المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[إضافة اسم الفاعل المجرد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٦

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب

- ‌[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]

- ‌[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

- ‌[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]

- ‌[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

- ‌الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل

- ‌[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

- ‌[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

- ‌[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

- ‌[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

- ‌[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

- ‌[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه

- ‌الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

- ‌[تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

- ‌[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

- ‌[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

- ‌[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

- ‌الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

- ‌[تعريفها وشرح التعريف]

- ‌[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

- ‌[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

- ‌[بقية أحكام الصفة المشبهة]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

- ‌[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

- ‌الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

- ‌[علة إعمال المصدر - أحوال إعماله]

- ‌[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده]

- ‌[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

- ‌[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

- ‌[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع]

- ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

- ‌الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]

- ‌[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]

- ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[إلى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[كي الجارة - مساواتها للام]

- ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

- ‌[في: معانيها، وما يعرض لها]

- ‌[عن: معانيها، وأحكامها]

- ‌[على: معانيها، وحكم زيادتها]

- ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[الكاف الجارة: معانيها…وأحكامها]

- ‌[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

- ‌[لولا .. حكم الجر بها]

- ‌[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما]

- ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

- ‌الباب الأربعون باب القسم

- ‌[القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه]

- ‌[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

- ‌[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

- ‌[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

- ‌[تلقي جواب القسم الماضي]

- ‌[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

- ‌[من أحكام أسلوب القسم]

الفصل: ‌[إضافة اسم الفاعل المجرد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

قال ابن مالك: (يضاف اسم الفاعل المجرّد الصّالح للعمل إلى المفعول به جوازا، إن كان ظاهرا متّصلا، ووجوبا إن كان ضميرا متّصلا، خلافا للأخفش وهشام في كونه منصوب المحلّ، وشذّ فصل المضاف إلى ظاهر بمفعول، أو ظرف، ولا يضاف المقرون بالألف واللّام إلّا إذا كان مثنّى أو مجموعا على حدّه، أو كان المفعول به معرّفا بهما، أو مضافا إلى معرّف بهما، أو إلى ضميره، ولا يغني كون المفعول به معرّفا بغير ذلك، خلافا للفرّاء، ولا كونه ضميرا، خلافا للرّماني، والمبرّد، في أحد قوليه، ويجرّ المعطوف على مجرور ذي الألف واللّام إن كان مثله، أو مضافا إلى مثله، أو إلى ضمير مثله، لا إن كان غير ذلك، وفاقا لأبي العبّاس).

قال ناظر الجيش: لما أنهى المصنف الكلام على اسم الفاعل، بالنسبة إلى نصبه المفعول به، وعدم نصبه إياه، شرع الآن في بيان إضافة العامل منه إلى معموله، ولا شكّ أنّ إضافته بحسب مواقعه جائزة، وواجبة، وممتنعة (1)، فتجوز في صورتين:

إحداهما: أن يكون اسم الفاعل مجردا من الألف واللّام، ومعموله ظاهر متصل باسم الفاعل، أي: غير مفصول بينهما بشيء، نحو: زيد مكرم عمرو (2).

الثانية: أن يكون اسم الفاعل مقرونا بالألف واللام، وهو مثنّى أو مجموع على -

- (199 / أ)، والمساعد لابن عقيل (151 / أ) مخطوط.

وفي التذييل والتكميل (4/ 819): (وردّ هذا المذهب بأن المنصوب بالصفة المشبهة لا يكون إلا سببيّا، مشروطا فيه شروط تذكر في باب الصفة المشبهة، وهذا ينصب السببي والأجنبي، نحو: مررت بالضارب غلامه، وبالضارب زيدا.

وردّ أيضا بأن اسم الفاعل بمعنى الماضي لو كان المنتصب بعده، على طريق التشبيه لجاز أن ينتصب الاسم بعده، وإن لم تدخل عليه «أل» فلما لم ينتصب بعده دل على بطلان مذهبه، وتبين أنه مفعول باسم الفاعل) اهـ.

(1)

ينظر: الملخص لابن أبي الربيع (ص 223 - 230) رسالة.

(2)

ويجوز: «زيد مكرم عمرا» ، بالنصب.

ص: 2748

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حدّه، نحو: هذان الضاربا زيد، وهؤلاء المكرمو عمرو، أو يكون المعمول معرفا بالألف واللام، أو مضافا إلى

معرّف بهما، أو إلى ضمير معرّف بهما، نحو هذا الضارب الرجل، والمكرم غلام الرجل، والرجل أنت الضارب غلامه (1).

[3/ 145] وتجب في صورة واحدة: وهي أن يكون اسم الفاعل مجردا من الألف واللام، والمعمول ضمير متصل بالعامل، أي لم يفصل بينهما بشيء، نحو:

زيد مكرمك، والزيدان مكرماك، والزيدون مكرموك (2)، فلو فصل بينهما بمعمول آخر كانت الإضافة إلى ذلك المعمول، ووجب النصب في المعمول الثاني نحو:

الدّرهم أنا معطيكه (3)، وتمتنع في صورتين:

إحداهما: أن يكون اسم الفاعل غير مثنّى، ولا مجموع على حده، وهو مقرون بالألف واللام، والمعمول ظاهر، ليس فيه ألف ولام، ولا مضافا إلى ما هما فيه، ولا إلى ضمير ما هما فيه، نحو: هذا الضارب زيدا والمكرم رجلا (4).

الثانية: أن يكون اسم الفاعل غير مثنّى، ولا مجموع على حدّه، وهو مقرون بالألف واللام، والمعمول ضمير، نحو: هذا المكرمك (5)، وهذه الصور في بعضها خلاف، كما أشار إليه المصنف في متن الكتاب، وستعرفه، ولكنّ الذي نشير إليه، -

(1) في الملخص لابن أبي الربيع (ص 225) رسالة: وإن كان - يعني منصوب اسم الفاعل - بالألف واللام، أو مضافا إلى ما فيه الألف واللام جاز لك مع النصب الخفض بالإضافة، مع التشبيه بالحسن الوجه، فتقول: هذا الضارب الرجل، وهو القائل غلام الرجل، بالنصب والخفض، ويجري مجرى المفرد الجمع المذكر والجمع المؤنث السالم، قال زهير:

(وهنّ الشافيات الحوائم)

اهـ.

(2)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 823).

(3)

في المرجع السابق الصفحة نفسها: (ويعني باتصاله أن يتصل باسم الفاعل، فإن لم يتصل فالنصب، نحو قوله:

لا ترج أو تخش غير الله إنّ أذى

واقيكه الله لا ينفكّ مأمونا

فالهاء من «واقيكه» ضمير لم يتصل باسم الفاعل، فهي في موضع نصب، لا غير

).

