الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل
[تعريفها وشرح التعريف]
قال ابن مالك: (وهي الملاقية فعلا لازما، ثابتا معناها تحقيقا أو تقديرا، قابلة للملابسة والتّجرّد، والتّعريف، والتّنكير بلا شرط).
قال ناظر الجيش: اعلم أنّ المشتقّ من الأسماء إذا أطلق في عرف النّحاة، إنّما يعنى به ما فيه معنى الفعل وحروفه، وهو أربعة أشياء: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل؛ وذلك أنّ المشتق إمّا أن يدلّ على حدث ومن قام به، أو على حدث ومن وقع عليه الثاني اسم المفعول، والأول إمّا أن يدلّ على حدث ومن قام به على جهة المشاركة لغيره والزيادة عليه في ذلك فهو أفعل التفضيل. أو لا على سبيل المشاركة، فإن أفاد الدلالة على حدوث ذلك المعنى وتجرّده لما هو له فهو اسم الفاعل، وإن لم يفد الدلالة على التجرّد بل أفاد الدلالة على ثبوت ذلك المعنى لصاحبه فهو الصفة المشبهة.
فقول المصنّف: وهي الملاقية فعلا جنس يشمل المشتقّات الأربعة المذكورة، والمراد أنّها تلاقي الفعل في الاشتقاق ومن المصدر، والملاقية كلمة مناسبة لطلب الاختصار.
قال المصنف (1): واحترز بالملاقية من نحو: قرشيّ وقتات؛ يعني أنّهما لا يلاقيان فعلا، وجرى في ذلك على عادته
في الحدود فإنه يحترز بالجنس، وقوله: لازما فصل يخرج به اسم المفعول واسم الفاعل الملاقي فعلا متعديا، كـ: عارف، وجاهل، وهكذا مثّل بهما المصنف، وهو تمثيل جيّد؛ فإنّ معناهما ثابت لصاحبهما، لكنّهما ملاقيان فعلا متعدّيا.
وقوله: ثابتا معناها فصل ثان، يخرج به اسم الفاعل، الملاقي فعلا لازما، وليس له دلالة على ثبوت معناه، بل على تجدّده، وحدوثه كقائم، وقاعد، وإنّما قال:
تحقيقا؛ توطئة لقوله: تقديرا يعني أنه قد يكون معنى الصفة غير ثابت، فيقدر ثبوته، -
(1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 89).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لـ: منقلب ونحوه (1)، وتقديره الثبوت - هنا - فيما هو غير ثابت في نفسه أحسن من قوله - في شرح الكافية -: ودلالتها على معنى ثابت غير لازمة لها، ولو كانت لازمة لم تبن من: عرض، وطرأ، ونحوهما (2).
وقوله: قابلة للملابسة والتجرّد فصل ثالث، قال المصنف: احترز به من: أب، وأخ ونحوهما، ولا أدري ما يريد بالملابسة والتجرّد.
وقال الشيخ (3): لا ينبغي أن يحترز منهما؛ لأنهما لم يدخلا في قوله: (الملاقية فعلا)؛ لأنهما لم يلاقيا فعلا بمعناهما، وإذا لم يدخلا فلا احتراز. انتهى. وهو كلام صحيح.
وقوله: والتعريف والتنكير بلا شرط. فصل رابع، يخرج به أفعل التفضيل؛ لأنّ الصفة المشبهة قابلة لهما مطلقا، ولا يقبلهما أفعل التفضيل إلا بشرط، وقد مرّ ذلك محكما في بابه.
قال الشيخ (4) ولا ينبغي أن يحترز من أفعل التفضيل؛ لأنّه لم يدخل فيما قبله لأنه لا يلاقي فعلا، لا لازما ولا متعدّيا؛ لأنّه لم يوجد فعل يدلّ على معنى التفضيل حتّى يكون «أفعل» يلاقيه. انتهى.
