الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]
قال ابن مالك: (فصل: يجيء بعد المصدر الكائن بدلا من الفعل معمول عامله على الأصحّ البدل لا المبدل منه؛ وفاقا لسيبويه والأخفش).
ــ
2336 -
وما زال تشرابي الخمور
…
(1)
الثالثة: المصدر يأتي دلالة على الماهية فلا يعمل، نحو: العلم حسن، ولا يقضي على ما أضيف هو إليه، ونحو: علم زيد يعجبني؛ يرفع، ولا ينصب، فهو نظير قولك: خاتم زيد يعجبني، ولا يؤكد هذا المصدر.
الرابعة: نقل عن صاحب النّهاية أنّه قال: إذا قلت: أتيته ركضا، إن فرّعت على مذهب البصريين، وهو أنّ «ركضا» في معنى «راكض» جاز إعماله، فتقول: أتيته ركضا فرسي، وإن فرعت على قول أبي علي في الإيضاح لم يجز إعماله؛ لأنه كان يكون كـ:«ضربت ضربا» .
قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام عن النوع الأول من المصدر شرع في ذكر النوع الثاني وهو الآتي بدلا من فعله، وهو الذي يمتنع أن يباشره عامل ظاهر، ويصلح في موضعه فعل عار من صرف مصدريّ وقد بين المصنف في باب المفعول المطلق مواقعه دون تعرّض لتعدّيه، وغرضه هنا بيان مواقعه متعدّيا لأن هذا إنما هو باب إعمال
المصدر، فليذكر ما نسبه إلى كونه عاملا لا مطلقا، وقد وقع العامل أمرا، ودعاء، وتوبيخا مع استفهام، وتوبيخا دون استفهام، وخبرا مقصودا به الإنشاء، أو مقصودا به الوعد. إلا أنّ أكثر وقوعه أمرا كقول الشاعر:
2337 -
يمرّون بالدهنا خفافا عيابهم
…
ويخرجن من دارين بجر الحقائب
على حين ألهي النّاس جلّ أمورهم
…
فندلا زريق المال ندل الثّعالب (2)
-
(1) البيت من بحر الطويل من معلقة طرفة بن العبد، وهو في اللهو وشرب الخمر وهو هكذا كاملا:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي
…
وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي.
اللغة: التشراب: الشرب وهو من المصادر. الطريف: الحديث وعكسه المتلد:
وشاهده: عمل المصدر المراد به المبالغة.
(2)
البيتان من الطويل، أنشدهما سيبويه في الكتاب (1/ 116) ولم ينسبهما، وقال العيني (3/ 46): -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال في شرح الكافية: ويجوز أن يكون «زريق» منادى مضموما، وأن يكون فاعل «ندلا» (1). انتهى.
وفي كونه فاعل «ندلا» نظر لا يخفى، ولا يقال بجعل «ندلا» أمرا لغائب فيكون مستندا إلى فاعل ظاهر، كأنّه قال: ليندل زريق المال؛ لأنّ الأخفش قال:
في هذا الباب: وكلّ شيء كان في موضع الفعل، فلا يجوز أن تأمر به الغائب وكقول الآخر في الأمر أيضا:
2338 -
هجرا المظهر الإخاء إذا لم
…
يك في النّائبات جدّ معين (2)
وأما الدّعاء فكقول الشّاعر:
2339 -
يا قابل التّوب غفرانا مآثم قد
…
أسلفتها أنا منها مشفق وجل (3)
ومثله:
2340 -
إعانة العبد الضّعيف على الّذي
…
أمرت فميقات الجزاء قريب (4)
-
- (أقول: قائله هو الأحوص الأنصاري)، وهو في ديوان الأحوص (ص 215)، وقد ذكر العيني أيضا أنه لأعشى همذان يهجو لصوصا، كما في الحماسة البصرية (2/ 262)، وهو أيضا في ملحقات ديوان جرير (1012).
اللغة: ندلا: خطفا، أو أخذا باليدين. وزريق - بالتصغير -: قبيلة في الأنصار، وأخرى في طيئ.
