الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]
(1)
[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]
قال ابن مالك: (باب حروف الجرّ سوى المستثنى بها).
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المرفوعات والمنصوبات شرع في الكلام على المجرورات. ومعلوم أن الجر إما بحرف وإما بإضافة (2)، وها هو يذكر البابين. وإنما قدم الكلام على المجرور بالحروف؛ لأن الجر بالحرف هو الأصل؛ لأن الحرف يستحق العمل فيما اختص به، وأما الجر بالإضافة فإنه لما كان على معنى حرف وهو «من» أو «اللام» (3) صار الجر كأنه بذلك الحرف، وإن كان عامله هو الاسم المضاف. ثم قبل الشروع في مسائل الباب لا بد من التعرض إلى ذكر أمور تتعلق بما يذكر فيه:
منها: أن المقصود من وضع هذه الحروف إنما هو إيصال معاني الأفعال بها إلى الأسماء ومن ثم يسميها بعضهم (4) حروف الإضافة. ولذلك قيل (5) في حدها: هي ما وضع للإفضاء بفعل أو معناه إلى ما يليه. فمثال الإفضاء بفعل: مررت بزيد. ولا شك أن شبيه الفعل حكمه حكم الفعل، نحو: أنا مارّ بزيد، ومروري بزيد حسن، ومثال
الإفضاء بمعنى الفعل: زيد في الدار، وهذا في الدار أبوك؛ فالعامل في المثال الأول معنى الاستقرار المستفاد من قولك:«في الدار» وفي المثال الثاني ما في هذا من معنى الإشارة. -
(1) انظر في هذا الباب: الأشموني (2/ 203 - 236)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 130) وأوضح المسالك (3/ 81)، والتصريح (2/ 2 - 23)، والرضي (2/ 319 - 345)، وشرح اللمع (141 - 177)، وشرح المفصل (8/ 7 - 54)، والكتاب (1/ 59، 67، 68، 92، 94، 269، 408، 409، 419، 420، 421، 427، 436، 437)، (2/ 90، 115، 124، 160، 349، 383، 384، 402)، (3/ 5: 7، 9، 21: 24، 79، 84، 111، 268، 412)، (4/ 217)، والكافية (86 - 96، 201، 207، 229 - 231)، والمقرب (1/ 193 - 208)، والهمع (2/ 19 - 40).
(2)
في الهمع (2/ 19): (لا ثالث لهما ومن زاد التبعية فهو رأي الأخفش مرجوح عند الجمهور
…
).
(3)
على مذهب سيبويه وقد تكون بمعنى «في» إذا كان المضاف إليه ظرفا للمضاف نحو: مكر الليل، وراجع المصادر السابقة.
(4)
هم الكوفيون. انظر: الصبان (2/ 203)، والهمع (2/ 19).
(5)
ينظر: سر الصناعة (1/ 140)، والسيرافي (2/ 141 / ب)، والمفصل (8/ 7).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: أن هذه الحروف إنما عملت لاختصاصها بما هي عاملة فيه والقاعدة المعروفة أن الحرف إذا اختص بأحد النوعين - أعني الاسم والفعل - ساغ له أن يعمل في ذلك النوع. فعلى هذا إنما تستحق هذه الحروف من العمل الجر، وإذا كان كذلك فلا يحتاج إلى الاعتذار عن عدم عملها الرفع أو النصب، لكنهم اعتذروا عن ذلك بأن قالوا: لم نعمل الرفع؛ لاستئثار العمدة به، ولا النصب؛ لإيهام إهمال الحرف.
