الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]
قال ابن مالك: (فصل: إن قرن «أفعل» التّفضيل بحرف التّعريف، أو أضيف إلى معرفة مطلقا له التّفضيل، أو مؤوّلا بما لا تفضيل فيه، طابق ما هو له في الإفراد والتّذكير وفروعهما، وإن قيّدت إضافته بتضمين معنى «من» جاز أن يطابق وأن يستعمل استعمال العاري، ولا يتعيّن الثّاني، خلافا لابن السّرّاج، ولا يكون حينئذ إلّا بعض ما أضيف إليه، وشذّ: أظلمي وأظلمه، واستعماله عاريا، دون «من» مجرّدا عن معنى التّفضيل مؤوّلا باسم فاعل أو صفة مشبّهة مطّرد عند أبي العبّاس، والأصحّ قصره على السّماع، ولزوم الإفراد والتّذكير فيما ورد كذلك أكثر من
المطابقة).
ــ
من كلّ خير؛ لأنّ كلّا من الجارّين متعلق بـ «أفعل» قال: وكذلك لو كان حرف الجرّ غير «من» نحو: زيد أبصر من عمرو بالنّحو [3/ 126] وبكر أضرب من عمرو لزيد، وبه جاء السماع، قال الله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (1).
وأقول: إنّ ما ذكره الشيخ أمر جليّ واضح، تقتضيه القواعد، ومستغنى عن أن ينبّه عليه.
قال ناظر الجيش: قد تقدّم أنّ لـ «أفعل» التفضيل ثلاث استعمالات:
أحدها: بـ «من» ويلزم معها الإفراد والتذكير، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك.
ثانيها: أن تقرن بـ «أل» وتلزم معها مطابقته لما هو له، في الإفراد، والتثنية والجمع، والتذكير، والتأنيث.
ثالثها: أن يكون مضافا، فإمّا إلى نكرة، وحكمه حكم المقرون بـ «من» وسيأتي الكلام عليه بعد، وإما إلى معرفة، وقد قسم ثلاثة أقسام:
الأول: أن يقصد به مطلق التفضيل، أي: اتصاف المفضل بالمفضل الزائد، دون نظر إلى مفضّل عليه، فلا ينوى بعده «من» .
الثاني: أن يؤوّل بما لا تفضيل فيه البتّة، بل يكون معناه معنى اسم الفاعل، -
(1) سورة ق: 16.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصفة المشبّهة، وأن يكون التفضيل به مقصودا، فتكون إضافته على معنى «من» ؛ (فهذان القسمان)(1) يلزم فيهما المطابقة، ولا يلزم أن يكونا بعض المعرفة المضاف إليها هي (2)، كما قالوا في: زيد أفضل القوم: إنه على تقدير من القوم، وأنه لا يتعرّف.
وأما القسم الثالث، فيجوز فيه الوجهان، أعني المطابقة وعدمهما، وإذ قد أشير إلى المقصود إجمالا، فلنذكره تفصيلا.
قال المصنف (3): قد تقدّم التنبيه على أنّ «أفعل» التفضيل منع التأنيث، والتثنية، والجمع لشبهه بـ «أفعل» المتعجّب به، ولا يكمل شبهه به إلا بتنكيره؛ لأنه حينئذ يكون قد شابهه لفظا، ومعنى فإن قرن بالألف واللام نقص شبهه به نقصا بيّنا، فزال عنه ما كان له بمقتضى كمال الشبه من معنى التأنيث والتثنية والجمع، واستحقّ أن يطابق ما هو له، كغيره من الصفات المحضة فيقال: جاء الرجل الأكبر والمرأة الكبرى، وجاء الرجلان الأكبران والمرأتان
الكبريان، وجاء الرجل الأكبرون أو الأكابر والنسوة الكبريات، أو الكبر.
