القسم، والباء إنما هي لتعدية فعل القسم إلى المقسم به.

ثم اعلم أن سيبويه ذكر أن معنى الباء الإلصاق والاختلاط (2)، ولم يذكر لها معنى آخر غير هذا. ومن ثم ذكروا أن الإلصاق معنى لا يفارق الباء وأن كونها للإلصاق لا يلزم منه ألّا يفاد بها معنى آخر كالاستعانة نحو: كتبت بالقلم، ونجرت بالقدوم، والمصاحبة نحو: خرج زيد بثوبه، حتى قال ابن أبي الربيع بعد أن مثل بما ذكرته: وإذا نظرت إلى هذا وما أشبهه وجدت فيها الإلصاق والاختلاط؛ لأنك ألصقت الكتب بالقلم والنّجر بالقدوم (3)، وقال: وكذلك: خرج زيد بثوبه، هو بمنزلة: مررت بزيد؛ لأنه إذا صاحبك في حين الفعل فكأن فعلك ملتصق به (4) قال: وكذلك إذا قلت: دخلت بزيد، أي: أدخلته؛ كان في الباء معنى الإلصاق والاختلاط؛ لأنك إذا جعلته يدخل فقد ألصقت الدخول به فالإلصاق عام فيها حيثما وقعت. وتلك المعاني تصاحب في موضع وتفارق في آخر. فينبغي أن يدعي أنها وضعت بإزاء المعنى المصاحب في كل حال لا بإزاء المعنى الذي يكون بحكم الانجرار لا بحكم الموضع (5). انتهى.

ولا شك أن كون الإلصاق لا يفارقها غير ظاهر. ولا يخفى ما في تقرير ابن الربيع لذلك في كل مسألة من التكلف. وكلام ابن عصفور يقرب من كلامه -

(1) شرح الجمل (1/ 493).

(2)

الكتاب (4/ 217).

(3)

،

(4)

التذييل (4/ 17) بغير نسبة إليه.

(5)

التذييل (4/ 17) بغير نسبة إليه.

ص: 2944

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكذا كلام ابن هشام الخضراوي فإنه قال: ومعناها الإلصاق والاختلاط وهذا غالب أحوالها وإلى هذا ترجع في أكثر متصرفاتها (1).

وبعد: فأنا أورد المعاني التي ذكرها المصنف معنى معنى، وأتبع كلّا منها بما يتعلق به من البحث.

أما الإلصاق: فقد مثل له بقوله: وصلت هذا بهذا، وقد يقال: إنما استفيد الإلصاق في هذا المثال من الفعل الذي هو «وصلت» والباء إنما هي هنا للتعدية عدت «وصلت» إلى مفعول ثان لكن كون الباء تعدي فعلا غير لازم فيه كلام سيذكر قريبا إن شاء الله تعالى.

وقد مثل ابن عصفور للإلصاق بقولك: مسحت برأسي قال: وهذا إلصاق حقيقة، وقد يكون الإلصاق مجازا نحو: مررت بزيد؛ فالمرور التصق بمكان يقرب من زيد فجعل كأنه ملتصق بزيد مجازا (2). وقال في شرح الإيضاح: الباء التي لمجرد التي الإلصاق والاختلاط نوعان:

أحدهما: الباء التي لا يصل الفعل إلى المفعول إلا بها نحو قولك سطوت بعمرو ومررت بزيد فألصقت الباء معنى الفعل بالمفعول إلا أن الإلصاق في مررت بزيد وأمثاله مجاز.

والآخر: الباء التي تدخل على المفعول المنتصب بفعله؛ لأنها إذ ذاك تفيد مباشرة الفعل للمفعول نحو: أمسكت بزيد؛ فإن الإمساك في هذا المثال يكون بمباشرة منك له، بخلاف قولك: أمسكت زيدا؛ فإن ذلك يقال حيث تمنعه من التصرف، وإن لم يكن مباشرا ومثله أنك تقول: خشّنت صدره إذا كنت سببا في تخشين صدره؛ وإن لم تباشره، و: خشّنت بصدره؛ إذا باشرت تخشين صدره بنفسك وأما التعدية فأمرها واضح، لكن الشيخ ناقش المصنف في قوله: إنها قائمة مقام همزة النقل في إيصال الفعل اللازم إلى مفعول به فقال: ليست مختصة بالفعل اللازم فقد وجدت في المتعدي تقول:

دفع بعض الناس بعضا، وصك الحجر الحجر، ثم تقول: دفعت بعض الناس [3/ 194] ببعض، وصككت الحجر بالحجر (3)، قال: فقول من قال: هي الداخلة على الفاعل فتصيّره مفعولا أشدّ؛ لأنها وجدت مع المتعدي كما وجدت

مع اللازم (4). انتهى. -

(1) راجع: التذييل (4/ 17)، والهمع (2/ 22).