وما قاله غير ظاهر. وحكمه بأنّ «أفعل» لا يلاقي فعلا ممنوع، بل هو ملاقي الفعل في الاشتقاق خاصّة، بمعنى أنّهما التقيا على الاشتقاق من المصدر، وهو مراد المصنّف، ثم معنى التفضيل إنّما أفاده المشتق نفسه، وهذا شأن المشتقات أنّها تفيد معنى المشتقّ منه ويزيد في الدلالة عليه معنى آخر، ثمّ ذلك المعنى الزائد يختلف بحسب اختلاف الصيغ المشتقة، وهذا آخر الكلام على الحدّ.
والمراد بكونها مشبهة: أنّها شبّهت باسم الفاعل المتعدّي فنصبت وهي بذاتها لا تقتضي منصوبا، وأنها شبهت دون أفعل التفضيل لأن كمال المشاركة الذي بينهما وبين اسم الفاعل لم يكن لـ «أفعل» ، فاشترك الثلاثة في أنّ كلّا
منها صفة فتحمل الضمير طالبه لاسم بعده.
وفضلت الصفة بمشاركتها اسم الفاعل، في قبول التأنيث، والتثنية والجمع -
(1) التذييل والتكميل (4/ 852).
(2)
ينظر: شرح الكافية (2/ 1055) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.
(3)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 852).
(4)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأنّها تكون معرفة ونكرة، بلا شرط، واتفق النحاة على أنّها مشبهة إذا خفضت أو نصبت، واختلفوا [3/ 151] إذا رفعت فمنهم من لا يجعلها مشبّهة إذ ذاك، وهو الذي نصّ عليه الأستاذ أبو الحسن بن عصفور، في كتبه (1)، والقائلون بذلك يجعلون رفعها بالحمل على الفعل، ولا يبالي بعدم جريانها على الفعل في الحركات والسكنات؛ لأنهم إنّما يشترطون الجريان إذا عملت نصبا أو خفضا، ومنهم من يجعلها مشبهة إذا رفعت، كحالها إذا نصبت أو خفضت.
قال الشيخ (2): وهو اختيار الأستاذ أبي عليّ، ويظهر من كلام ابن جني (3) فعملها الرفع إنّما هو بالحمل على اسم الفعل، ولا على الفعل؛ لأنها ليست بجارية عليه، وعند هؤلاء لا يعمل الاسم رفعا، ولا نصبا، ولا خفضا، بالحمل على الفعل يكون جاريا عليه، وبنى الشيخ على القولين إعمال اسم الفاعل الماضي في مرفوع، فيجوز على القول الأول، ويمتنع على القول الثاني، وقد تقدم أنّ الصحيح أنّ اسم الفاعل الماضي يرفع، وهذا يرجح القول الأول.
والمصنف لم يصرح باختيار أحد المذهبين، وإنّما يظهر من كلامه في شرح الكافية أنّها إذا رفعت غير مشبهة (4)، وهو الذي يقتضيه النظر.
ثم لا بدّ في عمل الصفة الشبهة من الاعتماد؛ إمّا على استفهام، أو نفي، أو صاحب خبر، أو حال، أو نعت، فهي في ذلك كاسم الفاعل، ولم يذكر ذلك المصنف هنا اكتفاء بما ذكره في باب اسم الفاعل؛ لأنّ الصفة فرع، فهي أحوج إلى -
(1) قال أبو حيان التذييل والتكميل (4/ 862): (ومن النحويين من ذهب إلى أنها لا تكون صفة مشبهة إلا حالة النصب والجر، وهو اختيار ابن عصفور، فإذا رفعت هذه الصفة فبالحمل على الفعل، ولا يشترطون في الصفة - إذا رفعت - الجريان على الفعل في الحركات والسكنات
وعدد الحروف، وإنما يشترطون ذلك فيها إذا عملت نصبا، أو خفضا، ويجيزون أن يقال: مررت برجل قاعد أبوه أمس) اهـ.