(4)

في الملخص لابن أبي الربيع (ص 225) رسالة: (فإن كان منصوبه بغير ألف ولام، ولا مضافا إلى ما فيه الألف واللام لم يجز فيه إلا النصب، نحو: هذا الضارب زيدا) اهـ.

(5)

في الملخص لابن أبي الربيع (ص 225): (فإذا قلت: هذا المكرمك وهم الضرابك وهن الضارباتك؛ فالضمير في هذا كله في موضع نصب) اهـ.

ص: 2749

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنما هو على أصحّ المذاهب فيها، كما سيبين، ثم إنّ المصنف أشار - مع ذكر هذه المسائل، في هذا الفصل - إلى أمرين آخرين:

أحدهما: الفصل بين اسم الفاعل، وما أضيف إليه، من معموله الظاهر.

ثانيهما: حكم المعطوف على مجرور اسم الفاعل المقرون بالألف واللّام بالنسبة إلى جواز جره، وعدم جوازه.

وبعد: فأنا أورد كلام المصنف ليعرف منه تفصيل ما وقعت الإشارة إليه إجمالا، ثم إن تعلق به شيء ذكرته بعد ذلك.

قال - رحمه الله تعالى - (1): اسم الفاعل المجرّد هو العاري من الألف واللّام، وذكره مخرج للمقرون، وذكر الصالح للعمل مخرج للمجرّد الذي أريد به المضي (2)، ومدخل للمحوّل إلى أحد أبنية المبالغة؛ فإن اسم الفاعل واقع عليه بعد التحويل.

والحاصل: أنّ اسم الفاعل المشار إليه ذكر بعده مفعول به ظاهر متصل جاز نصبه بمقتضى المفعولية، وجرّه بمقتضى الإضافة، وإن كان المفعول به ضميرا متصلا وجب كونه مجرورا بالإضافة.

فمثال ذي الوجهين لكون المعمول ظاهرا متصلا قوله تعالى: وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (3)، وقوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ (4).

ومثال ذي الوجه الواحد - لكون المعمول ضميرا متصلا - قولك: هذا مكرمك، وهذان مكرماك، وهؤلاء مكرموك، فالكاف - في الأمثلة الثلاثة - وشبهها في موضع جرّ، على مذهب سيبويه، وأكثر المحققين (5)، وهو الصحيح؛ لأن الظاهر هو الأصل، والمضمرات نائبة عنه، فلا ينسب إلى شيء منها إعراب؛ لا ينسب -

(1) انظر: شرح التسهيل (3/ 83).

(2)

في التذييل والتكميل (4/ 821): («والصالح للعمل» احتراز من الذي يراد به المضي، فإنه يضاف إلى متعلقه وجوبا، كإضافة الأسماء الجوامد، ويسقط منه التنوين والنون للإضافة، كما يسقط من نحو: غلام، وغلامين، وبنين، فتقول: هذا ضارب زيد أمس، وهذان ضاربا زيد أمس، وهؤلاء ضاربو زيد أمس) اهـ.

(3)

سورة البقرة: 72.

(4)

سورة آل عمران: 9.

(5)

في الكتاب (1/ 187): (ولا يكون في قولهم: هم ضاربوك، أن تكون الكاف في موضع نصب؛ لأنك لو كففت النون في الإظهار لم يكن إلا جرّا، ولا يجوز في الإظهار: هم ضاربو زيدا؛ لأنها ليست في معنى الذي؛ لأنها ليست فيها الألف واللام، كما كانت في الذي) اهـ.

ص: 2750

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إليه، إلا إذا كان المضمر بلفظ غير صالح لإعراب الظاهر، كالكاف والهاء من:

لولاك ولولاه؛ فإنّ الجرّ منسوب إليهما عند سيبويه مع أنّه إعراب غير صالح للظاهر، الذي وقع موقعه، وحمله على ذلك أنّ لفظ الكاف والهاء غير صالح للرفع، بل للنصب والجر، ولكنّ النصب ممتنع لامتناع لازمه، وهو أن يقال: لولاني دون لولاي، وإنما يقال: لولاي، دون لولاني، فتعين الحكم بالجر.

وزعم الأخفش، وهشام (1) الكوفي أنّ كاف «مكرمك» وشبهه في موضع نصب؛ لأنّ موجب النصب المفعولية، وهي محققة، وموجب الجر الإضافة، وهي غير محقّقة؛ إذ لا دليل عليها إلا حذف التنوين، ونوني التثنية والجمع، ولحذفهما سبب غير الإضافة، وهو صون الضمير المتصل من وقوعه منفصلا (2)، وهذه شبهة، تحسب قوية، وهي ضعيفة؛ لأنّ النصب الذي تقتضيه المفعولية لا يلزم كونه لفظيّا، بل يكتفى فيه بالتقدير، فلذلك جاز أن يراد بعض حروف الجر، مع بعض المفعولات، نحو: رَدِفَ لَكُمْ (3)، وخشّنت بصدره (4)، ولولا ذلك لامتنعت إضافة اسم الفاعل إلى المفعول به الظاهر، وأيضا؛ فإنّ عمل الأسماء النصب أقلّ من عملها الجرّ، فينبغي - عند احتمال النصب والجر في معمول اسم - أن يحكم بالجر، حملا على الأكثر.

وأمّا جعل سبب حذف التنوين والنونين صون الضّمير المتّصل من وقوعه منفصلا فمستغنى عنه لوجهين:

أحدهما: أن حذفه للإضافة محصّل لذلك فلا حاجة إلى سبب آخر. -

(1) هو هشام بن معاوية الضرير.

(2)

ينظر: شرح المصنف (3/ 83)، والتذييل والتكميل (4/ 824)، ومنهج السالك (ص 336).

وفي معاني القرآن للأخفش (2/ 62): (قال: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [العنكبوت: 33] فالنصب وجه الكلام؛ لأنك لا تجري الظاهر على المضمر، والكاف في موضع جر لذهاب النون؛ لأنّ هذا إذا سقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون، إن كان في الحال، وإن لم يفعل، تقول: هو ضاربك الساعة أو غدا، وهم ضاربوك) اهـ.

(3)

سورة النمل: 72.

(4)

في أساس البلاغة مادة «خشن» : (ومن المجاز خشن صدره، وبصدره)، و «خشّن» بتشديد الشين المعجمة، وفي اللسان والقاموس «خشن»:(خشن صدره تخشينا أوغره).

