المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[عمل اسم المصدر وأحكامه] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٦

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب

- ‌[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]

- ‌[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

- ‌[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]

- ‌[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

- ‌الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل

- ‌[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

- ‌[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

- ‌[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

- ‌[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

- ‌[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

- ‌[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه

- ‌الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

- ‌[تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

- ‌[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

- ‌[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

- ‌[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

- ‌الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

- ‌[تعريفها وشرح التعريف]

- ‌[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

- ‌[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

- ‌[بقية أحكام الصفة المشبهة]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

- ‌[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

- ‌الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

- ‌[علة إعمال المصدر - أحوال إعماله]

- ‌[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده]

- ‌[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

- ‌[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

- ‌[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع]

- ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

- ‌الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]

- ‌[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]

- ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[إلى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[كي الجارة - مساواتها للام]

- ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

- ‌[في: معانيها، وما يعرض لها]

- ‌[عن: معانيها، وأحكامها]

- ‌[على: معانيها، وحكم زيادتها]

- ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[الكاف الجارة: معانيها…وأحكامها]

- ‌[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

- ‌[لولا .. حكم الجر بها]

- ‌[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما]

- ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

- ‌الباب الأربعون باب القسم

- ‌[القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه]

- ‌[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

- ‌[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

- ‌[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

- ‌[تلقي جواب القسم الماضي]

- ‌[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

- ‌[من أحكام أسلوب القسم]

الفصل: ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

[عمل اسم المصدر وأحكامه]

قال ابن مالك: (ويعمل عمله اسمه غير العلم، وهو ما دلّ على معناه وخالفه بخلوّه - لفظا وتقديرا دون عوض - من بعض ما في فعله، فإن وجد عمل بعد ما تضمّن حروف الفعل من اسم ما يفعل به، أو فيه، فهو لمدلول به عليه).

ــ

2328 -

إنّ قهرا ذوو الضّلالة والبا

طل عزّ لكلّ عبد محقّ (1)

تقديره: أن يقهر ذوو الضّلالة.

ونقل عن الكسائي أنّه لا يجوز ذلك إلّا حيث كان لا يلبس (2) وقال - في ارتشاف الضرب -: الذي أختاره أنه إن كان المصدر لفعل لم ينطق به إلّا مبنيّا للمفعول جاز ذلك، نحو: عجبت من جنون بالعلم زيد (3).

قال ناظر الجيش: قال المصنف (4): «من الأسماء ما يقال له: اسم المصدر، وهو ضربان: علم، وغير علم.

فالعلم: ما دلّ على معنى المصدر دلالة مغنية عن الألف واللام، لتضمن الإشارة إلى حقيقته كيسار وبرة، وفجار، فهذه وأمثالها لا تعمل عمل المصدر؛ لأنها خالفت المصادر الأصلية بكونها لا يقصد بها الشياع، ولا تضاف ولا تقبل الألف واللام وتوصف، ولا تقع موقع الفعل، ولا موقع ما يوصل بالفعل، ولذلك لم تقم مقام المصدر الأصلي في توكيد الفعل وتبيين نوعه أو مراته.

وغير العلم: ما ساواه في المعنى والشياع وقبول الألف واللام والإضافة والوقوع موقع الفعل وموقع ما يوصل بالفعل، وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا دون عوض من بعض ما في الفعل، كـ:«وضوء وغسل» ؛ فإنهما مساويان لـ «التوضؤ والاغتسال» -

(1) البيت من الخفيف، ولم أهتد إلى قائله، ولم ينسبه أحد ممن ذكره في المراجع التي ورد بها.

والشاهد فيه قوله: «إن قهرا ذوو الضلالة» على جواز رفع «ذوو» على أنه نائب فاعل للمصدر المنون، وتقديره: أن يقهر ذوو الضلالة.

ينظر الشاهد في: عمدة الحافظ (ص 89)، والتذييل والتكميل (4/ 934).

(2)

يراجع مذهب الكسائي في التذييل والتكميل (4/ 935).

(3)

ارتشاف الضرب لأبي حيان (3/ 175) تحقيق د/ مصطفى النماس.

(4)

شرح التسهيل لابن مالك (3/ 121) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

ص: 2855

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في المعنى والشياع وجميع ما نفي عن العلم وخالفاه بخلوّهما دون عوض من بعض ما في فعليهما وهما «توضأ واغتسل» .

