الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]
قال ابن مالك: (فإن ابتدئ في الجملة الاسميّة بمتعيّن للقسم حذف الخبر وجوبا، وإلا فجوازا والمحذوف الخبر إن عري من لام الابتداء جاز نصبه بفعل مقدر، وإن كان عمرا أيضا جاز ضمّ عينه ودخول الباء عليه ويلزم الإضافة
مطلقا. وإن كان «ايمن» الموصول الهمزة لزم الإضافة [4/ 45] إلى «الله» غالبا، وقد يضاف إلى «الكعبة» و «الكاف» و «الذي» ، وقد يقال فيه مضافا إلى «الله» «إيمن وإيمن وأيمن وأيم وإيم وإم» و «من» مثلث الحرفين، و «م» مثلثا، وليست الميم بدلا من واو، ولا أصلها «من» خلافا لمن زعم ذلك، ولا «ايمن» المذكور جمع «يمين» خلافا للكوفيين. وقد يخبر عن اسم الله مقسما به بـ «لك وعليّ» ، وقد يبتدأ بالنذر قسما).
ــ
العزيز لأفعلن، وكذا قال في الارتشاف (1). ولم أفهم قوله: وحذفت حرف الجر الموضوع للقسم مع قوله: فلو جئت بشيء من هذه الأعراض الثلاثة؛ لأن العوض لا يكون إلا بعد حذف المعوض عنه، وكذا قوله: ولم يكن إلا النصب؛ لأن الغرض أن الذي أتى به عوض عن حرف الجر فوجب أن يقوم مقامه فكيف ينصب الاسم حينئذ (2)؟!
قال ناظر الجيش: قال المصنف (3): المبتدأ المتعين للقسم نحو: «لعمرك» و «لايمن الله» فإنهما لا يستعملان مقرونين باللام إلا مقسما بهما مرفوعين بالابتداء، فالتزم حذف خبرهما لكونه مفهوم المعنى مع سدّ الجواب مسدّه، ونبهت بإضافة نحو إليها على أمرين:
أحدهما: أنهما قد يضافان إلى غير ما أضيفا إليه إلا (4) نحو: لعمرك الله ولعمري ولايمن الكعبة ولا يمنك.
والآخر: أنه قد يقترن غيرهما بقرينة تعينه للقسم وللابتداء فيكون حذف خبره واجبا كقول من توجهت عليه يمين لازمة: لعهد الله لقد كان كذا، فلو لم يتعين -
(1) الارتشاف (2/ 478)، والتذييل والتكميل (7/ 125).
(2)
بعده في هامش المخطوط: البياض قدر ثلثي صفحة.
(3)
انظر: شرح التسهيل (3/ 201).
(4)
بعده في الأصل: أن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كون المبتدأ مقسما به من قبل نفسه جاز إثبات خبره وحذفه كقولك حالفا: عليّ عهد الله أو يمين الله يلزمني؛ فلك أن تجيء به هكذا، ولك أن لا تلفظ بـ «عليّ» ولا «يلزمني» ؛ لأن ذكر الجواب يدل السامع على أنك مقسم، وقد كان قبل ذكره مجوزا أنك غير مقسم ومجوزا أنك مقسم. ولم يمتنع حذف الخبر؛ لكونه مفهوم المعنى بعد ذكر الجواب فلو لم يقترن «لعمر الله» باللام لجاز نصبه كقول أبي شهاب الهذلي:
2756 -
فإنّك عمر الله إن تسأليهم
…
بأحسابنا إذا تجلّ الكبائر
ينبؤك أنّا نفرج الهمّ كلّه
…
بحقّ وأنّا في الحروب مساعر (1)
فلهذا قلت: (والمحذوف الخبر إن عري من لام الابتداء جاز نصبه بفعل مقدر). ثم نبهت على أن العين من «لعمر الله» ونحوه عند عدم اللام يجوز فيها الفتح، والضم، وكان ينبغي أن يجوزا مع وجود اللام لكن خصّ مع كثرة الاستعمال في مصاحبة اللام بالفتح؛ لأنه أخف اللغتين. ومن دخول الباء عليه عند عدم اللام قول الشاعر:
2757 -
رقيّ بعمركم لا تهجرينا
…
ومنّينا المنى ثمّ امطلينا (2)
ومثله:
2758 -
أأقام أمس خليطنا أم سارا
…
سائل بعمرك أيّ ذاك اختارا (3)
وقولي: (ويلزم الإضافة مطلقا) أي: إلى الظاهر والمضمر ومع وجود اللام وعدمها.
