المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[من أحكام أسلوب القسم] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٦

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب

- ‌[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]

- ‌[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

- ‌[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]

- ‌[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

- ‌الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل

- ‌[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

- ‌[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

- ‌[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

- ‌[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

- ‌[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

- ‌[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه

- ‌الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

- ‌[تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

- ‌[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

- ‌[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

- ‌[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

- ‌الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

- ‌[تعريفها وشرح التعريف]

- ‌[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

- ‌[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

- ‌[بقية أحكام الصفة المشبهة]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

- ‌[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

- ‌الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

- ‌[علة إعمال المصدر - أحوال إعماله]

- ‌[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده]

- ‌[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

- ‌[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

- ‌[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع]

- ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

- ‌الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]

- ‌[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]

- ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[إلى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[كي الجارة - مساواتها للام]

- ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

- ‌[في: معانيها، وما يعرض لها]

- ‌[عن: معانيها، وأحكامها]

- ‌[على: معانيها، وحكم زيادتها]

- ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[الكاف الجارة: معانيها…وأحكامها]

- ‌[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

- ‌[لولا .. حكم الجر بها]

- ‌[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما]

- ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

- ‌الباب الأربعون باب القسم

- ‌[القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه]

- ‌[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

- ‌[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

- ‌[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

- ‌[تلقي جواب القسم الماضي]

- ‌[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

- ‌[من أحكام أسلوب القسم]

الفصل: ‌[من أحكام أسلوب القسم]

[من أحكام أسلوب القسم]

قال ابن مالك: ([فصل]: لا يتقدّم على جواب قسم معموله إلّا إن كان ظرفا أو جارّا ومجرورا، ويستغنى للدّليل كثيرا بالجواب عن القسم، وعن الجواب بمعموله، أو بقسم مسبوق ببعض حروف الإجابة والأصحّ كون «جير» منها، لا اسما بمعنى: حقّا، وقد تفتح راؤها وربّما أغنت هي «ولا جرم» عن لفظ القسم مرادا [4/ 61] وقد يجاب بـ «جير» دون إرادة قسم).

ــ

ومنها:

أنت قد عرفت أن اللام الموطئة قد لا تذكر لفظا مع أن القسم غير مذكور أيضا كقوله تعالى: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (1) وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: ولا تحذف والقسم محذوف إلا قليلا؛ فجاء الشيخ ونقل كلام ابن عصفور هذا ثم قال: وينبغي أن يقيد قول المصنف: (ولا تحذف والقسم محذوف إلا قليلا) بهذه المسألة؛ إذ يجب إثباتها، وذلك إذا كان الفعل الواقع جوابا منفيّا بـ «لا» (2). انتهى.

يعني أن ابن عصفور قد قال: إن الفعل الواقع جوابا للقسم المحذوف إذا كان منفيّا لم يجز حذف اللام، بل لا بد من ذكرها كقوله تعالى: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ (3)، ولا شك أن المصنف لا يلزمه التقييد المذكور؛ لأن الشيء إذا لم يدل عليه دليل لا يجوز حذفه، ومعلوم أن الفعل المنفي بـ «لا» لا يتعين كونه جوابا للقسم

فإذا لم يكن معنا ما يتعين كونه جوابا والغرض أن القسم غير مذكور، ولكننا إذا أردنا القسم فإذا لم نذكر اللام الموطئة فمن أين يعلم أن القسم مراد؟ فكان ذكرها واجبا.

فقول المصنف: ولا تحذف والقسم محذوف إلا قليلا محمول على أن يوجد دليل دالّ على القسم، وإذا كان الواقع موقع الجواب فعلا منفيّا بـ «لا» حينئذ كانت الدلالة على القسم منفية؛ فتصير المسألة إذ ذاك ممتنعة بنفسها.

قال ناظر الجيش: قال المصنف: إن تعلق بجواب القسم جار ومجرور أو ظرف -

(1) سورة الأعراف: 23.

(2)

التذييل (7/ 168).

(3)

سورة الحشر: 12.

ص: 3135

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جاز تقديمه عليه كقوله تعالى: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (1)، وكقول الشاعر:

2848 -

رضيعي لبان ثدي أمّ تحالفا

بأسحم داج عوض لا نتفرّق (2)