والمعنى: يغتنمون شغل الناس عنهم، فيسرقونهم على أنهم لصوص، أو المراد: ينازعونهم في الكسب، بسبب اختلاف أهوائهم إذا كانوا تجارا.
والشاهد في البيت قوله: «فندلا» ؛ إذ هو مصدر واقع بدلا من اللفظ بفعله، الذي هو أمر، والتقدير:
اندل ندلا. ينظر الشاهد أيضا في: الأشموني (2/ 285)، والخصائص (1/ 120)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 422).
(1)
ينظر: شرح الكافية (2/ 1025) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.
(2)
البيت من الخفيف ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه قوله: «هجرا المظهر الإخاء» ؛ حيث إنّ «هجرا» مصدر بدل من اللفظ بفعله الذي هو أمر، وتقديره: اهجر، والمصدر إذا كان بدلا من اللفظ بفعله يعمل عمل الفعل؛ لأنه يقوم مقامه، فـ «المظهر» مفعول «هجرا». ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 984)،
(3)
البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد في البيت: مجيء المصدر الكائن بدلا من اللفظ بفعله في الدّعاء، وهو «غفرانك» وهو يعمل عمل فعله، والتقدير: اغفر مآثم قد أسلفتها.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 984)، والأشموني (2/ 285).
(4)
البيت من الكامل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله:«إعانة العبد الضعيف» ؛ حيث إن -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما التوبيخ بعد همزة الاستفهام فكقول المرّار الأسدي:
2341 -
أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما
…
أفنان رأسك كالثّغام المخلس (1)
وكقول الآخر:
2342 -
أبغيا وظلما من علمتم مسالما
…
وذلّا وخوفا من يجاهركم حربا (2)
وقول الآخر:
2343 -
أبسطا بإضرار يمينا ومقولا
…
ومدّعيا مجدا تليدا وسؤددا (3)
وأما التوبيخ بغير استفهام فكقول القائل:
2344 -
وفاقا بني الأهواء والغيّ والونى
…
وغيرك معنيّ بكلّ جميل (4)
-
- «إعانة» مصدر نائب عن اللفظ بفعله في الدعاء، والتقدير: أعن العبد الضعيف، والعبد مفعول المصدر.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 984).
(1)
البيت من الكامل، وقائله المرار الأسدي، كما في الكتاب (1/ 116).
اللغة: أفنان رأسك: خصل شعر رأسك، وأصل الفنن الغصن، والثغام: شجر إذا يبس ابيض، ويقال: هو نبت له نور أبيض، فشبه بياض الشيب في سواد الشعر، بياض النور في خضرة النبت، والمخلس: ما اختلط فيه السواد بالبياض، والعلاقة: أن يعلق الحب بالقلب، يصف كبره، وأن الشيب قد شمل رأسه فلا يليق به اللهو.
والشاهد فيه: «أعلاقة أمّ الوليد» فـ «علاقة» مصدر بدل من اللفظ بفعله فعمل عمله، ونصب «أمّ الوليد» ووقع بعد استفهام بتوبيخ. ينظر الشاهد في: المقتضب (2/ 53)، وابن الشجري (2/ 242)، واللسان «علق» ، والتذييل والتكميل (4/ 984).
(2)
البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه قوله:
«أبغيا وظلما من علمتم مسالما» ؛
فقد وقع المصدر النائب عن فعله بعد الاستفهام التوبيخي.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، ومنهج السالك (ص 320)، والتذييل والتكميل (4/ 984).
(3)
البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين.
والشاهد فيه: وقوع المصدر الكائن بدلا من اللفظ بفعله، وهو «بسطا» بعد الاستفهام التوبيخي، و «يمينا» مفعول «بسطا» ؛ لأنه يعمل عمل فعله.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 985).
(4)
البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين.