ومنها: أن عدة الحروف التي ذكرها المصنف عشرون حرفا وهي: من، وإلى، واللام، وكي، والتاء في القسم، والباء، وفي، وعن، وعلى، وحتى، والكاف، ومذ، ومنذ، ورب، ولولا، ولعل، وحتى؛ فهذه سبعة عشر، وذكر في باب المستثنى ثلاثة وهي: خلا وعدا وحاشا، ونقصه من الحروف (1) الواو؛ فإنها حرف تجريد لكنها لا تستعمل إلا في القسم، وقد ذكر في الخلاصة، والعجب أنه لم يذكرها في باب القسم (2) من هذا الكتاب أيضا إلا أن الجر بـ «لعل ومتى» ينسب إلى بعض اللغات، ولا شك أنه في غاية القلة كما سيأتي الكلام على ذلك. وذكر ابن عصفور (3) في حروف الجر أربع كلمات يجر بها في القسم خاصة وهي الميم المضمومة والمكسورة وهمزة الاستفهام وهاء التنبيه وقطع ألف الوصل، وذكر أيضا واو «ربّ» وفاءها و «بل» النائبة مناب «ربّ» ، وتعرّض (4) إلى ذكر الخلاف في بعضها، ولم يتعرض المصنف إلى ذكر شيء من ذلك؛ لأن الميم عنده ليست حرفا مستقلّا إنما هي بعض «أيمن» . وأما الجر بعد هاء التنبيه وألف الوصل المقطوعة؛ فإنما هو بحرف قسم محذوف كما ستعرف ذلك
في باب القسم إن شاء الله تعالى. وأما الجر بعد الواو والفاء وبل؛ فإنما هو بـ «ربّ» محذوفة.
ومنها: أن من هذه الحروف ما يختص بجر المضمر وهو «لولا» ، ومنها ما يختص بجر الأسماء الظاهرة وهو سبعة: الواو والكاف وحتى ومذ ومنذ وربّ -
(1) قال في الألفية:
هاك حروف الجر وهي من وإلى
…
حتى خلا حاشا عدا في عن على
مذ منذ ربّ اللام كي واو وتا
…
والكاف والباء ولعل ومتى
وهما البيتان الأول والثاني في حروف الجر
(2)
سيأتي باب القسم بعد هذا الباب.
(3)
في المقرب (1/ 193، 207).
(4)
المقرب (1/ 193، 207).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتاء، لكن الثلاثة الأول لا تختص بظاهر دون ظاهر، و «مذ ومنذ» يختصان بأسماء الزمان، و «ربّ» تختص بالنكرات، والتاء تختص بالله تعالى وربّ مضافا إلى الكعبة أو لياء المتكلم، وقد تجر الكاف الضمير في الضرورة وكذلك «حتى» أيضا، وأما «ربّ» فتجر ضمير الغيبة في السعة. وقد علمت أن ابن عصفور ذكر حروفا زائدة على ما ذكره المصنف وذكر تقسيما شاملا فأنا أورده: وهو أن: هذه الحروف تنقسم - بالنظر إلى ما تجره - ثلاثة أقسام: قسم لا يجر إلا المضمر وهو «لولا» ، وقسم لا يجر إلا الظاهر وهو: هاء التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل و «من» في القسم والميم المكسورة والمضمومة في القسم أيضا وواو «ربّ» وفاؤها ومذ ومنذ [3/ 172] وكاف التشبيه وحتى، وقسم يجر الظاهر والمضمر وهو ما عدا ذلك، والحروف التي تجر الظاهر وحده أو مع المضمر منها ما يجر بعض الظواهر دون بعض وهو: لام القسم والميم المكسورة والمضمومة، وهاء التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل لا تجر إلا اسم الله تعالى في القسم، وتاء القسم لا تجر إلا اسم الله تعالى أو الرب، و «من» في القسم لا تجر إلا الرب، «وربّ» وفاؤها وواوها لا تجر من الظاهر إلا النكرات و «مذ ومنذ» لا تجرّان إلا أسماء الزمان، ومنها ما يجر كل ظاهر وهو ما عدا ذلك (1). هذا كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى.
ومنها: أن من الحروف المذكورة ما يستعمل اسما، ومنها ما يستعمل فعلا.
فالذي استعمل حرفا واسما خمسة وهي: عن وعلى والكاف ومذ ومنذ، والذي استعمل حرفا وفعلا ثلاثة وهي: خلا وعدا وحاشا؛ فالأقسام على هذا ثلاثة:
ما يستعمل حرفا واسما، وما يستعمل حرفا وفعلا، وما هو مستمر الحرفية لا يستعمل غير حرف. وذكر ابن عصفور قسما رابعا وهو ما يستعمل اسما وفعلا وحرفا قال:
وهو على (2)؛ فأخرجها من قسم ما يستعمل حرفا واسما وجعلها قسما برأسها.