وحق المصدر أن يتضمن حروف الفعل بمساواة: كتوضأ توضؤا، أو بزيادة عليه، كـ: أعلم إعلاما، ودحرج دحرجة، وقلت:«لفظا وتقديرا» ؛ احترازا من «فعال» ، مصدر «فاعل» ، كـ:«قتال» ؛ فإنه مصدر مع خلوّه من المدّة الفاصلة بين فاء فعله، وعينه؛ لأنّها حذفت لفظا، واكتفي بتقديرها بعد الكسرة، وقد تثبت فيقال: قيتال، وقلت:(دون عوض) احترازا من: «عدة» فإنّها مصدر «وعد» ومع خلوه من الواو؛ لأنّ التاء التي في آخره عوض منها، فكأنها باقية، وكذا «تعليم» فإنّه مصدر «علّم» مع خلوه من التضعيف، لكن جعلت التاء في أوله عوضا من التضعيف فكأنه باق.

ولذلك إذا جيء بالمصدر مضعّفا كـ: «كذّب كذّابا» ، استغني عن التاء، ونسب التعويض إلى تاء «تعليم» ، دون يائه؛ لأنّ ياءه مساوية لألف «إكرام، واستماع، وانطلاق، واستخراج» ونحوهما، من المرّات التي قصد بها ترجيح المصدر على لفظ الفعل الزائد على ثلاثة أحرف، دون حاجة إلى تعويض، ومن المحكوم بمصدريته مع خلوه من بعض حروف فعله «كينونة» ، أصله: كينونة، ثمّ عومل معاملة «ميّت» إذا قيل: ميت، فحذفت عينه، وعوّض منها التاء.

ومن المحكوم بمصدريّته: «ثواب وعطاء» أصلهما: «إثواب، وإعطاء» ، وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، والمصدريّة باقية، ومن المحكوم بمصدريته، أيضا:«طاعة، وطاقة، وجابة» ، والأصل:«إطاعة، وإطاقة، وإجابة» ؛ لأنها مصادر: «أطاع، وأطاق، وأجاب» ؛ فحذفت الهمزة، واكتفي بالتقدير، فهذه وأمثالها مصادر لقرب ما بينها وبين أصلها، بخلاف ما بينه وبين الأصل بعد وتفاوت، كـ:«عون، وعشرة، وكبر، وعمر، وغرق، وكلام» ، بالنسبة إلى:

«إعانة، ومعاشرة، وتكبر، وتعمير، وتكليم» ؛ فهذه وأمثالها أسماء مصادر.

وأمّا ما ليس فيه إلا غرابة وزنه، كـ:«دعاية» ، ورهب، وعلوّ»، فهو مصدر، وجعله اسم مصدر تحكم بغير دليل، ومن إعمال «ثواب» قول حسان رضي الله عنه: -

ص: 2856

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2329 -

لأنّ ثواب الله كلّ موحّد

جنان من الفردوس فيها يخلّد (1)

ومن إعمال «عطاء» قول القطامي:

2330 -

أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا (2)

ومن إعمال اسم المصدر حديث الموطأ: «من قبلة الرّجل امرأته الوضوء» (3) ومنه قول الشّاعر:

2331 -

إذا صحّ عون الخالق المرء لم يجد

عسيرا من الآمال إلّا ميسّرا (4)

ومنه قول الآخر [3/ 169]:

2332 -

بعشرتك الكرام تعدّ منهم

فلا ترين لغيرهم الوفاء (5)

-

(1) البيت من الطويل، وقائله سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه، صاحب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والبيت في ديوانه رضي الله عنه (ص 15) ط. المطبعة الرحمانية بمصر سنة (1347 هـ)، ولفظه في في الديوان:

وإنّ ثواب الله

...

وروي: «جنانا» مفعول ثان لـ «ثواب» .

والشاهد في البيت قوله: «ثواب الله كل موحد» ؛ حيث أعمل المصدر «ثواب» فنصب المفعول، وهو قوله «كل موحد» ينظر الشاهد أيضا في: شذور الذهب (ص 413)، واللسان (8/ 44)، والأشموني (2/ 288)، والهمع (2/ 59)، والدرر (2/ 128).