ص: 2751

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثّاني: أن مقتضى الدليل بقاء الاتصال بعد التنوين، ونوني التثنية والجمع؛ لأن نسبتها من الاسم كنسبة نون التوكيد من الفعل، واتصال الضمير لا يزول بنون التوكيد، فكذلك لا يزول بالتنوين، ونوني التثنية والجمع، لو قصد النصب، وقد نبّهوا على جواز ذلك باستعماله في الشعر، كقول الشاعر:

2186 -

هم الفاعلون الخير والآمرونه

إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما (1)

ومثله قول الآخر:

2187 -

ولم يرتفق والنّاس محتضرونه

جميعا، وأيدي المعتفين رواهقه (2)

ويتعين - غالبا - نصب معمول اسم الفاعل، إذا انفصل، ظاهرا كان، كقوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (3)، أو مضمرا، كالهاء التي بعد الكاف في قول الشاعر:

2188 -

لا ترج أو تخش غير الله إنّ أذى

واقيكه الله لا ينفكّ مأمونا (4)

-

(1) هذا البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وفي الكامل للمبرد (1/ 173)، والخزانة للبغدادي (4/ 270) هذا البيت مصنوع وهو بهذه الرواية «الفاعلون الخير» في الخزانة.

اللغة: محدث الأمر: حادثه، ومعظم الأمر: ما يعظم دفعه.

والشاهد في البيت قوله: «والآمرونه» حيث جمع بين النون والضمير ضرورة، ولم يقل: والآمروه، بحذف نون الجمع للإضافة، وقد عاقب المظهر النون وتنوين مع قوته وانفصاله، فالمضمر أولى بمعاقبتهما؛ لأنه بمنزلتها في الضعف والاتصال.

ينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (3/ 84)، ومعاني الفراء (2/ 386)، والكتاب (1/ 88).

(2)

البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وفي الخزانة (4/ 272):(وهذا البيت مصنوع) اهـ.

اللغة: لم يرتفق: لم يتكئ على المرفق، كناية عن عدم انشغاله عن قضاء حوائج الناس، محتضرونه:

حاضرونه، المعتفين: طالبي الإحسان، رواهقه: جمع راهقه، ورهقه بمعنى أدركه.

والشاهد في البيت قوله: «محتضرونه» ؛ حيث جمع بين النون والضمير، كما أجاز هشام.

ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 188)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 125)، ومنهج السالك (ص 337)، والخزانة (4/ 271) برقم (297)، والمقرب لابن عصفور (1/ 125).

(3)

سورة البقرة: 30.

(4)

البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه: قوله: «واقيكه» ؛ حيث انفصل اسم الفاعل «واقي» عن الهاء الواقعة مفعولا، فهي في محل نصب لا غير. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 823)، والعيني (1/ 308)، وشرح التصريح (1/ 107).

ص: 2752

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومن هذين المثالين وأشباهما احتزرت بذكر (متصلا) بعد قولي: (إن كان ظاهرا)، وبعد قولي:(إن كان ضميرا)، ثمّ قلت:(وشذّ فصل المضاف إلى ظاهر، بمفعول أو ظرف) فنبّهت بذلك على قراءة بعض القراء: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله (1) وعلى قول الشّاعر:

2189 -

وكرّار خلف المحجرين جواده

إذا لم يحام دون أنثى حليلها (2)

وعلى قول الرّاجز [3/ 146]:

2190 -

ربّ ابن عم لسليمى مشمعل

طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل (3)

ثمّ نبّهت على أنّ المقرون بالألف واللّام يجوز أن يضاف - إذا كان مثنّى أو مجموعا على حدّه - إلى المفعول به مطلقا، وإن لم يكن مثنّى، ولا مجموعا على حده لم يضف إلا إلى المعرف بالألف واللام، وإلى مضاف إلى مقرون بهما.

فالأول: كقول الشاعر:

2191 -

إن يغنيا عنّي المستوطنا عدن

فإنّني لست يوما عنهما بغني (4)

-

(1) سورة ابراهيم: 47، والقراءة بنصب «وعده» وجر «رسله» وفي الكشاف للزمخشري (2/ 384):

وقرئ (مخلف وعده رسله) اهـ.

(2)

هذا البيت من الطويل، وقائله الأخطل التغلبي الشاعر الأموي المشهور من قصيدة يمدح به همام بن مطرف التغلبي، والبيت في ديوان الأخطل ط. بيروت (1891 م)(ص 245).

اللغة: كرار: وصف لممدوحه بالشجاعة والإقدام، المحجر: الملجأ الذي غشيه العدو، حليلها: زوجها.

والمعنى: يكر جواده خلفهم حتى ينقذهم، في الوقت الذي يفر الرجل فيه عن امرأته، ولا يقاتل؛ لعظم الهول.

والشاهد: فصل «كرار» المضاف إلى مفعوله، عنه بظرف، والأصل: وكرار جواده خلف المحجرين.

ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 177)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 181).

(3)

سبق تخريج هذا الشاهد قريبا.

والشاهد فيه هنا على ما ذكره الشارح: الفصل بين «طباخ» ومفعوله «زاد الكسل» بـ «ساعات الكرى» وهو ظرف، والمثال من المبالغة كاسم الفاعل.

(4)

هذا البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين.

اللغة: غني يغنى - من باب علم يعلم -: استغنى.

والشاهد فيه قوله: «المستوطنا عدن» ؛ حيث أضيف اسم الفاعل المحلّى بـ «أل» المثنى إلى المفعول، وقد وليها المفعول، وحذفت النون للإضافة، وقدّرت ولهذا فالجر أكثر.

ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 337)، والتصريح (2/ 30)، والهمع (2/ 48).

ص: 2753

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثّاني: كقوله:

2192 -

ليس الأخلّاء بالمصغي مسامعهم

إلى الوشاة، ولو كانوا ذوي رحم (1)

والثّالث: كقول الآخر:

2193 -

أبأنا بهم قتلى وما في دمائهم

شفاء وهنّ الشّافيات الحوائم (2)

والرّابع: كقول الآخر:

2194 -

لقد ظفر الزّوّار أبنية العدا

بما جاوز الآمال بالقتل والأسر (3)

والخامس: كقول الآخر:

2195 -

الودّ أنت المستحقّة صفوه

منّي، وإن لم أرج منك نوالا (4)

-

(1) البيت من البسيط، وهو مجهول القائل، وقد أشار إلى ذلك العيني (3/ 394).

اللغة: الأخلاء: الأصدقاء، المصغي: صفة مجموعة جمع مذكر سالم مضافة إلى «مسامعهم» ولذلك حذفت النون منها، الوشاة: جمع واش، وهو النمام بين الأصدقاء، الرحم: القرابة.

والشاهد في البيت قوله: «بالمصغي مسامعهم» ؛ حيث أضاف اسم الفاعل المجموع إلى المفعول، وقدرت النون محذوفة للإضافة، ولهذا كان الجر أكثر.

ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 337)، والعيني (3/ 394)، والدرر (2/ 57).

(2)

البيت من الطويل، وقائله الفرزدق الشاعر المشهور، من قصيدة يمدح بها سليمان بن عبد الملك، وفي قتل قتيبة بن مسلم، وروي «وفاء» بدل «شفاء» والحوائم: العطاش التي تحوم حول الماء.

والمعنى: ليس الشفاء في الدماء، ولكن في السيوف التي تسفك الدماء.

