الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]
قال ابن مالك: (ويجرّ ما تعلّق بهما من غير ما ذكر بـ «إلى إن كان فاعلا، وإلّا فبالباء إن كان من مفهم علما أو جهلا،
وباللّام إن كانا من متعدّ غيره، وإن كانا من متعدّ بحرف جرّ فبما كان يتعدّى به، ويقال في التّعجّب من «كسا زيد الفقراء الثّياب» و «ظنّ عمرو بشرا صديقا» و «ما أكسى زيدا الفقراء الثّياب» و «ما أظنّ عمرا لبشر صديقا» وينصب الآخر بمدلول عليه بأفعل لا به، خلافا للكوفيّين).
ــ
وأجاز ابن كيسان الفصل بين «أفعل» والمتعجّب منه، بـ «لولا» الامتناعية، ومصحوبها، كقولك: ما أحسن لولا بخله زيدا، ولا حجة على ذلك (1). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى.
ونظرت في شرح الشيخ بعد ذلك فلم أجده ذكر شيئا كبير الفائدة، يتعلق بهذا الفصل، مع أنه أطال الكلام، ولكن لم يتحصل لي فيه ما يتعين إثباته، وكلام المصنّف - إذا تأمله الناظر - كان فيه غنية عن كثير من التصانيف، فسبحان الملك الوهاب ولا مانع لما أعطى جلّ وعزّ وعلا.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): الإشارة بما ذكر إلى المتعجّب منه، والظرف والحال، والتمييز، فما ليس واحدا منها، وله تعلّق بفعل التعجّب، يجرّ بـ «إلى» إن كان فاعلا في المعنى، نحو: ما أحبّني إلى زيد، فـ «زيد» فاعل في المعنى، لأنّ المراد يحبّني زيد حبّا بليغا (3)، وإن لم يكن فاعلا في المعنى جرّ بالباء إن كان فعل التعجّب مصوغا من فعل علم أو جهل، نحو: ما أعرفني بزيد، وما أجهله بي، وإن صيغ من غير ذلك، وكان فعل التعجّب متعدّيا عدّي في التعجّب باللّام، -
(1) لمراجعة ذلك ينظر: شرح المصنف (3/ 43)، والتذييل والتكميل (4/ 652)، ومنهج السالك (ص 381)، وشرح التسهيل للمرادي (191 / أ)، والمساعد لابن عقيل (2/ 157 - 158).
وفي تعليق الفرائد للدماميني (2/ 441): (فإن كان عن سماع فهو معذور، وإلا فهو جملة اعتراض، فما وجه تخصيص اعتراضه، مفتتحة بلولا، عن اعتراضه غير مفتتحة بها؟!) اه.
(2)
شرح التسهيل لابن مالك (3/ 43).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 664) وفيه زيادة «أحبب بزيد إلى عمرو، وأبغض بعمرو إلى بكر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نحو: ما أضربني لزيد، وما أنصرني لعمرو، فإن كان فعل التعجّب متعدّيا بحرف جرّ عدّي به حال التعجّب، نحو: ما أزهد زيدا في الدّنيا، وما أبعده عن الشرّ (1)، وما أصبره على الأذى، فإن كان فعل التعجّب متعديا إلى اثنين جررت الأول باللام، ونصبت الثاني عند البصريين (2) بمضمر مجرّد مماثل لتالي «ما» نحو:
ما أكسى زيدا للفقراء الثياب، فالتقدير: يكسوهم الثياب، وكذا يفعلون في:
ما أظنّ عمرا لبشر صديقا، يقدرون: يظنّه صديقا، والكوفيّون لا يضمرون، بل ينصبون الثاني [3/ 117] بتالي «ما» بنفسه (3)، ذكر هذه المسألة ابن كيسان في المهذّب (4). انتهى. ويتعلق بهذا الموضوع بحثان:
الأول:
أنّ المصنف اقتصر في صورة المسألة على التمثيل لها بصيغة «ما أفعل» وأما الشيخ فإنّه مثل بالصيغتين معا، فمثّل - مع: ما أحبّ زيدا إلى عمرو - بقوله:
أحبب بزيد إلى عمرو، ومثّل - مع: ما أبصر زيدا بالشّعر وما أجهل عمرا بالفقه - بقوله: أبصر بزيد بالشعر، وأجهل بعمر بالفقه، ومثل - مع قوله: ما أضرب زيدا لعمرو - بقوله: أضرب بزيد لعمرو، ومثّل - مع ما أعزّ زيدا عليّ، وما أزهده في الدّنيا - بقوله: أعزز بزيد عليّ، وأزهد به في الدنيا (5). وأقول: إنّ في استعمال -
(1)(وتقول: أزهد بزيد في الدنيا، وأبعد به عن الشرّ، والتركيب قبل هذا: زهد زيد في الدنيا، وبعد عن الشرّ). التذييل والتكميل (4/ 665).