(2)

البيت من الوافر، وقائله القطامي، والبيت من قصيدة في ديوانه (ص 37)، ط. بيروت (1960 م)، يمدح زفر بن الحارث الكلابي.

والشاهد في البيت: نصب «عطاء» - بمعنى: الإعطاء - «المائة» ، والكاف فاعله، والمفعول الآخر محذوف، والتقدير: وبعد إعطائك إياي المائة الرتاعا.

ينظر الشاهد في: الشعر والشعراء (2/ 727)، والخصائص (2/ 22)، واللسان «عطا» .

(3)

أخرجه الإمام مالك في الموطأ كتاب الطهارة باب: الوضوء من قبلة الرجل امرأته (ص 53).

والشاهد فيه: إعمال اسم المصدر «قبلة» ونصب «امرأته» به. وينظر: شرح الموطأ (1/ 81).

(4)

البيت من الطويل، قال العيني (3/ 525، 526): (أنشده الأصمعي، ولم يعزه إلى قائله).

والشاهد فيه: إعمال اسم المصدر «عون» ؛ حيث نصب المفعول به وهو «المرء» ، وقد جعل العيني «عون» مصدرا، قال في المقاصد النحوية على هامش الخزانة (3/ 526):(وإنما قلنا: «عون» مصدر؛ لأنه بمعنى الإعانة، والمصدر حذفت منه همزته، أو غيرها يعمل عمل فعله) اه. وينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 973).

(5)

البيت من الوافر، ولم ينسب لقائل معين.

والشاهد فيه قوله: «بعشرتك الكرام» ؛ فإنّ «عشرة» اسم مصدر بمعنى المعاشرة وقد نصبت المفعول به -

ص: 2857

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقول الآخر:

2333 -

قالوا: كلامك دعدا وهي مصغية

يشفيك؟ قلت: صحيح ذاك لو كانا (1)

انتهى (2).

وهو كلام جيد، لكن لم يظهر لي ما الموجب لتفرقته بين «طاعة» وما معها وبين «عون» وما معه؛ إذ حكم بالمصدرية على الألفاظ الأولى دون الآخرة، إلا أن تقول: إنّه لم يحذف من «طاعة» ونحوها سوى الهمزة، ولم يحصل في الكلمة مع الحذف تغيير، فكانت قريبة من أصلها، بخلاف «عون» و «عشرة» وما معهما، فإنّ المحذوف من كلّ منهما حرفان، مع ما حصل من التغيير في اللفظ أيضا، ولهذا جعل «ثوابا» مصدرا والعلة الحذف، وعدم التغيير، وجعل «كلاما» اسم مصدر، لكثرة الحذف، وحصول التغيير.

ولم يذكر المصنف اسم المصدر، نحو:«مفعل» من الثلاثي، كـ:«مضرب، ومقتل» ، وما كان على صيغة اسم المفعول ممّا زاد على الثلاثة، نحو:«مكرم، ومستخرج» ، لم يشملها الحدّ الذي ذكره لاسم المصدر أيضا، فدلّ على أنّ ذلك عنده من قبيل المصدر، وبذلك يشعر كلامه في باب أبنية المصادر، وجعل ولده الإمام بدر الدين بن مالك نحو:«مضرب» اسم مصدر، لا مصدرا (3)، ووافقه الشيخ على ذلك (4) وظهر من كلام المصنف: أنّ الفارق بين المصدر واسمه أمر لفظيّ، وأنهما في المعنى متفقان، فمدلولهما واحد وجعل الشيخ بهاء الدين بن النحاس، رحمه الله تعالى، مسمّى المصدر لفظا، ومسمّى اسم المصدر معنى، -

- «الكرام» ، وقد جعله العيني مصدرا، حيث قال في المقاصد النحوية بهامش الخزانة (3/ 527):

(«بعشرتك» مصدر عمل عمل فعله، وهو مضاف إلى فاعله، و «الكرام» مفعوله).

ينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 973)، والأشموني (2/ 288).

(1)

البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. وروى «هندا» بدل «دعدا» .

والشاهد في البيت قوله: «كلامك دعدا» فقد نصب «كلامك» وهو اسم مصدر بمعنى تكليم «دعدا» على أنه مفعول به.

ينظر الشاهد في: الأشموني (2/ 288)، ومعجم شواهد العربية (1/ 382).

(2)

أي انتهى النقل من شرح المصنف (3/ 123).