وإن تعلق به مفعول لم يجز تقديمه فلا يجوز في: والله لأضربن زيدا: والله زيدا لأضربن، ويستغنى عن القسم بجوابه كثيرا إذا دل عليه دليل كوقوعه بعد «لقد» ، أو بعد «لئن» ، أو مصاحبا للام مفتوحة ونون توكيد، ويستغنى عن الجواب بمعموله كقوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (3)، أي: لتبعثنّ يوم ترجف الراجفة، ويكثر الاستغناء عن الجواب بقسم مقرون بأحد حروف الإجابة وهي:«بلى، ولا، ونعم» ، ومرادفاتها:«إي وإن، وأجل، وجير» كقوله تعالى: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا * (4)، وكقولك لمن قال: أتفعل كذا؟ لا والله، ونعم والله، وإي والله، وإن والله، وأجل والله، وجير والله، وزعم قوم أن جير اسم بمعنى:«حقّا» ، والصحيح أنها حرف بمعنى:«نعم» ؛ لأن كل موضع وقعت فيه «جير» يصلح أن تقع فيه «نعم» وليس كل موضع وقعت فيه يصلح أن تقع فيه «حقّا» فإلحاقها بـ «نعم» أولى، وأيضا فإنها أشبه بـ «نعم» في الاستعمال ولذلك بنيت، ولو وافقت «حقّا» في الاسمية لأعربت ولجاز أن يصحبها الألف واللام كما أن «حقّا» كذلك، ولو لم تكن بمعنى:«نعم» لم يعطف عليها في قول بعض الطائيين:

2849 -

أبي كرما لا آلفا جير أو نعم

بأحسن إيفاء وأنجز موعد (5)

ولا أكدت «نعم» بها في قول طفيل الغنوي (6):

2850 -

وقلن على البرديّ أوّل مشرب

أجل جير إن كانت رواء أسافله (7)

-

(1) سورة المؤمنون: 40.

(2)

من الطويل للأعشى ديوانه (ص 150)، والخزانة (3/ 209)، والدرر (1/ 183)، والمغني (ص 150، 209، 291)، والهمع (1/ 213) هذا: واللّبان بكسر اللام: لبن المرأة خاصة، ويقال في غيرها:«لبن» .

(3)

سورة النازعات: 6.

(4)

سورة الأنعام: 30، وسورة الأحقاف:34.

(5)

من الطويل، وانظره في الدرر (2/ 52) والكافية الشافية (ص 326)، والهمع (2/ 44).

(6)

طفيل بن عوف بن كعب الغنوي شاعر جاهلي فحل من الشجعان (ت: 13 ق. هـ). الأعلام (3/ 329)، والسمط (1/ 210).

(7)

من الطويل. ديوانه (ص 49) برواية «أبيحت دعاثره» موضع «رواء أسافله» ، والخزانة (4/ 235) -

ص: 3136

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا قوبل بها «لا» في قول الراجز:

2851 -

إذا تقول لا ابنة العجير

تصدق لا إذا تقول جير (1)

فهذا تقابل ظاهر، ومثله في التقدير قول الكميت:

2852 -

يرجون غيري ولا يخشون بادرتي

لا جير لا جير والغربان لم تشب (2)

أراد: لا يثبت مرجوهم نعم تلحقهم بادرتي، وقريب منه اجتماع «أجل» و «لا» في قول ذي الرمة:

2853 -

ترى سيفه لا تنصف السّاق نعله

أجل لا ولو كانت طوالا محامله (3)

وقد يستغنى بـ «جير» عن لفظ القسم وهو مراد كقول الشاعر:

2854 -

قالوا قهرت فقلت جير ليعلمن

عمّا قليل أيّنا المقهور (4)

وحكى الفراء أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت؛ يريد أنهم يستغنون بها عن القسم قاصدين بها معنى «حقّا» . وقد يجاب بـ «جير» دون قسم مراد كما يجاب بأخواتها إلا «إي» فلا أعلم استعمالها إلا مع قسم.

انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

ولنذكر المباحث المتعلقة به:

فمنها:

أن الشيخ قال: إن المصنف قد أطلق في جواب القسم - يعني في إجازة تقديم معموله عليه إن كان ظرفا أو جارّا ومجرورا - قال: وجواب القسم إن كان بـ «ما» -

- بنسبته لمضرس الأسدي، والمغني (ص 129)، والهمع (2/ 44، 72).

(1)

انظره في الدرر (2/ 53، 88)، وشرح شواهد المغني (ص 125)، والمغني (ص 120)، والهمع (2/ 44، 72).

(2)

من البسيط وانظره في الكافية الشافية (2/ 884) برواية «عفوي» ، وليس هذا البيت في ديوان الكميت تحقيق داود سلوم. ط: النعمان - النجف 1969 م.

(3)

من الطويل. ديوانه (ص 475). وانظر: إصلاح المنطق (ص 241) منسوبا فيه لابن ميادة، والكافية الشافية (2/ 885) واللسان «هل». ومحامله: حمائله جمع حمالة وهي حمالة السيف.

(4)

من الكامل. الارتشاف (2/ 495)، وتعليق الفرائد (ص 43)، والدرر (2/ 52)، والكافية الشافية (2/ 882)، والهمع (2/ 44).