(2)

شرح الجمل (1/ 495).

(3)

،

(4)

التذييل (4/ 17).

ص: 2945

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذي ذكره المصنف صرح به ابن عصفور فقال في المقرب ومعناها ومعنى الهمزة واحد إلا أنها لا تنقل الفعل عن الفاعل فتصيره مفعولا إلا في الأفعال غير المتعدية (1).

ولا شك أن ذلك يحتاج إلى تحرير.

وأما السببية: فقد عرفت قول المصنف: إن باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازا نحو: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً (2)، وتُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ [وَعَدُوَّكُمْ] (3). وهو كلام صحيح؛ فإنه قد عرف أن الفعل كما يسند إلى الفاعل حقيقة يسند إلى السبب مجازا فباء السبب هي الداخلة على شيء تسبب عنه الفعل. لكن المصنف جعل الباء في نحو: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين؛ للسببية أيضا، وقال: إنه نكب عن التعبير عنها بباء الاستعانة التي هي عبارة النحويين من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى.

وأقول: إن باء الاستعانة هي التي تباشر ما هو آلة حسية لا يمكن التوصل إلى المعمول المذكور معها إلا بها، وباء السبب هي التي تباشر ما يتسبب عنه ذلك المعمول المذكور معه حسيّا كان ذلك السبب أو معنويّا. وقد يتصور وجود ذلك المعمول مسببا عن سبب آخر غير المذكور وهذا بخلاف باء الاستعانة. ولا يلزم من إثبات الاستعانة. في حق الآدميين ثبوتها بالنسبة إلى أفعال الله تعالي. وإذا كان كذلك فما قاله المصنف غير ظاهر.

وأما التعليل: فلا شك أنه معنى ظاهر في الباء، لكن الجماعة - أعني المغاربة - لم يذكروه، وكأنهم استغنوا عن ذكره بذكر السبب، لكن قد تصح نسبة العلة إلى شيء ولا تصح نسبة السببية إليه كالبيت الذي أنشده المصنف وهو:

2467 -

يموت بموته خلق كثير

فإن باء السببية عند المصنف هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازا، وذلك لا يصح هنا فوجب أن يكون التعليل غير السببية. وقد عرفت أن المصنف من جملة ما مثل به للتعليل قوله تعالى حكاية: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ (4)، وقال الشيخ: ليست الباء للتعليل، بل التعليل هو [قوله] (5): -

(1) المقرب (1/ 204).

(2)

سورة البقرة: 22.

(3)

سورة الأنفال: 60.

(4)

سورة القصص: 20.

(5)

زيادة من التذييل.

ص: 2946

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِيَقْتُلُوكَ (1) والباء ظرفية فيه أي: يأتمرون فيك، أي: يتشاورون في أمرك لأجل القتل، ولا يكون للائتمار علتان (2). وأما المصاحبة فهو معنى ثابت للباء، والجماعة قد أثبتوه أيضا، وكذا الظرفية هو معنى ثابت كالمصاحبة.

أما البدل: فلا شك أن ما استدل به المصنف وغيره (3)[4/ 2] على ذلك فلا مطعن فيه وإنكار ثبوت هذا المعنى عناد محض. وذكر ابن عصفور أن هذا المعنى زاده بعض المتأخرين، وذكر استدلاله على ذلك ثم خرّجه تخريجا بعيدا عن القبول (4). وأما موافقة «عن، وعلى، ومن التبعيضية» فقد عرفت استدلال المصنف على الأول بقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ (5)، وبقوله تعالى: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ (6)، وبقوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (7)، وعلى الثاني بقوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً (8)، وبأن الأخفش جعل مثله قولهم: مررت به، أي: عليه. قال الله تعالى: وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (9) ويَمُرُّونَ عَلَيْها (10)، ولَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ (11)، وعلى الثالث بقول الشاعر:

2468 -

شربن بماء البحر ..

...