وفي المقرب لابن عصفور (1/ 139): (لا تكون الصفة مشبهة إلا إذا نصبت المعمول أو خفضته؛ لأنّ الإضافة إنما تكون من نصب، وإلا فهي غير مشبهة) اهـ.
(2)
ينظر: التذييل والتكميل (4/ 681).
(3)
وفي الخصائص لابن جني (1/ 308): (كما أجازوا أيضا النصب في قولهم: الحسن الوجه حملا له منهم على: هذا الضارب الرجل)، وقد تكلم ابن جني على علاقة الصفة المشبهة باسم الفاعل في مواضع عدة من الخصائص.
(4)
ينظر: شرح الكافية (2/ 1056) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاعتماد منه، ولم يذكر ابن عصفور - في حدّ الصفة المشبّهة - سوى أنّها المأخوذة من فعل غير متعدّ، فيدخل عنده نحو: قائم وجالس ونائم، وفيه نظر.
وقال ابن عصفور (1): الصفة المشبهة باسم الفاعل هي: كلّ صفة مأخوذة من فعل غير متعدّ؛ لأنّها إنما شبهت باسم الفاعل المأخوذ من الفعل المتعدي فعملت عمله، ووجه الشبه بينهما أنها صفة كما أنّ اسم الفاعل كذلك وأنّها متحملة للضمير كما أنّ اسم الفاعل متحمل ضميرا، وأنّها طالبة للاسم بعدها كما أنّ اسم الفاعل طالب للاسم بعده، وأنّها تذكر وتؤنث وتثنّى وتجمع، كما أنّ اسم الفاعل كذلك، فتقول:
مررت برجل حسن الوجه، كما تقول: مررت برجل ضارب زيدا، فلما أشبهته من هذه الوجوه عملت عمله، فإن نقص من هذه الوجوه شيء لم تعمل، مثال ذلك «أفعل من» هو صفة طالب ضميرا، طالب الاسم بعده تقول: زيد أفضل من عمرو أبا، ولا تقول: زيد أفضل من عمرو الأب؛ لأنّه قد نقص منه التثنية والجمع والتأنيث.
والصفة المشبهة تنقسم ثلاثة أقسام: قسم اتفق النحويون على أنّه يشبه عموما، وقسم اتفق النحويون على أنه يشبه خصوصا، وقسم فيه خلاف.
فالذي يشبه باسم الفاعل عموما: هي كلّ صفة لفظها ومعناها صالح للمذكّر والمؤنّث، ونعني بالعموم أن تجري صفة المؤنّث على المؤنّث، والمذكر على المذكر، والمذكر على المؤنث، والمؤنث على المذكر؛ مثال ذلك: مررت برجل حسن الوجه، والذي يشبه باسم الفاعل خصوصا: كلّ صفة لفظها ومعناها خاص بالمذكر أو بالمؤنث ونعني بالخصوص أن تجري صفة المذكر على المذكر والمؤنّث على المؤنث، مثال ذلك:
«عذراء» في المؤنث، و «ملتح» في المذكر، تقول: مررت برجل ملتح الابن، وبامرأة عذراء البنت، ولا يجوز أن
تقول: مررت برجل أعذر البنت، ولا بامرأة ملتحية الابن؛ لئلّا تحدث لفظا ليس من كلام العرب، والذي فيه خلاف كلّ صفة لفظها صالح للمذكر والمؤنث ومعناها خاصّ بأحدهما؛ مثال ذلك «حائض» في المؤنث و «خصيّ» في المذكر، فتقول: مررت برجل خصيّ الابن وبامرأة حائض البنت
…
ثم قال ابن عصفور: الصفة لا تكون مشبهة حتّى تنصب أو تخفض؛ لأنّ الخفض لا يكون إلّا من النصب، ولا يجوز أن يكون من الرفع؛ لئلّا يؤدي إلى إضافة الشيء إلى نفسه (2).
(1)،
(2)
هذا النص الطويل من شرح الجمل لابن عصفور (1/ 566 - 567).