ص: 3137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو بـ «أن» فلا يجوز أن يتقدم المعمول عليهما، فإذا قلت: والله ما يقوم زيد الآن أو في البيت، أو: والله إن زيدا قائم الآن أو في البيت؛ لم يجز تقدم «الآن» ولا «في البيت» على «ما يقوم» ولا على «إن زيدا قائم» ، وإن كان بـ «لا» داخلة على المضارع ففي المسألة خلاف؛ منهم من أجاز تقديم المعمول مطلقا من ظرف ومجرور ومفعول عليه، ومنهم من منع ذلك مطلقا وهو الصحيح، وإن كان باللام داخلة على جملة اسمية؛ فلا يجوز التقديم أيضا، [هذا نص أصحابنا]، وإن كان ما دخلت عليه اللام مضارعا فالنص من أصحابنا أنه لا يجوز مطلقا، وقد أجاز هذا المصنف ذلك مستدلّا بقوله تعالى: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (1) انتهى.

وأقول: وأما قوله: إن المصنف أطلق في جوابه القسم؛ لأنه إن كان بـ «ما» أو بـ «إن» فلا يجوز تقديم المعمول عليهما - يعني على «ما» وعلى «إن» - فكلام عجيب؛ لأن كلام المصنف في تقديم معمول الجواب على الجواب لا على ما صاحبه. ولا شك أن المثالين اللذين ذكرهما لا يمتنع فيهما التقديم فيجوز أن يقال: والله ما الآن يقوم زيد

وو الله ما في البيت يقوم زيد، وأما التقديم على «ما» فمسألة أخرى معلومة الحكم، وكذا القول في: والله إن زيدا قائم الآن، وو الله إن زيدا قائم في البيت.

وأما التقديم على لام القسم - أعني تقديم معمول عامل مقرون باللام المذكورة - فقد علم من كلام المصنف في غير هذا الموضع أنه غير جائز، وتقدم له ذكر ذلك في باب تعدي الفعل ولزومه، وباب الحال (2) فهو أمر مقرر معلوم على أنه لم يتعرض للتقديم على اللام هنا فيرد عليه أنه أطلق، أو لم يطلق.

وأما التقديم على اللام المصاحبة للمضارع، وأن الجماعة - أعني المغاربة - لا يجيزون وأن المصنف أجاز ذلك؛ فلا شك أن المصنف استدل على ما ذكره بما جاء في الكتاب العزيز، وما استدل به ظاهر الدلالة على مدعاه لا مدفع له، ومنع الجماعة التقديم صحيح، ولكن مرادهم تقديم المفعول الصريح أما تقديم الظروف -

(1) سورة المؤمنون: 40، والتذييل (7/ 169).

(2)

انظر: باب تعدي الفعل ولزومه في الكتاب الذي بين يديك، وانظر: باب الحال كذلك، وقد اشتمل هذا الشرح على كلام ابن مالك وعلى كلام غيره.

ص: 3138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمجرورات فقد لا يمنعونه؛ لأن من المعلوم أنها يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها كما كان ذلك في أكثر أبواب علم العربية.

ومنها:

أن المصنف ذكر أنه يستغنى للدليل بالجواب عن القسم، وعن الجواب بمعمول أو بقسم مسوق ببعض حروف الإجابة. أما الاستغناء بالجواب [4/ 62] عن القسم لدليل؛ فقد ذكر أن الدليل وقوعه بعد «لقد» ، أو بعد «لئن» ، أو مصاحبا للام مفتوحة ونون توكيد.

وكلام ابن عصفور موافق لكلامه، إلا أنه أهمل ذكر «لئن» ، ولكنه ذكر من الأدلة أيضا أن نحو: إن زيدا لقائم. ولم يظهر لي ذلك؛ لأن هذا التركيب يجوز الإتيان به من غير قسم، وتكون اللام المصاحبة للخبر هي لام الابتداء كما هو مقرر في باب «إن» ، وإذا كان كذلك؛ فأين الدالّ على القسم ليدعى أنه مراد وحذف؟!

ويقوي ما ذكرته أن الشيخ قال: وقد اختلف في نحو قولك: لزيد منطلق، فالمنقول عن البصريين أن اللام ليست لام قسم بل لام ابتداء، وقال الكوفيون: هي لام قسم بدليل دخولها على الفضلة كقولك: لطعامك زيد آكل (1).

والجواب: أنه إنما جاز ذلك؛ لأنه في حيز الخبر؛ إذ كان معموله متقدما عليه؛ فكأنها داخلة على المبتدأ.

وقد عرف من كلام الرجلين أنه لا يجوز حذف القسم إذا كان الجواب متلقى بغير ما ذكر؛ كأن يكون متلقى بـ «ما» أو «لا» أو بـ «إن» ؛ لأن القسم لو حذف حينئذ لم يكن عليه دليل. وهذا واضح.

وأما الاستغناء عن الجواب؛ فقد ذكر أنه يكون بأحد شيئين: إما بمعموله، وإما بقسم مقرون بأحد حروف الإجابة.