واحترزت بقولي: وإن كان «ايمن» الموصول الهمزة من «أيمن» بقطع الهمزة فإنه جمع يمين بلا خلاف، وحكمه إذا أقسم به حكم واحده. وأما الموصول الهمزة فيلزم الإضافة إلى «الله» أو إلى «الكعبة» ، أو إلى ضمير المخاطب وإلى «الذي» لكن إضافته إلى غير «الله» قليلة وإضافته إلى ضمير المخاطب وإلى «الذي» أقلّ من إضافته إلى الكعبة.
ومن إضافته إلى ضمير المخاطب قول عروة بن الزبير (4) رضي الله تعالى عنهما -
(1) البيتان من الطويل، وانظرهما في التذييل (7/ 128)، والكافية والشافية (2/ 875) برواية: فإن يك.
(2)
من الوافر لعبد الله بن قيس الرقيات - ديوانه (ص 137)، والدرر (2/ 46)، والمحتسب (1/ 43)، والموشح (ص 149)، والهمع (2/ 41).
(3)
من الكامل، والخليط: المجاور، أو الذي خلطته بنفسك، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه (ص 127)، والكافية الشافية (2/ 876).
(4)
عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، «بئر عروة» بالمدينة منسوبة إليه (ت: 93 هـ). راجع: الأعلام (5/ 17)، وحلية الأولياء (2/ 176)، وصفة الصفوة (2/ 47).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«لا يمنك لئن ابتليت لقد عافيت» (1) ومن إضافته إلى «الذي» قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«وايم الذي نفسي بيده» (2)، وفيه حين يليه «الله» اثنتا عشرة لغة: ثلاث مع ثبوت الهمزة والنون، وثلاث مع حذف
النون دون الهمزة، وثلاث مع حذف الهمزة والياء وثبوت النون، وثلاث مع الاقتصار على الميم فيقال: ايمن الله، وايمن الله، وايمن، وايم الله، وايم الله، وام الله، ومن الله، والله، ومن الله، وم الله، وم الله، وم الله.
وزعم بعضهم: أن الميم المفردة بدل من واو «الله» كالتاء وليس بصحيح؛ لأنها لو كانت بدلا منها لفتحت كما فتحت التاء، ولأن التاء إذا أبدلت من الواو في القسم فلها نظائر في غير القسم مطردة كـ «اتصف، واتصل» ، وغير مطردة كـ «تراث وتجاه» ، وليس لإبدال الميم من الواو إلا موضع شاذ، وهو «فم» وفيه مع شذوذه خلاف.
وزعم الزمخشري: أنها من المستعملة مع «ربي» ، فحذفت نونها (3) وليس بصحيح أيضا؛ لأنها لو كانت إياها لاستعملت في النقص مع ما استعملت في التمام على الأشهر كما لم تستعمل «ايمن» في النقص إلا مع ما استعملت في التمام على الأشهر.
واحترزت بالأشهر من رواية الأخفش عن بعض العرب: من الله، ومن الكعبة، وايمن الله، وايمنك، وايم الله نفسي بيده (4). وقال الزمخشري في «م الله»: ومن الناس من يزعم أنها من «ايمن» (5). قلت: لم يعرف من الذي زعم ذلك وهو سيبويه - رحمه الله تعالى - فإنه قال - في باب عدة ما يكون عليه الكلم -: واعلم أن بعض العرب يقول: م الله لأفعلن، يريد: ايم الله (6). وفي عدم معرفة الزمخشري بأن صاحب هذا القول سيبويه دليل على أنه لم يعرف من كتابه إلا ما يعرف بتصفح وانتقاء، لا بتدبر واستقصاء، فما أوفر تبجحه، وأيسر ترجحه عفا الله عنّا وعنه.