لكنه قال في هذا: والأجود أن يضمن «شربن» معنى «روين» ، ويعامل معاملته. وما استدل له على أن الباء بمعنى «عن» وأنها بمعنى «على» ظاهر.

وذكر ابن عصفور (12) للباء هذه المعاني الثلاثة، وذكر أن ذلك مذهب الكوفيين. -

(1) سورة القصص: 20.

(2)

التذييل (4/ 18).

(3)

هذا هو آخر الجزء الثالث وفي آخره: «هذا آخر الجزء الثالث من شرح التسهيل للشيخ الإمام العالم العلامة فريد دهره ووحيد عصره محب الدين ناظر الجيوش بالديار المصرية كان تغمده [الله] برحمته وأسكنه فسيح جنته بمنه وكرمه آمين يتلوه في الجزء الرابع على ذلك فلا [مطعن] فيه. وإنكار ثبوت هذا المعنى عناد محض» . ثم خاتم المكتبة الخديوية المصرية.

(4)

لعله من شرحه على الإيضاح.

(5)

سورة الفرقان: 25.

(6)

سورة الحديد: 12.

(7)

سورة الفرقان: 59.

(8)

سورة آل عمران: 75.

(9)

سورة المطففين: 30.

(10)

سورة يوسف: 105.

(11)

سورة الصافات: 137.

(12)

ينظر: شرح الجمل (1/ 497) وما بعدها، وما هناك إيجاز لذلك.

ص: 2947

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيد كون الباء بمعنى «عن» بأن تكون بعد السؤال. قال: واستدل الكوفيون على مجيئها بمعنى «عن» بعد السؤال بقوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (1)، وبقول علقمة (2):

2469 -

فإن تسألوني بالنّساء [فإنّني

بصير بأدواء النّساء طبيب] (3)

وبقول الآخر:

2470 -

لا تسل الضيف الغريم إذا شتا بما

زخرت له قدري حين ودعا (4)

أي: عما زخرت، وبقول الآخر:

2471 -

دع المعمّر لا تسل بمصرعه

وسل بمصقله البكريّ ما فعلا (5)

وعلى مجيئها بمعنى «عن» بقول الشاعر:

2472 -

بودّك ما قومي على أن تركتهم

سليمى إذا هبّت شمال وريحها (6)

قال: «ما» عندهم زائدة والمعنى: على ودك قومي على أن تركتهم.

وعلى مجيئها بمعنى «من» بقوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ (7)، وبقول الشاعر:

2473 -

شربن بماء البحر

...

البيت

ثم أجاب عن ذلك. أما قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً فأجاب عنه بأنه من التضمين ضمن السؤال معنى الاهتمام والاعتناء؛ لأن سؤالك عن الشيء اهتمام به واعتناء فعدى السؤال بالباء إجراء له مجرى ما ضمن معناه. قال: وأما قول الشاعر:

2474 -

بودك ما قومي

...

فليست «ما» فيه زائدة؛ لأنه لو أراد: على ودك قومي سليمى على أن تركتهم؛ لم يكن لقوله: إذا هبّت شمال وريحها وجه، وإنما الود هنا: الصّنم وما استفهامية، والتقدير: أسألك بودك، أي: بصنمك ما قومي؟ أي: أي شيء قومي إذا هبت -

(1) سورة الفرقان: 59.

(2)

علقمة بن عبدة بن قيس جاهلي من الطبقة الأولى ت نحو (20 ق. هـ) وراجع: رغبة الآمل (2/ 240) والسمط (1/ 433) والشعر والشعراء (1/ 218).

(3)

من الطويل وانظر ديوانه (ص 131) والحلل (ص 43) والشعر والشعراء (1/ 218) والهمع (2/ 22).

(4)

وانظر التذييل منسوبا فيه لا يمن بن خزيم، واللسان «ستى» .

(5)

من البسيط للأخطل وانظر: ديوانه (ص 143)، والكتاب (2/ 299).

(6)

من الطويل وانظره في التذييل (4/ 18).

(7)

سورة الإنسان: 6.

ص: 2948

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شمال وريحها في وقت اشتداد الزمان، وعنى بريح الشمال: النكباء كما قال:

2475 -

إذا النّكبا [ء] ناوحت الشمالا (1)

وقوله: «على أن تركتهم» أي: على أن فارقتهم؛ لأن هذا الشاعر يخاطب سليمى وكانت امرأته نشزت عنه فطلقها. فارتحلت إلى قومها، فسألها بصنمها أن تخبر بما شاهدته من قومه في وقت هبوب الشمال، ومناوحة النكباء لها وهو وقت اشتداد الزمان.