فإذا أضيف إلى معرفة، وأطلق له التفضيل، ولم ينو بعده معنى «من» أو أوّل بما لا تفضيل فيه، عومل من لزوم المطابقة بما عومل به المقرون بالألف واللّام؛ لشبهه به في إخلائه من لفظ «من» ومعناها، ولا يلزم حينئذ كونه بعض ما أضيف إليه.
وإن أضيف منويّا بعده معنى «من» كان له شبه بذي الألف واللّام في التعريف، وعدم لفظ «من» لزوما وشبه بالعاري الذي حذفت بعده «من» وأريد معناها، فجاز استعماله مطابقا، لما هو، بمقتضى شبهه بذي الألف واللّام، وجاز استعماله غير مطابق بمقتضى شبهه بالعاري، ولا يكون حينئذ إلا بعض ما يضاف له فيقال -
(1) لعل هذا التعبير أولى مما في الأصل: «فالقسمان الأولان» ؛ لأنه لم يذكر غيرهما.
(2)
في التذييل والتكميل (4/ 723): (وهذان القسمان فيهما خلاف، أما الأول فمذهب البصريين أن أفعل التفضيل متى أضيف إلى معرفة فإنه لا بد أن يكون بعض ما أضيف إليه، ولا يجوز عندهم:
يوسف أفضل إخوته، وأجاز ذلك الكوفيون؛ لأنه عندهم على معنى: من أخوته كما قالوا في: زيد أفضل القوم: إنه على تقدير: من القوم، وإنه لا يتعرف) اهـ.
(3)
ينظر: شرح المصنف (3/ 58) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الإخلاء من معنى «من» -: يوسف أحسن من إخوته، أي: حسنهم أو الأحسن من بينهم، ويقال - على إرادة معنى «من» يوسف أحسن أبناء يعقوب.
ويمتنع على هذا القصد أن يقال: يوسف أحسن من إخوته؛ والدليل على أنه مع قصد معنى «من» تجوز المطابقة وعدمها اجتماعهما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأحبّكم إليّ، وأقربكم منّي مجالس يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا، الذين يألفون يؤلفون» (1).
فأفرد «أحبّ» و «أقرب» وجمع «أحسن» ومعنى «من» مراد في الثلاثة.
وزعم ابن السرّاج أنّ المضاف إذا أريد به معنى «من» عومل معاملة العاري، والحديث الذي ذكرته حجة عليه لتضمّنه الاستعمالين، مع أنّ المضاف الذي في إضافته معنى «من» أشبه بذي الألف واللّام منه واللّام منه بالعاري، فإجراؤه مجرى ذي الألف واللام أولى من إجرائه مجرى العاري، فإذا لم يعط الاختصاص بجريانه مجراه، فلا أقلّ من أن يشارك، وإلّا لزم ترجيح أضعف الشبهين، أو ترجيح أحد المتساويين دون مرجّح، وقد
يستعمل العاري الذي ليس معه «من» مجرّدا عن التفضيل، مؤوّلا باسم الفاعل كقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (2)، أو مؤولا بصفة مشبهة كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (3)؛ فـ (أعلم) - هنا - بمعنى عالم؛ إذ لا مشارك لله تعالى، في علمه بذلك، و (أهون) بمعنى هيّن؛ إذ لا تفاوت في نسبة المقدورات إلى قدرته تبارك وتعالى (4). ومن ورود «أفعل» مؤولا بما لا تفضيل فيه قول الشاعر: -
(1) هذا الحديث بهذا اللفظ في النهاية لابن الأثير مادة «وطأ» (4/ 218) وفي مسند الإمام أحمد (4/ 193): (عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي في الآخرة محاسنكم أخلاقا وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتفيهقون المتشدّقون» اهـ.
(2)
سورة النجم: 32.
(3)
سورة الروم: 37.