(2)
،
(3)
ينظر: منهج السالك (ص 383، 384)، وشرح التسهيل للمرادي (191 / أ) وفي التذييل والتكميل (4/ 666): (المتعدي إلى اثنين إن كان من باب أعطى جاز أن يقتصر على ما كان فاعلا في المعنى قبل التعجب نحو: ما أعطى زيدا، وما أكسى خالدا، وجاز أن يعديه بعد ذلك إلى أحد المفعولين باللام، فتقول: ما أكسى زيدا لعمرو، وما أكسى زيدا للثياب، فإن جاء من كلامهم: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم، وما أكسى زيدا للفقراء الثياب، فمذهب البصريين أنه ينصب بإضمار فعل، تقديره:
أعطاهم الدراهم، أو كساهم الثياب، ومذهب الكوفيين أنه منصوب بنفس فعل التعجب) اهـ.
(4)
كتاب المهذب لابن كيسان من الكتب المفقودة، وقد ذكر الكتاب في بغية الوعاة، في ترجمة ابن كيسان (1/ 19)، وينظر: ذكر ابن كيسان لهذه المسألة في التذييل والتكميل (4/ 666)، وشرح التسهيل للمرادي (191 / أ)، وتعليق الفرائد (2/ 443)، وفي المساعد لابن عقيل (2/ 159).
(5)
ينظر هذا التمثيل في: التذييل والتكميل (4/ 665).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صيغة «أفعل» في بعض هذه الصّور نظرا، وذلك أنّ معنى: أحبب بزيد إلى عمرو:
أحبّ زيد، كما أن معنى: أحسن بزيد: أحسن زيد، و «زيد» هو الفاعل، والتقدير: صار زيد ذا حبّ إلى عمرو، فالحبّ قائم به كما أن الحسن قائم بزيد في قولنا: أحسن بزيد، وقد قرر أنّ المراد بقولنا: أحبب بزيد إلى عمرو، هو الذي أريد بقولنا: ما أحبّ زيدا إلى عمرو، و «عمرو» في هذا التركيب هو الفاعل، كما عرفت فكيف يكون «أحبب بزيد إلى عمرو» بمعناه وقد اختلف الفاعل فيهما؟
وقال الشيخ - بعد أن مثّل بـ: ما أضرب زيدا لعمرو -: أضرب بزيد لعمرو، وتعدية «أضرب» لـ «عمرو» باللّام مشكلة
لأن معناه: أضرب زيد، و «أضرب زيد» ، لا يتعدّى، قال: ولا ينبغي أن يجوز هذا التركيب، ولا يقدم عليه إلا بعد سماعه من العرب (1) انتهى. وقوله: إنّ «أضرب زيد» لا يتعدّى صحيح، ولكونه لا يتعدّى احتيج إلى إدخال اللام على معموله، أو يقول: أضرب بزيد لعمرو، صار زيد ذا ضرب لعمرو، فالمجرور باللام إمّا معمول لذلك المصدر، والذي تضمنه معنى الكلام، إن جوز إعمال المصدر مقدرا، وإمّا نعت له، والتقدير: صار زيد ذا ضرب كائن لعمرو.