وأما قوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ (2) فالباء فيه بمعنى «في» . قال:

وكذا هي في قول الشاعر:

2476 -

شربن بماء البحر

(3)

... البيت

انتهى.

ولقائل أن يقول: هب أنه أجاب عن الاستشهادات التي أوردها، فماذا يجيب به عن الاستدلالات التي استدل بها المصنف؟ وأما تقييده كون الباء بمعنى «عن» بأن تكون بعد السؤال فتنقضه الآية الشريفة وهي قوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ (4)، وأيضا قوله تعالى: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ (5)، وأما قوله: إن الباء في قوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ بمعنى «في» فلا يخفى ما فيه من البعد، والأقرب بل المتعين أن الفعل الذي هو (يشرب) ضمّن معنى «يروى» كما قال المصنف في:

شربن بماء البحر

...

البيت

وأما قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (6) ففيه أقوال:

منها: ما تقدم وهو أن الباء فيه بمعنى «عن» .

ومنها: أن السؤال ضمن معنى الاعتناء والاهتمام.

ومنها: وهو للشلوبين (7) أن الباء للسببية أي فاسأل بسببه خبيرا.

ومنها: أن الباء تتعلق بقوله: (خبيرا.) -

(1) شطر بيت، وهو كذلك بغير نسبته أو تتمة في تذييل أبي حيان (4/ 19).

(2)

سورة الإنسان: 6.

(3)

راجع شرح الجمل لابن عصفور (1/ 493) وما بعدها.

(4)

سورة الفرقان: 25.

(5)

سورة الحديد: 12.

(6)

سورة الفرقان: 59.

(7)

واختاره أبو حيان. الهمع (2/ 22).

ص: 2949

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واعلم أن ابن هشام الخضراوي (1) ذكر للباء معنيين آخرين:

أحدهما: السببية ومثل ذلك بنحو: لقيت بزيد الأسد، ورأيت به القمر، التقدير: لقيت بلقائي إياه الأسد، أي: شبهه، وبرؤيتي إياه القمر، أي: شبهه.

والثاني: أنها تدخل على ما ظاهره أن المراد به غير ذات الفاعل، أو ما أضيف إلى ذات الفاعل نحو قوله:

2477 -

[إذا ما غزا لم يسقط الخوف رمحه]

ولم يشهد الهيجا بألوث معصم (2)

وقول الآخر:

2478 -

يا خير من يركب المطيّ ولا

يشرب كأسا بكفّ من بخلا (3)

فظاهر الكلام أن «بألوث معصم» غير فاعل «يشهد» أن ما أضيف إليه الكف وهو «من بخل» غير فاعل «يشرب» والمراد في الحقيقة أن فاعل «يشهد» هو «ألوث معصم» أي: يشهدها بنفسه، وليس «بألوث معصم» ، وفاعل «يشرب» هو «من بخل» كأنه قال: ولا يشرب من نفسه بكف من بخل، أي: يشرب كأسه بنفسه وليس ببخيل.

قال ابن عصفور - بعد أن ذكر للباء هذين المعنيين عن بعضهم -: والصحيح عندي أن الباء في: لقيت بزيد الأسد؛ معناها السبب، التقدير: لقيت بسبب لقاء زيد الأسد، وكذا: رأيت به، التقدير: رأيت بسبب رؤيته القمر، وأنها في قوله:

ولا

يشرب كأسا بكفّ من بخلا

باء الاستعانة؛ لأنها دخلت على الاسم المتوسط بين الفعل ومفعوله كما أنها كذلك في قولك: شربت الماء بكفي [4/ 3] وكذلك في قول الآخر:

ولم يشهد الهيجا بألوث معصم (4)

انتهى. -

(1) ينظر: الهمع (2/ 22).

(2)

شطر بيت ذكرنا صدره وهو من الطويل، والألوث - هنا -: الأحمق. وانظر: اللسان «لوث» وفيه أنه لطفيل الغنوي.

(3)

من المنسرح للأعشى - انظر ديوانه (ص 235)، والأصل: ركب بدل يركب، وسر الصناعة (ص 380) والمحتسب (1/ 152) ومعاهد التنصيص (1/ 253).

(4)

وبه قال أبو حيان. الارتشاف (ص 715) والهمع (2/ 22).