(4)
فالشاهد في هاتين الآيتين: خلو أفعل من معنى التفضيل، فقوله تعالى:(أعلم) مؤول باسم الفاعل عالم (أهون) مؤول بالصفة المشبهة بمعنى هيّن وفي التذييل والتكميل (4/ 726): أنّ هذا شيء ذهب إليه المتأخرون. وينظر في ذلك: شرح المرادي على التسهيل (194 / ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
2123 -
إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا
…
بيتا دعائمه أعزّ وأطول (1)
أي عزيزة، طويلة، ومنه قول الشنفرى:
2124 -
وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن
…
بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (2)
أراد: لم أكن عجلا، ولم يرد: لم أكن أكثرهم عجلة؛ لأنّ قصده ذلك يستلزم عجلة غير فائقة، وليس غرضه إلا التمدح، ينفى العجلة قليلها، وكثيرها (3)، واختار أبو العبّاس محمد بن يزيد المبرّد استعمال «أفعل» مؤولا بما لا تفضيل فيه، قياسا (4) والأولى أن يمنع فيه القياس، ويقتصر فيه على ما سمع، والذي سمع منه كالمشهور فيه التزام الإفراد، والتذكير، إذا كان ما هو له مجموعا، -
(1) هذا البيت من الكامل، وقائله الفرزدق، الشاعر الأموي المشهور، وسمك السماء: رفعها، وأراد بالبيت: الكعبة.
والشاهد في: «أعزّ، وأطول» ؛ حيث لم يقصد بهما تفضيل، بل هما بمعنى: عزيزة طويلة.
ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (2/ 155)، والنقائض (1/ 202)، واللسان مادة «عزز» ، الأشموني (3/ 51).
(2)
هذا البيت من الطويل وقائله الشنفرى الأزدي، عمر بن براق، وفي مختارات ابن الشجري (ص 18)، واسمه شمس بن مالك، والبيت من القصيدة المشهورة بلامية العرب.
اللغة: أجشع: أفعل من الجشع، وهو أشد الحرص على الأكل، أعجل: المتعجل السريع، أي إلى الأكل.
والشاهد في البيت قوله: «أعجلهم» ؛ حيث لم يرد به معنى التفضيل، بل أراد: ولم أكن عجلا، ولم يرد: ولم أكن أكثرهم عجلة.
ينظر الشاهد في: قطر الندى (ص 188)، وشرح التصريح (1/ 202)، والأشموني (1/ 251)، (2/ 51)، الدرر (1/ 101).
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 727) وفي النقل تصرف.
(4)
ينظر: المرجع السابق نفس الصفحة وفي المقتضب للمبرد (3/ 245، 246): («أفعل» يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتا قائما في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور.
والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، ثم قال: فأما قوله في الأذان: «الله أكبر» فتأويله كبير، كما قال الله عز وجل: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيء أهون عليه من شيء، ونظير ذلك:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل
…
على أينا تعدو المنية أول
أي: (إني لوجل) انتهى ملخصا، وانظر الكامل (2/ 47، 48).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لفظا ومعنى، كقوله تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (1)، أو لفظا، لا معنى، كقوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ (2) ونَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ (3) وقد يجمع، إذا كان ما هو له جمعا، كقول الشاعر [3/ 127]:
2125 -
إذا غاب عنكم أسود العين كنتم
…
كراما، وأنتم - ما أقام - ألائم (4)
أراد: وأنتم - ما أقام - لئام، فـ «ألائم» جمع «ألأم» بمعنى «لئيم» فكذلك جمعه، إلا أنّ ترك جمعه أجود؛ لأنّ اللفظ المستقرّ له حكم، إذا قصد به غير معناه على سبيل النيابة لا يغيّر حكمه، ولذا لم يغير حكم الاستفهام، في مثل: علمت أيّ القوم صديقك، ولا حكم النّفي في نحو:
2126 -
ألا طعان ألا فرسان عادية (5)
…
...
-
(1) سورة الفرقان: 24، وقد قال الفراء: في معاني القرآن (2/ 266، 267): (وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا: هذا أحمق الرجلين، ولا: أعقل الرجلين.