والشاهد في قوله: «الشافيات الحوائم» حيث أضيف اسم الفاعل «الشافيات» المحلى بـ «أل» إلى مضاف فيه «أل» وهو «الحوائم» .

ينظر الشاهد في: نقائض جرير والفرزدق (1/ 371)، والتذييل والتكميل (4/ 831)، ومنهج السالك (ص 338)، والأشموني (2/ 245).

(3)

البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وروي «أقفية» بدل «أبنية» ، و «ملقتل» بدل «بالقتل» .

والشاهد في قوله: «الزوار أبنية العدى» فإنّ الزوار جمع الزائر بالألف واللام، اسم فاعل مضاف إلى ما عرف بـ «أل» .

ينظر الشاهد في: المقاصد النحوية (3/ 391)، والأشموني (2/ 245).

(4)

البيت من الكامل، وقائله مجهول.

والشاهد في البيت قوله: «المستحقة صفوه» حيث أضيف اسم الفاعل المقرون بـ «ال» ، وهو «المستحقة» إلى مضاف لضمير ما هو مقرون بـ «أل» وهو «الود» ، والبيت حجة على المبرد الذي أوجب النصب.

ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 338)، والأشموني (2/ 246)، والدرر (2/ 57)، والعيني (3/ 392).

ص: 2754

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأجرى الفراء العلم وغيره من المعارف مجرى ذي الألف واللام، في الإضافة إليه (1): فيقال - على مذهبه -: هذا الضارب زيد، والضارب عبده، والمكرم ذينك، والمعين اللذين نصراك، ولا مستند له في هذا من نثر ولا نظم، وله من النظر حظ، وذلك بأن تقدّر الإضافة قبل الألف واللّام، وهي إضافة كلا إضافة؛ إذ هي لمجرد التخفيف، فلم يمنع لحاق الألف واللّام، عند قصد التعريف، فإنّ مانع اجتماعهما مع الإضافة إنما هو توقّي اجتماع معرفين، وهو مأمون فيما نحن بصدده، فلم يضرّ جوازه، ولا يلزم من ذلك جواز: الحسن وجهه؛ لأنّ المضاف، والمضاف إليه - في ذلك، وفيما أشبهه - شيء واحد في المعنى، فحقّه أن يمنع هو وغيره، ممّا إضافته كإضافته، إلّا أنّ المستعمل مقبول، وإن خالف القياس، وما خالف القياس، ولم يستعمل تعين اجتنابه، كـ: الحسن وجهه، وزعم الزمخشريّ أنّ كاف «المكرمك» وشبهه في موضع جر، مع منعه الظاهر الواقع موقعه (2)، وقد تقدّم في قولي: إنّ الظاهر أصل والمضمر نائب عنه، ولا ينسب إلى النائب ما لا ينسب إلى المنوب عنه (3)، فمذهب الزمخشري - في هذا - ضعيف، وقد سبقه إلى ذلك الرمانيّ، والمبرد (4)، إلّا أنّ المبرد رجع عن ذلك، كذا قال ابن السراج (5).

والحاصل: أنّ الضمير المتصل باسم فاعل، مقرون بالألف واللام، غير مثنّى ولا مجموع على حدّه؛ منصوب على مذهب سيبويه والأخفش، مجرور على -

(1) يراجع رأي الفراء هذا في: شرح المصنف (3/ 86)، ومنهج السالك (ص 337).

(2)

في المفصل للزمخشري: (ولا تقول: الضارب زيد؛ لأنك لا تفيد فيه خفة بالإضافة، كما أفدتها في المثنى والمجموع، وقد أجازه الفراء

وإذا كان المضاف إليه ضميرا متصلا جاء ما فيه تنوين، أو نون، وما عدم واحد منهما شرعا في صحة الإضافة؛ لأنهم لما رفضوا فيما يوجد فيه التنوين أو النون أن يجمعوا بينه وبين الضمير المتصل جعلوا ما لا يوجد فيه تبعا له: فقالوا: الضاربك، والضارباتك، والضاربي، والضارباني، كما قالوا: ضاربك، والضارباك، والضاربوك، والضاربي).

(3)

شرح المصنف (3/ 86).

(4)

ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 204) تحقيق د/ بركات، وفي المقتضب للمبرد (4/ 152):

(وكذلك تقول: هذا ضاربك وزيدا غدا، لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر المجرور حملته على الفعل، كقول الله عز وجل: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [العنكبوت: 33] كأنه قال: ومنجون أهلك، ولم تعطف على الكاف المجرورة) اهـ.

(5)

ينظر: الأصول في النحو لابن السراج (1/ 81).

ص: 2755

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مذهب الفراء، وعلى مذهب الرماني والزمخشري إلا أنّ في مذهبهما مخالفة النائب للمنوب عنه، ومذهب الفراء سالم من ذلك، وهما يلزمان الحكم بالجر، والفراء يجيز الجرّ والنصب، كما أجازهما في زيد، ونحوه من: هذا الضارب زيد (1)، وأمّا الضمير في نحو: جاء الزائراك والمكرموك، فجائز فيه الوجهان بإجماع، لأنهما جائزان في الظاهر الواقع موقعه (2)، ويجوز جرّ المعطوف في نحو: جاء الضارب الغلام والجارية، والطالب العلم وأدب الأبرار، لأنه صالح للوقوع في موضع المعطوف عليه، وكذلك نحو: جاء المشتري الناقة وفصيلها، جائز أيضا؛ لأنّه بمنزلة: جاء المشتري الناقة، وفصيل الناقة؛ لأنّ الضمير عائد عليه، ومثله قول الشّاعر:

2196 -

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّي خلفها أطفالها (3)

فجاز هذا؛ لأنه بمنزلة: الواهب المائة وعبد المائة، فالمسائل الثلاث جائزة بلا خلاف، فإن المعطوف كـ «زيد» مما لا يقرن بالألف واللّام، ولم يضف إلى مقرون بهما، ولا إلى ضمير المقرون بهما، فإنّ سيبويه يجيز جره أيضا، ومنع ذلك أبو العباس، وهو المختار عند أبي بكر بن السراج (4). -

(1) يراجع ذلك في: منهج السالك (ص 337)، وشرح التسهيل للمرادي (199 / ب) والمساعد لابن عقيل (2/ 204) تحقيق د/ بركات، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 124).

(2)

في التذييل والتكميل (4/ 834): (ودعوى المصنف الإجماع على جواز الوجهين باطلة، بل في المسألة خلاف، فمذهب سيبويه، ما ذكر من جواز الوجهين وخالفه الجرمي، والمازني، والمبرد، والجماعة، فجعلوا الضمير في موضع جر فقط) اهـ.

(3)

البيت من الكامل، وقائله الأعشى ميمون الشاعر المشهور، من قصيدة يمدح بها قيس بن معديكرب الكندي.