ص: 2950

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما زيادة الباء فقد عرفت قول المصنف إنها تزاد مع فاعل، ومفعول، (وغيرهما)(1).

وقد تقدم له في باب الأفعال الرافعة (الاسم)(2) الناصبة الخبر أن الباء تزاد في مواضع عدة وذكر أنها إنما تزاد كثيرا في الخبر المنفي بـ «ليس» و «ما» أختها، وأن زيادتها في غير ذلك قليلة. لكن ابن عصفور ذكر (3) أنها إنما تزاد بقياس في خبر «ليس وما» وفي «حسبك» إذا كان مبتدأ وفي فاعل «كفى» ومفعوله. قال: وما عدا ذلك مما الباء فيه زائدة فزيادتها على غير قياس إلا أن أحسنه أن يكون ما زيدت فيه الباء قد توجّه عليه النفي في المعنى نحو قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (4)؛ لأن معنى الكلام: أو ليس الله بقادر (5).

وقال في المقرب: وتكون زائدة مصلحة في نحو: أحسن بزيد (6). ولم يذكر المصنف ذلك استغناء عنه بذكره له في باب التعجب (7). والذي فعله المصنف أولى بل هو متعين؛ لأن الباء في نحو: أحسن بزيد، مع كونها زائدة هي لازمة؛ فوجب ذكرها في مكان يخصها. ولا شك أن شأن الزائد أن يكون جائز الذكر لا لازمه؛ فوجب ألا يذكر - هنا أعني الموضع الذي يذكر فيه زيادة الباء - إلا ما كان يجوز أن يؤتى به وألا يؤتى به.

ثم اعلم أن الذي ذكره المصنف من أن الباء زائدة في فاعل (كفى) من كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (8) هو مذهب سيبويه (9). وذكر ابن عصفور عن ابن السراج (10) وجها آخر وهو أن الباء غير زائدة وفاعل (كفى) ضمير مستتر فيه عائد على الاكتفاء المفهوم من (كفى) كأنه قيل: كفى هو بالله، أي:

كفى اكتفاؤك بالله (11). قال: حكى ذلك عنه أبو الفتح ابن جني (12) ورده -

(1) و (2) من هامش المخطوط.

(3)

شرح الجمل (1/ 493).

(4)

سورة الأحقاف: 33.

(5)

شرح الجمل (1/ 347).

(6)

المقرب (1/ 203).

(7)

شرح التسهيل (1/ 134).

(8)

سورة الرعد: 43.

(9)

الكتاب (1/ 38، 41، 66، 92)، (2/ 26، 175، 293، 316)، (4/ 225).

(10)

ينظر: الارتشاف (2/ 429).

(11)

الحق أن ابن السراج يقول بزيادتها. قال في الأصول (1/ 330): (وجاءت زائدة في قولك:

حسبك زيد، وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً إنما هو: كفى الله).

(12)

ينظر: سر الصناعة (1/ 158)، والمغني (ص 106، 107).

ص: 2951

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابن عصفور بأن الباء حينئذ إنما تتعلق بالضمير الذي هو الفاعل وهو الذي يراد به الاكتفاء والضمير لا يجوز إعماله. وابن جني منع ذلك من جهة أخرى وهو أن معمول المصدر من كماله فيهما بمنزلة اسم واحد، فلو أضمرت المصدر وجعلت المجرور متعلقا بذلك الضمير؛ لأدى ذلك إلى أن يكون بعض الاسم مظهرا وبعضه مضمرا. ورد ابن عصفور هذا بأن قال: الموصولات كلها صلاتها تمام لها وفي كل صلة ضمير يعود على الموصول، ويلزم على قول ابن جني ألا يكون في الصلة ضمير يعود على الموصول لما يلزم منه أن يكون بعض الاسم مظهرا وبعضه مضمرا. انتهى.