أما الأول: فقد عرفت أنه استدل عليه بقوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (2)، وهو استدلال ظاهر، غير أن الشيخ قال: ولا يتعين ما قاله؛ إذ يجوز أن يكون جواب وَالنَّازِعاتِ (3)[قوله]: (لتبعثن) حذف لدلالة ما بعده عليه، ويكون يَوْمَ تَرْجُفُ -

(1) التذييل (7/ 169).

(2)

سورة النازعات: 6.

(3)

سورة النازعات: 1.

ص: 3139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منصوبا بقوله تعالى: تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (1)، قال: ويجوز أن يكون منصوبا بقوله تعالى: واجِفَةٌ من قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (2)، وكرر يَوْمَئِذٍ توكيدا.

قال: ويحتمل أن يكون جواب القسم [قوله] قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ وحذفت اللام لطول الكلام، ويكون يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (3) اعتراضا بين القسم وجوابه (4)، قال: ويجوز أن يكون معمولا لـ «واجفة» وسهّل تقديمه كونه ظرفا، وكون اللام التي هي في الجواب محذوفة (5). انتهى.

والناظر إذا تأمل هذه التخريجات التي ذكرها الشيخ علم أن الذي قاله المصنف أمثل، وأمتع، وأرجح. وأما الثاني وهو القسم المقرون بأحد حروف الإجابة كقوله تعالى: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا (6)؛ فظاهر كلام المصنف أن الدالّ على الجواب هو القسم المقرون بحرف الجواب؛ لأنه قال: إن الاستغناء عنه حصل بذلك وهو غير ظاهر؛ فإن الدالّ على الجواب إنما هو الكلام المتقدم من المستفهم، فإذا قيل: أتفعل كذا؟ فقلت: نعم والله، أو: لا والله؛ فالتقدير: نعم والله لأفعلن، وو الله لا أفعل، فالمحذوف في كلام القسم هو المذكور في كلام المستفهم، والآية الشريفة الأمر فيها كذلك؛ فالتقدير: قالوا: بلى وربنا لهذا الحق. وهذا ما ذكره المصنف.

وأما ابن عصفور فإنه قال (7): ولا يجوز حذف جواب القسم إلا إذا توسط بين شيئين متلازمين كما تقدم - ويعني بالمتلازمين: الشرط وجوابه، والمبتدأ والخبر، والموصول والصلة - أو جاء عقب كلام يدل على الجواب نحو: زيد قائم والله، فحذف جواب القسم لدلالة «زيد قائم» عليه. قال: ولذلك جعل سيبويه «ذا» من قول العرب: لا هاالله

ذا؛ خبر ابتداء مضمر (8) كأنه قال: لا هاالله للحق ذا؛ والجملة التي هي «للحق ذا» جواب القسم، ولم يجعل «ذا» صلة لله تعالى كما ذهب إليه الأخفش (9) كأنه قال: لا هاالله الحاضر؛ فإنه يؤدي إلى حذف جواب -

(1) سورة النازعات: 7.

(2)

سورة النازعات: 8.

(3)

سورة النازعات: 6، 7.

(4)

التذييل (7/ 170).

(5)

التذييل (7/ 170).

(6)

سورة الأنعام: 30.

(7)

شرح الجمل (1/ 530).

(8)

الكتاب (2/ 145).

(9)

ووافقه المبرد في المقتضب (2/ 322).

ص: 3140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القسم غير متوسط ولا عقيب كلام يدل على الجواب. انتهى.

وفي شرح الشيخ: قالت العرب: لا هاالله ذا، فالخليل يجعل «ذا» من جملة ما أقسم عليه (1) والتقدير: للأمر ذا، والأخفش يجعله توكيدا للقسم كأنه قال: ذا قسمي.

ويدل على صحة هذا القول ذكر المقسم عليه بعد «ذا» فيقولون: لا هاالله ذا لكان كذا، وإتيانهم بعده بالمقسم عليه نفيا، ولو كان هو المقسم عليه لم يكن مطابقا وأنشد سيبويه:

2855 -

تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما

فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك (2)

أي: لعمر الله للأمر ذا أقسم قسما، فتأكيد القسم بعده يدل على أنه المحلوف عليه (3).

وقال الأستاذ أبو علي: وأما قولهم: «ذا» ، فزعم غير الخليل أنّ «ذا» من جملة ما أكد المقسم به أي: هذا ما أقسم به، فإن جاء بعده جواب صحّ هذا القول، وإن لم يجئ عنهم أصلا صحّ قول الخليل. وتلخيصه: أن أصل الكلام:

أي والله للأمر هذا، ثم حذف حرف القسم، وقدمت «ها» من «هذا» كما قدمت في «ها أنا ذا» ، وحذفت لام القسم مع المبتدأ وإن كانت لا تحذف وحدها، وهذا له نظائر يحذف الشيء الذي لا يجوز حذفه مفردا إذا حذف مع ما يسوغ

حذفه نحو قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ (4)، وهذا مذهب الخليل (5). انتهى.