وقد رد المحققون ذلك: بأنه إنما قصد إلى هذا التقسيم باعتبار المحافظة على اللفظ والمعنى الأصلي، ولو لم يكن الأمر كذلك؛ لكان يلزم عد اللام حرفا وفعلا في قولك:
لـ زيدا إذ لفظها لفظ قولك: لزيد، وكذلك «من» لأنه أمر من «مان يمين» ولكانت «إلى» تعد حرفا واسما في قولك: إلى زيد بمعنى: نعمة زيد، ولكنهم اعتبروا اللفظ -
(1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 473) وما بعدها تحقيق صاحب أبو جناح.
(2)
شرح الجمل له (1/ 476 - 481).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمعنى الأصلي معا؛ فلم يعدوا اللام؛ لخروجها عن معناها الأصلي، ولأن لفظها في الأصل مخالف للفظها في الحرف، وكذلك «من» ، وكذلك «إلى» .
ألا ترى أن «إلى» التي هي النعمة أصل ألفها ياء، «وإلى» التي هي حرف لا أصل لألفها، وكذلك ألف «على» التي هي فعل أصلها واو، والتي في الاسم والحرف لا أصل لها.
وقد عورض هذا التقرير: بأنه يلزم منه أن لا يعد خلا وعدا وحاشا؛ لأن ألفاتها إذا كانت أفعالا منقلبة وإذا كانت حروفا غير منقلبة، وقد جعل ذلك مانعا في «على» فليكن مانعا في هذه الثلاثة أيضا. وأجيب عن ذلك: بأنا لم نعد «حاشا» من مثل قولك: حاشيته، ولا «عدا» من قولك: عدوته، ولا «خلا» من قولك:
خلوته، وإنما عددنا خلا وعدا وحاشا الواقعة في الاستثناء؛ فإنها لا تتصرف ولما لم تتصرف تصرف الأفعال أشبهت الحروف فلم يجعل لألفها أصل كما أن الاسم إذا أشبه الحرف لا يكون لألفه أصل انقلبت عنه؛ بل هي أصل بنفسها كما هو مقرر عند أهل هذه الصناعة.
ومنها: أن هذه الحروف لا بد لها مما تتعلق به إما ظاهرا وإما مقدرا كما هو مقرر في علم العربية، ويستثنى من
ذلك الحروف الزوائد فلا تتعلق بشيء نحو: بحسبك درهم، وهل من أحد قائم؛ لأن الزائد لم يجتلب لمعنى مقصود ولم يكن محتاجا إليه في ذلك التركيب الذي هو فيه فكيف يتصور تعلقه بشيء، و «لولا» إذا جرّ بها حكمها حكم الحرف الزائد في ما ذكر، وكذا «لعل» (1) أيضا إذا جرّ بها لا تتعلق بشيء، وسيشار إلى بيان ذلك عند الكلام عليها إن شاء الله تعالى.
وذكر ابن عصفور (2) أن الكاف في نحو: جاءني الذي كزيد لا تتعلق بشيء ظاهر، إذ ليس في اللفظ ما يمكن أن يعمل فيه ولا بمضمر؛ إذ لا يحذف ما يعمل في المجرور (إذا وقع صلة) إلا ما يناسب الحرف قال: لا تتعلق بشيء نحو: جاءني الذي في الدار تريد الذي استقر في الدار؛ لأن «في» للوعاء، والاستقرار مناسب للوعاء ولو قلت: جاءني الذي في الدار تريد: ضحك في الدار، أو أكل في الدار؛ لم يجز لأنه ليس في الكلام ما يدل على ذلك فلا يمكن أن يكون المحذوف مع الكاف -
(1) ويضاف إلى هذه الثلاثة: ربّ وكاف التشبيه عند الأخفش وابن عصفور، وخلا وعدا وحاشا إذا خفضن.
(2)
شرح الجمل له (1/ 482) وما بعدها.