وهذا الذي ذكره غير ظاهر؛ فإن الذي هو من تمام الموصول إنما هو الصلة، والعائد إنما هو للربط - أعني ربط الصلة بالموصول - ثم ليس مراد ابن جني بقوله:

ابن، بعض الاسم مضمر، أن ذلك البعض يكون ضميرا؛ بل مراده أنه مستتر أي:

غير ملفوظ به. ولا شك أن بعض الاسم لا يكون ملفوظا به والبعض الآخر ملفوظ به، ولمّا مثل ابن عصفور زيادة الباء في المبتدأ بقوله: بحسبك زيد، وأنشد:

2479 -

بحسبك بالقوم أن يعلموا

بأنّك في القوم غنيّ مضر (1)

وقال: التقدير: حسبك بالقوم أن يعلموا. قال: ومن زيادتها في المبتدأ أيضا قوله:

2480 -

اضرب بالسّيف على نصابه

أتى به الدّهر بما أتى به (2)

قال: فـ «ما» من قوله: «بما أتى به» مبتدأ؛ بدليل عود الضمير عليها من الجملة التي قبلها، والتقدير: بما أتى به الدهر أتى به، والضمير لا يعود على متأخر لفظا إلا إذا كان متقدما في الرتبة. قال: ولا يحفظ زيادة الباء في المبتدأ إلا في هذين الموضعين. وزعم بعضهم (3) أن الباء في قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (4) زائدة، وأنّ (أيكم) مبتدأ والتقدير: أيكم المفتون. قال: وزيادة الباء في المبتدأ لا ينبغي أن يقال بها ما وجدت عنها مندوحة؛ لقلة ما جاء من ذلك، والأولى القول بعدم زيادة الباء. ثم الآية الشريفة تحتمل وجهين: -

(1) من المتقارب للأشعر الرقبان: وانظر: الإنصاف (2/ 364)، والخصائص (2/ 282)، وشرح المفصل (8/ 23، 39) واللسان «ضرر» .

(2)

وهو بنصه في التذييل (4/ 20).

(3)

هو الأخفش، قال في المعاني له (1/ 348):(يريد: أيكم المفتون).

(4)

سورة القلم: 6.

ص: 2952

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدهما: أن يكون (المفتون)(1) مصدرا جاء على زنة مفعول التقدير بأيكم الفتنة.

والآخر: أن يكون (المفتون) صفة والباء بمعنى «في» ، التقدير: في أيكم المفتون أي: في أيكم القرين المفتون. وأجاز الأخفش زيادة الباء في خبر المبتدأ في غير النفي وجعل من ذلك قوله تعالى: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها (2)، التقدير عنده: جزاء سيئة سيئة مثلها، واستدل على ذلك بقوله تعالى في الآية الأخرى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (3).

وقد خرّجت الآية الشريفة على وجهين لا تكون الباء فيهما زائدة:

أحدهما: أن المجرور في موضع الخبر، والتقدير: جزاء سيئة حاصل بمثلها.

الآخر: أن يكون المجرور متعلقا بـ (جزاء) والخبر محذوف والتقدير: ثابت لهم.

وذكروا من زيادة الباء في المفعول: قرأت بالسورة، أي: قرأت السورة قال الشاعر:

2481 -

هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة

سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (4)

أي: لا يقرأن السور، وليس منه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (5)؛ لأن الباء فيه للاستعانة. قال:

وبالجملة كل فعل وصل بنفسه تارة وبالباء أخرى ووصوله بنفسه إلى مفعوله أكثر من وصوله إليه بالباء

وليس في دخول الباء عليه زيادة معنى نحو ما ذكر من أمسكت زيدا، وأمسكت بزيد؛ فإنه إن أمكن تضمينه معنى فعل يصل بالباء لم تجعل الباء فيه زائدة نحو الباء في قوله:

2482 -

نحن بني ضبّة أصحاب الفلج

نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج (6)

وقول الآخر:

2483 -

ضمنت برزق [4/ 4] عيالنا أرماحنا (7)

ألا ترى أنه يجوز أن يكون ضمّن «ضمنت» معنى تكفّلت فعدّاه بالباء؛ ذلك لأن من ضمن شيئا فقد تكفل به، وكذلك يجوز أيضا أن يكون ضمن «نرجو» -

(1) سورة القلم: 6.

(2)

سورة يونس: 27.

(3)

سورة الشورى: 40، وانظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 348).

(4)

من البسيط للراعي، وراجع: الخزانة (3/ 667)، واللسان «قرأ» ومجالس ثعلب (ص 365) والمخصص (14/ 70) والمغني (ص 29، 109، 675).

(5)

سورة العلق: 1.

(6)

ويروى: بنو شطر بيت من الرجز ذكرنا صدره وهو للنابغة الجعدي انظر: ملحقات ديوانه (ص 216)، والإنصاف (ص 284)، والخزانة (4/ 159)، والمغني (ص 108).

(7)

شطر بيت من الكامل، وانظره في: الأشموني (2/ 95)، والمخصص (14/ 70).

ص: 2953