وذكر ابن أبي الربيع: أن «ها» في بيت زهير يجوز لك أن تجعلها التي توجد مع اسم الإشارة ثم إن الشاعر فصل بينهما بالقسم وكان الأصل: لعمر الله هذا، -

(1) الكتاب (3/ 499، 500).

(2)

من البسيط لزهير. ديوانه (ص 51)، والحلل (ص 45)، والخزانة (2/ 475)، والدرر (1/ 950)، والكتاب (2/ 145)، والمقتضب (2/ 323)، والهمع (1/ 76)، واقدر بذرعك: قدر خطوك، يريد: لا تدخل نفسك فيما لا يعنيك ولا ينفعك.

(3)

التذييل (7/ 173، 174)، والكتاب (2/ 145).

(4)

سورة آل عمران: 106.

(5)

التذييل (7/ 174).

ص: 3141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم قدم «ها» على القسم (1)، قال: وعلى هذا الوجه أخذه الخليل وهو حسن، ولك أن تجعلها للتنبيه دون أن تلحظ أنها التي مع اسم الإشارة كما هي في قول النابغة:

2856 -

ها إنّ ذي عذرة [إن لم تكن نفعت

فإنّ صاحبها قد تاه في البلد] (2)

فهي ههنا تنبيه، ولا يجوز أن يكون الأصل: هذي، ثم قدمت؛ لأن «إن» لها الصدر فلا يتقدم ما في حيزها، وقد تقدم لنا من كلام ابن عصفور.

ومنها:

أن المصنف [4/ 63] جعل «جير» من حروف الإجابة وقال: إنه الأصح - يعني القول بحرفيتها - ولا شك أن القائل باسميتها يجعلها من الكلمات المقسم بها، وقد تقدم لنا ما ذكرناه عن ابن عصفور وهو قوله - بعد ذكر الأسماء التي يقسم بها وهي: لعمر الله، وايمن الله، وأمانة الله، وما لزم الرفع منها، وما لم يلزمه -: وأما «عوض» و «جير» فمبنيان يجوز أن يحكم على موضعهما بالنصب، وبالرفع.

وقد قال الشيخ في الارتشاف (3): وأما «جير» فمذهب سيبويه أنها اسم (4)، وقد تفتح راؤها، وقد ذهب قوم إلى أنها حرف من حروف الإجابة، وقيل: هي مصدر والمعني: حقّا لأفعلن، وبنيت لقلة تمكنها؛ لأنها لا تستعمل إلا في القسم ثم قال: وما ذكره الزجاجي من أن «عوض» يستعمل في القسم (5) مذهب كوفي والبصريون لا يعرفون

القسم به. قال: وقال صاحب الملخص (6): يعوض من القسم «عوض» وهو اسم مبني على الضم لقطعه عن الإضافة، أو على الفتح؛ لأنه أخف، ولا يقال: عوض والله لأفعلن، وإن جاء فقليل وهو الأصل، وفيه الجمع بين العوض والمعوض عنه. انتهى.

ولا شك أن «عوض» ظرف من ظروف الزمان؛ فكيف يقسم بها؟! إلا أن يكون -

(1) التذييل (4/ 67)، والهمع (2/ 44، 45).

(2)

البيت من البسيط للنابغة الذبياني، وانظر ديوانه (ص 27) برواية «مشارك النكد» ، والخزانة (2/ 478)، وشرح المفصل (8/ 113، 114) وبالأصل بعد عذرة:

البيت.

(3)

الارتشاف (2/ 494).

(4)

الكتاب (3/ 286).

(5)

جمل الزجاجي بشرح ابن هشام (ص 65).

(6)

هو ابن أبي الربيع. قاله السيوطي في البغية (2/ 125)، وقد تقدمت ترجمته.

ص: 3142

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اللفظ مشتركا بين المعنيين؛ فذاك شيء آخر، وأما «جير» فقد تقدم استدلال المصنف على حرفيتها بأمور ولم يطعن الشيخ في شيء منها. وإنما شنع على المصنف بأنه جهل كلام سيبويه فيها أنها اسم لقوله في الشرح: وزعم قوم، وجرى معه في ذلك على عادته المعروفة.

وبعد ذلك كله فقد قال: والذي يظهر أنها من حروف الإجابة؛ للدلائل التي استدل بها المصنف (1)، وأما قول الشيخ في «جير» (2): وقيل: هي مصدر، والمعنى: حقّا لأفعلن؛ فالظاهر أن هذا ليس قولا ثالثا فيها، وإنما القائل باسميتها وأنها يقسم بها يقول: معناها «حقّا» ، ولا شك أن «حقّا» يقسم به؛ فكما يقسم بقولنا:

«حقّا» يقسم بما هو بمعناه فهي إما حرف إجابة، أو اسم بمعنى حقّا كما قال المصنف.

والقائلون بأنها اسم قالوا: إنما بنيت لقلة تمكنها؛ لأنها لا تستعمل إلا في القسم بخلاف «سبحان» ؛ لأنها تخص باب التعظيم، بل قد توجد تعجبا وإنكارا. وقد استدل على اسميتها بتنوينها.