اللغة: في المصباح المنير مادة «وني» ، (وني في الأمر ونيا، وونيا من باب تعب ووعد: ضعف وفتر) والشاهد في البيت وقوع «وفاقا» وهو مصدر بدلا من اللفظ بفعله، مع وقوعه توبيخا بغير استفهام، وجعله أبو حيان محتملا لأن يكون حذف منه حرف الاستفهام وهو الهمزة.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 985)، ومنهج السالك (ص 320).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما الخبر المقصود به الإنشاء فكقول الشاعر:
2345 -
حمدا الله ذا الجلال وشكرا
…
وبدارا لأمره وانقيادا (1)
وأمّا الخبر المقصود به الوعد فكقول الآخر:
2346 -
قالت: نعم وبلوغا بغية ومنى
…
فالصّادق الحبّ مبذول له الأمل (2)
وبين النحاة خلاف؛ هل ينقاس هذا المصدر، أو لا.
قال المصنف: أكثر المتأخرين يزعمون أنّ سيبويه يقصره على السماع، وليس له نصّ على ذلك، بل في كلامه ما يشعر بأنّ ما كان من هذه الأنواع - أمرا أو دعاء، أو توبيخا، أو إنشاء - مقيس (3).
وأما الأخفش والفراء فعندهما أنّ هذه الأنواع مطردة صالحة للقياس على ما سمع منها، وبذلك أقول لكثرته في كلام العرب، ولما في ذلك من الاختصار والإيجاز (4). انتهى.
ونقل الشيخ عن بعضهم أنه ينقاس في الأمر والاستفهام فقط فصارت المذاهب في ذلك ثلاثة: ينقاس مطلقا، ولا ينقاس مطلقا، ويفرق بين الأمر والاستفهام وغيرهما.
قال الشيخ: وقد جاء المصدر خبرا صرفا عاريا مما ذكر، ومنه:
2347 -
وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم
…
يقولون: لا تهلك أسى وتجمّل (5)
-
(1) البيت من الخفيف. ولم ينسب لقائل معين. اللغة: بدارا: مصدر «بادر إليه» - من باب قاتل - أي: أسرع، كما في المصباح المنير «بدر» .
والشاهد في البيت: وقوع المصدر النائب عن فعل خبري، مقصود به الإنشاء، كقول المعترف هنا بالنعمة:
«حمدا الله وشكرا» . ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126) والتذييل والتكميل (4/ 985).
(2)
البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين.
اللغة: بغية - بكسر الباء وضمها -: الحاجة التي تبغيها، وقيل: بالكسر: الهيئة، وبالضم: الحاجة، ينظر: المصباح المنير بغية.
والشاهد في البيت: وقوع المصدر النائب عن الفعل الخبري في الوعد، وذلك في قوله:«وبلوغا» و «بغية» مفعول بهذا المصدر. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 985).
(3)
ينظر: شرح المصنف (3/ 127).
(4)
المرجع السابق: الصفحة نفسها، وقد نقله الشيخ أبو حيان في: التذييل والتكميل (4/ 985).
(5)
البيت من الطويل وقائله امرؤ القيس، من معلقته، في ديوانه (ص 31) وهو أيضا في ديوان طرفة -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقديره: وقف وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم، ولا ينقاس مثل هذا؛ لقلّته.
وأمّا قول الشّاعر:
2348 -
عهدي بها الحيّ لم تخفف نعامتهم (1)
فجعله المصنف من المنصوب المراد به الماضي، أي: عهدت، ويحتمل أن يكون مرفوعا، ويكون من باب: ضربي زيدا قائما، والجملة من قوله:«لم تخفف نعامتهم» في موضع الحال. انتهى (2).
وأشار المصنف بقوله: عامله على الأصح البدل لا المبدل منه إلى أن النّحاة اختلفوا في العامل في المعمول الواقع بعد هذا المصدر، والأصحّ أنّ المصدر هو العامل، وهو مذهب سيبويه (3) والأخفش والفراء، والزّجاج، والفارسي (4).