ويقولون: لا تقل هذا أعقل الرجلين إلا لعاقلين، تفضل أحدهما على صاحبه، وقد سمعت قول الله: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا فجعل أهل الجنة خيرا مستقرا من أهل النار وليس في مستقر أهل النار شيء من الخير) اهـ.
(2)
سورة الإسراء: 49.
(3)
سورة ق: 45.
(4)
هذا البيت من الطويل وقد نسب للفرزدق في اللسان مادة «عين» وليس في ديوانه.
اللغة: أسود العين: اسم جبل، وضمير «ما أقام» عائد إليه، وأخطأ من قال: اسم رجل، ما أقام: أي:
أسود العين، أي: مدة إقامته، وكنى بذلك عن عدم زوال البخل عنهم، كما لا يزول هذا الجبل عن موضعه.
والشاهد في هذا البيت: قوله: «ألائم» فإنه جمع ألأم، وإنّما يجمع إذا كان ما هو له جمعا، وجرد عن معنى التفضيل، وكان عاريا من «أل» .
ينظر البيت في: أمالي القالي (1/ 171)، (2/ 47) اللسان «لأم» ، والعيني (4/ 57)، والأشموني (3/ 51).
(5)
هذا صدر بيت من البسيط وعجزه:
…
... ألا تجشّؤكم حول التنانير
وقائله: سيدنا حسان بن ثابت الأنصاري الصحابي، رضي الله تعالى عنه، من قصيدة يهجو بها الحارث ابن كعب المجاشعي، ونسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب (2/ 10) لخداش بن زهير، وفي شرح السيرافي:«ألا جفان» وهي رواية سيبويه (2/ 306) تحقيق هارون. وروي: «غادية» - بالغين المعجمة من الغدو، ضد الرواح. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا صحّ جمع «أفعل» العاري لتجّرده من معنى التّفضيل، إذا جرى على جمع جاز أن يؤنّث إذا جرى على مؤنّث، ويجوز أن يكون من هذا قول حنيف الحناتم (1) في صفات الإبل: سرعى، ونهيا، وعزرى (2)، وكان الأجود أن يقول: أسرع، وأنهى وأعزر، إلّا أنّه لم يقصد التفضيل، فجاء بـ «فعلى» في موضع «فعيلة» كما جاء قائل ذلك البيت بـ «ألائم» في موضع لئام، وعلى هذا يكون قول ابن هانئ:
2127 -
كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها (3)
…
...
-
- اللغة: ألا طعان، ألا فرسان عادية: الهمزة في «ألا» للاستفهام، دخلت على «لا» النافية للجنس، والطعان: بمعنى المطاعنة، أو «طعان» اسم «لا» ولا خبر لها عند سيبويه والخليل، وقيل: خبرهما محذوف تقديره: موجود، وفرسان: جمع فارس وعادية: حال من الفرسان بمعنى العدو، التجشؤ:
تنفس المعدة عند الامتلاء، والتنانير: جمع تنور: ما يوقد فيه النار لصنع الخبز.
والمعنى: هم أهل نهم وحرص على الطعام، لا أهل غارة وقتال.
والشاهد في البيت قوله: «ألا» ؛ حيث عملت «لا» النافية للجنس، مع دخول همزة الاستفهام عليها؛ لأن معناها كمعناها؛ لأنّ الأصل فيه أنه حرف للتبرئة فلم يغير المعنى الطارئ على «لا» حكمها.
ينظر الشاهد في: ديوان حسان بن ثابت (ص 215)، والحلل (ص 328)، والأشموني (2/ 14)، والعيني (3/ 362).
(1)
هو أحد بني حنتم بن عدي بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة - ويقال لهم: الحناتم، ويضرب به المثل في حذق رعاية الإبل، كما يضرب به المثل أيضا في الزهو بنفسه، كما في كتاب «أفعل» لأبي علي القالي (ص 81): تقول العرب: أزهى من حنتم الحناتم، وينظر: شرح المفصل لابن يعيش (3/ 94).