قال أبو علي الشلوبين: ويمكن أن يكون التنوين فيها جاء شاذّا كمجيء التنوين في اسم الفعل في الخبر في قولهم: قدإ لك، بكسر الهمزة، وأيضا فيمكن أن يكون من تنوين الترنم الذي يلحق القوافي عوضا من ياء ولا بد منها في الوزن (3).

ومنها:

قول المصنف: وربما أغنت هي و «لا جرم» عن لفظ القسم؛ فإن فيه كلاما.

أما كون «جير» أغنت عن لفظ القسم؛ فغير ظاهر إن أريد بإغنائها عنه أنها قامت مقامه وهو الظاهر؛ لأنا نقول في قول الشاعر:

2857 -

قالوا قهرت فقلت جير ليعلمن

عمّا قليل أيّنا المقهور (4)

إن القسم مقدر بعد «جير» أي: جير والله ليعلمن. فقد عرفنا من كلامه أن القسم يستغنى عنه بجوابه إذا دل عليه دليل. ولا شك أن الدليل هنا كلمة «جير» فإنها إنما تستعمل مع القسم ولا تستعمل دونه إلا قليلا، وإذا كان كذلك فلم تغن «جير» عن -

(1) التذييل (7/ 173).

(2)

السابق.

(3)

الكافية الشافية (2/ 885)، والمغني (ص 120)، والهمع (2/ 44).

(4)

تقدم.

ص: 3143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القسم؛ لأن القسم مقدر والمقدر في حكم الموجود. وأما «لا جرم» فأراد المصنف أن بعض العرب يستغني بها عن القسم، قال الشيخ: قاصدين بها معنى «حقّا» (1).

وإذا كان معناها: «حقّا» فهي قسم لا مغنية عن قسم؛ لأن «حقّا» يقسم به، قال الشيخ: وقد صرح بعض الأعراب بالقسم مع «لا جرم» . قال لمرداس: لا جرم الله لأفارقنّك (2) قال: فأما قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (3) فـ (لا) عند الخليل وسيبويه رد، و (جرم) فعل فاعله (أن) وما بعدها (4)، وقال الكوفيون:

(لا) نافية و (جرم) اسم «لا» ، و «أن» على تقدير: من (5).

وأما قول المصنف: وقد يجاب بـ «جير» دون إرادة قسم، فشاهده قول الشاعر:

2858 -

وقائلة أسيت فقلت جير

أسيّ إنّني من ذاك إنّه (6)

وأما «إي» فقد وافق الشيخ المصنف على أنها لا يعلم استعمالها إلا مع قسم (7).

ثم قد بقي الكلام على مسائل ثلاث:

الأولى:

إذا جاء في كلام مثل: وزيد وعمرو وخالد لأقومنّ. قال ابن عصفور: فينبغي أن تجعل الواو الأولى حرف قسم وما بعدها حرف عطف؛ فيكون القسم واحدا فيحتاج إلى جواب واحد فيكون «لأقومن» الجواب، ولو جعلت كل واو حرف قسم ولم تقدرها للعطف لكان «لأقومن» جوابا لقسم واحد منها وبقي سائرها بلا جواب فيحتاج أن يقدر لكل واحد من الأقسام (8) الباقية جوابا محذوفا، وإذا أمكن حمل الكلام على ألا يكون فيه حذف كان أولى، ومثل ذلك قوله تعالى:

وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها الآية الشريفة (9)[قال](10) ابن هشام -

(1) التذييل (7/ 173).

(2)

المصدر السابق، ومرداس: جدّ بنوه بطن من بني عوف بن سليم من العدنانية في المغرب. معجم قبائل العرب (ص 140)، ونهاية الأرب (ص 337).

(3)

سورة النحل: 62.

(4)

الكتاب (3/ 138).

(5)

التذييل (7/ 173).

(6)

من الوافر. الخزانة (2/ 283)، والدرر (2/ 52، 89)، وشرح شواهد المغني (ص 125) والهمع (2/ 44، 72).

(7)

التذييل (7/ 173).

(8)

جمع «قسم» بالتحريك.

(9)

سورة الشمس: 1، 2، وما بعدها، وانظر: شرح الجمل (1/ 531) بنصه.

(10)

في الهامش إشارة إلى الأصل: بياض يسير.

ص: 3144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخضراوي: ولا يردف قسم على قسم فيجاب أحدهما وقوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1)[و] وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ [إِذا تَجَلَّى](2)، [و] وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (3) هي عند الخليل وسيبويه عاطفة (4).