وزعم الكوفيون: أن «ايمن» المذكور جمع «يمين» ، ورأيهم هذا ضعيف ويدل على ضعفه ثلاثة أمور:
أحدها: أن همزة الجمع همزة قطع، وهمزة هذا الاسم همزة وصل؛ لسقوطها -
(1) ينظر الارتشاف (2/ 480)، وشرح العمدة (325، 862)، والهمع (2/ 40).
(2)
أخرجه البخاري: الأيمان والنذور (83) وانظر: شواهد التوضيح (ص 50)، والهمع (2/ 40).
(3)
المفصل بشرح ابن يعيش (9/ 98، 99).
(4)
وينظر: الارتشاف (2/ 480).
(5)
المفصل (9/ 99).
(6)
الكتاب (4/ 229).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مع اللام في: «ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت» ، وفي قول الشاعر:
2759 -
فقال فريق القوم لمّا قصدتهم
…
نعم وفريق ليمن الله ما ندري (1)
وليس هذا بضرورة؛ لتمكن الشاعر [4/ 46] من إقامة الوزن بتحريك التنوين والاستغناء عن اللام.
الثاني: أن من العرب من يكسر الهمزة في الابتداء، وهمزة الجمع لا تكسر.
الثالث: أن العرب من يفتح الميم فتكون على وزن «أفعل» ولا يوجد ذلك في الجموع.
ومن الإخبار بـ «لك» عن اسم الله مقسما قول الشاعر:
2760 -
لك الله لا ألفي لعهدك ناسيا
…
فلا تك إلّا مثل ما أنا كائن (2)
ومثله:
2761 -
لقد حليتك العين أوّل نظرة
…
وأعطيت منّي يا ابن عمّ قبولا
أميرا على ما شئت منّي مسلّطا
…
فسل فلك الرّحمن تمنح سولا (3)
ومن الإخبار عنه بـ «على» قول الآخر:
2762 -
نهى الشّيب قلبي عن صبا وصبابة
…
ألا فعلى الله أوجد صابيا (4)
ومثال جعل النذر قسما مرفوعا بالابتداء قول الشاعر:
2763 -
عليّ إلى البيت المحرّم حجّة
…
أوافي بها نذرا ولم أنتعل نعلا
لقد منحت ليلى المودّة غيرنا
…
وإنّ لها منّا المودّة والبذلا (5)
انتهى كلامه رحمه الله تعالى (6). -
(1) من الطويل لنصيب - ديوانه (ص 94)، والدرر (2/ 44) برواية «لا وفريقهم
…
لا»، والكتاب (2/ 147، 273)، والمغني (ص 101) برواية «نشدتهم» ، والهمع (2/ 40).
(2)
البيت من الطويل وهو - بغير نسبة - كذلك في التذييل (7/ 141).
(3)
من الطويل لعمر بن أبي ربيعة - ديوانه (ص 356)، وفيه بيت يفصل بينهما أوله:«فأصبحت» وآخره: «ظليلا» ، وفي الأصل «يمنع» بدل «تمنح» .
(4)
من الطويل وانظره في التذييل (7/ 141) برواية «السيف» بدل «الشيب» .
(5)
البيتان من الطويل، وانظر الارتشاف (2/ 482) برواية «لها» بدل «بها» و «فيها» بدل «منا» والتذييل (7/ 141) والكافية الشافية (2/ 755).
(6)
انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 204).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو كلام حسن على عادته واف بالمقصود وليس فيه إلا تعرضه إلى الغض من الزمخشري وتجهيله إياه بكتاب سيبويه. وليس هذا من طريقة المصنف، فإنه بحمد الله تعالى مكفوف اللسان عمّن هو دون الزمخشري في الرتبة، فكيف بمن هو عالي الرتبة، ولكن كما قيل: الجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو.