البحث الثّاني:
ما ذكره المصنف، نقلا عن المهذّب، لابن كيسان أنّه قال: ما أكسى زيدا للفقراء الثياب، وما أظنّ عمرا لبشر صديقا، وأن البصريين يقدرون ناصبا للثاني، من مفعولي «كسا وظنّ» ، وأن الكوفيين لا يقدّرون شيئا، بل ينصبونه (2)، ذكر ابن عصفور خلافه، وهو أنّه قال: إذا تعجّب من فعل، من باب «أعطى» ؛ لا يجوز أن يبقى متعدّيا إلى مفعوليه، بل لا بدّ إذ ذاك من الاقتصار على الفاعل وحده، أو على الفاعل وأحد المفعولين، بشرط أن تدخل عليه اللام، فيقول: ما أعطى زيدا، وما أعطى زيدا لعمرو، وما أعطى زيدا للثياب، قال: ولا يجوز أن يذكر المفعولين، فيقول: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم؛ لأنّ فعل التعجّب قبل دخول الهمزة لا يتعدّى، فإذا دخلت همزة النقل تعدّى إلى واحد فإن جاء من كلامهم مثل قولك: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم، فينبغي أن يحمل على أنّ -
(1) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.
(2)
ينظر: المرجع السابق (4/ 666)، وقد تقدم في الصفحة السابقة من هذا البحث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدراهم منصوبة بفعل مضمر، دلّ عليه فعل التعجّب، والتقدير: أعطاه الدراهم.
ولا يجوز أن تدخل اللام على المفعولين؛ لما يلزم من تعدّي فعل بحرفي جرّ من جنس واحد، على معنى واحد، وذلك لا يجوز، فإذا تعجبت من فعل من باب ظننت لم يجز التعجب منه إلّا بشرط أن يقتصر فيه على الفاعل؛ لأنّه قد ألحق بأفعال الغرائز، في أنّه لا يتعدّى ثم أدخلت عليه همزة النقل، فلا يتعدّى حينئذ إلا إلى مفعول واحد، لأنهما لو ذكرا فإمّا أن ينصبا، أو يدخل عليهما أو على أحدهما اللام، قال: ولا يجوز نصبهما، ولا نصب أحدهما لما ذكر، من أنّ «فعل» إذا نقل بالهمزة لا يتعدّى إلّا إلى منصوب واحد، ولا يجوز إدخال اللّام عليهما لما يؤدّي ذلك إليه من تعدّي فعل بحرفي جرّ من جنس واحد، على معنى واحد، وهو غير جائز، ثمّ قال: وهذا الذي ذكرته هو مذهب
البصريين أما الكوفيّون فيجيزون ذكرها، بشرط أن تدخل اللام على الأول، وينصب الثاني، نحو: ما أظنّ زيدا لعمرو قائما، هذا إن أمن اللّبس، فإن خيف اللّبس، أدخلت اللام على كل منهما، نحو: ما أظنّ زيدا لأخيك لأبيك قال: وما ذهبوا إليه باطل؛ للعلّة التي تقدم ذكرها (1). انتهى ما ذكره ابن عصفور.
والذي يظهر أنّ الذي ذكره طريق النّحاة، وما ذكره المصنّف عن ابن كيسان طريق آخر، ولا مصادمة بين النقلين، ولا شكّ أنّ الطريق الذي ذكره المصنّف أقرب إلى الحقّ، ويمكن ردّ ما ذكره ابن عصفور إليه، أمّا إذا كان الفعل من باب أعطى، فموافقة كلامه لكلام المصنف واضحة؛ لأنه أدخل على أحد المفعولين، كما فعل المصنّف إلا أنّه خالف في قوله: أنّه يقتصر على أحد الفعلين، إلّا أنّه قال: فإن جاء من كلامهم: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم، كانت الدراهم منصوبة بفعل مقدّر، وهذا الذي انتهى إليه كلام ابن عصفور آخرا هو الذي ذكره المصنّف أولا، وأمّا إذا كان الفعل من باب ظنّ فلم يظهر لي وجوب الاعتماد على الفاعل، إذا قصد -
(1) قال ابن عصفور في الشرح الكبير (1/ 580، 581): (وأما ظننت فيجوز التعجب منه ومن أخواته، بشرط الاقتصار على الفاعل، فتقول: ما أظنني، ولا تذكر المفعولين، ولا أحدهما، وتحذف الآخر، أما ذكر أحدهما فيؤدي إلى بقاء الخبر دون مبتدأ، أو المبتدأ دون خبر، وباطل أن تذكر المفعولين، لأنه لا بد من نقله إلى «فعل» و «فعل» لا يتعدى، ولا يجوز دخول اللام على المفعولين؛ لأنه لا يجوز دخول اللام على المبتدأ والخبر) اهـ.