وتقول: وحقك حق فلان لأقومن كما تقول: إن تخرجي وإن تدخلي البيت فأنت طالق، ولا يجوز بغير حرف عطف، وقال أبو علي: لم يجز سيبويه إدخال قسم على قسم (5)، وليس هذا من ذلك على أنه قد قال:

2859 -

ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

[إنّ المنايا لا تطيش سهامها](6)

وقال السيرافي: لا يفصل بين القسم وجوابه ولا يبقى الأول بلا جواب (7)، وكذا قال أبو علي في «الحلبيات» (8)؛ فلزم من ذلك بقاء الاسم بلا جواب، وهذا أيضا لا يصح لأنه يصح أن يكون الجواب الأول ويحذف جواب ما بعده، كما تقول: والله إن قمت لأضربنك، وإن تقم والله أضربك (9) فلو كانت [4/ 64] الآي على تكرير القسم لكانت بحرف العطف ولا يصح ادعاء حذفه؛ لأن ذلك قليل لا يقال، وتقول: والله ثم الله لأفعلن كذا، وو الله فالله لأفعلن؛ فإن قلت: والله لأضربنك ثم الله لأخرجنك؛ جاز النصب والخفض، فإن قلت: ثم لأخرجنك الله؛ لم يجز إلا النصب أو تقول: ثم لأخرجنك والله، ولا تعطفه على ما تقدم؛ لأن حرف العطف بمنزلة حرف الجر لما ناب منابه، ولا يفصل بين حرف الجر ومعموله ولو جاء لكان على إضمار حرف الجر بلا عوض ولا يراه سيبويه إلا فيما سمع (10) ولم يجئ إلا في هذه الكلمة خاصة كقوله: -

(1) سورة الشمس: 1.

(2)

سورة الليل: 1، 2.

(3)

سورة الضحى: 1، 2.

(4)

الكتاب (3/ 501).

(5)

التذييل (4/ 67)، والكتاب (3/ 501)، والهمع (2/ 44، 45).

(6)

البيت من الكامل وهو للبيد - ديوانه (ص 308) برواية: صادفن منها غرة فأصبنها. الأشموني (2/ 30)، وأوضح المسالك (2/ 61).

(7)

في شرحه على الكتاب (3/ 240، 241).

(8)

التذييل (4/ 67).

(9)

بعده في الأصل: ولو قلت: والله (بياض قدر نصف سطر) فالصحيح ما قدمته.

(10)

الكتاب (1/ 271)، (2/ 144).

ص: 3145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2860 -

ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح

ومن قلبه لي في الظّباء السّوانح (1)

وغيره من الأسماء إنما جاء فيه مع حذف حرف القسم النصب كما أنشد المفضل والفراء:

2861 -

أقول لبوّاب على باب دارها

أميرك بلّغها السّلام وأبشر (2)

وأنشد أيضا:

2862 -

أقول لقاسم والله عوني

حياة أبيك لي حملا ظهيرا (3)

وفي شرح الشيخ: قال الخليل: إن العرب لا تقول: بالله بالنبي لأفعلن كذا، فلا تأتي بقسم حتى توفّي الأول فتقول: بالله لأفعلن بالكعبة لأفعلن» (4).

وقال الأستاذ أبو علي: ملخص كلام الخليل أنه لا يجتمع مقسم بهما إلا أن يكون الثاني هو الأول على التوكيد، ودليله أنا إذا قلنا: وحقك وحق زيد لأفعلن كذا، إذا لم تجعل الواو عاطفة فهو يحتمل وجوها أربعة:

الأول: أن يجعل «وحق زيد» توكيد الجملة المقسم بها، وهو فاسد؛ لأنه ليس توكيدا لفظيّا ولا معنويّا.

والثاني: أن يجعله متعلقا بمحذوف والجملة توكيد بجملة المقسم به، وفيه تأكيد الشيء قبل أن يتم ولا يؤكد الشيء ولا يحمل عليه شيء من الأشياء إلا بعد استقلاله.

والمؤكد هنا هو جملة القسم والجواب؛ فهما في هذا القصد كالمفرد فلا يؤكدان حتى يتمّا ويتقدّما والفصل بينهما بالتأكيد كالفصل بين أجزاء المفرد، وذلك لا يجوز.

والثالث: أن تجعلهما جملتين منقطعتين لكن جوابهما واحد وهو واضح الفساد؛ إذ كل قسم لا بد له من جواب؛ لأنهما منقطعان ليس الثاني تأكيدا للأول.

والرابع: أن تقدرهما جملتين ولكل واحد جواب إلا أنه حذف جواب -

(1) من الطويل لذي الرمة، والسانح: من الظباء أو الطير ما أخذ عن يمين الرامي فلم يمكنه رميه فيتشاءم به، وقد يتيمن به، وانظر ملحقات ديوان ذي الرمة (ص 664)، وشرح المفصل (9/ 103)، والكتاب (1/ 271)، (2/ 144)، والمخصص (13/ 11).

(2)

تقدم من بحر الطويل، لم أعثر له على مراجع.

(3)

البيت من الوافر والشاهد فيه كسابقه.

(4)

التذييل (7/ 176)، والكتاب (3/ 501، 502).