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 739).
(3)
هذا صدر بيت من البسيط، قائله: الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصبّاح توفي سنة (195 هـ) وقيل (196، 197 هـ).
وعجز البيت هو:
…
... حصباء درّ على أرض من الذّهب
وصغرى وكبرى: معناهما هنا: تأنيث أصغر وأكبر بمعنى: صغير وكبير، والفواقع: النفاخات التي تطفو على الماء، والحصباء: الحصى.
والمعنى: كأن الفواقع البيضاء الطافية التي تعلو كأس الخمر في لونها الذّهبي حبات من اللؤلؤ على أرض من الذّهب.
والشاهد في قوله: صغرى، وكبرى، حيث هما تأنيث أصغر بمعنى صغير وأكبر بمعنى كبير حيث لم يقصد بهما التفضيل، كما ذكره الشارح. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صحيحا لأنّه مؤنث «أصغر» و «أكبر» المقصود بهما التفضيل وإنّما أنّث «أصغر» بمعنى صغير، و «أكبر» بمعنى كبير (1) انتهى كلام المصنف - رحمه الله تعالى -.
ثم هنا أبحاث:
الأول:
أنّ الشيخ قال في القسمين اللّذين ذكرهما المصنّف - في المضاف إلى معرفة - وهما: أن يراد مطلق التفضيل، فلا
ينوى بعده «من» نحو: يوسف أحسن إخوته، وأن يؤول بما لا تفضيل فيه، نحو: زيد أعلم المدينة؛ أنّ فيهما خلافا.
قال: فأما الأول فمذهب البصريين، أنّ أفعل التفضيل متى أضيف إلى معرفة، فإنّه لا بدّ أن تكون ببعض ما أضيف إليه، ولا يجوز عندهم: يوسف أفضل إخوته، وأجاز ذلك الكوفيون؛ لأنه - عندهم - على معنى: من إخوته، كما قالوا في زيد أفضل القوم: إنّه على تقدير: من القوم، وإنه لا يتعرف (2) وقد جاء قول القائل:
2128 -
يا خير إخوانه، وأعطفهم
…
عليهم راضيا وغضبانا (3)
وقال جماعة منهم الزمخشريّ - هذا جائز، على أنّ أفعل - هنا - كقولك: -
- ينظر الشاهد في: ديوان أبي نواس (ص 454) تحقيق أحمد الغزالي، مطبعة الكتاب العربي، ودرة الغواص (ص 59)، والتوطئة (ص 306)، والأشموني (3/ 48، 52).
(1)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 739، 740)، وفي شرح التصريح (2/ 102):(إنه لحن حيث أنث صغرى وكبرى، وكان حقه أن يقول: أصغر وأكبر بالتذكير. وأجيب عنه بأنه لم يقصد حقيقة المفاضلة فهو كقول العروضيين: فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى) اهـ.
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 723) وينظر خلاف البصريين والكوفيين أيضا في: شرح التسهيل للمرادي (194 / ب) والمساعد لابن عقيل (146 / ب).
(3)
هذا البيت من المنسرح وقائله عبد الرحمن العتبي، يرثي علي بن سهل بن الصباح وكان له صديقا.
والشاهد في البيت قوله: «يا خير إخوانه» ؛ حيث أضيف «أفعل» إلى معرفة، وجاز ذلك على مذهب الكوفيين لأنه عندهم على معنى: من إخوانه مع أنّ «أفعل» ليس جزءا مما أضيف إليه، وذلك ممتنع عند البصريين إذ اشترطوا في أفعل المضاف إلى معرفة أن يكون جزءا مما أضيف إليه.
ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 723).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فاعل، فيضاف لمجرّد التخصيص، كقولك: فاضل إخوته (1)، قال: وقد أثبت «أفعل» صفة، لا للتفضيل، والاشتراك في الصّفة، أبو العبّاس (2)، ومنه عنده:
الله أكبر إذ لا كبير معه، ومنه: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (3) وقوله تعالى:
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا (4).
قال: وأما القسم الثّاني - وهو أن يؤوّل بما لا تفضيل فيه البتة ويصير كاسم الفاعل، والصفة المشبّهة، فهذا شيء
ذهب إليه المتأخرون، مستدلّين بقوله تعالى:
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (5)، وقوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ انتهى (6).
وأقول: أما قوله: إنّ مذهب البصريين أنّ «أفعل» التفضيل متى أضيف إلى معرفة لا بد أن يكون بعض ما أضيف إليه فلا يجوز عندهم يوسف أحسن إخوته (7)، وهذا ليس فيه نقض لكلام المصنّف؛ لأنّه يوافق البصريين في أنّ أفعل التفضيل لا بدّ أن يكون بعض ما أضيف إليه.
ويقول: إنّ قولنا: يوسف أحسن إخوته، ليس «أحسن» فيه للتفضيل، بل -
(1) في المفصل للزمخشري (ص 89، 90): (وله معنيان: أحدهما: أن يراد أنه زائد على المضاف إليه في الخصلة التي هو وهم فيها شركاء، والثاني: أن يؤخذ مطلقا له الزيادة فيها إطلاقا، ثمّ يضاف لا للتفضيل على المضاف إليهم، لكن لمجرد التخصيص كما يضاف ما لا تفضيل فيه، وذلك نحو قولك: الناقص والأشج أعدلا بني مروان. كأنك قلت: عادلا بني مروان ثم قال: وعلى الوجه الأول لا يجوز: يوسف أحسن إخوته؛ لأنك لما أضفت الإخوة إلى ضميره، فقد أخرجته من جملتهم من قبل أنّ المضاف حقه أن يكون غير المضاف إليه، ألا ترى أنك إذا قلت: هؤلاء إخوة زيد، لم يكن زيد في عداد المضافين إليه، وإذا خرج من جملتهم لم يجز إضافة «أفعل» الذي هو هو إليهم لأن من شرطه إضافته إلى جملة هو بعضها، وعلى الوجه الثاني لا يمتنع، ومنه قول من قال لنصيب: أنت أشعر أهل جلدتك، كأنه قال: أنت شاعرهم) اهـ ملخصا.
(2)
ينظر: المقتضب (3/ 245، 246).
(3)
سورة الروم: 27.
(4)
سورة الفرقان: 24.
(5)
سورة النجم: 32.
(6)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 726)، وشرح التسهيل للمرادي (194 / ب).
والشاهد في الآيتين المذكورتين خلو «أفعل» عن معنى التفضيل وقوله تعالى: (أعلم) مؤول باسم الفاعل «عالم» و (أهون) مؤول بالصّفة المشبهة بمعنى «هيّن» .
(7)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 723)، وشرح الكافية لابن مالك (1138) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، والمساعد لابن عقيل (2/ 175) تحقيق د/ بركات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لإثبات الحسن الزائد، من غير نظر إلى مفضل عليه (1)، وهذا واضح، وإنّما كان قصد الشيخ - في الردّ على المصنّف - أن يقول: مذهب البصريين أنه لا يجوز استعمال «أفعل» لإثبات الفضل الزائد، أما أن يقول: إنّهم لا
يضيفون «أفعل» التفضيل إلّا إلى ما هو بعضه؛ فالمصنّف لا يخالف في ذلك وما أنشده الشيخ من قول الشاعر:
2129 -
يا خير إخوانه
…
...
…
فهو مثبت ما ادّعاه المصنّف من جواز: يوسف أحسن إخوته، بالمعنى الذي قرره (2).