وقال المصنف (5): صرّح سيبويه رحمه الله بأنّ النصب بعد المصادر المذكورة بها أنفسها لا بالأفعال المضمرة، وذهب السيرافيّ إلى أنّ النصب بالأفعال المضمرة أي:
الناصبة لذلك المصدر (6)، ووافقه على ذلك كثير من النحويين، وليس بصحيح -
- ابن العبد (ص 19)، والقافية فيه:«تجلد» .
اللغة: الوقوف: جمع واقف كالشهور، الصحب: جمع صاحب، المطي: المراكب، لا تهلك أسى:
أي من فرط الحزن، ويحمل بالصبر.
والشاهد في البيت قوله: «وقوفا» فهو مصدر وقع خبرا عاريا من الدلالة على الأمر والدعاء، وغيره.
ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 989).
(1)
هذا جزء بيت من البسيط، لم أهتد إلى قائله، ولم أعثر على تتمته.
والشاهد فيه قوله: «عهدي بها الحي» ؛ حيث جاء «عهدي» مصدرا نائبا عن فعله، وهو مصدر عار من الدلالة على الأمر والدعاء، وغيرهما، وهو المضي.
ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 128)، والتذييل والتكميل (4/ 989).
(2)
أي انتهى النقل من التذييل والتكميل (4/ 989).
(3)
في الكتاب (1/ 391): (وكأن قولك: «حمدا» في موضع أحمد الله)، وفي الكتاب (1/ 116): (
…
«فندلا زريق المال ندل الثعالب» كأنه قال: اندل). ومن هذا يتضح أن مذهب سيبويه أن المصدر النائب نفسه هو الناصب للمفعول.
(4)
في معاني القرآن للزجاج (2/ 51): (وقال بعض النحويين: (إحسانا) منصوب على: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، كما تقول:«ضربا زيدا» ، المعنى: اضرب زيدا ضربا) اهـ.
(5)
شرح التسهيل مالك (3/ 128).
(6)
في شرح كتاب سيبويه للسيرافي (2/ 803، 804): (وأما قولك آمرا: «ضربا زيدا» ، فكثير -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن نصوص سيبويه في الباب الذي ترجمته هذا الباب جرى في الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين، ومجرى الفعل، وممّا يجري مجرى «فاعل» من المصدر قوله:
2349 -
يمرّون بالدّهنا
…
وأنشد البيتين، وقال: فـ «ندلا» بدل «اندل» ، ثم أنشد سيبويه (1):
2350 -
أعلاقة
…
البيت
قال المصنف (2): فجعل «ندلا» ، و «علاقة» ، مساويين لـ:«ضرب بالسّيوف» [3/ 171] وكذلك ينبغي، بل إعمال «ندلا» ، و «علاقة» وأشباهها أولى من إعمال «ضرب» وشبهه؛ لأنّ في:«ندلا» ، و «علاقة» ما في «ضرب» من وجود أصالة الفعل، إلّا أنّ «ندلا» ، و «علاقة» واقعان موقع فعلين محضين و «ضرب» واقع موقع حرف وفعل، ونسبة العمل إلى ما هو بمعنى العامل أولى من نسبته إلى ما هو بمعنى جزءين أحدهما: عامل، والآخر: غير عامل، ولا
يمنع من ذلك كون الفعل لا يستغني عن تقدير عامليته، بالنسبة إلى نصب المصدر، كما لم يمنع على الأكثر نصب الظرف بعامل مقدّر، ورفع الظرف الضمير في نحو: زيد عندك، على أنّ ناصب الظّرف أحق أن ينسب العمل إليه، لكونه صالحا للإظهار، بخلاف عامل المصدر المشار إليه؛ فإنه غير صالح للإظهار، فقد صار نسيا منسيّا. انتهى.
وقال ابن الضائع: الدليل على أنّ العامل في المنصوب بعد المصدر هو المصدر؛ إضافته إليه. انتهى.