(3)

ينظر: شرح الألفية للإمام بدر الدين (ص 160).

(4)

ينظر: التذييل والتكميل (4/ 979).

ص: 2858

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقال: المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان، وغيره، كقولنا: إنّ «ضربا» مصدر في قولنا: يعجبني ضرب زيد عمرا، فيكون مدلوله معنى، وسمّوا ما يعبّر به عنه مصدرا مجازا، نحو: شرب، في قولنا: إنّ شربا مصدر منصوب، إذا قلنا: ضربت ضربا فيكون مسمّاه لفظا.

واسم المصدر اسم للمعنى الصّادر عن الإنسان وغيره: كـ: «سبحان» ، المسمّى به التسبيح، الذي هو صادر عن المسبح، لا لفظ «ت س ب ي ح» بل المعنى المعبّر عنه بهذه الأحرف، وهو البراءة والتنزيه، وأسند ذلك بقول الزمخشري في باب العلم، وقد أجروا المعاني في ذلك، أي في موضع الإعلام مجرى الأعيان، فسمّوا التسبيح بـ «سبحان» ، قال: فنص على المسمّى هنا معنى، لا لفظا. انتهى كلام الشيخ بهاء الدّين. فعلى هذا؛ الفارق بينهما أمر معنوي (1).

وقال الشيخ: اسم المصدر شيئان:

أحدهما: ما ينقاس بناؤه من الثلاثي على «مفعل» وممّا زاد على صيغة اسم المفعول، وهذا يعمل عمل المصدر ويجري مجراه في جميع أحكامه.

الثاني: ما كان أصل وضعه لغير المصدر، كـ:«الثّواب، والعطاء، والدّهن، والخبر، والكلام، والكرامة، والكحل، والرعي، والطّحن» ونحوها، من الأسماء التي أخذت من موادّ الأحداث، قال: فهذه وضعت لما يثاب به، ولما يعطى، ولما يدهن به، ولما خبز، وللجمل المقولة، ولما يكرم به، ولما يكحل به، ولما يرعى، ولما يطحن، فالبصريّون لا يعلمون شيئا من هذه، وأجاز الكوفيّون والبغداديّون الإعمال.

واستثنى الكسائيّ ثلاثة ألفاظ، فلم يعملها، وهي:«الخبز، والقوت، والدّهن» ، ثمّ قال: فـ «ثواب» اسم مصدر، وكذا

«عطاء» خلافا للمصنف، وأمّا «عون، وعشرة، وكبر، وغرق، وكلام» فمصادر جاءت على غير قياس، لا أسماء مصادر، خلافا للمصنف أيضا (2). انتهى.

وقد تقدم من كلامه أنّ «كلام» اسم مصدر، فيناقض قول فيه، وأفهم كلامه -

(1) ينظر: قول الزمخشري في المفصل (ص 10) الطبعة الثانية ط. دار الجيل - بيروت سنة (1323 هـ) مع شرح شواهد المفصل، للسيد محمد بدر الدين، أبي فراس النعساني.

(2)

ينظر التذييل والتكميل (4/ 977)، ومنهج السالك (ص 317)، والهمع (2/ 55).

ص: 2859

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنّ اسم المصدر، غير المسمّى عنده، هو ما كان اسما لما يفعل به، وفيه بعد.

ولقائل أن يقول: إن نحو: «ثواب، وعطاء» ، إذا أريد بهما ما يفعل، فإنما هو من إطلاق المصدر، مرادا به المفعول، لا أنها في الأصل أسماء له، واعلم أنّ كلام المصنف يقتضي أنّ اسم المصدر يعمل كالمصدر.

وقال ابن عصفور: لا يجيز البصريون ذلك إلا حيث سمع وأما الكوفيّون فيجيزون العمل قياسا مطردا (1)، وأشار المصنف بقوله:(فإن وجد عمل) إلى أنّ ما يضمّن حروف الفعل من اسم ما يفعل به أو فيه لا يعمل، فإن وجد بعد شيء منه عمل، أضمر له عامل من معناه كقولك: أعجبني دهن زيد لحيته، وكحل هند عينها. قال المصنف: فقد روي مثل هذا عن العرب وجعل النصب فيه بعامل مضمر كأنّه قيل: دهن لحيته وكحلت عينها (2). انتهى.