اللغة: الهجان: البيض من الإبل، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع، وقيل: الهجان:

الكرام، وربما قيل: هجائن وعوذا خال من الهجان، وهي جمع عائذ، الحديثة العهد بالنتاج، سميت عائذا؛ لأن ولدها يعوذ بها لصغره، وتزجي: تسوق. وأطفالها: أولادها.

والمعنى: إن هذا الممدوح يهب المائة من الإبل الكريمة، ويهب معها راعيها.

والشاهد في البيت قوله: «وعبدها» بالجر، عطفا على المائة، وهو مضاف إلى ما ليس فيه «أل» ، فجعل ضمير المعرف بـ «أل» في التابع مثل المعرف بها، واغتفر هذا لكونه تابعا، والتابع يجوز فيه ما لا يجوز في المتبوع.

ينظر الشاهد في: ديوان الأعشى (ص 152)، والكتاب (1/ 183)، والمقتضب (4/ 163).

(4)

في أصول النحو لابن السراج (1/ 81): (

وأنشدوا:

هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق

أراد: بباعث، فحذف التنوين ونصب الثاني؛ لأنه أعمل فيه الأول، مقدّرا تنوينه، كأنه قال: أو باعث -

ص: 2756

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو عندي أصح القولين؛ لأنّ العاطف كالقائم مقام العامل في المعطوف عليه، واسم الفاعل المقرون بالألف واللام على مذهب سيبويه وغيره من البصريين لا يجرّ «زيدا» ونحوه، فلا يصح أن نعطف على المجرور به، ولا حجّة في نحو: ربّ رجل وأخيه، ولا في:

2197 -

أيّ فتى هيجاء أنت وجارها

لأنّهما في تقدير: ربّ رجل وأخ له، وأيّ فتى أنت وجار لها (1)، ومثل هذا التقدير لا يتأتّى فيما نحن بسبيله، فلا يصحّ جوازه، والله تعالى أعلم (2). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى، ولنشر بعده إلى أمور:

منها: أنّ الشيخ ذكر أنّ ظاهر كلام سيبويه يدلّ على أن النصب باسم الفاعل أولى من الجر به، إذا أمكن الأمران، وأنّ الكسائيّ يسوي بينهما (3)، قال: والذي يظهر أنّ الجرّ بالإضافة أولى؛ لأنّ الأصل في الأسماء - إذا تعلّق أحدها بالآخر - الإضافة، والعمل إنما كان لجهة النسبة للمضارع، فالحمل على الأصل أولى، وهو الإضافة (4). انتهى.

وفيما قال الشيخ (نظر)(5)؛ لأنّ اسم الفاعل إنما أضيف إلى معموله بعد استحقاقه العمل فيه، ولهذا كانت إضافته لفظية لا تفيد تعريفا، وإذا كانت إضافته إنما هي مقصودة بعد استحقاقه للعمل، بل إنما حصلت الإضافة لتفيد تحقيقا في اللفظ خاصة، فكيف يقال: إنها الأصل؟!

نعم، لو كانت إضافة اسم الفاعل إلى معموله معنوية، واستفيد بها ما يستفاد من العمل، لو لم يضف؛ حسن أن يقال - حينئذ -: إنّ الأصل في الأسماء، إذا تعلق أحدها بالإضافة جر. -

- عبد رب، ولو جرّه على ما قبله كان عربيّا جيدا، إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير) اهـ.

(1)

ينظر هذا التقرير في: الكتاب (2/ 56)، والمقتضب (4/ 163).

(2)

هذا الكلام بنصه في شرح المصنف.

(3)

ينظر التذييل والتكميل (4/ 823)، ويراجع رأي سيبويه في الكتاب (1/ 164، 165، 166).

ويراجع رأي الكسائي في: منهج السالك (ص 335)، وشرح المرادي (199 / أ).

(4)

هذا الكلام بنصه في التذييل والتكميل (4/ 823).

(5)

ما بين القوسين من الهامش.

ص: 2757

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أنّ الأخفش وهشاما قد يستدلان على ما ذهبا إليه - من أن الضمير في نحو: زيد مكرمك في محل نصب [3/ 147] بقوله تعالى: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ (1) وهو استدلال ظاهر (2)، وقد أجيب عنه بأنّ (وأهلك) منصوب بفعل مقدّر، أو أنّه نصب عطفا على الموضع عند من يجوز ذلك دون مجوّز (3).

ومنها: أنّ الشيخ قال (4): وترد على قول المصنف: (ووجوبا إن كان ضميرا):

وقد فسّر هو - يعني المصنف - الاتصال بأن يكون الضمير متّصلا باسم الفاعل مسألة يكون فيها الضمير متّصلا باسم الفاعل ويجوز فيها الجرّ بالإضافة والنصب تقول: زيد كائن أخاك، وزيد كائن أخيك، أجروا اسم الفاعل من «كان» الناقصة وخبره مجرى اسم الفاعل من غيرها؛ فإذا أتيت بالضّمير بعد اسم الفاعل من «كان» الناقصة جاز فيه وجهان:

أحدهما: الجرّ بالإضافة، فتقول: المحسن زيد كائنه.

والثّاني: نصبه فينفصل، فتقول: المحسن زيد كائن إياه.

قال: فهذا ضمير قد اتصل باسم الفاعل ولم تجب فيه الإضافة ثمّ قال:

وللمصنف أن يقول: كلامنا إنما هو في اسم الفاعل الطالب مفعولا به، وهذا ليس بمفعول حقيقة، وإنما هو مشبّه بالمفعول.

ومنها: أنّهم ذكروا أنّ ترك الإضافة والنصب أفصح في ثلاث مسائل هي:

زيد الضارب الرجل (5)، ومثله: -

(1) سورة العنكبوت: 33.

(2)

في معاني القرآن للأخفش الأوسط وقال: (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ فالنصب وجه الكلام؛ لأنك لا تجري الظاهر على المضمر والكاف في موضع جر لذهاب النون؛ وذلك لأن هذا إذا أسقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون .. فإذا أدخلت الألف واللام قلت: هذا الضارب زيدا ولا يجوز أن تجر «زيدا»؛ لأنّ التنوين كأنه باق في النصب إذا كان فيه الألف واللام؛ لأنّ الألف واللام تعاقبان التنوين) اه. ولمراجعة ما أجازه هشام ينظر: منهج السالك (ص 336)، وشرح التسهيل للمرادي (199 / أ)، والمساعد لابن عقيل (151 / أ).

(3)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 825).

(4)

لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 827)، ومنهج السالك (ص 336، 337)، وشرح المرادي (199 / أ).

(5)

يعني: إضافة اسم الفاعل المحلى بـ «أل» إلى ما فيه «أل» .