وذكر الشيخ: «رويدا» فقال: وقد جاء نوع من هذا المصدر النائب عن الفعل مصغّرا، وهو «رويد» في أحد استعمالاته فيعرب إذ ذاك، تقول: رويدا رويدا -
- من النحويين يتسعون فيه فيقولون: العامل في «زيد» المصدر، والحقيقة في ذلك غير ما قالوه اتساعا، وإنما العامل في «زيد» الفعل الذي نصب المصدر، وتقديره: اضرب ضربا زيدا، فالعامل في «ضرب» وفي «زيد» جميعا: الفعل، ولكن هذا المصدر صار بدلا من اللفظ بفعل الأمر، فاتسعوا أن يقولوا: إنه العامل في الاسم، لما كان خلفا فمن العامل) اهـ.
(1)
ينظر: الكتاب (1/ 115، 116).
(2)
الكلام الآتي من شرح المصنف (3/ 129).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويجوز إضافته إلى الفاعل، نحو: رويدك زيدا، أو إلى المفعول نحو: رويد زيد.
انتهى (1). وفي كونه يضّاف إلى الفاعل نظر، والمثال الذي مثّل به وهو «رويدك زيدا» لا تتعين المصدرية فيه لـ «رويد» بل «رويد» فيه اسم فعل والكاف حرف خطاب اتصلت به كما يتصل بحيّهل والنجاء اسمي فعل.
ثم قال الشيخ: واختلفوا في النّصب به، فذهب المبرد إلى أنه لا يجوز؛ لأنّ تصغيره يمنع من ذلك كما منع اسم الفاعل من العمل؛ لأنّ التصغير من خواصّ الأسماء فالنصب بعده إنما يكون بالفعل الناصب «رويدا» (2).
وذهب غيره إلى جواز النصب به، واختلفوا في السبب الذي عمل لأجله، وهو مصغر ولم يعمل اسم الفاعل المصغر، فذهب الفارسيّ إلى أنّه إنما عمل وهو مصغر حملا على «رويد» اسم فعل للمشابهة اللفظية، وهذا يقتضي أنّ أبا علي يمنع من إعمال المصدر الموضوع موضع الفعل المصغّر فيما عدا «رويدا» .
وزعم ابن طاهر، وابن خروف أنّ السبب في جواز إعماله أنّ عمله ليس بالشّبه كاسم الفاعل، وإنما عمل لوضعه موضع الفعل، فلا يقدح التصغير في إعماله، وقال بعض أصحابنا: وهذا هو الصحيح عندي، وسواء في ذلك «رويد» ، وغيره من المصادر المصغرة الموضوعة موضع الفعل. انتهى (3).
واعلم أنّ المبرد كالسيرافي، يرى أنّ النصب بعد هذا النوع من المصدر إنما هو للفعل العامل في المصدر، وقد نقله الشيخ عنه.
أو إذا كان كذلك فلا يناسب أن يقال: إنّ النصب بعد «رويد» ليس بها، وإنما هو بالفعل العامل فيها، وإنّ العلة المانعة عنده من العمل إنما هي التصغير؛ لأنّ المبرد لا يعمل غير «رويد» من المصادر الموضوعة موضع الفعل، حتى يلزمه إعمال -
(1) أي: انتهى ما ذكره الشيخ في التذييل والتكميل (4/ 990). وفي شرح الأشموني (2/ 202):
(فأما «رويدا زيدا» فأصله: أرود زيدا إروادا، بمعنى: أمهله إمهالا، ثم صغروا الإرواد تصغير الترخيم، وأقاموه مقام فعله، واستعملوه تارة مضافا إلى مفعوله، فقالوا: رويد زيد، وتارة منونا ناصبا للمفعول فقالوا:
رويدا زيدا، ثم إنهم نقلوه وسموا به فعله، فقالوا: رويد زيدا، والدليل على أنه اسم فعل كونه مبنيّا) اهـ.
(2)
في المقتضب للمبرد (3/ 277): «إذا قلت: رويدك زيدا، إنما تريد: أورد زيدا، والكاف للمخاطبة، ألا ترى أنها لو كانت اسم الفاعل كان خطأ» انتهى موجزا.
(3)
أي: انتهى كلام الشيخ أبي حيان في التذييل والتكميل (4/ 990، 991).