فهذا مثال ما يفعل به، ومثال ما يفعل فيه قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (3)؛ لأنّ الكفات ما يكفت فيه الأشياء، أي: يجمع ويحفظ، فكان ذكره منها على فعله، أو ما هو بمنزلة فعله، فكأنّه قيل: يكفت أحياء وأمواتا. قال المصنف: ولك أن تنصب أَحْياءً وَأَمْواتاً، على التمييز؛ لأنّ كفات الشيء مثل وعائه، والموعى ينتصب بعد الوعاء على التمييز.

وأمّا قول الشاعر:

2334 -

كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها

عليه قضيم نمّقته الصّوانع (4)

-

(1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 27).

(2)

شرح التسهيل لابن مالك (3/ 123).

(3)

سورة المرسلات: 25، 26.

(4)

البيت من الطويل، وقائله النابغة الذبياني، الشاعر المشهور من قصيدة في ديوانه (ص 31) يمدح النعمان، ويعتذر إليه، ويهجو مرة بن ربيعة، لما قدم عليه عند النعمان.

اللغة: الرامسات: الرياح الشديدات الهبوب، التي ترمس الأثر، أي: تعفيه، وتدفنه، وذيولها:

أواخرها؛ لأن أوائلها يجيء بشدة، ثم تسكن أواخرها، شبه آثار ذيول الرياح في هذا الرسم، بحصير تنمقه الصوامع، أي تعمله، وتحسنه، فهو منمّق.

والشاهد في البيت قوله: «مجر الرامسات ذيولها» على أن «مجر» اسم مصدر نصب «ذيولها» أو على تقدير عامل.

ينظر الشاهد في: اللسان مادة «ذيل» ، «قضم» ديوان النصرانية قبل الإسلام (ص 688).

ص: 2860

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فقال المصنف: يحتمل أن يكون من هذا، وتجعل «المجرّ» موضع «الجر» ، أي تجعله اسم مكان، كأنه قال: كأنّ مهبّ الرامسات جارة ذيولها عليه، فحذف العامل، وأبقى العمل، ويحتمل أن يكون المجرّ مصدرا، والتقدير: كأنّ موضع مجرّ الرامسات؛ ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب، وجاء الخبر على وفق المحذوف، والعمل «المجر» ؛ لأنه بمعنى «الجرّ» .

ومثله قول الآخر:

2335 -

كأنّ مجرّه الأبطال قسرا

إلى أشباله حطب رفيت (1)

ولنختم الفصل بفوائد:

الأولى: اختلفوا في حذف المصدر المنحلّ، وإبقاء معموله، فأجازه بعضهم، ومنعه البصريون؛ لأنّه موصول، والموصول لا يحذف.

واستدلّ المجيز بقوله تعالى: هل تستطيع ربك (2)[3/ 170] على قراءة الكسائي، التقدير: هل تستطيع سؤال ربك، و (أن ينزل) معمول السؤال المحذوف، ولا يتعلق بـ (يستطيع؛) لأنّ الفعل للغير، ولا يقال: هل يستطيع أن يقوم زيد؛ فهو متعلق بالسؤال المحذوف (3).

الثانية: ما جاء من المصادر يجوز إعماله، والمراد به التكثير نحو قوله: -

(1) البيت من الوافر، ولم ينسب لقائل معين.

اللغة: رفيت: مكسور، كما ذكر في شرح المصنف.

والشاهد في البيت قوله: «مجره الأبطال» ؛ حيث أعمل «مجره» فنصب «الأبطال» .

ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 124)، والتذييل والتكميل (4/ 975)، ومنهج السالك (ص 316).

(2)

سورة المائدة: 112.

(3)

في كتاب السبعة لابن مجاهد (ص 249): (فقرأ الكسائي وحده: هل تستطيع ربك بالتاء - يعني تاء المضارعة في أول الفعل - ونصب الباء، واللام مدغمة في التاء).

وتراجع قراءة الكسائي هذه في النشر لابن الجزري (3/ 46)، ومعاني القرآن للزجاج (2/ 243)، وفي الحجة لابن خالويه (135): والحجة لمن قرأ بالنصب أنه أراد: هل تستطيع سؤال ربك، ثم حذف السؤال، وأقام «ربّك» مقامه، كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يريد: أهل القرية، ومعناه: سل ربك أن يفعل ذلك؛ فإنه عليه قادر.

ص: 2861