ص: 2758

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2198 -

وهنّ الشّافيات الحوائم (1)

وزيد الضارب غلام المرأة (2)، ومثله:

2199 -

لقد ظفر الزّوّار أبنية العدا (3)

والمرأة أنت الضارب غلامها (4)، ومثله:

2200 -

الودّ أنت المستحقّة صفوه (5)

ومنها: أنّ المصنف قد قال: وأمّا الضّمير في نحو: جاء الزائراك والمكرموك؛ فجائز فيه الوجهان بإجماع؛ لأنهما جائزان في الظاهر الواقع موقعه؛ وما قاله ظاهر، وإنما جاز الوجهان؛ لأنّ النون يمكن أنّها حذفت للإضافة، ويمكن أنّها حذفت لتقصير الصلة، فيجيء الجرّ على الأول، والنصب على الثاني. لكن قال الشيخ: دعوى الإجماع باطلة، بل في المسألة خلاف، فمذهب سيبويه ما ذكره من جواز الوجهين وخالفه الجرميّ والمازنيّ والمبرّد وجماعة فجعلوا الضمير في موضع جرّ فقط (6).

قال: وكأنّ سقوط النّون أصله أن يكون للإضافة، واحتمل هنا أن يكون سقوطها للإضافة أو للطول فحملناه على الأصل؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك بخلاف الظاهر فإنّ ما ظهر فيه من النصب اضطرنا إلى تقدير سقوطها لغير الإضافة.

ومنها: أنّ المصنف - لما ذكر ثلاث المسائل، وهي: جاء الضارب الغلام والجارية، والطالب العلم وأدب الأبرار، والمشتري الناقة وفصيلها - قال: والمسائل الثلاث جائزة بلا خلاف.

فقال الشيخ (7): إنّ في المسألة الثانية والثالثة خلافا، وهما: أن يكون المعطوف مضافا إلى ما فيه «أل» (8)، وإلى ضمير ما فيه «أل» (9) ونقل عن ابن عصفور أن المبرد (10) -

(1) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا.

(2)

يعني إضافة اسم الفاعل المقترن بـ «أل» ، إلى مضاف لمقترن بـ «أل» .

(3)

سبق تخريج هذا الشاهد قريبا.

(4)

يعني: إضافة اسم الفاعل المقترن بـ (أل) إلى مضاف لضمير ما هو مقرون بـ (أل).

(5)

سبق تخريج هذا الشاهد قريبا.

(6)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 834).

(7)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 837).

(8)

مثال ذلك: هذا الضارب المرأة وغلام الرجل.

(9)

مثال ذلك: هذا الضارب المرأة وغلامها.

(10)

في المقتضب (4/ 164): (فإن قال قائل: ما بالك جررت «عبدها» وإنما يضاف في هذا -

ص: 2759

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خالف في المضاف إلى ضمير ما فيه الألف واللام، فلم يجز إلا النصب على الموضع ومنع الجر، كما خالف في مفعول اسم الفاعل إذا كان مضافا إلى ما فيه ضمير ذي الألف واللام (1)، قال: لكنّ الشلوبين حكى عن المبرّد جواز الجرّ فصار النقل عن المبرد مختلفا (2).

وكلام ابن عصفور يقتضي خلاف ما نقله الشيخ عنه بالنسبة إلى المبرّد فإنّه قال:

لا يجوز في قولك: هذا الضارب الرجل وعمرا؛ إلا نصب المعطوف على موضع المخفوض بإضافة اسم الفاعل إليه، هذا مذهب أبي العباس المبرد (3)، قال: وسبب ذلك أنّ العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه بوساطة حرف العطف، واسم الفاعل المعرف بالألف واللّام - إذا لم يكن مثنّى ولا مجموعا بالواو والنّون - لا يجوز في معموله - إذا لم يكن معرفا بهما ولا بالإضافة إلى ما هما فيه ولا إلى ضميره - إلا النصب.

وأما سيبويه فأجاز في المعطوف على المخفوض - بإضافة اسم الفاعل إليه في المسألة المذكورة وأمثالها - الخفض على اللفظ والنصب على الموضع، واستدلّ على ذلك بقوله:

2201 -

الواهب المائة الهجان وعبدها (4)

لأنه روي بخفض «عبدها» ونصبه ولا حجة في البيت عند أبي العبّاس المبرّد ومن -

- الباب إلى ما فيه الألف واللام تشبيها بالحسن الوجه، وأنت لا يجوز لك أن تقول: الواهب المائة والواهب عبدها، فإنما جاز هذا في

المعطوف على تقدير: واهب عبدها؛ كما جاز: رب رجل وأخيه، وأنت لا تقول: رب أخيه، ولكنه على تقدير: أخ له) انتهى.

(1)

في الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 556): (فإن كان مضافا إلى ضمير ما فيه الألف واللام ففيه خلاف بين سيبويه والمبرد، فسيبويه يجعل المضاف إلى ضمير ما فيه الألف واللام بمنزلة المضاف إلى ما فيه «أل» فيجيز النصب على الموضع والخفض على اللفظ، وأما المبرد فيخالف سيبويه ولا يجيز إلا النصب، والدليل على صحة مذهب سيبويه ما روي من قوله:

الواهب المائة الهجان وعبدها

روي بنصب «عبدها» وخفضه) اه بتصرف.

(2)

في التوطئة للشلوبين (ص 242): (وشرط أبي العباس في الحمل على اللفظ أن يكون المعطوف يمكن وقوعه موقع المعطوف عليه، أو يكون في قوته، فأجاز: هذا الضارب الرجل والغلام، وهذا الضارب الرجل وصاحب الغلام، وهذا الضارب الرجل وصاحبه؛ لأنه في قوة: وصاحب الرجل، ومنع: هذا الضارب الرجل وزيد) اه.

(3)

شرح الجمل لابن عصفور (1/ 556) تحقيق صاحب جعفر أبو جناح.

(4)

سبق تخريج هذا الشاهد قريبا.

ص: 2760

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أخذ بمذهبه؛ لأنّ «عبدها» مضاف إلى الضمير العائد على المائة والمضاف إلى ضمير ما فيه الألف واللام قد يجره به العرب مجرى ما أضيف إلى ما فيه الألف واللام.

كقول الشّاعر:

2202 -

فنعم فتى الهيجا ونعم شبابها

... (1)

انتهى.

ودلّ هذا الكلام على أنّ المبرّد لا يمنع جرّ المعطوف، في نحو:

2203 -

الواهب المائة الهجان وعبدها

لأنه علّل جواز جره بكونه مضافا ذي ألف ولام، وقد عرفت أنّ الشلوبين حكى عن المبرد جواز الجر أيضا، وعلى هذا لم يثبت الخلاف في المسألة الثالثة.

وأما المسألة الثانية فلم يتعرض الشيخ إلى ذكر من خالف فيها، ولا استدلّ بشيء، ولم يزد على قوله: إنّ فيها خلافا.