ص: 3146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدهما، وأكدت بإحداهما الأخرى بعد أخذ الجواب ولا يخلو في هذا الوجه أن يجعل جواب الأول هو المحذوف

والذي في اللفظ جواب الثاني أو تعكس، فإن قدرت الأول ففيه مضعفان: حذف الأول لدلالة الثاني وليس مطردا، فإنه كالإضمار فليس إلا في نحو أبواب الاشتغال، وبالجملة فهو لا ينبغي؛ إذ لا يحذف الشيء حتى يكون قد علم. والمضعف الثاني: التأكيد مع الحذف وهما متنافيان.

فقد امتنع أن تكون الواو هنا واو قسم على الوجوه الثلاثة من كل وجه، وعلى الرابع يضعف ويكون شاذّا فلم يبق إلا العطف، ولهذا الرابع تعرض الخليل أن يتكلم عليه وضعفه، فتدبره لأن الآخر بيّن (الفساد)(1). انتهى؛ يعني كلام الشلويين رحمه الله تعالى.

وقد علم منه أنّ كون الواو في: «وحق زيد» من قولنا: وحقك وحق زيد لأفعلن واو قسم كالتي قبلها ضعيف، وكذا يعلم ذلك من قول ابن عصفور:

فينبغي أن تجعل الواو الأولى حرف قسم وما بعدها حرف عطف: أن كونها حرف قسم كالأولى لا يمتنع رأسا.

وأما عبارة الخليل في المسألة فلم أر الجماعة ذكروها، وقد أورد الزمخشري في الكشاف بأنه قال: فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ «صاد، وقاف، ونون» مفتوحات؟ (2).

قلت: الوجه أن يقال ذلك نصب وليس بفتح، وإنما لم يصحبه التنوين لامتناع الصرف وانتصابها بفعل مضمر نحو: اذكر، فإن قلت: فهلا زعمت أنها مقسم بها، وأنها نصبت نصب قولهم: نعم الله لأفعلن، وإي الله لأفعلن على حذف حرف الجر وإعمال فعل القسم. قلت: إن «القرآن» و «القلم» (3) بعد هذه الفواتح محلوف بهما، فلو زعمت ذلك لجمعت بين قسمين على مقسم عليه واحد وقد استكرهوا -

(1) من هامش المخطوط، وراجع الهمع (2/ 45).

(2)

هي قراءة الثقفي وعيسى ومحبوب - البحر (7/ 383) والمحتسب (2/ 230، 281) والآيات أوائل سور ص، وق، والقلم.

(3)

في قوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ وقوله: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وقوله سبحانه:

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ، وانظر الهامش السابق.

ص: 3147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك (1). قال الخليل في قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (2) الواوان الأخريان ليستا بمنزلة الأولى، ولكنها الواوان اللتان تضمان الأسماء إلى الأسماء في قولك: مررت بزيد وعمرو، والأولى بمنزلة الباء والتاء.

قال سيبويه: قلت للخليل: فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى؟

فقال: إنما أقسم بهذه الأشياء على شيء [واحد](3)، ولو كان انقضى قسمه بالأول على شيء لجاز أن يستعمل كلاما آخر فيكون كقولك: بالله لأفعلن، [و] بالله [لأخرجن](4) اليوم، ولا يقوى أن تقول: وحقك وحق زيد لأفعلن، والواو الأخيرة واو قسم لا يجوز إلا مستكرها (5). قال: وتقول: وحياتي ثم حياتك لأفعلنّ فـ «ثمّ» هنا بمنزلة الواو (6). انتهى.

المسألة الثانية:

إذا أخبرت عن قسم غيرك، فلك أن تقول: أقسم زيد ليضربن عمرا ولك أن تحكي تقول: لأضربن قال الله تعالى (في كتابه العزيز)(7): وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ (8)، وقال تعالى: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى (9).

المسألة الثالثة:

الاستحلاف يجري مجرى اليمين إلا أنّ فاعل الفعل في جواب اليمين يكون على حسب الفاعل من غيبة، وخطاب، وتكلم [4/ 65] نحو: والله ليقومن زيد، والله لتقومن، والله لأقومن، وأما في الاستحلاف فتجوز المخالفة فيجوز أن يقال:

أستحلفه (ليفعلن)(10)، ولأفعلن في الغائب، واستحلفتك لتفعلن، ولأفعلن في المخاطب، واستحلفني لأفعلن (11) في المتكلم.

* * *

(1) الكشاف (4/ 53، 54، 301، 468).

(2)

سورة الليل: 1 - 3.

(3)

من الكتاب (3/ 501).

(4)

من الكتاب، وفي الأصل:«لا تخرجن» .

(5)

الكتاب (3/ 501).

(6)

المصدر السابق.

(7)

من هامش المخطوط.

(8)

سورة النور: 53.

(9)

سورة التوبة: 107.

(10)

من هامش المخطوط.

(11)

في هامش المخطوط لعله سقط «وليفعلن» .

ص: 3148