ثمّ، ليس مراد الزمخشري بقوله: إنّ «أفعل» هنا كقولك: فاعل؛ أنّه بمعنى فاعل؛ لأنّ «فاعلا» لا دلالة له على إثبات فضل زائد للموصوف، بل يراد بذلك أنّ إضافته تكون لمجرّد التخصيص كما أنّ «فاعلا» إذا أضيف كان لمجرد التخصيص، وأما قول الشيخ: إنّ تأويل «أفعل» بما لا تفضيل فيه البتة، وإنّه يصير كاسم الفاعل، والصفة المشبهة فشيء ذهب إليه المتأخرون (3)، إلى آخر ما ذكره - فكلام عجيب؛ لأن المصنف كلامه الآن في «أفعل» المضاف إلى معرفة، لا في «أفعل» المجرّد، ثمّ لم ينتظم لي قوله هذا مع قوله قبل: وقد أثبت «أفعل» صفة، لا للتفضيل، والاشتراك في الصفة، أبو العبّاس - يعني المبرّد -، ولا شكّ أنّ المبرّد من كبار المتقدمين، فكيف ينسب هذا القول إليه ثم يقول: هذا شيء، ذهب إلى المتأخرون؟! وبعد فلم يتحقق لي في كلام الشيخ شيء في هذا الموضع، لما فيه من الاضطراب (4).
البحث الثاني:
قد علمت أنّ «أفعل» المضاف إلى معرفة إذا أريد به معنى «من» يجوز فيه المطابقة لما قبله، كذي الألف واللّام، وعدم المطابقة كالعاري، قال الله تعالى:
وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها (5)، وقال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ -
(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 723).
(2)
من إضافة «أفعل» إلى معرفة، وجواز ذلك على مذهب الكوفيين حيث لا يشترطون في «أفعل» أن يكون جزءا من المضاف إليه.
(3)
ينظر التذييل والتكميل (4/ 726).
(4)
أي: التناقض في كلامه؛ حيث نسب هذا القول لأبي العباس المبرّد - وهو من كبار المتقدمين - ثم ادعى أن هذا مذهب المتأخرين.
(5)
سورة الأنعام: 123. وهذه الآية الكريمة شاهد على مطابقة «أفعل» لما قبله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ (1).
وقد ورد في الحديث الشريف الذي تقدّم الاستشهاد به الجمع بين الأمرين، وتقدّمت الإشارة إلى ما زعمه ابن
السرّاج، ولا شك أنّ القرآن العزيز، والحديث الشريف حجّة عليه. والظاهر أنّ الأمرين جائزان، على السّواء، لكن ذكر الشيخ عن بعضهم أنّ الأفصح من الوجهين المطابقة حتّى ردّ القائل بهذا على ثعلب قوله: اخترنا أفصحهنّ، فقال: كان الأولى أن يقول: فصحاهنّ؛ لأنه الأفصح، كما شرط في كتابه.
وقال ابن الأنباري: الإفراد، والتذكير أفصح؛ معللا لذلك بأنّ تثنيته ما أضيف إليه وجمعه وتأنيثه، أغنى عن تثنيته «أفعل» وجمعه وتأنيثه (2).
وأقول: إذا اشتمل القرآن العزيز والحديث الشريف على الأمرين، فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر (3)[3/ 128].
البحث الثالث:
فهم الشيخ من قول المصنف، وإن قيدت إضافته بتضمين معنى «من» أن تقدر بين «أفعل» وما أضيف إليه فقال:
وكون إضافته بتضمين معنى «من» مبنيّ على أنّ إضافته غير محضة، وأنّها نوي بها الانفصال، قال: وإلى ذلك ذهب الكوفيون (4). انتهى.
والذي يظهر أنّ المصنف لم يقصد ما أشار إليه الشيخ أصلا، وإنّما أراد بقوله:
تضمين معنى «من» ؛ أنّ «أفعل» - حينئذ - قصد به التفضيل، لا مطلقا بل بالنسبة إلى مفضل عليه؛ فالمراد بقولك: زيد أفضل القوم - على هذا الذي قال -:
زيد أفضل من القوم، ويؤيد ذلك قوله في الألفية:
وتلو أل طبق، وما لمعرفه
…
أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه (5)
-
(1) سورة البقرة: 96. وهذه الآية الكريمة شاهد على عدم مطابقة «أفعل» لما قبله.