وإذا كان الأمر كما ذكرنا صحّ قول المصنف: (إنّ المسائل الثلاث جائزة بلا خلاف)؛ إذ خلاف المبرد في إحدى المسألتين لم يثبت، والمسألة الأخرى لم يتحقق المخالف فيها.

ومنها: أنّك قد عرفت [3/ 148] أنّ المصنّف ذكر أنّ سيبويه يجيز: هذا الضارب الرجل وزيد (2)، وأنّ المبرد يخالفه، وأنّ المصنف اختار قول المبرد، وتقدم بحث المصنف في المسألة، وهو ظاهر، وليس لما أجازه سيبويه مسوغ، إلّا أن يقال:

يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل، ومما يضعف جواز: هذا الضارب الرجل وزيد؛ أنّهم أوجبوا أن يكون «بشر» في قول الشاعر: -

(1) هذا شطر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل معين.

اللغة: أخو الهيجا أي: صاحب الهيجاء. وهو كناية عن ملازمته الحرب وشدة مباشرتها والهيجاء ممدود:

اسم للحرب، وقصرت هنا للوزن، وروي:«ونعم شهابها» والشهاب: الشعلة من النار الساطعة.

والشاهد فيه: «ونعم شبابها» ؛ حيث أضيف فاعل «نعم» إلى ضمير ما فيه «أل» وهو نادر.

ينظر الشاهد في: المرادي (3/ 79)، والأشموني (3/ 28)، والهمع (2/ 85)، والمقاصد النحوية للعيني (4/ 11).

(2)

ينظر: الكتاب (1/ 182)، وفي منهج السالك (ص 339):(وكلام سيبويه محتمل، لم يصرح بجواز: هذا الضارب الرجل وزيد، بل قال: والذي قال: هو الضارب الرجل قال: هو الضارب الرجل وعبد الله) اه.

ص: 2761

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2204 -

أنا ابن التارك البكريّ بشر (1)

عطفا، لا بدلا، وموجبه أنّ البدل في نية تكرار العامل، وقد قال المصنف: إنّ العاطف قام مقام العامل، فليكن الحكم مع مباشرة العطف كالحكم مع مباشرة العامل.

قال الشيخ (2): الذي يدلّ عليه ظاهر كلام سيبويه أنّ مثل: هذا الضارب الرجل وزيد، سماع من العرب فإنّه قال: والذي قال: هو الضارب الرجل، قال:

هو الضارب الرجل وعبد الله (3)، وكان قد تقدم قبل هذا قوله: ولا يكون:

الضارب عمرو، كما لا يكون: هو الحسن وجه، ثم ساق مسألة العطف، قال:

فظاهر قوله: الذي قال كذا

إلى آخره؛ هو سماع من العرب، ورأي سيبويه أنّ حكم التابع بخلاف حكم المتبوع،

وأن الاسم بعينه يجوز فيه تابعا ما لا يجوز فيه لو لم يكن تابعا. انتهى.

وفي كون كلام سيبويه يدل على أنّ هذا سماع من العرب نظر، وبعد.

ومنها: أنّ المصنف اقتصر - من ذكر معمول اسم الفاعل - على المعطوف ثم لم يذكر حكمه إلا مع اسم الفاعل المقرون باللّام، وأما ابن عصفور فإنه استوفى الكلام؛ بالنسبة إلى التوابع الخمسة، وبالنسبة إلى كون اسم الفاعل مجرّدا من اللام، ومقرونا بها، وأنا أورد كلامه في المقرب (4) برمته، قال رحمه الله تعالى:

وإذا أتبعت معمول اسم الفاعل المرفوع أو المنصوب؛ كان التابع على حسبه في الإعراب، وأمّا المخفوض: فإما أن يتبعه نعت، أو توكيد، أو عطف بيان، أو نسق، أو بدل، فإن أتبعت بنعت، أو تأكيد، أو عطف بيان، فالخفض على اللفظ، والنصب على الموضع، إلا أن يكون خفضه بإضافة اسم الفاعل، بمعنى المضي إليه [وليس فيه ألف ولا لام]؛ فإنه لا يجوز - إذ ذاك - إلا الخفض على اللفظ، نحو -

(1) ينظر: الكتاب (1/ 182) حيث أورد قول الشاعر:

أنا ابن التارك البكري بشر

بإجراء «بشر» على مجرى المجرور، وهو عطف بيان، ومسألتنا هنا عطف، وهو من التوابع، فهو مثل عطف البيان.

(2)

ينظر: كلام الشيخ الآتي في: التذييل والتكميل (4/ 839).

(3)

ينظر: الكتاب (1/ 182).

(4)

المقرب (1/ 125، 126، 127)، من هنا إلى قوله:(ولا تجتمع الإضافة والألف واللام حتى يكونا في الثاني) اهـ.

ص: 2762

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قولك: هذا ضارب زيد العاقل نفسه أمس، وإن اتبعته بعطف نسق أو بدل؛ فإمّا أن يكون في اسم الفاعل ألف ولام، أو لا يكون؛ فإن لم يكن فالخفض على اللفظ، والنصب بإضمار فعل، نحو قولك: هذا ضارب زيدا وعمرا، أي: وضرب عمرا أو ويضرب عمرا، وهذا ضارب زيد أخاك، أي: ضرب أخاك أو يضرب أخاك، وإن كان فيه ألف ولام فإنّه إن كان مثنّى، أو جمع سلامة، بالواو والنون، جاز الخفض على اللفظ، والنصب على الموضع، نحو قولك: هذان الضاربان زيد أخيك وعمرو، بخفض الأخ وعمرو ونصبهما، وإن لم يكن مثنى، ولا جمع سلامة بالواو والنون، فإما أن يكون التابع معرفا بالألف واللام، أو بالإضافة إلى ما فيه الألف واللام، أو إلى ضميره، أو غير ذلك، فإن كان معرفا بشيء مما ذكر؛ جاز الخفض على اللفظ، والنصب على الموضع نحو قولك: هذا الضارب الرجل والغلام، وهذا الضارب الغلام وصاحب الدابّة، وهذا الضارب الرجل وغلامه، ومنه:

2205 -

الواهب المائة الهجان وعبدها

...

روي بخفض «عبد» ونصبه وإن لم يكن معرّفا بشيء ممّا ذكر، فالنصب على الموضع، ليس إلّا، نحو قولك: هذا الضارب الرجل وعمرا، بنصب «عمرا» لا غير، وكذلك البدل، على تقدير تكرار العامل، ولا تجتمع الإضافة، والألف واللام حتّى يكونا في الثاني. انتهى.

وهو تقسيم حسن جرى فيه على عادته، وكيف لا، وهو الأستاذ الذي انتهت إليه الرئاسة، وحاز قصب السبق، وبرز على الأقران في هذه الصناعة؟! وقد كان رحمه الله تعالى يقصد التقريب على الطالب، والتفهيم، وإيصال المعاني إلى المتعلمين، ويستدل على ذلك بما ضمنه تصانيفه البديعة، ومن وقف على كلامه، وتأمل مقاصده؛ علم ما أشرت إليه، وتحقق ما نبهت عليه، فرحمه الله تعالى.