والعجب أن ما قاله في حق الزمخشري من أنه لا يعرف من الكتاب إلا ما يعرف بتصفح وانتقاء، لا بتدبر واستقصاء قاله الشيخ أثير الدين في حقه إما بهذا اللفظ أو بمعناه أو ما يقرب منه حسبما تقف عليه في باب إعراب الفعل إن شاء الله تعالى.
وهذا يحقق قول القائل: كما تدين تدان (1).
فكأن المصنف جوزي بالوقوع في حقه عما وقع به في حق الزمخشري وقد ثلب الشيخ الرجلين كليهما هنا بعد أن اعتذر عن الزمخشري في ما عابه عليه المصنف فقال: وما رد به المصنف على الزمخشري غير صحيح (2)؛ لأن ذلك لا يدل على الجهل بالقائل بل الظاهر أنه لما كان عنده هذا القول ضعيفا تأدّب مع سيبويه فقال:
ومن الناس، ولم يصرح باسمه إعظاما له لما خالفه. قال: وأما قوله عنه: إنه لم يعرف من كتاب سيبويه إلا ما يعرف بتصفح وانتقاء لا بتدبر واستقصاء؛ فهو كما قال، ولذلك وقع في مفصّله أغلاط ومخالفة لسيبويه وقد رد الناس عليه ذلك لكن ما ذكره المصنف عن الزمخشري هو مشارك له فيه.
فكم مكان خالف فيه نصوص سيبويه عن العرب. وكم نقل جهله عنه، وكم مفهوم فهمه خلاف ما فهمه المعتنون بكتاب سيبويه والتفقه فيه على أنه رحمه الله تعالى لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد إنما كان يتصفح منه مواضع، قال: وقد رحل الزمخشري من خوارزم إلى مكة شرفها الله تعالى قبل العشرين وخمس المائة لقراءة كتاب سيبويه على رجل من أصحابنا أهل الأندلس يعرف بأبي بكر بن طلحة البابرتي كان مجاورا بها عالما بكتاب سيبويه وغيره، وله تصانيف فقرأ عليه الزمخشري جميع الكتاب وأما قوله: فما أوفر تبجحه، وأيسر ترجحه؛ فهو كما قال وافر التبجح يسير الترجح معظم نفسه على طريقة أمثاله من أهل بلاده. انتهى -
(1) من أمثال العرب على أن الجزاء من جنس العمل - مجمع الأمثال (2/ 91).
(2)
التذييل (7/ 137، 138).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلام الشيخ رحمه الله تعالى (1).
وقد رأيت ما أفهمه كلامه من الغض من هذين الرجلين الكبيرين اللّذين أجلّ الله تعالى قدرهما وأظهره ورفع ذكرهما ونشره بشهرة ما لهما من التصانيف والتوجه إليها والإكباب عليها.
ولا شك أن فضل الرجلين غير منكور ومحلهما في العلم الشريف ليس بمحجوب عن ذوي البصائر ولا مستور في تعب من يحسد الشمس نورها، ويجهد أن يأتي لها بضريب. وغالب ما يخالف فيه المصنف سيبويه إنما تخالف مع العلم بكلام سيبويه والاطلاع عليه؛ ولهذا يصرح تارة في المتن وتارة في الشرح فيقول خلافا لسيبويه.
ولعل ما ذكره الشيخ قد يكون في بعض المسائل، لا في الكثير كما أفهمه كلام الشيخ بقوله: فكم، وكم، وكم. ثم ما يذكره المصنف مما يخالف رأي سيبويه إن كان صحيحا فبها، وإن لم يكن صحيحا وقد جهل فيه كلام سيبويه؛ فليس ذلك بنقص؛ إذ كل مأخوذ من كلامه ومتروك إلا المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والرجل العالم لا يلزم في حقه أن يطلع على جميع المسائل. ومن شأن العالم أن يصيب ويخطئ، ومن حكمة الله تعالى وتفضله على عباده أن ينعم على الإنسان بأن يفهمه من العلم ما يفهمه، ثم يحجب عنه ما يجعله نصيبا لمن يأتي بعده؛ ليكون لكل أحد نصيب وحظ من التبصر، والإدراك، والفهم فيحصل الخير كلّه للناس كلّهم.