(2)
ينظر هذا الكلام لابن الأنباري في: منهج السالك (ص 411)، والتذييل والتكميل (4/ 734).
(3)
يشير إلى أنّ القرآن الكريم قد ورد فيه المطابقة وعدمها، كما في الآيات الواردة من هذا البحث ويشير كذلك إلى ورود المطابقة وعدمها في الحديث الشريف، وقد سبق ذلك.
(4)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 730، 731).
(5)
في شرح الألفية لابن الناظم (ص 482): (وإذا كان - يعني أفعل التفضيل - معرفا بالألف واللام -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا إذا نويت معنى «من» يعني إذا أردت بـ «أفعل» المضاف ما تريد بـ «أفعل به» ، ويدلّ على ذلك أيضا أنّ إضافة «أفعل» التفضيل عند المصنف محضة، والشيخ جعل ذلك مبنيّا على أنّ إضافته غير محضة، ولا شكّ أنّ المصنف لا يرى ذلك.
البحث الرابع:
قد تقدّم ذكر الشّواهد، التي أوردها المصنف، مستدلّا بها على استعمال «أفعل» العاري من الألف واللّام، والإضافة دون «من» ، مجرّدا عن معنى التفضيل، مؤولا باسم فاعل (1) أو صفة مشبهة (2)، ومن الشواهد التي ذكرها غير دالة على ذلك قول الشاعر:
2130 -
لئن كنت قد بلّغت عنّى وشاية
…
لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب (3)
أي: غاشّ كاذب، ولا يريد: أغشّ منّي، وقول حسّان رضي الله تعالى عنه:
2131 -
أتهجوه ولست له بكفء
…
فشرّكما لخيركما الفداء (4)
أي: خبيثكما لطيبكما، وقول الآخر: -
- لزمه مطابقة ما هو له في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع وهو المراد بقوله: وتلو «ال» طبق
…
وإن أضيف إلى معرفة جاز أن يوافق المجرّد في لزوم الإفراد والتذكير
…
وجاز أن يوافق المعرف بالألف واللام في لزوم المطابقة لما هو له
…
) وشرح الألفية للشاطبي (4/ 79، 80)، وشرح الألفية للمرادي (3/ 125).
(1)
كقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [النجم: 32] أي عالم.
(2)
كقوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 37]. أي: هين.
(3)
هذا البيت من الطويل للنابغة الذبياني المشهور.
والشاهد في قوله: «أغش وأكذب» ؛ حيث إن أفعل هنا لم يرد به معنى التفضيل بل هو بمعنى: غاش وكاذب، والشاهد في: ديوانه (ص 72)، وجمهرة أشعار العرب (ص 74)، وشعراء النصرانية قبل الإسلام (ص 460، 655)، والتذييل والتكميل (4/ 727).
(4)
هذا البيت من الوافر لحسان بن ثابت الصحابي الجليل رضي الله عنه قاله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، وهجاء أبي سفيان حينما هجا الرسول الكريم قبل إسلام أبي سفيان.
اللغة: لست بكفء: أي: لست له بنظير. والاستفهام للإنكار أي: ما كان ينبغي لك أن تهجوه ولست من أكفائه ونظرائه فلم تنصفه. وقوله:
جار على أسلوب الكلام المنصف من نفسه أو ممن يتكلم من جهته، والرسول خيرهما بلا شك.
والشاهد قوله:
حيث إن الأسلوب لم يقصد به معنى التفضيل، والشاهد في: ديوان حسان (ص 16)، والأشموني (3/ 51)، والتذييل والتكميل (4/ 727).