ونشير إلى شيء من شرح ذلك، وذكر خلاف في بعضه، إن كان حسب ما ذكره هو في شرحه: فنقول في قوله: كان التابع على حسبه في الإعراب: ذهب البغداديّون وبعض الكوفيين إلى أنه يجوز في تابع المعمول - إذا كان المعمول منصوبا - الخفض أيضا على توهّم الإضافة (1)، واستدلّوا بقول الشاعر: -

(1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 840)، ومنهج السالك (ص 338)، والمساعد لابن عقيل (2/ 206).

ص: 2763

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2206 -

فظلّ طهاة اللحم من بين منضج

صفيف شواء أو قدير معجّل (1)

قالوا: فـ «قدير» معطوف على «صفيف» بتوهم الخفض فيه، بإضافة «منضج» إليه، ورد ذلك بأن «صفيفا» موضعه نصب كلفظه، وأقول: إنّ لقائل أن يقول: ليس العطف على الموضع إنّما هو باعتبار التوهّم، أي: توهم الجر، بإضافة ما قبله إليه، كما أنشده هو رحمه الله تعالى، وهو قول الشّاعر:

2207 -

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلّا ببين غرابها (2)

في رواية من خفض «ناعب» وقد طعن فيما استدلّوا به بأنه يلزم عنه أن يكون التقدير: من بين منضج أحد هذين، وذلك فاسد المعنى؛ لأنه إنما أراد أن يقسم الطهاة إلى صنفين، صنف يطبخ صفيفا، وصنف يطبخ قديرا، وإذا كان المعنى كذلك لم يكن بدّ في البيت من تقدير مضاف محذوف معطوف على «منضج» وكأنه قال: من بين منضج

صفيف شواء، أو طابخ قدير، ثمّ حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه (3).

وقوله: فإن أتبعت بنعت [3/ 149] إلى قوله: هذا ضارب زيد العاقل نفسه أمس؛ ظاهر، وعلم باستثنائه الذي هو بمعنى المضيّ وليس فيه ألف ولام أنّ اسم -

(1) البيت من الوافر، وهو من معلقة امرئ القيس الشاعر الجاهلي المشهور، والبيت في ديوانه (ص 58).

اللغة: طهاة: جمع طاه، بمعنى منضج، وذلك يشمل طبخ اللحم وشيه، صفيف: مصفوف على الحجارة لينضج، قدير: لحم مطبوخ في القدر.

والشاهد في البيت قوله: «أو قدير» فقد استشهد به الكوفيون والبغداديون على جر «قدير» عطفا على موضع «صفيف» بتوهم الخفض فيه، بإضافة «منضج» إليه، كما ذكر ذلك الشارح.

ينظر الشاهد في: المعلقات السبع (ص 49)، اللسان:«صفف» ، والتذييل والتكميل (4/ 840).

(2)

البيت من الطويل، وقائله الفرزدق، أو الأحوص الرباحي.

ينظر: معجم الشواهد العربية (1/ 43)، والبين: الفراق.

والشاهد فيه: عطف «ناعب» على خبر «ليس» وهو «مصلحين» على توهم دخول الباء عليه.

ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 165)، والخصائص (2/ 354)، والإنصاف (1/ 193، 395)، وديوان الفرزدق (ص 23).

(3)

في التذييل والتكميل (4/ 840): (يمكن حمله - «قدير» - على «منضج» على تقدير محذوف، أي: ومنضج قدير، فحذف وجعل كالثابت لتقدم ذكره فـ «أو» بمعنى الواو؛ لأن «بين» تقتضي ذلك، وخرجه بعض أصحابنا أيضا أن يكون معطوفا على «شواء» وتكون «أو» بمعنى الواو، وهذا ليس بشيء؛ لأن البينية إنما هي في الطهاة لا في معمول اسم الفاعل) اه.

ص: 2764

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الفاعل الخافض ما بعده من معمولاته إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، أو بمعنى الماضي، ودخلته الألف واللّام يجوز في تابع معموله الخفض على اللفظ، والنصب على الموضع، إذا كان التابع نعتا أو توكيدا أو عطف بيان.

وقوله: وإن أتبعت بعطف نسق أو بدل، إلى قوله: ويضرب أخاك؛ لا خلاف بين النحويين أنّ مخفوض اسم الفاعل غير المعرّف باللام، إذا أتبع اسما على طريق البدل لا يجوز في تابعه إلا الخفض على اللفظ، وإن نصب كان النصب بفعل مضمر، وإنما امتنع البدل على الموضع؛ لأنّ اسم الفاعل إن كان بمعنى المضي لم يكن مخفوضه في موضع نصب، فينتصب على الموضع، وإن كان بمعنى الحال والاستقبال فالأمر كذلك، أي: لا يجوز إلا الخفض، ولا يجوز النصب حملا على الموضع؛ لأنّ البدل في نية تكرار العامل، فلو جعلت «أخاك» - من قولك: هذا ضارب زيد أخاك غدا أو الآن - بدلا من موضع زيد للزم أن يكون التقدير: هذا ضارب زيدا ضارب أخاك الآن أو غدا، وذلك غير

سائغ؛ لأنّ اسم الفاعل غير المعرّف باللام، إذا كان منويّا لا ينصب، فلم يبق إلّا أن يكون منصوبا بإضمار فعل، وحكم عطف النسق حكم البدل، إلا أن من النحاة من أجاز النصب على الموضع في العطف، إذا كان اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، فتقول: هذا ضارب زيد وعمرا، الآن أو غدا، والأصحّ أنّ ذلك لا يجوز؛ لأنّ العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه، بوساطة حرف العطف، فلو جعل «عمرو» معطوفا على موضع «زيد» لزم منه أن يكون منصوبا بـ «ضارب» وهو غير منوّن، وهو لا ينصب إلا إذا كان منونا.

ثم سأل فقال: إن قلت: لم جاز في المخفوض بإضافة اسم الفاعل غير المعرف بالألف واللام إليه إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال أن ينعت ويؤكد ويعطف عليه عطف بيان بالنظر إلى موضعه، ولم يجز البدل وعطف النّسق إلّا بالنظر إلى اللفظ خاصّة؟

فالجواب: أنّ ذلك إنما امتنع في البدل، وعطف النسق، لما تقدم تقريره، من أنّ البدل في نية تكرار العامل وأنّ العامل في عطف النسق هو العامل في المعطوف عليه، بواسطة حرف العطف، وأما النعت والتوكيد وعطف البيان فليست كذلك، والعامل فيها إنما هو تبعيتها لما قبلها (1).

(1) ينظر: شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير) لابن عصفور (1/ 555) تحقيق أبو جناح.

ص: 2765