وأما كون المصنف لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد فهذا غاية المدح له والتعظيم بجانبه حيث خاض في المشكلات وأدرك الحقائق بنفسه ابتداء دون مسلك ولا موقف، وقد كان الشيخ يلمزه أيضا بأنه لا يعرف له شيخ أخذ عنه هذا الفن - أعني فن العربية - وهو عجب؛ فإن [4/ 47] ذلك يدل على علو رتبته، وسمو همته، وعلى قوة أتاها الله تعالى له، وأعانه كما قال هو في خطبة كتابه: وإذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية؛ فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين. -
(1) التذييل (7/ 138).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولقد صدق فإنه أبرز للناس تصانيف في هذا العلم لا عهد لهم بمثلها، وجلالة كتاب «التسهيل» ، وما اشتمل عليه
من الجمع والتنقيح والتحبير مع الإيجاز تشهد له بالتبريز، وقد كان الشيخ مكبّا على هذا الكتاب بعد أن كتبه بخطه، وشحن هوامشه بالأمثلة والشواهد، وكان عمدته، وغالب أوقاته ينظر فيه وطالما شاهدته وهو يخرجه من كمه حين يسأل عن مسألة فينظر فيه ويجيب وكان يقول: من عرف هذا الكتاب حقّ المعرفة لا يكون تحت أديم السّماء أحد أعلم منه بهذا الفنّ.
ثم إن الناس يذكرون أن الشيخ لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد أيضا ببلاد الغرب وأنه بعد قدومه إلى الديار المصرية قرأه على الشيخ بهاء الدين بن النحاس (1) مصححا ألفاظه ومحررا لها مع قصد الرواية، أما قراءة بحث وتدبر فلا. وأما قوله عن الزمخشري: إنه وافر التبجح كثير الترجح معظم نفسه؛ فالزمخشري في صوب آخر يضاد ما ذكره الشيخ عنه؛ ودليل ذلك أن الحافظ السلفي (2) رحمه الله كتب إليه يستجيزه، وسأله أن يكتب له مجموعاته في الفنون وتصانيفه ومشايخه الذين أخذ عنهم العلم الشريف إلى غير ذلك، وأكد عليه في الجواب وقال: كنت كتبت في العام الماضي أستدعي ذلك فلم يرد علي جواب يشفي الغليل. فكتب الزمخشري الجواب إلى السلفي رحمهما الله تعالى: ما مثلي مع أعلام العلماء إلا كمثل السها (3) مع مصابيح السماء، والجهام (4) الصفر الرهام (5) مع العوادي العامرة القيعان والآكام (6)، والسّكّيت (7) المخلف مع خيل السباق، والبغاث (8) مع الطير العتاق، وما التقليب بالعلامة إلا شبه الرقم مع العلاقة، والعلم مدينة أحد بابيها:
الدراية، والثاني: الرواية، وأنا في كلا البابين ذو بضاعة مزجاة، ظلّي فيها أقلص -
(1) أبو عبد الله محمد بهاء الدين بن إبراهيم الحلبي من مؤلفاته: التعليقة على المقرب لابن عصفور وهي محققة بكلية اللغة العربية بأسيوط وفي مخطوط بمكتبة الأزهر (4947)(رواق الأتراك) أمهات المؤمنين، وشرح ديوان امرئ القيس (ص 698) انظر الأعلام (6/ 187)، وغاية النهاية (2/ 46)، والنشأة (ص 276).
(2)
ينظر الأعلام (4/ 293) والنجوم الزاهرة (6/ 127) - (ت: 544 هـ).
(3)
كويكب صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم.
(4)
السحاب الذي لا ماء فيه.
(5)
جمع رهمة: المطر الضعيف الدائم.
(6)
ما ارتفع عما حوله ولا يبلغ حجرا.
(7)
آخر ما يجيء من الخيل في الحلبة.
(8)
كل طائر ليس من جوارح الطير، وفي المثل: إن البغاث بأرضنا يستنسر.